لماذا انتهت تجربة المسرح المستقل في مصر؟

لماذا انتهت تجربة المسرح المستقل  في مصر؟

العدد 773 صدر بتاريخ 20يونيو2022

كانت تجربة المسرح المستقل تجربة فارقة في تاريخ المسرح المصري، حيث بدأت التجربة في ظل تراجع الحركة المسرحية في فترة الثمانينيات وتراجع مسرح المؤسسة الرسمية، بشكل لافت.
 وقد انحسرت في السنوات الأخيرة هذه التجربة، وربما يرجع انحسار المسرح المستقل إلى تحول عدد كبير من الفنانين الذين كانوا يعملون فيه إلى الدراما سواء التليفزيونية أو الإذاعية والسينمائية، بل إن كثيرا منهم أصبحوا من نجوم الصف الأول أمثال مصطفى شعبان وعبلة كامل وخال الصاوي وصلاح عبد الله وسلوي محمد علي وسيد رجب والراحل خالد صالح.
أو تحول البعض لكتابة السيناريو الاخراج السينمائي مثلما حدث مع محمد عبد الخالق وهاني المتناوي، أو إدارة مهرجانات سينمائية كما حدث مع عزة الحسيني.
ومع ذلك تبقى هذه التجربة- تجربة المسرح المستقل نقطة ضوء مهمة في تاريخ المسرح المصري المعاصر.
حين بدأت حركة المسرح المستقل وجدنا تلك الفرق التي اتخذ كثير منها طابع الاستقلال النسبي عن المؤسسة الثقافية الرسمية تلجأ إلى الجهود الذاتية في تمويل أعمالها الفنية، ولجأ بعضها الآخر إلى التمويل من المراكز الثقافية الأجنبية بمصر، ووجدنا بعضها أيضا يقيم مؤسسات ثقافية صغيرة يكون المسرح أحد أنشطتها مثلما فعلت “فرقة الورشة” وكذلك ما قامت به فرق “المسحراتي” و”أتيليه المسرح” و”الضوء” من تكوين “ملتقى للفرق المستقلة”. في حين نرى أن غالبية هذه الفرق وقف الجانب المالي كحجر عثرة في طريقها فتوقفت.
 وفي نهاية التسعينيات، كانت هناك اجتماعات لتكوين اتحاد للفرق المسرحية المستقلة ودعيت إليه كل الفرق الصغيرة والكبيرة، لكن بعد أشهر عدة من الاجتماعات المتواصلة لم يصلوا إلى صيغة لتكوين مثل هذا الاتحاد، فانشغل الداعون إليه بمشاريعهم الخاصة واعتمدوا على جهدهم الفردي في تقديم عروضهم.
وربما لم يبق في المؤسسة الرسمية سوى مسرح الهناجر والذي تبنى بعض التجارب لفرق مثل “الشظية والاقتراب”  و”المسحراتي” و”لاموزيكا” و”الحركة” والتي حقق عرضها “اللعب في الدماغ” نسبة مشاهدة مرتفعة وحققت كذلك نجاحات نقدية منقطعة النظير.
ومع ذلك تبقى قضية “التمويل” قضية أساسية في بقاء واستمرار مثل هذه التجارب التي تقوم على ابتكار طرق مغايرة للفضاء المسرحي، حيث تسعى إلى ما وراء الخشبة، أو بمعنى أدق إلى “ما وراء القاعة” وهذا ما يذكرنا بالمؤلف المسرحي “لويجي بيرانديلو” ومعادلته المعكوسة في الشخصيات التي تبحث عن مؤلف، كذلك من خصائص هذه التجربة فكرة التأليف الجماعي والتصميم الجماعي، والتي تصنع المكونات المسرحية تحت مجهر التجريب مما يجعل الواقع في حيز المسألة، وإذا كانت هناك فترة من الحركة المسرحية انحاز فيها المسرح إلى ما يمكن أن يسمى بـ”مسرح المخرجين” خاصة في فترة الستينات حيث لعب المخرج الدور الرئيسي في تحريك العملية المسرحية، وكان صوته هو الأعلى، فرأينا أسماء مخرجين ممن تتلمذوا على يد زكي طليمات أمثال كرم مطاوع وحمدي غيث ونبيل الألفي وغيرهم، فإن مرحلة المسرح المستقل، هي مرحلة يمكن أن اسمها بـ”مرحلة المسرح الجماعي” نظرا لتعدد التفاصيل والمصادر التي يستقي منها العرض، فلم تصبح للمخرج سلطة مطلقة في تحريك بنية الأداء، ولم يصبح الممثل هو ذلك النجم الذي يزهو على الخشبة، ولم يصبح النص هو الدائرة المحكمة غير القابلة للتغيير، بل أصبح الجميع موضع مساءلة من الجمهور الذي أصبح ـ بالتالي ـ ذاتا فاعلة في تكملة البنية الجمالية للعرض.
تجارب رائدة
 كانت فكرة المسرح الحر قد بدأت في مصر مواكبة لثورة يوليو 1952 كنتاج طبيعي للتغييرات الهيكلية في بنية المجتمع المصري، فقد تكونت أول فرقة في سبتمبر 1952 وهي “فرقة المسرح الحر” التي أسسها مجموعة من خريجي معهد الفنون المسرحية كان من بينهم “سعد أردش وإبراهيم سكر وكمال ياسين وعبدالمنعم مدبولي وصلاح منصور وتوفيق الدقن وزكريا سليمان وغيرهم” بعد أن رفضت الفرقة القومية أفكارهم الجديدة نتيجة سيطرة الفكر الفني الكلاسيكي على معظم أعضائها في ذلك الوقت.
وقد ذهبت الفرقة إلى تقديم عدة أعمال اتسمت بالوطنية ـ في البداية ـ مثل “الأرض الثائرة”، و”الرضا السامي” عام 1953، وفي محاولة منها لاستلهام مفردات الواقع الاجتماعي في مصر قدمت عدة مسرحيات اجتماعية تختلف في أدائها عن الميلودراما التي روجت لها الفرقة القومية وبعض الفرق المسرحية الخاصة آنذاك.
وكانت هذه المحاولات خروجا عن المعيار الكلاسيكي الذي أرسته “الفرقة القومية المصرية للتمثيل” التي تأسست عام 1935 ـ وكانت أول فرقة تدعمها الدولة ـ وكان أول عروضها مسرحية “أهل الكهف” لتوفيق الحكيم، وقد لاقت عروضها استحسانا من كبار المثقفين أمثال طه حسين، وجاء هدفها الأساسي إعلاء لشأن النص المكتوب على حساب فنون الأداء حيث جعلت من النص مطلقا لا يجب المساس به، في مقابل تهميش الفعل المسرحي وجعله نسبيا.
الفترة الأصعب
وقد عانى فن التمثيل المسرحي في مصر ـ على حد تعبير الناقدة الراحلة د. نهاد صليحة ـ وخاصة في حالة المرأة من هذه “الشيزوفرينية” إلى فن المسرح فتحول التمثيل المحترم أو “الجاد” إلى نوع من الخطابة، وكان على الممثلة المحترمة أن تلتزم بشفرة تعبير جسدي محدودة ومقيدة ساهمت في فرضها طبيعة الأدوار المفروضة عليها، والتي كانت تختزلها في العادة إلى فكرة أو رمز أو نمط اجتماعي.
وقد انطفأت جذوة المسرح المصري خلال حقبة السبعينيات كما انطفأت فنون كثيرة نظرا لسيطرة  ثقافة الاستهلاك وتحول الدولة من النمط الاشتراكي إلى النمط الرأسمالي الذي يعلي من قيمة الفرد مقابل تهميش الجماعة، مما جعل كثير من الكتّاب يلوذون بالصمت والعزلة حتى الموت كما حدث لمحمود دياب أو الاغتراب والسفر خارج البلاد كما حدث لنجيب سرور، أو التحول إلى فن كتابي آخر مثل يوسف إدريس الذي تحوّل إلى كتابة القصة والمقال الصحفي هاجرا الكتابة المسرحية إلى الأبد.
كل هذه الأسباب دفعت إلى ظهور الفرق المسرحية المستقلة في منتصف الثمانينيات في القرن الماضي مثل فرقة السرادق لصالح سعد وأتيليه المسرح والحركة والمعبد والشظية والاقتراب وغيرها.
لكن يبقى السؤال المهم، عن هذه الفرق المهمة لماذا اختفت عن الساحة باستثناء بعض تجارب فرقة المسحراتي بقيادة المخرجة عبير علي؟
وربما يرجع انحسار المسرح المستقل إلى تحول عدد كبير من الفنانين الذين كانوا يعملون فيه إلى الدراما سواء التليفزيونية أو الإذاعية والسينمائية، بل إن كثيرا منهم أصبحوا من نجوم الصف الأول أمثال مصطفى شعبان وعبلة كامل وخال الصاوي وصلاح عبد الله وسلوي محمد علي وسيد رجب والراحل خالد صالح.
أو تحول البعض لكتابة السيناريو الاخراج السينمائي مثلما حدث مع محمد عبد الخالق وهاني المتناوي، أو إدارة مهرجانات سينمائية كما حدث مع عزة الحسيني.
ومع ذلك تبقى هذه التجربة- تجربة المسرح المستقل نقطة ضوء مهمة في تاريخ المسرح المصري المعاصر.


عيد عبد الحليم