الجيد هو الاستثناء

الجيد هو الاستثناء

العدد 716 صدر بتاريخ 17مايو2021

ككل عام، يشهد شهر رمضان المعظم منافسة قوية بين مجموعة من الأعمال الدرامية التى تنوعت موضوعاتها ما بين الإنسانية والأجتماعيه والسياسية والكوميدية ومنها «الإختيار2»، «لعبه نيوتن»، «نجيب زاهى زركش»، «ملوك الجدعنه»، «خلى بالك من زيزى»، «ولاد ناس» وغيرها، وإختلفت الآراء وبالأخص فيما يخص الكتابة الدراميه التى تعد من اهم العناصر، فكان هناك بعض المآخد عليها، منها إعادة صياغه لغه الشارع وتمرير بعض العادات السيئة للمتفرج، كذلك كان هناك غياب واضح للاعمال الكوميدية والدينيةن علاوة على سيطرة ورش الكتابة على الكثير من الأعمال الدراميه التى قد تسبب فى بعض الاحيان خللا دراميا .. من هنا و كما تعودنا كل عام نرصد خلال هذه المساحة مجموعة من الأراء المتخصصة حول الأعمال الرمضانية، لتقييم مستوى الدراما المصرية ومالها وما عليها

قال الناقد دكتور محمود سعيد «تختلف الكتابه للدراما التلفزيونية عن أي نوع آخر من الكتابة، وذلك لأنها غير كاملة الصنع، دوما في حاجه لوسيط آخر لنقلها الي المشاهد، لذا نحن أمام إشكاليه وشروط يجب توافرها، أقلها ان الجمهور يدفع ثمنا وينتظر بالتالي تجربه انفعاليه مشبعة، ويأتي المخرج ليحول فعل الكتابه الي واقع ملموس في عملية تشكيل جديده، النص المكتوب يمثل جزءا واحدا فقط من سلسله اجزاء:تمثيل وإخراج الخ .. لكن نعود لاهميه النص المكتوب اولا، وتطبيقا علي دراما رمضان 2021 بشكل عام، فنحن أمام خليط درامي غريب، أعمال تتوسل الي الجديه والقوه، واعمال اخري تتخذ من الانحطاط اللغوي سبيلا لها وكأن المجتمع كله تحول الي عصابات مسلحة، وشباب مستهتر في جرعه من الحوار البذيء، لن اقول الجري، فالفارق بينهما شاسع، و الحوار البذيء اصبح ماركه مسجله في معظم الأعمال، و الكتابه تحتاج الي كتابه،
هناك أصول وقواعد غير مرعية منها الاستخدام الغير سليم للهجات سواء للصعيد أو لوجه بحري، وتلك سقطه شرسه كفيله بأن تدخل المتلقي بوتقة عدم التصديق، و الأماكن ايضا تشعر انها غير حقيقيه .
وختم بقوله :» ياساده ياكرام مازال العديد من الكتاب الكبار سنا وموهبه علي قيد الحياه، ولكن للأسف يبدو أن السوق التجاري استخرج لهم شهادات وفاه .

لغة الشارع
و قال الناقد محمد النجار : أصبح رمضان فرصة ذهبية لانطلاق نجوم في التمثيل والتأليف والإخراج نظرا للقاعدة الجماهيرية الكبيرة التي تلتف حول الدراما ( الرمضانية ) ان صح التعبير والمصطلح،
اما في هذا الموسم الرمضاني/ الدرامي فالموضوع مختلف، فأولي الملاحظات وأهمها اختفاء المسلسلات الدينية التي طالما كانت وجبة درامية شديدة الروحانية في الشهر الفضيل لاحتواءها علي خطاب درامي وسطي عظيم التأثيرن كذلك هناك ملاحظة مرعبة و هي إعادة صياغة لغة الشارع وعشوائيته وتأكيد وجوده وفرضه على الذاكرة الانفعالية للمتفرج، مع تمرير عادات السب واللعن والدماء والعراك وعشوائية اللغة وعدائيتها، فضلا عن ندرة المسلسلات الكوميدية التي لها تأثير علي رفع الحالة النفسية بشكل عام، خاصة في ظل الرعب المسيطر من فيروس كورونا، نهاية بطول مدة عرض المسلسل بما لا يتناسب مع حبكته الدرامية وكثرة الفواصل الاعلانية التي تفرغ المسلسل من مضمونه.

سقوط مفاهيم الفن والجمال
فيما قالت الناقدة الدكتورة وفاء كمالو: «على رغم الحضور العبقري العظيم لأعمال درامية رفيعة المستوى، مثل الاختيار 2، هجمة مرتدة، القاهرة كابول، نجيب زاهي زركش، فإن التيار العارم من الأعمال السفيهة يواجهنا بإندفاع غير مسبوق، ويدفعنا إلى ردة فنية وفكرية مفزعة، تعلن بوضوح سافر عن موت الوعي والمعنى والفكر والجمال، تتبنى الزيف والتغييب والاستلاب، تصادر النبض وإيقاعات الحياة، وتغني للدم والموت والدمار، فقد خلع حلفاء الشيطان كل الأقنعة ليعلنوا أن الإنسان قد مات، لذلك علينا أن ننتبه، ونواجه طوفان الخطايا والآثام وندرك طبيعة دور الفن والثقافة في هذه اللحظات الخطرة الفارقة، فلعلنا نتجاوز أزمات غياب العقل النقدي، لتأتي التجارب الفنية على مستوى المشهد الوجودي المتوتر وتصبح قضايانا الحقيقية في قلب المشهد، بحثا عن الضوء والوعي والإدراك، نحن أمام تساؤلات تفرض نفسها : هل أصبحت البلطجة هي الإطار المرجعي للفن ؟ وهل تكرس الدراما الآن لسقوط كل منظومات القيم الإنسانية؟
وفيما يخص سيكلوجية الجمهور قالت «الجمهور يغرق ببساطة في تيارات الزيف والتغييب والخلط والعشوائية، لنعيش ذلك التصعيد المستفز للخسائر الفنية والفكرية والثقافية الفاضحة، لا شييء سوى الإسفاف والركاكة، وإهدار الحس والذوق والاستهانة بقضايا الواقع وعقول الناس..
ففي قراءة مبدئية لمؤشرات أكثر المسلسلات جذبا للجمهور، وتحقيقا للترند، يتصدر مسلسل «ملوك الجدعنة « التأليف لورشة كتابة و الحلقات حتى الآن عاجزة تماما عن التصاعد، تدور في نقطة ثابتة تمتد أفقيا لتستعرض وقائع العنف والبلطجة واستخدام الأسلحة الحية والبيضاء، وهي تدور حول صديقين من اللصوص الفقراء، قررا مواجهة اللص البلطجي الكبير، حتى يصعدا إلى القمة، وتبدو خطورة هذه التجربة أكثر مما نتصور، حيث تتسلل تفاصيلها المبتذلة بقوة إلى أعماق الشباب، الحوارات الساقطة تخترق العقول، فهل سنتوقف قريبا ونلوم الشباب الذين توحدوا مع شخصية «سفينة « وصديقه ؟ هل سنسأل لماذا أصبح الشارع المصري عنيفا مختلا ومخيفا ؟ وهل أصبح ملوك الجدعنة هم ملوك البلطجة؟

تراجع النص
الكاتب والسيناريست الدكتور أيمن عبد الرحمن قال « علينا ان ندرك ككتاب أو نقاد او كمهتمين بتحليل الاعمال الدرامية ان العمل الفنى منظومة متكاملة وهى المشكلة الرئيسية التى تواجهنا عند الحديث عن الدراما الرمضانية، فالعمل الفنى يجب ان تكون عناصره واحده أو على درجة قريبة من الجودة على سبيل المثال لانستطيع الإشادة بشخصية قدمها الممثل فى مسلسل فاشل فهذا لايعنى شىء، كذلك لانستطيع أن نتحدث عن مخرج أدار الكاميرا بشكل جيد بينما يقدم سيناريو لايحترم عقولنا ويحوى ثغرات ولا نستطيع الحديث عن سيناريست قدم مشاهد متناثره جيدة ولكن العمل ككل ليس على مستوى الجودة الفنية المطلوبة والمشكلة الكبرى هى أننا ننظر للعمل الدرامى كأجزاء ولا ننظر إليه كوحده واحدة ونبدأ فى تحليل الاعمال بعد اربع حلقات ويتحول الجمهور الى نقاد وهو حق الجمهور ولكن الجمهور لايستطيع الحديث عن الامور الفنية المتخصصة
وتابع قائلا « إن غياب المؤلف أدى إلى تراجع النص، ففى السنوات الاخيره كان هناك تعمد إبعاد المؤلفين وعندما فكرت فى الإتجاه للكتابة الدرامية كان ذلك لأنى لاحظت فى أواخر التسعينيات وبداية الالفيه ان هناك مؤلفين فى مصر يتم إحترامهم وتقدير إبداعاتهم ولحسن حظى عملى فى بعض الاعمال التى كان بها كبار كتاب الدراما مثل أسامه انور عكاشه وغيره. وبمراجعه الاعمال الدرامية حتى عامى 2005،2006 سنجد ان جهة الانتاج كانت تقوم بكتابة المؤلف أول أسم على التتر، وفى الفترة الحالية اتحدى إى متفرج يعرف أسم مؤلف واحد، أصبحنا نتعامل مع الورق «السيناريو « على انه أقل عنصر فى العمل الفنى، وأصبح المنتج يعطى المؤلف أجرا لايساوى أجر حلقة واحدة للممثل، هناك عدم إدراك بأن المؤلف هو العمود الفقرى واهم عنصر فى العمل الفنى، فإذا كان المؤلف غير موهوب وليس لديه خبره وغير متمكن سينتج اعمالا رديئة .
تابع : هناك تشوش فى افكار بعض الجهات الأنتاجية، وطغيان فكرة الورش في كتابة السيناريو قضت على وحده النص، على الرغم من تنفيذ هذه الورش فى الدول الاجنبية بشكل مختلف، ولكننا نفتقد لمنظومة واضحه لعمل الورش فلاتوجد وحده للموضوع وهى أهم عنصر فى الدراما بشكل عام، لا يوجد أسلوب او روح واحده للعمل الفنى، نتأرجح بين عدة أفكار مختلفة لعدد من الشبابن مع إحترامى لهم، ورأيي أنه كلما تراكمت الخبره لدى الكاتب كلما قدم أعمالا أكثر نضجا ورقيا.
وأضاف « أن لست ضد تقديم قاع المجتمع المصرى او المناطق العشوائية ولكن كيف تقدم هذه الفئات والأنماط، فماذا نريد أن نعبر عنه للاجيال القادمة ؟ لا نريد نقل ثقافة المهرجانات للأعمال الدراما التلفزيونية، فعظم الجيل الحالى يستمع لهذه المهرجانات ومن الصعب نقلها للدراما التلفزيونيه، لماذا لا يتم صدور قرار بعدم تقديم دراما صعيديه حتى نجد من يستطيع ان يقدم عملا صعيديا يحترم عقل المتفرج، هل ما يقدم من دراما صعيدية هذا العام نستطيع تذكره فى عام 2030 او إى عمل درامى آخر قدم فى هذا العام؟.. هذه الأعمال للإستهلاك اليومى فقط.
ومع ذلك فهناك محاولات إيجابيه هذا العام مثل «لعبه نيوتن « وهو عبارة عن ورشة كتابة من المخرج تامر محسن، وأرى أنه عمل جذاب، ولكنى مع الحكم على الاعمال بعد مشاهدتها كاملة، بينما هناك أعمال تحوى العديد من السلبيات، ومن المفترض ان يتراجع القائمون عليها ويراجعوا أنفسهم.

مستوى الاعمال الدراميه مرتفع هذا العام
فيما أشاد الكاتب سامح عثمان بمستوى الاعمال الدرامية هذا العام قائلا « هناك أعمال كتبت بعنايه شديدة وأريحيه وحصلت على وقت كافى فى كتابتها فخرجت مكتملة ومحكمه وعلى رأس هذه الاعمال مسلسل « الأختيار2 «، ويعد الكاتب عبد الرحيم كمال مؤلفا راسخا ولديه مصداقيه وكفاءة كبيرة وقدم عملين هذا العام وهما « القاهرة كابول «، « ونجيب زاهى زركش «، وعلى الرغم من الازمات التى أحدثها مسلسل «ملوك الجدعنه « إلا ان هذا العمل كتب بشكل جيد وبلغه الفئة المجتمعيه التى يطرحها، وقد طرح ما يحدث فى المجتمع وهو ما يعد جزءا من علاج المشكلة وليس الترويج لها، فطرح مشكلات هذه الفئة و هذه البيئة لا يعنى الترويج لها.
وتابع :» من أفضل المسلسلات هذا العام «نجيب زاهى زركش « للفنان الكبير يحيى الفخرانى فهو عمل كوميدى راسخ وليس مجرد ارتجاله، فمقياس العمل الكوميدى الناجح هو توفير مساحه من السعادة والإبتسامه تلازم المتفرج وليس مجرد فقاعه فارغه، فالبطولة للموضوع .

أفضل الأعمال
كذلك أشادت الناقدة داليا همام بمسلسل «الإختيار» مشيرة إلى أنه يمزج بين التوثيق والدراما و يعرض الحيوات الاخرى للشخصيات التى لا نرى منها سوى الجانب الاعلامى، سواء للعناصر الارهابيه أو رجال الأمن والشرطة، فهناك عرض للجوانب الإنسانية بشكل يثير الانتباه وهو شىء مميز وجيد للغاية بجانب توافر عناصر الجذب لبعض الاحداث بالمسلسل . أضافت : ويأتى ضمن قائمة الأعمال الجيده لهذا الموسم مسلسل «لعبه نيوتن « الذى يميزه حبكته الدراميه المنضبطه، وهو نتاج ورشة كتابة، وهو ما يثبت جودة الورش فى بعض الاحيان، فوجود فكره واضحه فى ذهن القائمين على ورش الكتابة بإشراف المخرج ينتج عملا جيدا، وهو ما ظهر فى «لعبه نيوتن « ففيها حبكه جاذبه ومتميزة ومرنه، و الشخصيات مكتوبه بعناية شديدة، وهناك أعمال غلب عليها الطابع الكرتونى الفنتازى مثل مسلسل « نسل الأغراب»

الكتابة فيه أضعف العناصر الفنية.
اضعف العناصر
ووصف الناقد والكاتب الصحفى محمد بهجت الكتابة الدرامية هذا الموسم بانها أضعف العناصر .. استطرد : و على الرغم من وجود أعمال مبتكرة إلا أنها مفككه ولا تحمل منطقا، فهناك اعمال متميزة على مستوى التمثيل والاخراج لكن الكتابة تحمل منطقا عجيبا، على سبيل المثال مسلسل «لعبه نيوتن « تكاد تكون الكتابة فى هذا العمل العنصر الاقل قوة مقارنه بباقى عناصره الآخرى.
أضاف: « كذلك صدمت من الكتابة فى مسلسل « القاهرة كابول « ومن المباشرة التى بها، فهناك عالم مهم وثرى وفكرة جيدة: الاعلامى والارهابى والضابط والفنان، وعلى الرغم من أن كاتب العمل أسم مهم فى عالم الدراما ولكنه فى هذا العمل سقط فى فخ المباشرة، وعلى الرغم من المتعه التى يضفيها العمل على مستوى التمثيل ولكنى أشاهد حصصا فى البلاغه ودورس وعظيه ووطنيه .
تابع : أكثر الأعمال تماسكا هو «الإختيار» على الرغم من انه عمل توثيقى، تكمن صعوبته فى معرفه المتفرج بالأحداث، وفكرة الإثارة غير واردة، ولكن العمل كتب بحرفيه وذكاء وصعوبته تكمن فى أن الخيال به محدود، فهو يقدم تفاصيل واقعيه عن عالم ضباط الشرطة وما يشهدوه من ضغط عمل ومخاطر، ويقدم نموذجا واقعيا لضابط الشرطة.
وإستطرد قائلا « شاهدت مسلسل « نجيب زاهى زركش « الكتابة به بسيطة، فالجمهور بحاجة لهذا العمل الكوميدى وسط الاعمال المثيرة والعنيفه، كما ان حضور الفنان الكبير يحيى الفخرانى ممتع، وهناك كيمياء فنية بينه وبين الفنان القدير محمد محمود، وقد تعجبت من مسلسل «نسل الاغراب « فعلى الرغم من انه عمل درامى جاد إلا انه آثار الكوميديا لدى المتفرجين، وما هو معروض عن الصعيد المصرى يعد مبالغا فيه وغير صادق، وأعتقد ان محمد سامى مخرج وليس مهنته الكتابة، ومن الضرورى أن يعيد النظر فى هذا الامر، وقد كان المخرج الكبير يوسف شاهين عبقرى فى الكتابه ولكنه كان لا يكتب أعماله بمفرده ويستعين بأهل المهنة، وأريد ان أؤكد على تعاطفى مع النجمين أمير كراره واحمد السقا فلديهما تاريخ حافل من النجاح، وأعتقد أنهما تعجلا تقديم هذا العمل، وهو درس مهم لأى نجم «الورق أهم حاجة»
وأكد بهجت على ضرورة كتابة العمل قبل بدايه التصوير بوقت كاف وإجراء مناقشات عليه لأن عدم الانتهاء منه قبل بدايه التصوير بوقت كافى يتسبب فى تفكك الاعمال وعدم جودتها وبالتالى نجد المستوى متدن . تابع : لدينا كتاب كبار لازالوا على قيد الحياة ولكننا نكتب لهم شهادات وفاة، و الورش الخاصة بالكتابه فى بعض الاحيان تكون جيده، ولكن فى آحيان آخرى تقدم العمل بعجالة شديدة، فنجد حلقات المسلسل متباينه ونشعر أن الشخصيات المكتوبه يبذل فيها الممثل مجهودا حتى تكون هي نفس الشخصية.


رنا رأفت