بين الدراسة النظرية والواقع العملي نقاد المسرح مشكلة «بلا ضفاف»

بين الدراسة النظرية والواقع العملي  نقاد المسرح مشكلة «بلا ضفاف»

العدد 792 صدر بتاريخ 31أكتوبر2022

من أهم شروط التقديم لأقسام الدراسات المسرحية في المعاهد والكليات المتخصصة اجتياز المقابلة الشخصية؛ لقياس مدى موهبة المتقدمين في فنون المسرح حيث تعتبر الموهبة وكيفية إبرازها عاملين أساسيين ليتم القبول بأقسام الدراسات المسرحية، والتي تتضمن المواد التخصصية مثل تاريخ المسرح، وتحليل النصوص المسرحية، والتمثيل والإخراج، والديكور، والنقد المسرحي، إلى جانب مواد أخرى مصاحبة للدراسة، وفي قسم النقد يتخرج الطلاب بأعداد تتزايد عام تلو الآخر وفي هذا الصدد أجرت مسرحنا تحقيقا حول دارسي وخريجي أقسام النقد، للوقوف على إجابة على أسئلة غالبا ما تثار في الآونة الأخيرة وهي : ما الهدف من دراسة النقد؟ وما المعوقات التي تواجه خريجي أقسام النقد في المعاهد والكليات المتخصصة؟ وما الذي يحتاجه خريجي أقسام النقد ليكون لهم  دور حقيقي؟ وهل يطمحون في ممارسة دور مسرحي مؤثر خاصة فى النقد و البحث و التحليل؟ أم أن الأهداف عند بعضهم بعيدة عن الحركة النقدية ودورها؟ وهل مؤسسات المسرح المختلفة تضع هؤلاء النقاد عين الاعتبار؟
واخيرا، أين الناقد المسرحي من الحركة المسرحية عموما؟ وما الدور المنوط به الناقد الحقيقي؟
قال دكتور مصطفى سليم «رئيس قسم الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية»: إن التفكير النقدي خاصية من خصائص التفكير العلمي عامة فكل باحث وعالم في مجاله لا يصل للقمة إلا حين يمتلك مهارة النقد سواء في العلوم النظرية أو التطبيقية بالإضافة للعلوم الإنسانية التي لا يمكن الوصول فيها للحقائق اليقينية الدامغة ولا تخضع للحسابات والأرقام لأنها نسبية أكثر من غيرها، فإنها بطبيعتها نقدية وذاتية إلى حد بعيد، تتحول عملية النقد فيها لمهنة نظرا لتعدد زوايا النظر إليها والاختلاف حول معاييرها ومتغيراتها. أضاف: والاشتغال بالنقد في الفنون عمل معقد جدا لاستحالة الوصول بأهدافه للموضوعية الكاملة فتظل القراءة النقدية في النهاية مرتبطة بذات الكاتب ومنهجه. يقولون الفن وجهة نظر وهذا يجعله عالما لا ضفاف له فلا توجد بصمة تعادل مثيلاتها وتساويها ولا يوجد خلطة أو إجراءات ثابتة ونهائية.
من هنا اكتسب النقد أهميته في مجالات الإبداع الفني لأنه يكشف للمتلقي مسارات جديدة للقراءة والتقييم ويجعل موقفه أكثر وضوحا ثم أنه يصبح مرجعية لدراسات الجدوى بالنسبة للمشروعات الفنية وأيضا يساعد صانع القرار كما يجعل المبدع قادرا على إعادة اكتشاف ذاته وتحديد مساراته المستقبلية كل هذا عبر وصف وتحليل وتقييم مطول لكافة تفاصيل العمل الفني. واعتقد أن فتح أقسام الدراما والنقد في عدد كبير من كليات الآداب والتربية النوعية لم يكن عملا مدروسا بل أضر بمهنة النقد المسرحي التي تأسست في معهد الفنون المسرحية لأن الناقد الذي تخرج ملتصقا بخشبة المسرح وورشة الديكور واستوديو الصوت ويتعامل مع كل المراحل التطبيقية، ناقد تطبيقي قادر على الوصول لدرجة الاحتراف في نقد عناصر الصورة والصوت والأداء والوعي بمراحل الانتاج، أما من تخرجوا من الكليات الأخرى فأغلبهم يرتبطون بتحليل النصوص والبحوث وأذكر أن طلاب قسم النقد في فنون مسرحية كانوا ولا يزالوا أهم مخرجين منفذين ومساعدين وإدارة مسرحية وإدارة دور عرض في مصر لأنهم درسوا خشبة المسرح وفنياته وسياسات الإنتاج . ختم بقوله: الناقد مرشد عظيم لوضع استراتيجية للإنتاج المسرحي وهذا ما لا تفطن له دوائر صناع القرار وللأسف معظم من يكتبون نقدا مسرحيا لم يدرسوا مناهج النقد ومعظم من درسوا النقد على أصوله اختاروا مهنا أخرى .

محمد شيحة
فيما أوضح دكتور محمد شيحة «أستاذ  بقسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون أن»: النقد في اللغة له معاني عدة تكاد تتقارب وتتجمع حول معنى الفحص والتمييز والحكم، والمعنى الاصطلاحي للنقد ليس بعيدا عن تلك المعاني فهو دراسة للمصنفات الأدبية والفنية وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها ثم الحكم عليها وبيان قيمتها، والاعتماد على المفهوم الانطباعي للنقد يجعل الناقد ينظر إلى العمل الفني من وجهه نظر شخصية بحته خاضعه لأهوائه الذاتية وميوله الفكرية بصرف النظر عن القيمة الموضوعية للعمل في حد ذاته، وبذلك يعبر الناقد عن نفسه من خلال تفسيره للعمل الفني وبدلا من أن يكون تحليله مركزا أساسا على العمل، يركز كل اهتمامه على ذاته التي تقف في هذه الحالة حاجزا بين العمل الفني والمتذوق.
 وأضاف: إن النقد الفني والأدبي يشمل نقد الشعر والرواية والنقد المسرحي والنقد التشكيلي والسينمائي، وفيما يتعلق بالنقد المسرحي التطبيقي الذي يدرسه طالب قسم الدراما والنقد في المعهد العالي للفنون المسرحية بجانب دراسته لتاريخ ونظريات النقد على امتداد العصور هذا النقد التطبيقي يتطلب ربط الطالب بالحياة المسرحية بصفة عامة وبنظرية العرض المسرحي بصفة خاصة، بالإضافة إلى متابعه الكتابات النقدية التي تتناول العروض بالتحليل والتقييم، ويجب على هذا الطالب الالتفات اليقظ للمواد الأخرى التي يدرسها والتي تعينه على تنمية معلومات تذوق الموسيقى وتذوق الفن التشكيلي ونظريات التمثيل وأسس الإخراج، وذلك لمنحه القدرة على استخدام المصطلح المناسب والصحيح عند مناقشته لأي عرض مسرحي وتناوله بالحديث عن كل العناصر المرئية والمسموعة في العرض، كما أنه يدرس كيفية كتابة الخبر وتحرير المقال عن طريق دراسته لمادة التحرير الصحفي، ولا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه المعوقات التي تواجه الدارس المتخصص في هذا المجال ففرص عمل دارسي النقد والدراما لا تقتصر على المتابعات النقدية والصحفية للمسرح والعروض المسرحية حال عمل في الصحافة الفنية أو في حالة الكتابة في إحدى المجلات المتخصصة، فيمكن أن يعمل في مجال الإعداد أو الكتابة فهو دارس حرفية الكتابة في الوسائط المختلفة، أو حتى العمل الإداري في البيت الفني للمسرح أو عن طريق تعيينه بأحد المكاتب الفنية لمسارح البيت الفني أو غيرها من المسارح، والمشكلة هي توافر مثل هذه الفرص في سوق العمل، كما أن الكثير من قسم الدراما والنقد يعملون في شركات الإنتاج التلفزيوني في أكثر من عمل.  وأنهى حديثه قائلا: أن للناقد دور هام ومؤثر في الحياة المسرحية، ولكن سوق العمل وقله الفرص المتاحة هي التي تؤثر على مدى تحقيق هؤلاء الدارسين وغيرهم في المجالات الأخرى لذواتهم وطموحاتهم.

حسام ابو العلا 
فيما علق دكتور حسام أبو العلا «أستاذ الدراما في المعهد العالي للسينما، بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية،  قسم النقد» قائلا: النقد عنصر أساسي من عناصر العمل الفني أو المسرحي، مثله مثل عنصر الإخراج أو التمثيل أو الديكور، فهو عنصر مكمل للعمل الفني، واي عمل فني لا يتم تقييمه وعرضه على الجمهور والنقاد، يعتبر عملا ناقصا أو لم يحدث، والهدف من دراسة النقد في الأساس أنه يساعد على تطوير الفن، لأن عملية التقييم والنقد تساعد على اكتشاف مناطق القوة والضعف في العمل الفني، فأرسطو عندما وضع نظريات المسرح الأولى في العصر اليوناني ساعدنا بعد ذلك في تطوير هذا الفن، لأنه لولا تقييم وتفسير أرسطو لظاهرة المسرح لم يكن لنا أن نعرف هذا الفن. أضاف:  دراسة النقد لها دور جوهري في توثيق وتطوير العمل الفني. فالناقد يضع المصطلحات والنظريات التي تساعد على فهمه،  فالدراسة المتخصصة في النقد هي من تجعلنا كجمهور  نكتشف مستويات مختلفة من الإدراك والفهم. و هو ما يرفع من الذوق العام للجمهور.
تابع : مؤسسات المسرح لم تقم بدورها مع النقاد ولم تضعهم في الاعتبار مثلهم مثل باقي عناصر العمل الفني، بالتالي لا توجد رؤية واضحة لخريجي أقسام النقد، فكل منهم يجتهد بشكل فردي ليجد له مكانا على الخريطة الفنية اما بالعمل في الصحافة أو العمل بالمسارح، أو العمل بأحد المراكز المتخصصة كالمركز القومي للمسرح، 
فلا توجد رؤية لاستثمار هذه العقول واستيعابها مالا يساعد على النهوض بالحركة الفنية بشكل عام والحركة المسرحية بشكل خاص، وهذا الخريج يجتهد ليجد له مكانا ما يجعله في حالة تشتت وغير متفرغ للبحث. إن العلاقة بين الناقد والحركة المسرحية شرطية، إذا وُجد المسرح وُجد النقد، وبسبب ضعف الإنتاج المسرحي يغيب الدور النقدي، ويزدهر عندما يكون هناك ازدهار للحركة المسرحية، ففي مسرح الستينات كانت الحركة النقدية مزدهرة جدا حيث كان هناك إنتاج مسرحي غزير .

دعاء عامر 
وأكدت دكتورة دعاء عامر «أستاذ الدراما والنقد ورئيس قسم علوم المسرح بكليه الآداب جامعه حلوان»  على أن دراسة النقد عنصر أساسي في العملية الإبداعية، ودور الناقد  لا يقل أهمية عن دور المبدع، تابعت : لذلك أقسام الفنون والآداب لابد وان تدرس مناهج وأسس ونظريات وتاريخ النقد كمحور من المحاور العلمية بها.
واشارت عامر إلى أن المعوقات التي تواجه خريجي أقسام النقد في مصر هي  قلة فرص التدريب في الصحف والمجلات النقدية المتخصصة، وعدم وجود فرص عمل كافيه في مجال النقد أو ندرة الدورات المتخصصة  للارتقاء بقدرات ومعارف شباب النقاد، حيث يحتاج خريجي النقد إلى بذل المزيد من الجهد لتطوير قدرتهم وثقافاتهم الفنية والمعرفية عبر القراءة والاطلاع المتواصل وحضور الكثير من الفاعليات الفنية والثقافية، وتقديم انفسهم إلى القائمين على أمر المجلات النقدية،  وأوضحت أن مؤسسات المسرح تضع الناقد في اعتبارها دائما عند تنظيم المهرجان أو الفعاليات المسرحية، فيما تمنت عامر أن تقدم هذه المؤسسات مزيدا من الدعم والاهتمام لشباب النقاد عبر إشراكهم في جانب من الندوات النقدية أو افتتاح المجال للمتميزين لكتابة الدراسات النقدية  ونشرها في مجلات المسرح، وذلك للمساهمة في إلقاء الضوء على مواهب نقدية جديدة. واستكملت عامر: من اكثر الأمور التي تحزنني أن أجد جميع القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة لا تستعين إلا بناقد واحد، وهو ما يشعرنا بالإحباط الشديد، فعلى المؤسسات المسرحية في مصر أن تعطي مزيدا من الفرص للأجيال الجديدة من النقاد والمسرحيين .
وأكدت عامر أن الناقد المسرحي حاضر ومَعنِي بالحركة المسرحية كذلك نحرص بصحبه بعض الأساتذة على حضور كل ما هو جديد ومتميز على خشبات المسارح المصرية، واذكر هنا على سبيل المثال للحصر عرض مسرحيه الزيارة على المسرح الكبير بدار الأوبرا إخراج الفنان الكبير محمد صبحي وبطوله العظيمة سناء جميل وجميل راتب وكان يحضر معنا أستاذ مادة النقد التطبيقي دكتور عامر علي عامر مما يدل على الحرص الشديد من قبل الأقسام المتخصصة على تربيه الحس النقدي والارتقاء بأدوات طلاب النقد. فدور الناقد لا يقل أهمية عن دور المعلم في أي مجتمع فهو يفسر ويوضح ويحلل قبل أن يقيم أو يصدر أحكاما وعلى الناقد أن يثقف نفسه وينفتح على كل التيارات والأساليب الفنية، ويطور أدواته ومهاراته على الدوام، وهو ما يتطلب الكثير من الجهد والعمل والمثابرة.

أحمد مجدي
وقال دكتور أحمد مجدي «ناقد ومدرس مساعد بقسم الدراما والنقد المسرحي جامعة - عين شمس»: دراسة النقد الفني، هدف في حد ذاته لبعض الطلاب، وذلك لأنه من أمتع المجالات البحثية والدراسية، فمعظم طلاب قسم المسرح على وجه التحديد، تقدموا لدراسة النقد بمحض إرادتهم، وليس بدافع الحصول على شهادة جامعية فقط، ومن ثم فإن دراسة المسرح بالنسبة للبعض تعد ضرورة مُلحة، ومجالًا خصبًا للتعبير عن آرائهم الإبداعية والفنية، دون التقيد بكتب جامعية ملزمة أو قوالب نمطية ثابتة، وإنما تعتمد الدراسة على إطلاق العنان للجزء الابداعي للطلاب، وهو ما يحقق لهم المتعة. أما لو تحدثنا عن الأهداف المنشودة لأقسام المسرح لدراسة الطلاب للنقد، فسوف أستعير بعض الأهداف التي قمنا بصياغتها في رسالة وأهداف قسم الدراما والنقد المسرحي بجامعة عين شمس، وأهمها أن القسم يهدف إلى تنمية قدرات الطلاب الفكرية والنقدية والتحليلية  التي تُمكنهم من فك شفرات العمل الفني، ورؤية جمالياته المختلفة بشكل منهجي ومتخصص، ليكونوا حلقة الوصل المحورية بين العمل الفني والجمهور.
وأوضح مجدي : أهم المعوقات التي تقابل خريج قسم الدراما هو عدم حصول البعض على كارنيهات نقابة المهن التمثيلية شعبة النقد، ويتطلب أمر الحصول عليه عمل خطوات قانونية كثيرة وانتظار وقت طويل، بالإضافة إلى عدم وجود عدد كافي من الصحف المتخصصة في النقد وخاصة المسرحي في سوق العمل، أبرز الصحف الموجودة التي تحاول سد هذا الفراغ في مصر؛ جريدة مسرحنا ومجلة المسرح، حيث يقدمان فرصًا حقيقية للخريجين والنقاد الجدد للنشر، وطبعا النشرات الخاصة بالمهرجانات كل عام، واستخدام بعض النقاد منصات التواصل الاجتماعي، لنشر نقدهم وآرائهم في فضاءاته الافتراضية، ولكن تظل الحصيلة غير كافية بعد لاستيعاب العدد الكبير من الخريجين، الذين قد يصل عددهم  للمئات كل عام من أقسام المسرح المختلفة، ولذلك نأمل في زيادة عدد الصحف المتخصصة في المسرح. أضاف: بالطبع هناك من يطمحون في ممارسة الدور النقدي، ولكنهم قلة، فعملية النقد تحتاج إلى الاستمرار، والسعي الدائم، ومطالعة الكتب والمقالات، والإلمام بلغات أخرى، ومتابعة العروض والأحداث المسرحية بشكل دائم بدون كلل، والقبول أحيانا بأجور رمزية بسيطة نظير الجهود النقدية، فعمل الناقد في كثير من الأحيان لا يُقدر على المستوى المادي بالشكل الكافي، وهو ما يجعله يعمل في وظائف أخرى، أو يترك المجال النقدي برمته، ومن ثم نتمنى أن يتم تدعيم مهنة النقد أكثر من ذلك، بوصفها ركيزة من ركائز عمليات الإبداع الفني. لذا ننتظر من مؤسسات المسرح والمهرجانات دعم الأقلام النقدية بشكل أكبر، وذلك بتوفير عدد وافر من المجلات والنشرات المتخصصة، وإسناد أدوار محورية فيها لشباب النقاد، بالإضافة إلى زيادة عدد المسابقات البحثية في مجال المسرح بالمهرجانات المتخصصة، وتخصيص جوائز قيمة لها، مثل جوائز الإخراج والتمثيل وخلافه، وذلك تشجيعيا للنقاد الجدد، وللارتقاء من مستوى النقد في مصر.   
وأضاف مجدي: تكمن مشكلة النقد في الفجوة بين الشق الأكاديمي والشق العملي، فهناك بعض النقاد يمارسون أدوارهم في قاعات الدرس الجامعي فقط وفي الأقسام المتخصصة، بينما يعكف الآخرون على ممارسة دورهم النقدي في سوق العمل نفسه. الناقد عندما يجمع بين الشق الأكاديمي والعملي يساهم بقوة في تطوير الحركة المسرحية على جميع الأصعدة، إن دور الناقد الحقيقي هو المساهمة في تطوير العملية الإبداعية، واستحداث طرق وزوايا جديدة لرؤية العمل الفني، وذلك من شأنه أن يرتقي بالحركة المسرحية، فهو مثل المخرج أو الفنان الذي يحاول تقديم رؤيته، ولكنه يستخدم قلمه.  ويساهم بنقده في تطوير الفن، وهو الدور المنوط بالناقد .

عمر فرج
فيما قال الدكتور عمر فرج «أستاذ الدراما والنقد ورئيس قسم المسرح والدراما بكلية الآداب جامعة بني سويف»:
إن دراسة النقد أو النقد في أي مكان مثل وضع أساسيات لكل علم، فالناقد هو من يصحح ويرشد إلى المسار الصحيح سواء للكاتب أو الفنان أو غيرهم، فهناك قواعد وهذه القواعد يدرسها النقاد بشكل منظم، وهذه الأساسيات والأصول هي المعيار الصحيح لهذه المهنة، أما العملي فهو الإبداع في الحياة العملية وفيها. أما إذا لم توجد حركة نقدية سنشاهد كل ما هو غث وليس ثمينا، فالناقد كالمعارض السياسي لا تستقيم الديموقراطية إلا بوجود معارضة تصحح الأخطاء، والفنان الجيد والمتزن يراعي تلك الأصول ويلتزم بها لوجود عين ناقدة عليه.
وأوضح فرج: غالبا لا يبدع الناقد، فعملية الإبداع ليست مهمته وقد يتحول الناقد إلى مبدع ويكون لديه حس الإبداع، ولكن الناقد هو من يدرس القواعد والأساسيات ولديه رؤية وفكر يستطيع أن يقوم العمل الرديء ويضعه في المسار الصحيح . وأوضح أن اهتمام الدولة بالحركة الثقافية والفنية والأدبية يؤدي إلى انتعاش الحركة النقدية، حيث لا نقد الا بوجود عمل فني، وعلى الرغم من تلاشي الصحافة الورقية توجد الصحافة المرئية والتلفزيون وعلينا استضافة النقاد، فهناك بعض البرامج التي تهتم بذلك ولكننا في حاجة إلى المزيد، ومن أهم العقبات التي تواجه الخريجين أن نقابة المهن التمثيلية حاليا لا تقبل خريجي الآداب مع اشتراط ممارسة المهنة لمدة سنة ع الأقل بعد التخرج، وللأسف الشديد مؤسسات المسرح أصبحت لا تلتفت لنقاد المسرح، كما أدى عدم اهتمام الدولة بالنقاد وتواري الحركة المسرحية والفنية  بشكل كبير وتدهورها إلى تدهور النقد، بالإضافة إلى أن الدولة لا تهتم بتعيين هؤلاء أو خلق فرص عمل خاصة بهم، وبالتالي تقل طموحاتهم و يبحثون عن عمل آخر..

أميرة الشوادفي
فيما قالت الناقدة الدكتورة أميرة الشوادفي: النقد عملية تحليل وتفسير وتقييم الاعمال الأدبية والفنية، حيث يقوم الناقد بتفكيك العمل الفني إلى عناصره الأولية ومعرفة طريقة تنظيم الأجزاء مع بعضها البعض في ضوء أدوات ومناهج النقد ومعادلاته الخاصة؛ لإظهار مواطن الجمال في العمل الفني بشكل عام وتقييمها بشكل موضوعي لإظهار السلبيات والإيجابيات التي يتضمنها العمل الفني، وتنمي الدراسات النظرية والعلمية التي تقدمها أكاديمية الفنون وخاصة المعهد  العالي للنقد الفني لدي الدارسين الأسلوب النقدي القائم على الربط بين المدارس والتيارات والمصادر والأصول النقدية والفنية، وتحديد خصائص كل اتجاه ومقارنة ذلك بالواقع أو بالفلسفات المعاصرة وكذلك إيضاح العمل الفني ليفهمه الاخرين. تابعت: ولكن تلك الدراسة ليست كافية لقيام الناقد بدوره فلابد أن يكون لدى الناقد وعى وثقافة موازية واثر تراكمي من التجارب والممارسة العملية للنقد ليصبح قادرا ومؤثرا في سد الفجوة بين المتلقي والفنان. واستكملت الشوادفي: لابد أن تستعين المؤسسات المسرحية بالنقاد لمعاينة ومتابعة العمل المسرحي ابتداء من القراءة الأولى للنص مرورا بالتدريبات المسرحية لدراسة الخط البياني لتطور عمل المخرج والممثلين، وهذا يؤدى إلى تعميق معرفة العاملين في المسرحية والاحتراف في تكوين رابطة سليمة بين الجمهور والممثلين وبحيادية تامة؛  حتى لا نصل إلى ما كان يحدث من ظلم لبعض الأعمال المسرحية الجيدة والقيمة أو العكس، حيث نجد بعض النقاد يشيدون بعرض مسرحي لا يستحق ذلك وبكتابات نقدية خارجة عن مفهوم الاحتراف وليس لها علاقة بالمفاهيم العلمية للنقد المسرحي وشروطه الفكرية،حيث  السرد الطائل فى موضوع وحبكة عرض ما دون إظهار الجماليات الفنية أو المنهجية النقدية والرؤية الإخراجية، وتعد تلك السطحية سمة سائدة في بعض الصحف والمجلات المتخصصة،ولتطوير الحركة النقدية المسرحية والذائقة الاجتماعية والثقافية والفنية للجمهور يحتاج ذلك إلى دراسة الواقع المسرحي العربي والمصري، سلبياته وإيجابياته، وزيادة عدد النقاد المهنيين المحترفين، ممن لهم علاقة بالعمل الفني والأكاديمي وعلى دراسة بعلم النقد المسرحي وتأثيره الإيجابي على الجمهور والحركة المسرحية .

وجيه جرجس
فيما قدم د. وجيه جرجس «رئيس قسم المسرح التربوي كلية التربية النوعية جامعه بنها» اختصارا  لتعريف النقد الفني قائلا: هو فنُّ تمييز الجيِّد من الرديء، والصحيح من الفاسد،  فالناقد يقوم باستخلاص النقاط الإيجابية والسلبية في ما ينقد، وتتلخص المراحل التي يمر بها الناقد المحترف من أجل نقد أي عمل في خمسة مراحل وهي :القراءة والمشاهدة والتحليل والتصنيف والتفسير والتقييم..  والناقد ملزم بمعرفة عناصر العمل الفني الذي هو بصدد نقده، فعليه الإحاطة بجميع تلك العناصر من اجل أن يحسن استخدام تلك المراحل، تحليلها وربطها ببعضها واستبيان مدى قدرة الكاتب أو المخرج على توظيفها داخل سباقه الفني، وتتجلى أهمية النقد  في الارتقاء بالأعمال الأدبية والفنية، إذ أن عين الناقد قادرة على تمييز الجوانب القوية و الضعيفة في أي عمل كان و هذا بالطبع يصب في مصلحة المخرجين و الكتاب لكي يتجنبوا نقاط الضعف و يطوروا نقاط القوة في أعمالهم المستقبلية، والوظيفة الثانية التي يخدمها النقد هي شرح و تفسير أي غموض في النص الأدبي أو العرض، إذ أن الناقد بخبرته يسهل عليه النظر مباشرة للمعنى أو الفكرة العامة لأي عمل واستنادا لذلك يستطيع تفسير أي غموض قد يصادف القارئ العادي أو المشاهد.  
وأوضح جرجس: على الناقد أن يكون  ذو ثقافة شاملة، وتجربة كاملة، وضمير نقدي بالإضافة إلى الخبرة والممارسة والموضوعية والحيادية حيث يتحرى العدل في أحكامه، ويبتعد عن التأثر بالهوى، ويحاول قدر الطاقة أن يبرأ من الغرض فلا يجامل الأصدقاء  وأن لا يتأثر الناقد بالأحكام النقدية التي تسود بيئة النقاد، فلا يقلدهم فيها ما لم يؤمن بها ويعتقد سلامتها، ذلك لأن النظرة المتحررة هي التي يجب أن يتحلى بها الناقد.
وأشار جرجس إلى بعض معوقات النقد المسرحي قائلا:  انحسر لفترات طويلة داخل المجالس العلمية الأكاديمية المتسربلة بعباءة  المناهج التعليمية النقدية المنغلقة على نفسها وفي المقابل تزايدت ظاهرة الصحافة الفنية الانطباعية التى تخضع العلاقات الشخصية، ومساحة التغطية الإعلامية أي الرصد الصحفي لتلك الأعمال الفنية،  بمعنى الآراء الانطباعية التي لا تستند لمنهج نقدي محدد،  إغفال تحليل بعض العناصر الفنية والتركيز على عناصر فنية أخرى، أي انطباعات سريعة لا تعتمد على دراسة متأنية لعناصر العرض المسرحى، أو قدح العمل المسرحي لأسباب شخصية لا تمت للموضوعية بصله، للأسف الشديد هي علاقة ملتبسة ومشتبكة  بين الناقد المسرحي ومبدعي العمل الفني،  ليست علاقة تكاملية بل  أغلبها صراعات وإقصاء لدور كل منهما وتأثيره على الآخر، ثم نقص التمويل المالي للمجلات والدوريات الأكاديمية والمتخصصة. ومن أهم مشاكل النقد المسرحي أن عدد موظفي الجهات الحكومية أكثر من عدد النقاد المسرحيين، وليست لديهم قناعة كاملة بتأثير الفن، ويتعاملون معه كمحرر صحفي. واستكمل مستنكرا: لا يوجد حاليًا نقد مسرحي مثلما حدث في فترة الستينيات والسبعينيات، والحراك حاليًا غير مواكب للمسار المسرحي، سواء على مستوى النصوص أو المسارح إلا في بعض الكتابات النقدية، أساتذة الدراما، قليل منهم من يتابع أو يكتب النقد، هناك محاولات شخصية، لكن لا تشكل قوام حركة نقدية.
وأشار إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن في علاقة الناس الآن بالمسرح، حيث شبكات التواصل الاجتماعي جذبت واهتمام الناس إليها، وتركت المسرح يعاني ضعف الإقبال وقلة الجمهور، وهو ما يشعر الناس بأن ثمة أزمة، وكذلك عزوف الحكومات  عن دعم المسرح، طالما أنه يتناول قضايا تعدّها خطيرة، وهنا نأتي إلى النقطة المهمة وهي أن المسرح لا يمكن أن ينتعش إلا في ظل الديمقراطية وتوافر حرية التعبير . .
تابع: إن مشكلة الناقد المسرحي بالدرجة الأولى هي مشكلة سوء إدارة، وانعدام التمويل المالي وهيمنة الشللية، وانعدام الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة  الثقافية لما ينبغي عمله، فقد آن الأوان للتفكير جديًّا في تأهيل النقاد المسرحيين للاطلاع بدورهم الرئيس والفعال، من خلال التكوين والدعم، وإعطاء أولوية مطلقة لمسرح المدرسة والجامعي، بالإضافة إلى توثيق التعاون  بين وزارة الثقافة والمؤسسات الاجتماعية والدينية وشركات الخدمات الإعلامية في الدولة، أو مع الهيئة العربية للمسرح والتنسيق مع الأكاديميات .


سامية سيد