العدد 797 صدر بتاريخ 5ديسمبر2022
تُعد مجموعة مسرحيات (بزازين)، الكتاب البكر للكاتب المسرحي (جاسم المنصوري) من المجموعات المسرحية الثائرة والناقدة للواقع السياسي على وجه الخصوص، فعدد المسرحيات الاثنى عشرة تحتوي على النقد المباشر للسلطة وبطريقة رمزية واعية، فعملية ربط الهم الاجتماعي الذي هو نتيجة حتمية للإخفاق السياسي، كان العنصر المهيمن على هذا المنجز المسرحي .
فكاتبنا (المنصوري) يُحمّل السياسيين جميع المآسي المجتمعية التي يَئن منها الأفراد، ويكاد يكون هذا الخطاب عينه في جميع المسرحيات بل هو الثيمة الثابتة، فالمسرحيات تعددت لكنها حملت على عاتقتها مناقشة هم وسلبيات واضحة وواقعية، وقد تكون تلك الاختيارات من قبل الكاتب قصدية، فهو يُضمن رسالته النقدية تجاه فئة مقصرة في حق شعب .
اللغةُ التي استخدمت في هذه المجموعة كانت سلسة، وتحمل كثيراً من الذروات داخل النص الواحد، إلا أنّ الكاتب (جاسم المنصوري) وقع في فخ اللغة، أي أنه أستخدم اللغة العامية في اماكن معينة داخل النص فخلق مزيجاً بين اللغة العامية واللغة الفصحى، حيث أنّ بعض تلك المقاطع تجاوزت اكثر من نصف صفحة، وهنا لم يكن لاستخدام اللغة العامية مبرراً له في الكتابة، اي اننا لو استبدلنا تلك الجمل العامية بالفصحى، لم يتغير أي شيء، بل لكانت اجمل واكثر وقعاً لدى المتلقي، فلاستخدام اللغة العامية ضرورياتها الواضحة في المنجز الادبي، كأن تكون جملة قصيرة او كلمة لها وقعاً خاصاً لدى مجتمعٍ ما، ولا يمكن استبدالها بالفصيح فتكون ضرورة، اما استخدام جملة بل حوارات طويلة بالعامية داخل النص الفصيح فإنها تضعف من قيمة النص والمنجز المسرحي كما في النص المسرحي (انا الآخر)، لا سيما وان النص يحتوي على فلسفة واعية من قبل الكاتب وهناك تعددية رمزية مهمة ورسائل وعلامات تفصح على الهدف المضمر داخل النص، وهنا لا بد ان اشير الى ان التعددية الرمزية اضافت الحيوية الواضحة الى مجموعة مسرحيات ( بزازين ) لان ( المنصوري ) اجاد التحكم بها وابرز جمالياتها .
ان الكاتب استخدم مفردة ( اثول ) في اكثر من نص في هذه المجموعة وكان من الممكن استخدامها لمرة واحدة في احد هذه النصوص، اما تكرارها في اكثر من مرة تشعر القارئ بنوع من الاستسهال في تناول النص المسرحي .
( الغربة، الحرب، الموت، الفقر، الفساد، الخوف من المجهول، الوطن المفقود، الخيانة، السجن، طهر، الشرف، التسول، الظلم، تكميم الافواه، السرقة ) جمع تلك المحاور التي تم نقاشها بصورة رمزية وجاء وجودها كأداة تحريض للجمهور، اذ تعمد المؤلف ان يشاكسه ما بين الاسطر ففي مسرحية (بزازين) يقول في أحد الحوارات (لا حياة لمن يسمعنا) وفي مسرحية ( قبل الآن بساعة ) تقول المرأة الأولى ( وانتم ايضاً تعالوا معنا لنزيل بقايا التراب من على صوركم المعلقة على جدار الذكريات ) وايضاً في مسرحية (حارس مونودراما) الحارس (للجمهور) ( اظنكم غير مستعجلين .. ؟ ) وهنا اشارة تحريضية استفزازية للجمهور من اجل التحرك والانتقال من مساحته الفكرية التي يتبناها الى مساحة اخرى مغايرة في تعاطيه للواقع وعلى كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ... الخ، كما اتت تلك الاستفزازات لدعوة المتلقي الى مراجعة نفسه وضرورة اتخاذ قرارات من اجل تغيير الواقع وما يحمله من مساوئ ووضع حدٍّ لمعاناته، وذلك لا يتم الا بالتفكير في ما ورائية الاشياء والبحث بالنتائج الحالية والمسبب لها .
ان تلك المحاور هي نتائج ملموسة يعيشها المجتمع العراقي على وجه الخصوص، فهي اساس الهم الجمعي، واتفق عليه الدارسون للشأن العراقي والعربي بانها المسبب الأساس في تردي وتراجع مستوى الحياة مقارنة مع الدول المجاورة، وعند نقاشها بتلك الصورة المسرحية فهو دليل على ان هناك حاجة ماسة للتغيير، وان هناك سيل من الهموم التي المت بمجتمعنا، وهناك اسباب لتلك الهموم لا بد من اتخاذ قرار جمعي في تغيير الحال، فالصرخة المسرحية هي الاقوى كونها الاكثر اقناعاً وتأثيراً من باقي الاجناس الادبية والفنية، لأنها مليئة بالأفعال السمعية والمرئية الحية وبالتالي تكون الاكثر تقبلاً على المستوى الآني .
كما اننا نرى مبالغة في وصف بيئة العرض فكان من الممكن ان يعطي المؤلف خطوط عريضة وملاحظات بسيطة فقط في وصف البيئة، لان المخرج بحسه ورؤيته هو المسؤول عن خلق تلك البيئة بل يحق له التصرف بها والتغيير ايضاً بحسب الاتفاق مع المؤلف طبعاً .
أن مجموعة النصوص المسرحية ( بزازين) هي محاولة جادة للنقد وتغيير توجهات المجتمع من خلال الكشف والتعرية للمستور ( المفضوح ) والذي يحاول البعض استحمارنا من خلاله عبر بث شعارات فارغة، لا تمت للحقيقة والمصلحة العامة بصلة ..