بعد وقف تنفيسة.. الإبداع المسرحى هو المشكلة وليس الميليشيات

 بعد وقف تنفيسة.. الإبداع المسرحى هو المشكلة وليس الميليشيات

العدد 781 صدر بتاريخ 15أغسطس2022

يمكن أن تحدث اعتداءات على حرية التعبير المسرحى فى دولة أو أخرى. لكن أن يحدث الاعتداء فى بلد يتباهى بأنه كان يوما ما قلعة الحرية فى العالم العربى. كما انه البلد الذى ولد فيه المسرح العربى وحمل فنانو المسرح فيه رسالة نشره فى العالم العربى والمهجر. هنا يصبح الأمر باعثا على الأسف لان المسرح قناة مهمة للتواصل مع الجماهير يتفاعلون فيها مع الممثلين بشكل مباشر يكسب هذه الوسيلة جاذبيتها ومتعتها.
هذا ما حدث مع مسرحية “تنفيسة” التى عرضت فى ذكرى مرور عامين على انفجار ميناء بيروت الذى لا يعرف المسئول عنه حتى الآن. 
المثير فى الأمر أن المسرحية كان مقررا عرضها ليلتين فقط يفصل بينهما يومان أو ثلاثة. وقامت السلطات اللبنانية بوقف عرضها بعد العرض الأول. ويعد هذا دليلا على أن عيونها التى لم تصل إلى مدبر الانفجار شاهدت المسرحية وكونت عنها انطباعا ما وأبلغت من يهمه الأمر بسرعة. وبدوره اتخذ قرار وقف المسرحية بسرعة أيضا.

السبب الحقيقى
 وأغلب الظن كما ذكرت الصحف اللبنانية أن السبب الحقيقى هو انها توجه نقدا حادا إلى الرئيس اللبنانى العماد ميشال خورى. ولم تذكر الصحف ما إذا كان هذا النقد مباشرا أو غير مباشر. واغلب الظن انه غير مباشر. لكنه كان على الأقل كافيا لوقف عرض المسرحية.
 وكان المنع أثناء بروفات العرض الثانى حيث اقتحمت الشرطة المسرح فى شارع الحمراء وأوفقت البروفات وأجبرت الممثلين على مغادرة المسرح. 
وليست هناك مشكلة فى البحث عن مبرر. وكان المبرر هو أنها لم تعرض على الرقابة لإجازتها قبل عرضها وهى للأسف حجة تستخدمها بعض النظم فى البطش بالإبداع الفنى.
وثارت ثائرة عشاق المسرح والفن فى لبنان والممثلين المشاركين فى المسرح غضبا من هذا الاعتداء على حرية التعبير. 
 وفى نفس اليوم انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات تصور مجموعة من الشباب من الجنسين يقدمون عملاً فنياً مرتجلا في شارع الحمراء بينهم عدد من أبطال المسرحية. وتخللت هذا العرض المرتجل هتافات تندد بالقمع والرقابة. 

أبى حيدر
وكانت من أبطال المسرحية “آية أبي حيدر” وهي ممثلة شابة مشاركة في العرض شعرت بالغضب والخيبة جراء منعها مع زملائها من تقديم عمل ساخر من الوضع السياسي العام في لبنان. 
تقول آية “المسرحية كانت عبارة عن عرضين فقط، الأول مضى بلا مشاكل لكن ليلة كنا نحضر للعرض الثاني، أتت دورية من الأمن العام الساعة السادسة والنصف مساءً تطلب وقف العرض”.
وتضيف أبي حيدر “المسرحية موسيقية وهي عن بلد وديكتاتور افتراضيين. ولكن بطبيعة الحال تعكس المسرحية الأحداث التي عاشها لبنان من ثورة 17 أكتوبر، إلى الحجر وكورونا، ثم انفجار مرفأ بيروت.
 والمسرحية تحكي قصة شعب قرر أن يثور على ديكتاتوره الفاسد، بينما الديكتاتور يبرر لنفسه دائماً الفساد والفشل…
بعد المنع، قررنا عرض بعض أغاني المسرحية في الشارع، وأخذت هذه الأغاني صدى كبيراً في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ تجمع الناس حولنا، وانتشرت الأغاني سريعاً”.

جانب إيجابي
والجانب الإيجابي الوحيد فى هذا الاعتداء على حرية الرأى انه تم التحقيق مع مخرج العرض “عوض عوض” تم التحقيق معه لكنه خرج بعد وقت قصير. وهذا أمز غير طبيعى لأنه فلسطينى فى بلد تفرض فيه قيود رهيبة على الفلسطينيين ويتم التضييق عليهم ويتعرضون لسوء المعاملة والإهانة وما هو اكثر على ايدى سلطاته كما تؤكد جماعات حقوق الإنسان، وكما يقول محاميه أيمن رعد محامي. 
ويدافع رعد عن العرض بأنه عمل طلابي ارتجالي لا يستدعي الحصول على إذن مسبق. كما أن الحصول على إذن ليس مهمة موكله. وسرعان ما تبدد هذا الجانب الإيجابي من خلال بيان الأمن العام الذى تعمد الإشارة إلى جنسية عوض عوض بشكل غير لائق.

جولات
 وتشير صحيفة العهد اللبنانية إلى أن للرقابة صولات وجولات في التدخل في الأعمال المسرحية والفنية. خلال السنوات العشر الماضية مُنعت أفلام ومسرحيات (لي قبور في هذه الأرض، فيلم بيت البحر…)، تارة بحجة تهديد السلم الأهلي، وطوراً بحجة المس بالشعائر الدينية. وكان المنع يمتد إلى بعض الحفلات الغنائية !!!. ونذكر في هذا السياق إلغاء حفلات غنائية كحفلة مشروع ليلى عام 2019.
ويسخر ايمن رعد من هذا الوضع قائلا أن السلطات تتناسى استعراض العضلات التى تقوم بها الميليشيات المسلحة فى لبنان وتجعل العروض المسرحية مشكلتها.

رقابة
ويشير ذلك إلى محنة الفن فى لبنان بوجه عام والمسرح بوجه خاص. ففي لبنان، يتولى جهاز الأمن العام الرقابة على المسرحيات، المواد الثقافية المستوردة، والمطبوعات الأجنبية والبيانات والمنشورات، والأعمال السينمائية والأقراص المدمجة. فعلى سبيل المثال.
 واستناداً إلى المادة 9 من المرسوم رقم 2873 الصادر بتاريخ 16 ديسمبر 1959، يمارس الأمن العام رقابته على الأشرطة الموسيقية المستوردة، علماً أنه لا يستمع إلى كل أغنية على حدة ليقرر المنع أو النشر الجزئي لأي عمل موسيقي، إنما تدقق المؤسسة المذكورة بأسماء الأغاني أو الفرق الموسيقية أو حتى أغلفة الشرائط وتقوم بشطب بعض أسماء الأغاني بحبرٍ أسود”.
ولكن هذا القانون قديم وتدور حوله خلافات واجتهادات قانونية عما إذا كانت هذه من صلاحيات وزارة السياحة أو الأمن العام، إلا أن الأخير ما زال يمارس هذه المهمات إلى يومنا هذا.

رقباء أخرون
ليس الأمن العام وحده من يمارس دوره القمعي في الرقابة على ذوق اللبنانيين، بل تساعده في هذه المهمة المؤسسات الدينية وأبرزها المجلس الكاثوليكي للإعلام ودار الفتوى ودار الطائفة لمذهب الموحدين الدروز، وسبق لهذه المؤسسات أن ساهمت بالضغط على الأمن العام لمنع أفلام لا تعجب معتقداتها. 
فى عام 2015 مثلاً، طالب الأب عبدو أبو كسم رئيس “المجلس الكثوليكي للإعلام”، بوقف فوري لعرض مسرحية “لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71″، والتي كتبها عصام محفوظ وعرضت عام 1971 (قبل أن يولد المجلس الكاثوليكي للإعلام)، وأعادت إخراجها لينا خوري عام 2015.
أما دار الفتوى فلها نصيبها بالتدخل الجائر في الأعمال الفنية، كطلبها منع فيلم “مولانا” عام 2017، فيما طالبت دار الطائفة لمذهب الموحدين الدروز بحذف مشهدين من فيلم “اسمعي” للمخرج اللبناني فيليب عرقتنجي عام 2017 أيضاً.
 واحتج المسرحيون على هذه الرقابة عام 2012 من خلال حملة “ردو المسرح لبيروت” وذلك إثر إقفال مسرح بيروت، والضغط الذي مورس حينها لإعادة فتحه واعتباره صرحاً ثقافياً
وتم أيضا العمل على الشق القانوني مع مؤسسة “مهارات” ومع “المفكرة القانونية” لصياغة قانون “حرية الأعمال الفنية”، باعتبار أن الأعمال المسرحية لا تخضع للرقابة المسبقة التي تخضع لها الأفلام السينمائية.
ولذلك كان التدخل بالسينما أكثر من المسرح، فقام الأمن العام بمنع كل الأفلام التي تعيد الحديث عن الحرب الأهلية بشكلها الحقيقي، والأفلام التي تحتوي على جنس، والأفلام التي يكون فيها أي نوع من الحضور الديني ولا يعجب السلطات.


ترجمة هشام عبد الرءوف