«حلم جميل».. وأداء السهل الممتنع

«حلم جميل».. وأداء السهل الممتنع

العدد 770 صدر بتاريخ 30مايو2022

 من حسن حظي أنني حظيت بشرف إجراء حوارات مع عمالقة الفن المسرحي ومنهم الفنان الكبير عبد المنعم مدبولي وفي هذا الحوار سألته عن مدرسة المدبوليزم والنقد الذي وجه إليها من قبل بعض النقاد، فقال لي: وهو الضحك عيب، فالضحك في حد ذاته هدف مهم فحين أقدم عمل مسرحي هدفه الضحك فقد قدمت خدمة للمتفرج الذي تتغير حالته النفسية بعد مشاهدته، بشرط ألا يكون هذا الضحك ناتج عن إسفاف. تذكرت هذا الحوار أثناء مشاهدتي للعرض المسرحي «حلم جميل» حلم جميل” الذى يعرض على خشبة المسرح الكوميدى بالمنيل، التابع للبيت الفنى للمسرح، والمأخوذ عن فيلم أضواء المدينة لشارلي شابلن، دراماتورج طارق رمضان، إخراج إسلام إمام، بطولة سامح حسين، حنان عادل، عزت زين، رشا فؤاد، جلال هجرسي، ناجح نعيم، طارق راغب، ديكور حازم شبل، ملابس نعيمة عجمى، موسيقى هشام جبر، أشعار طارق على، استعراضات ضياء شفيق.
كما تذكرت أيضًا من الحوار نفسه رأيه في العروض التجريبية فقال: لابد أن يكون العرض واضح ومفهوم لكل الفئات، وليس فئة محددة فلا يتعالى على الجمهور، فالعرض المسرحي كالفن التشكيلي فكيف أقول «الله» على لوحة فنية لم أفهمها.
فشعرت أن صناع العمل قد تخرجوا من مدرسة مدبولي، وهي المرة الثانية التي أشاهد فيها عملاً للثلاثي: إسلام إمام، سامح حسين، عزت زين، حيث شاهدت لهم من قبل عرض «المتفائل» الذي قدم على خشبة المسرح القومي، لذا فلم يكن هذا الشعور وليد مشاهدة عمل واحد، بل أن تكرار الفكرة نفسها هو الذي أوجد هذا الانطباع، فالغرض الأساسي هو إسعاد المتفرج وإضحاكه من دون تعالي عليه ولا إسفاف كما يحدث في بعض العروض الكوميدية ليس بالقطاع الخاص فحسب بل في القطاع العام أيضًا والأمثلة كثيرة لكن ليس هذا موضوعنا.
هدف ثالث للعرض هو تقديم قضية أو قصة إنسانية يتعاطف معها الجمهور مع تتويجها بإطار جمالي يشمل لوحات غنائية واستعراضية فيحصل المتلقي على وجبة فنية متكاملة تغذي جميع الحواس.
 حلم جميل يتعرض للكذب الذي يمارسه كبار رجال الأعمال وبعض الجمعيات التي تدعي الاهتمام بالإنسان الفقير وتقديم كافة المساعدات له ليحيا حياة كريمة، بينما الحقيقة هم يسعون إلى الشهرة والوجاهة الاجتماعية، فينفقون مبالغ باهظة على تمثال يعبر عن ذلك الاهتمام ويركلون الفقير ويطردونه حتى يعلمون بوجود صحفية فيتظاهرون بالاهتمام المزيف. من بين هؤلاء الفقراء الشاب المشرد جميل ويجسد شخصيته الفنان سامح حسين الذي يقع في حب الفتاة الكفيفة “حلم” بائعة الورد التى تجسد شخصيتها الفنانة حنان عادل، ويحاول مساعدتها لاسترداد بصرها بإجراء عملية جراحية فيضحي بنفسه من أجل إسعادها، وحين يقابلها بعد أن أصبحت مبصرة وحققت حلمها في امتلاك محل لبيع الزهور، بينما هو المتشرد، ويرفض الكلام حتى لا تعرفه من صوته لكنها تتعرف عليه من خشونة يديه وملامسة وجهه.
 ديكور حازم شبل جاء متسقًا مع الفكرة ففي الفصل الأول عبارة عن رموز تعبر عن المكان فحسب من خلال عدة لوحات كالحفلة، الحديقة والمولد، وفي الفصل الثاني القصر الذي يظهر بوضوح الفجوة الكبيرة بين الفقر والغنى، ثم ديكور السجن، كما تلعب إضاءة أبو بكر الشريف دورًا كبيرًا لإبراز هذه التفاصيل سواء في الحديقة أو القصر أو السجن فصنعا معًا صورة جميلة عبرت عن العرض بدقة، كذلك ملابس نعيمة عجمي التي عبرت عن كل الشخصيات والمواقف، وتكتمل الصورة المبهجة باستعراضات ضياء شفيق مع موسيقى وألحان هشام جبر.
أما عن التمثيل وهو العنصر الأهم في العرض المسرحي طبعًا سامح حسين هو فنان البساطة والسهل الممتع الذي يقنعنا وهو يؤدي شخصية أنها شخصيته الحقيقية خاصة الإنسان البسيط والفقير ماديًا والغني إنسانيًا فتشعر أنك تعرفه معرفة شخصية، أما المفاجأة الكبرى في هذا العرض فهي حنان عادل- التي تلعب شخصية حلم بعد أن تركت العرض الفنانة سارة الدرزاوي- والتي تخرجت أولاً من مدرسة الفنان القدير عادل ماضي والفنانة سمر عبد الوهاب التي أخرجت لنا ممثلين بارعين هم ميدو، فاطمة، وحنان التي أشاهدها للمرة الأولى، فأداءها التمثيلي أكثر من رائع فقد توحدت مع شخصية الكفيفة والفقيرة ببراءة وخفة دم رائعة، رشا فؤاد نجحت في الأداء الأوفر المطلوب لتجسيد الشخصية المدعية التي لا يمكن أن نكرهها بسبب خفة دمها، لكنها تمتلك من الموهبة الكثير وهو ما لم يظهر في هذا المشهد الصغير. 
أستاذنا الكبير عزت زين الذي قدم ببراعة شخصيتان متناقضتان لرجل واحد مدمن للخمر يتحول إلى شخص آخر بعد تناوله.
 جلال الهجرسي وناجح نعيم رغم ظهورهما في مشهد واحد فقط إلا أنهما نجحا في ترك بصمة واضحة، كذلك كل أبطال العرض خاصة الذين جسدوا شخصيات المساجين، فالاختيارات موفقة جدًا، وكل من جسد شخصية فقد جسدها ببراعة. 


نور الهدى عبد المنعم