«ليــلـــة الـقــتـــــلة» محاكمة الذات بين لامعقولية الأحداث ورمزية المكان

«ليــلـــة الـقــتـــــلة» محاكمة الذات بين لامعقولية الأحداث ورمزية المكان

العدد 778 صدر بتاريخ 25يوليو2022

بقاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة بالعتبة يُقدم العرض المسرحي «ليلة القتلة» تأليف خوزيه ترييانا، ترجمة فتحي العشري، إعداد وإخراج صبحي يوسف، بطولة مجموعة متميزة من فناني المسرح، الذي سبق تقديمه في ذات القاعة عام 1979.    
 على الرغم من فنتازية الأحداث إلا أن العرض أشار إلى أخطاء نقع فيها من دون أن نشعر كم هي مؤلمة للآخر، كما أننا نعاني منها في ذات الوقت، لنكتشف أننا جميعًا ضحايا (القاتل والقتيل) والقتل هنا معنويًا أكثر منه حقيقة، فجميع القتلة قد تم قتلهم قبل أن يشرعوا في جريمتهم التي لا نعرف كمتلقين حقيقتها، هل قاموا بها بالفعل أم أنها مجرد رغبة مكبوتة أم هكذا تصوروا هؤلاء الذين جمعهم مكان ما وزمان ما قد يكون المكان منزل أو سجن أو مستشفى للأمراض النفسية والعقلية وهو التفسير الأقرب بالنسبة لي، فكل الشخصيات غير متزنة نفسيًا.
 جمع العرض بين عبثية صمويل بيكيت المتمثلة في لامعقولية الأحداث والتفاصيل ونظرية كسر الإيهام لبريخيت التي ظهرت بوضوح من اللحظة الأولى في عبارات: العرض بدأ، يلا نلعب لعبة كل يوم، ولأ مش هلعب، ... الخ العبارات التي تؤكد أن ما نراه هو مجرد لعبة أو تمثيل. 
ومن المؤكد أن وراء هذا العرض مخرج لديه الكثير من الموهبة والدراسة والأفكار غير التقليدية هو الفنان صبحي يوسف الذي قام بإعداد نص ثري جدًا يعد من أهم النصوص السياسية والتربوية والفلسفية في ذات الوقت «ليلة القتلة» للكاتب الكوبي خوزيه ترييانا، ترجمة فتحي العشري، وقد نجح في العزف على أوتار تؤلم الكثير منا إن لم نكن جميعنا، وهي العلاقة بين الآباء والأبناء من خلال محاكمة يقيمها الطرفين في ذات الوقت من خلال تبادل الأدوار والاعتماد على مجموعة من الإكسسوارات والملابس والرموز، الكل يقدم دور الأب والأم والإبن الإبنه من دون النظر لجنس من يقوم بالتجسيد فالجميع ضحايا، والقضية هنا هي الإنسان.
من أهم الرموز التي استخدمت الحبل الذي يجسد أكثر من وسيلة تعذيب، حيث يستخدم لتقييد الضحية، وفي الإعدام وفي حلبة المصارعة التي تؤدي إلى إصابة الطرفين الفائز والمهزوم. 
لم يقدم العرض حولولا ولم يشر إلى من على صواب ومن على خطأ لكنه ترك الحكم لنا كمتلقين على أنفسنا وليس على العرض ليفتش كل منا في نفسه وفي من حوله ويعد أخطاءه ومعاناته أيضًا في محاولة لتلافي هذه المحاكمة، التي انتهت بلا حكم، فمازالت اللعبة مستمرة.
 وعلى الرغم من أن مساحته الزمنية صغيرة إلا أنه احتوى على كل عناصر الفرجة المسرحية والممتعة في ذات الوقت من تمثيل غاية في الإتقان والقدرة على الانتقال من شخصية إلى أخرى لكل الممثلين: مروج، ياسر مجاهد، لمياء جعفر، نشوى إسماعيل، إميل شوقي، الذين قدموا مباراة في فنون الآداء المسرحي المتميز من خلال التنوع بين التراجيديا والكوميديا، فكل منهم يستحق مقال للإشادة بأداءه. كما أنه أجاد توظيف الفضاء المسرحي بشكل يجعلهم داخل سياق ما لا يمكن الخروج منه، وعليهم التعايش معه بممارسة هذه اللعبة يوميًا وهو ما يتيح رؤية العرض من اتجاهين ليؤكد على أن الموضوع الواحد يمكن تلقيه من أكثر من اتجاه أي أنه لا توجد حقيقة مطلقة، مع إضاءة الفنان إبراهيم الفرن التي شاركت في الدراما بدور فاعل وواضح، اعتمد المخرج على ديكور رمزي لهذا المكان غير المعلوم من تصميم الفنانة سماح نبيل والتي قامت بتصميم الملابس أيضًا والتي تعد بطلاً أساسيًا في العرض، فبها قُدمت شخصيات: الأب، الأم، الأبناء، الضيوف، القضاة، المحامي. 
 كذلك الغناء بكلماته التي عبرت عن الألم والأمل في ذات الوقت للشاعر عوض بدوي، وألحان محمد حمدي رؤوف المتسقة مع الحالة الكلية للعرض، وصوت الفنانة الجميلة مروج، الاستعراضات التي عبرت بدقة عن الأزمة التي يعاني منها شخوص العرض والضغوط النفسية التي تعرضوا لها وأدت بهم إلى هذه الحالة من الاضطراب النفسي. 
 في النهاية فنحن أمام عرض يحترم المتلقي في كل مفرداته فيقدم المتعة البصرية والسمعية من خلال الغناء والألحان المتميزة الفكرة الجادة وعرضها في إطار كوميدي لطيف، كما يحرص على فتح المجال للتفكير في قضية من أهم القضايا المجتمعية وهي علاقة الآباء والأبناء. 


نور الهدى عبد المنعم