المنشط الثقافي.. وجوده ضرورة لحل مشكلات المسرحيين في الأقاليم

المنشط الثقافي.. وجوده ضرورة لحل مشكلات المسرحيين في الأقاليم

العدد 784 صدر بتاريخ 5سبتمبر2022

 يواجه المسرحيون في الأقاليم العديد من العقبات الإدارية التي قد تحول دون خروج تجاربهم بشكل جيد، وتؤثر على كفاءة المنتج المسرحي الذى يقدمونه، وقد رأى البعض أن  المحرك الثقافي له دور بارز في تذليل الصعوبات والمعوقات التي تواجه المسرحيين، باعتباره  حلقة الوصل بين الجهات الإدارية المختصة والمسرحيين، خصصنا تلك المساحة لنتعرف بشكل أوسع على المنشط او المحرك الثقافي وأهم وظائفه وإسهاماته من خلال مجموعة من آراء المسرحيين.
المخرج حمدي أبو العلا قال: وجود المحرك الثقافي في المواقع الثقافية سيحقق فارقا كبيرا  جدا، ولكن من هو المحرك الثقافي، هل هو مدير الموقع أو هو أحد مثقفي المكان؟ اعتقد لا هذا ولا ذاك، نحن نذكر اسماء كثيره كانت تؤدي الدور  بكفاءة أثناء وجودها،  ولكن بمجرد مغادره الموقع تعود الأماكن الي الركود أمثال الاستاذ سعد الدين وهبه والأستاذ حمدي غيث و فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق حينما كان مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية، وغيرهم كثير .. المحرك الثقافي مجلس إدارة  فعال من كبار الأدباء والفنانين في الإقليم بقياده فَنان أو أديب كبير يكون رئيسا لمجلس الإدارة  ويكون مدير الموقع نائبا لرئيس المجلس، أعني ان يكون المحرك الثقافي عملا جماعيا يشترك فيه كل الأطياف والعقول . 
وتابع: هناك إشكالية كبيره بين المبدع والمتلقي قد تصل في أحيان كثيرة الي غياب المتلقي سواء أكان هذا المتلقي ناقدا او جمهور الذواقة؛ وبالتالي يكون المحرك من ضمن مهامه بحث مثل هذه الأمور وإيجاد حلول لها كذلك مشكله الاتصال بالجماهير، وكيف يخرج المنتج الإبداعي إليهم في المدارس والمقاهي والمساجد والكنائس والجامعات ومراكز الشباب، وكيف يربط هذا المحرك بين الهيئة العامة للكتاب بالمواقع الثقافية لإقامة معارض دائمه بهذه المواقع، وكذلك التماس مع البيوت الفنية بوزارة الثقافة وإقامة علاقات مع جميع جهات الإنتاج الثقافي .

همزة الوصل 
فيما قال الناقد أحمد هاشم قائلا : علينا بداية أن نفرق بين الناشط الثقافي والناشط المسرحي، إذ أن النشاط المسرحي جزء من النشاط الثقافي، وعلى هذا يتعين التفريق، فالمسرح جزء من كل الأنشطة الفنية والثقافية المختلفة.
وبدون شك تحتاج الأقاليم لوجود الناشط المسرحي الداعم لهذا النشاط، حبذا لو كان عضوا ضمن المنظومة الإدارية بهذا الفرع الثقافي أو ذاك بالإضافة إلى كونه رجل مسرح بالأساس، ذلك يساعد أن يكون همزة الوصل بين الجهة الإدارية المختصة، ومجموعة المسرحيين الذين يعملون معه و يساعد على تذليل الكثير من العقبات التي يواجهها المسرحيون أثناء ممارستهم لهذا النشاط بحكم البيروقراطية والروتين اللذان يحكمان العمل الإداري... هذا بالإضافة إلى عدة شروط أخرى يجب أن تتوفر في هذا الناشط المسرحي، أولها أن يكون رجل مسرح بالدرجة الأولى، وعلى درجة عالية من المعرفة بعلوم هذا الفن وأسراره وخباياه، حيث أن أهم أدواره هو نقل الوعى والمعرفة المسرحية إلى الهواة بالمكان، ومساعدتهم - عبر معرفته -  على فتح آفاق معرفية لديهم في المجال المسرحي، ومن ثم يجب أن تكون معرفته في هذا المجال معرفة أكاديمية عن طريق الدراسة، أو الخبرة المكتسبة عبر العمل المتراكم في هذا المجال، أو كليهما معا. 
وتابع: لو توفر مثل هذا الناشط المسرحي بمواصفاته الصحيحة في الأقاليم المختلفة لتغير وجه المسرح في الأقاليم، ولا يمكننا أن نغفل وجود مثل هذا الناشط في بعض الأقاليم، ولكن للأسف نجد بعضهم يمارس هذا الدور دون أن يكون مؤهلا له، وإنما يقوم به نتيجة عمله الطويل فى المسرح، ولكن دون أن يطور من معرفته، وقد اكتسب تلك الروح الأبوية تجاه الأجيال التالية له بحكم عمره، وعمله الطويل كما ذكرنا، وهذا التطوع للقيام بهذا الدور أحيانا يكون بمثابة كارثة حين يقوم بنقل معلومات مغلوطة حول بعض المفاهيم المسرحية، وللأسف يتم التلقي عنه دون مرجعية حاكمة، سوى ما يقوله وهنا تكون الكارثة الحقيقية.

حل مهم جدا
فيما قال الناقد د. محمود سعيد : الثقافة الجماهيرية. مصطلح وقضية وإدارة وإشكاليه شديده الأهمية في الحياه الثقافية في مصر، خاصه في مجال المسرح، علي مدار سنوات عديده دارت الندوات وعقدت المؤتمرات التي ترغب في التطوير والخروج من الأزمات المتوالية لمسرح الثقافة الجماهيرية، وتم طرح وتخصيص ما يسمى بالمحرك الثقافي وهي فكرة مهمة جدا، ولكن هناك بعض الملاحظات لعل اهمها أن هناك مسافة واضحة بين موظفي الثقافة، وثقافه الموظف. وتلك هي الكارثة، بمعني انه العديد من موظفي الثقافة بعيدين كل البعد عن الثقافة ذاتها، ومن هنا تظهر الأزمات وتكبر بشكل ملموس ما بين فنان واع يسعي لتحقيق مشروعه، وبين موظف متعنت يعرقل مسيره أي إبداع، وضع مرعب لابد من تعديله بشتى الطرق لعل وجود محرك ثقافي إحدى هذه الطرق. 
اضاف: يجب مراعاة البعد الثقافي والفني والعملي لدي هذا المحرك بمعني أن يكون دارسا للفن وممارسا له ويمتلك خبرات عملية ونظرية حقيقية ذو دراية بكل الشؤون المسرحية داخل محافظته، فهو يعد حلقه وصل مهمة ما بين العاصمة وإقليمه، ويجب أن يتم منحه تفرغا كاملا، وميزات منوعة تكفل له انجاز عمله وتحريك الساكن والراكد داخل محافظته مع ضرورة التواجد المستمر مع كل المشاريع المسرحية  كمراقب ومشرف ومتابع وناصح أمين يساهم في توجيه البوصلة إلى مسارها المرجو. الأمر مهم للغاية...خاصه في ظل وجود بعض الأزمات في العروض المسرحية من اختلاط المفاهيم وعدم الدقة التي قد تصل لضياع الحقوق احيانا مع عدم وعي بعض الفرق بضرورة العلم وتحري الدقة وفض الاشتباك مع المصطلحات المسرحية العديدة التي من شانها إسقاط أي عرض في حاله عدم الفهم،  لذلك نجد ان المحرك الثقافي أصبح ضرورة لابد منها إن كنا نرغب في التطوير بشكل حقيقي.

إدارة الموقع الثقافي
 الكاتب والناقد محمد بغدادي ذكر أنه في عهد الوزير الأسبق د. جابر عصفور كانت هناك خطوات تنفيذية لإنشاء معهد عالي بأكاديمية الفنون يلتحق به خريجو كليات الفنون أو العاملين في وزارة الثقافة لمن يود رفع كفاءته في إدارة الثقافة ويصبح محركا ثقافيا. وقد عصفور بييت خبرة أمريكي لوضع التصور الخاص بمناهج هذا المعهد، ولكن المشروع لم يكتمل برحيله عن وزارة الثقافة. النشاط الثقافي يحتاج إلى فكر وإبداع وأساليب وطرق مبتكرة لإدارته. 
وعن تعريف المحرك الثقافي قائل: هو شخص يدير العمل الثقافي من خلال رؤية تؤدى الى تحقيق نتائج،  ويكون ملما بمجموعة كبيرة من الأنشطة الفنية والمسرحية، فهو يتعامل مع عناصر العمل المسرحي وأفراد الفرق ولديه خبرة واسعه في كل هذه الأنشطة التي لا يمتلكها الموظف الإداري، فالموظف لا يستطيع مع الكادر الفني أن يرفع كفاءته أو ينمى موهبته، كما لا  يستطيع التميز بين العمل الفني الناجح والهابط، وجود المحرك الثقافي في الأقاليم امر في غاية الأهمية عن وجوده في العاصمة التي بها كوادر فنية على خط التماس مع الهيئات والجهات المسرحية .

مفاهيم واضحة 
وطرح المخرج حمدي حسين وجه نظر جديدة للمحرك أو المنشط الثقافي فقال : هناك ضرورة لإيجاد مفاهيم واضحة لمصطلح المحرك أو المنشط الثقافي، وكذلك يحتاج الأمر لاكتشاف هذا النمط، فالمنشط الثقافي يرى العالم بشكل أوسع وأرحب، والأمر يحتاج إلى تدريب وتعامل نفسى، كما ان كل المثقفين والمسرحيين منشطين ثقافين، وعليه يجب علينا ان نضع مفهوما واضحا له على ارض الواقع، وليس مجرد مصطلحات، كما ان المنشط الثقافي يرى و يتابع الحركة الثقافية والمسرحية برؤية عامة وواسعة وليست منغلقة على ذاتها.

رفع جودة المنتج المسرحي
فيما ترى الكاتبة صفاء البيلي أن هناك عدم وعى بدور المنشط الثقافي لأنه أمر غير متعارف عليه، فالبعض يختلط عليه دور المنشط الثقافي ويعتقد انه الشخص المتحكم الذى لديه مركزية ثقافية، وان المجموعة لن تتحرك بدونه؛ ولكنه فى حقيقة الأمر يقوم بعمل تواصل بين المجموعة ويتعرف على مدى مقدرة كل عنصر ومالا يستطيع أن يقدمه، فعلى سبيل المثال يحمس الكاتب ويضيف عناصر تساعده مثل الممثلين الذين يستطيعون أداء الأدوار بتمكن، والمخرج الجيد والعناصر الجيدة، ويصل المجموعة ببعضها البعض ويرفع من كفاءتها، فهو يفتح المجال للاختيارات المتعددة ويساهم في تنمية قدرات المجموعة،  كما يساهم في رفع جودة المنتج المسرحى، كما أن هناك ضرورة لأن يقوم المحرك او المنشط الثقافي بعملية التنشيط في مكانه وإقليمه لتطوير بيئته لأنه إذا اتجه لمكان او بيئة أخرى فسيكون هناك نوع من العزلة مع ضرورة وجود برنامج محدد للتنشيط المسرحي ومجموعة من المناهج .

«المثقف العضوى» 
وأعطى الكاتب المسرحي طارق عمار تعريفا مختلفا للمنشط أو المحرك الثقافي، قال: هو الذى ينطبق عليه مسمى «المثقف العضوي « وهو شخص لديه خلفية ثقافية وليس منعزلا عن مجتمعه، ويحاول نشر هذا الثقافة ويساهم في رفع ثقافة المجتمع، والمثقف العضوي يأخذ دور المنشط الثقافي، وهو يسعى لحل أي إشكالية واحتواء أكبر قدر من المشكلات قبل تفاقمها، وهو متفاعل مع الأنشطة ويحاول تيسير إقامتها ويعمل مع المؤسسات الثقافية والمسرحية دون عائد أو مردود.
وأكمل قائلا : مديريات الثقافة في الأقاليم تبعيتها الإدارية للهيئة العامة لقصور الثقافة؛ ولكنهم فعليا لا يمثلون الهيئة فقط ولكنهم يمثلون كل قطاعات الوزارة، ولكن مديري الأنشطة في المديريات مجرد موظفين ومنهم حاصلين على مؤهلات عليا مثل بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، أو ليسانس الآداب؛ ولكن ما علاقة هذا بالأنشطة ومنها المسرح ؛ إذن هناك ضرورة لإعادة هيكلة الكوادر الثقافية بما يتناسب مع طبيعة النشاط. 
اضاف: المشكلة الرئيسية أن مديري الإدارات الثقافية والفنية ليسوا متخصصين في النشاط المسرحي، وهذا النوع من المشرفين يعوق عمل المنشط الثقافي وخاصة ان مديري النشاط لا يعلمون طبيعة عمل المنشط الثقافي،  وشدد عمار على ضرورة وجود مسوقين ثقافيين وإعادة هيكلة اللائحة المالية لتستوعب هذه الوظيفة.

إدارة العملية الإبداعية 
المخرج محمد مبروك أحد خريجي الدفعة الأولى لقسم التنشيط الثقافي بالمعهد العالي للنقد الفني قال : المنشط أو المحرك الثقافي أو مدير البرامج شخص دراس للفن من وجهة نظر إدارية، وفكرة التنشيط الثقافي طبقت فى الدول الأجنبية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي بها معهد متخصص للتنشيط الثقافي وهو معهد كندى، وبدأ هذا الاتجاه في الانتشار، وفى مصر تم تأسيس قسم التنشيط الثقافي عام 2008 في المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون.
أكمل: أحد مهام المنشط الثقافي إدارة العملية الإبداعية كمنتج ثقافى قابل للترويج أو البيع ؛ وذلك عن طريق المناهج العلمية التى درسها،، وهى أزمة أغلب الأعمال الفنية، كيف تصل للجمهور. وعن طريق الاستبيانات والدراسات التحليلية يتعرف المحرك الثقافي على المطلوب، وأحد أدواره ايضا إدارة المؤسسات الثقافية، وابتكار مشروعات ثقافية وإدارة المهرجانات الفنية، فهو شخص على وعى كبير ودراسة بكيفية إنشاء مشروع ثقافي وأهدافه ورؤيته، فهو يقسم الكيان الثقافي  الى مراحل واستراتيجيات طويلة وقصيرة المدى؛ حتى يصل الى فكرة استمرارية المنتج المسرحي او الثقافي، وهنا تكمن وظيفته في دراسة أساليب متعددة لسوق الفن فهو بمثابة العامل المحفز الذى يعيد وضع الأشياء في أماكنها. 
وعن قسم التنشيط الثقافي بالمعهد العالي للنقد الفني قال : هذا القسم هو الأول في مصر بعد تونس، درس لنا نخبة من كبار الاساتذة وكان يرأس القسم الدكتورة نهاد صليحة «رحمة الله عليها» كما درس لنا مجموعة من المتخصصين منهم الدكتورة فينوس فؤاد والمخرج أحمد العطار، ثم خصصت دبلومة للتنشيط الثقافي بكلية الآداب  جامعة القاهرة،  كان المعهد العالي للنقد الفني به مرحلة البكالوريوس في قسم التنشيط الثقافي ثم اصبح يمنح دبلوم فقط، وعدم استمرارية هذا القسم جعل اعداد المتخصصين به قليلة، وأتمنى إعادة النظر في ذلك للاستعانة بخريجي هذا القسم في إدارة المؤسسات الثقافية .

القيادة والشخصية المسرحية
فيما أكد  المخرج احمد البنهاوى اهمية الدور الذى يلعبه المنشط الثقافي مع المسرحيين فقال : للمنشط الثقافي دور فعال في تسهيل الإجراءات الإدارية فهو يستطيع حل مشكلات الفرق المسرحية لأنه ليس بعيدا عن اللعبة المسرحية، فهو يؤمن بما يقدم ومتعايش مع هموم المسرحيين ومشكلاتهم، إذا كانت هناك إرادة للإصلاح فعلينا بتفعيل دور المنشط الثقافي وعلينا اختياره بعناية، وأن تتوافر به عناصر القيادة والشخصية المسرحية وأن يكون دراسا للمسرح،  خاصة ان هناك إداريين ليس لهم علاقة بالنشاط المسرحي يتسببون في إعاقة العملية الفنية.


رنا رأفت