«خـــلــطـــة شــبــرا» .. زى مــا تيـجـى!

«خـــلــطـــة شــبــرا» .. زى مــا تيـجـى!

العدد 772 صدر بتاريخ 13يونيو2022

لم أجد عنوانا لمقالى النقدى عن العرض المسرحى “خلطة شبرا“، إنتاج مسرح الطليعة، يلخص ويصف ذلك العرض الحالة أنسب من عنوان (زى ما تيجى!) الذى هو كان عنوانا لرباعية شعرية ثابتة للكاتب والناقد المسرحى الكبير يسرى حسان  بجريدة  المساء قبل قرار تحويلها إلى جريدة إلكترونية بدلا من ورقية، وقد كانت تلك الرباعية الشعرية اليومية له هى واحدة من أهم الأسباب التى كانت تدفعنى للحرص على اقتناء الجريدة ومتابعتها بشكل شبه دائم، فمن خلال تلك الرباعية الشعرية الثابتة له وما يلخص فيها يوميا من خلال أربع أبيات فقط حال الحياة والبشر وحب الوطن والشهامة والجدعنة والإخلاص والانتماء والارتباط بالمكان وصفات وقيم ومواقف أخرى عديدة لا حصر لها نفتقد وجودها هذه الأيام، كان يسردها لنا فى رباعيته الشعرية بشكل يومى أما أحيانا بصيغة شعرية ساخرة لافتقادنا لها وأما مادحة أحيانا أخرى على أمل رجوعها، من هنا تعلقت بأشعار هذا الرجل ووجدت فيها لسان حالى فى كل مشاعرى ومواقفى ومشوارى فى الحياة والتى كان يلخصها ببراعة لا متناهية فى أبيات قصيرة، بل كنت أجمع قصاصات هذه الأشعار فى مكتبتى للرجوع إليها بين الحين والآخر والتذكر والتعلم منها ومحاولة التحلى بصفاتها، فقد كانت بها رائحة الأخلاق والمروءة وكل صفات أولاد البلد التى نتمناها هذه الأيام، والتى استشفيت من خلالها صفات هذا الرجل الذى أحببته واصبح من ضمن الشخصيات القليلة التى اتخذتها قدوة فى حياتى، ومن ثم علمت فيما بعد انه فنان شبراوى ابن بلد وأصيل، ومن هنا أدركت سر جاذبيته الشعرية وسر حلاوة  قلمه، ومن هنا زاد حبى لأبناء شبرا أكثر وأكثر، وزاد تعلقى بهم، فلم أصادف أن وجدت  فنان شبراوى واحد غير موهوب أو لا تجد فيه على الأقل بضعة صفات من تلك الصفات الأصيلة التى كان يتغزل بها يسرى حسان فى رباعياته الشعرية بجريدة المساء تحت عنوان ثابت لها باسم (زى ما تيجى !)، فذاك العنوان يصلح عنوانا أيضا لمسرحية يسرى حسان الأخيرة التى كتب قصتها وأيضا أشعارها (خلطة شبرا)، فإذا شاهدت العرض وكنت من متابعى الرباعيات الشعرية لهذا الرجل ستتأكد من ذلك، فكلاهما لهما مرادف واحد ونفس الخلطة، فالشبراوية اغلبهم كانوا يعيشون حياتهم ببساطة يوما بيوم وجنبا إلى جنب دون تمييز دينى أو حتى عرقى ودون أية حسابات أو تفكير فى الغد تاركين تسيير كل أمورهم وحياتهم لله عز وجل ثقة فيه دون الخشية من أحد سواه فى سبيل الحق والخير وحب الوطن، وتلك هى كانت سر الخلطة التى حولها يسرى حسان  فيما بعد إلى عمل مسرحى،  كما انه لجأ أيضا لفكرة تلك الرباعيات الشعرية فى مسرحيته الأخيرة (خلطة شبرا)  للتعبير عن حياة  وصفات الشبراوية والتى تغنى بها الفنان والمطرب الواعد ماهر محمود من ألحان الموسيقار الراحل احمد الحجار فسكنت فى القلوب، المسرحية تدور أحداثها فى الفترة من الستينيات حتى الثمانينات فى واحد من أعرق أحياء مصر وأقدمها ألا وهو “حى شبرا “، ذاك الحى الذى قام بتأسيسه محمد على باشا منذ اكثر من قرنين من الزمان، والمسرحية مأخوذة عن كتاب ليسرى حسان بنفس الاسم تناول فيه طبقة البسطاء والمهمشين بالمجتمع، واختار لهم أن يستعرض أسلوب حياتهم وأحلامهم البسيطة من خلال ذاك الحى العريق الذى هو نفسه ينتمى إليه، حى شبرا ذاك الحى الأقدم والذى يعبر عن كل ربوع مصر كنموذجا، كما يضم كل الأطياف المجتمعية من فقراء وأثرياء، صعايدة وفلاحين، مسلمين وأقباط، أجانب ومصريين يعيشون فى مودة ورباط، كما ولد وتربى وعاش فيه أيضا العديد من المشاهير والفنانين والذى اكتفى كلا من المخرج ومصمم الديكور باستعراض بعضهم لنا كرموز لذاك الحى من خلال بعض الصور المعلقة لهم فى واجهة المقهى على الحائط، استغل أيضا يسرى حسان كلا من الفترة الزمنية التى يتحاكى عنها العرض وذاك الحى العريق الذى اختار أن تنطلق منه شخصيات الحكى ليروى لنا فى حالة مسرحية  بديعة عن كل ما هو جميل فى تلك الفترة من تسامح ومحبة وإيثار بين الناس، وبساطة واختلاف الأمكنة من حولهم من شوارع وحارات وقصور وعشش ومساجد وكنائس ومقاهى شعبية وسينمات ودور عرض مفتوحة حيث كانت متاحة للجميع سواسية بلا تفرقة بين غنى وفقير أو باشا وغفير، لم يترك شئ إلا وتحدث عنه حتى البدروم والناس المهمشة التى تعيش فيه تحاكى عنهم، حالة من الروحانية الجميلة لذاك الزمن الجميل الذى نفتقده ويغيب عنا الآن كتبها لنا يسرى حسان ذاك الشاعر العاشق لوطنه ولحى شبرا الذى تربي فيه، وعبر عنها مرئيا ببراعة منقطعة النظير المخرج الشاب محمد سليم، من خلال اختياره لأسلوب الحكى المسرحى كطابع للعرض مع تطويره ومزجه بالتشخيص والغناء فى دراما شبراوية شعبية تلخص لنا حال ذاك الحى الذى يرمز لمصرنا الحبيبة فى تلك الحقبة الزمنية ليخرج الجمهور من العرض المسرحى وهو فى حالة من التطهير والتشبع بقيم وأخلاقيات ذاك الزمن الجميل وروحانياته والسعى إلى التغيير من الواقع الصادم الذى يحيا فيه ومحاولة استعادة وتأصيل ولو بالجزء اليسير من تلك القيم والعادات مما شاهدوها وسمعوها من هذه الملحمة الشبراوية الأصيلة، ولأن مسرح الحكى يعتمد على ممثلين ذوى قدرات خاصة حتى يستطيع أن يلاقى قبول المتلقى ولا يتسبب فى أية لحظات ملل له، لذا كان اهتمام محمد سليم فى المقام الأول هو فى اختيار شخصيات المسرحية بعناية شديدة تناسب الطابع الخاص لذلك النوع من المسرح، وهو أن يكون حكاء جيد يتمتع بالقبول والمهارة فى التلوين الصوتى والآدائى، فجاء اختياره  موفقا لأربعة من نجوم العرض المسرحى يتوسطهم مطرب ومؤدى ناجح فى نفس الوقت، فشعرنا مع كل من محمد هانى وعلاء النقيب وأحمد عبد الجواد ومحمود عبد الرازق بإنهم ليسوا اربع شخصيات فقط بل أكثر من اثنى عشر شخصية فى مسرحية جراند، وذلك بسبب قدراتهم الكبيرة فى التنوع بين الشخصيات المسرحية بكل تلقائية والتلوين الصوتى أيضا وابتكار كاركترات مختلفة لكل شخصية مما جعلنا لا نشعر بمحدودية عددهم، لذا فأستحق كل منهم حقيقة الثناء والإشادة على حسن تقمصهم لكل أدوارهم، وبالرغم من أن ماهر محمود ينحصر دوره فى العرض فى الآداء الغنائى فقط وسط فرقته الموسيقية فى الجانب الأيمن من المسرح إلا أن وجوده يعد جزءا لا يتجزأ من العرض ومكملا له ولا ينفصل عنه حيث انه يقوم بدور بالغ الأهمية فى العرض المسرحى وصفا  وتعليقا على الأحداث من خلال الرباعيات الغنائية التى كتبها يسرى حسان والتى كانت هى أشد ما يثير إعجاب الجمهور ودوما كان فى حالة تشوق وانتظار لها ما بين مشاهد الحكى نظرا لما يمتلكه ماهر محمود من صوت قوى رنان يأثر القلوب بجودة إحساسه ولما تعبر عنه الرباعية من معانى روحانية صادقة وجميلة عن شبرا وناسها مع سحر الألحان التى جاءت متوافقة تماما مع كلمات الرباعية وما بها من حب وشجن  ومعبرة أيضا عن الحالة المسرحية للعرض وكل معانى العاطفة والانتماء للمكان والزمان، والتى كانت آخر ما لحن الموسيقار والمطرب الراحل احمد الحجار، فكان ذاك العرض خير تكريما له وسط كل محبيه خاصة مع تفاجئ الجمهور بصوته وهو يشدوا بالغناء فى نهاية المسرحية، غالبا فى العروض التى تنتمى إلى مسرح الحالة  المسرحية الواحدة من بداية العرض لنهايته تشعرك بأن كل عناصر العرض وحدة واحدة تكمل بعضها البعض ولا ينفصل احدهما عن الآخر، وهذا ما نجح محمد سليم فى استحضاره إلى حد بعيد، فيكفيك أن تشاهد العرض المسرحى لتشعر بعدها أن هناك حالة روح وحب وهدف واحد جمعت كلا من المؤلف مع المخرج فى جلسات عمل فنية عديدة مع باقى عناصر العرض من ممثلين وألحان وطرب، حتى الديكور الذى قامت بتصميمه مى كمال والذى جاء عبارة عن مقهى شعبية يتوسطها الجمهور وكأنه جزء منها ويجلس فيها مع أبطال العرض المسرحى لخلق حالة روحانية وتفاعل جيد مع بعضهما البعض أثناء مشاهد الحكى، وإذا دققت النظر جيدا فى كل ما بالمقهى ستجد حرص مصممة الديكور على احداث التوازن بين كل الأمور التى دوما قد تثير الفتنة، ومنها أيضا تكون دعوة من خلال العرض للوحدة ونبذ أية تعصب أو خلافات مثلما كنا بالماضى، وبالتالى ستجد تعمدها على أن تجعل صورة مريم العذراء معلقة بيمين المقهى تتوسطها زينة رمضان وفى المقابل لها من يسار المقهى ستجد فانوس رمضان دلالة على الوحدة الوطنية التى كانت تسود حى شبرا حتى وقتنا هذا، حتى وجدنا من ضمن ما يحكى لنا من أبطال العرض ذاك القبطى الذى اعتاد الآذان للمسلمين وبالرغم من انه كان يخطئ فى بعض الآذان إلا أنه لم يجرؤ مسلم واحد حينها أن ينهره أو حتى يلومه حيث لم يكن يجمع بين المسلم والمسيحى سوى الود والمحبة والنسيج الواحد، كما تعمدت مصممة الديكور هنا أيضا أن تجعل من كلمة «الأهلى حديد» و«الزمالك مدرسة»، كلمتان تقابل كل منهما للآخر يمينا ويسارا بالمقهى كناية على ما كان يسود بينهم فى ذاك الحى من تشجيع مثالى وحب متبادل لا صراعات ولا كما يقال تحفيل كما نسمع ونشاهد الآن، وحقيقة هذه أمور قد يراها البعض بسيطة إلا أنها رموز غاية فى الأهمية قصدت مصممة الديكور مى كمال من ورائها إيصال رسالة العرض لجمهور الجيل الحالى بحرفية وذكاء يحسبا لهما، وعلى جانبى المقهى يمين ويسار الجمهور تجد شاشتى عرض المفترض دراميا بالمسرحية أنها شاشات لرواد المقهى لمشاهدة المباريات، وحيث أن فترة العرض تدور ما بين الستينات حتى التسعينات حيث لم تكن بعد قد ظهرت تلك الشاشات الحديثة للنور ولم تخترع بعد وكان المتداول حينها بمقاهى ذاك الزمن هى أجهزة التلفاز القديمة، لذا تعتبر هنا هذه الشاشات سقطة غفل عنها كل من المخرج ومصممة الديكور معا، ولكن بما أن استخدامها فى العرض لم يكن الغرض منه دراميا بمعنى أن المخرج لم يطلب من الممثلين أن ينظروا للشاشة ويتحدثون عما يشاهدونه بل كان الغرض منها توثيقيا للجمهور ليرى من خلالها مادة فيلمية عن شبرا امس واليوم ويلمس الفرق بينهما، ففى هذه الحالة لا تعد هنا سقطة فنية، ولكن كان من الأفضل إخراجيا أن تقوم مصممة الديكور بعرض هذه المادة الفيلمية على بانوراما سينمائية فى مكان مناسب بالمسرح حتى لا يقع أي من المخرج أو المصممة فى هذا اللبس أو الخطأ الفنى ويظن البعض أنها جزء من المقهى، وأيضا من أجل أن تكون زاوية الرؤية واضحة وكبيرة لعين المتلقى حيث انها لم تكن كبيرة وواضحة بالشكل الكافى نتيجة  لصغر حجم الشاشات، كما اهتمت مصممة الديكور بالتفاصيل الدقيقة بالمقهى التى تعبر عن زمن الأحداث من خلال لوحة الأسعار المعلقة على مقهى الحائط والمدون بها أسعار المشروبات بزمن الستينات وأيضا أسماء العاملين بالمقهى من الممثلين كى تعطى للمكان خصوصية شبرا، كما أن وجود مثل هذه اللوحة بكتابة وزاوية رؤية واضحة لم يكن مصادفة بل هى من وجهة نظرى بها إسقاط هام جدا أجاد كلا من المخرج ومصممة الديكور تصديره للمتلقى ببراعة وذكاء على هذه الأيام التى نحياها الآن والظروف التى يعيشها العالم اجمع وآثارها علينا وما وصلنا إليه بسببها، مما أضفى عظيم الأثر على شعور المتلقى بالتعاطف والحنين إلى ذاك الزمان والمكان وتمنى إعادة إحيائه، لذا تتجلى هنا عبقرية مصممة الديكور فى هذا العرض نظرا لأنها لم تهتم بالرؤية البصرية للديكور فقط بل اهتمت أيضا بكل التفاصيل الدقيقة التى تصدر إيحاء للمتلقى بروح الزمن وبخصوصية  المكان بحى شبرا والتى اختار المؤلف أن يرمز لها بالمقهى الذى يجمع كل أطياف الناس البسطاء منهم والمهمشين وأصحاب الطبقة المتوسطة والديانة المختلفة، فعملت على إضافتها فى تصميمها لذاك المقهى الشعبى، كما جاء تصميمها لأزياء شخصيات العرض أيضا تتسم بالبساطة وتعبر عن مستوى معيشتهم كما كانت ملائمة بدقة للزمن الذى يدور الحكى عنه بالمسرحية .
جاءت الإضاءة لمحمد سليم وهو نفسه مخرج العمل هادئة وناعمة فى ألوانها بحيث تعطى للعرض روح الماضى الجميل، فغلب اللون الأصفر الناعم على معظم مشاهد العرض مما كان له ابلغ الأثر فى سلب أرواح الجمهور وكأنه حلم وتعايشهم مع الشخصيات وأحداث العرض المسرحى .
المادة الفيلمية المهداة من عبد الحميد السيد والتى عرضت على شاشات المقهى يمينا ويسارا فى توقيت وأحد جاءت موفقة ومختارة بعناية من أهم أحياء شبرا واعرقها وناسها فى الماضى والحاضر ونجح عبد الحميد من خلالها فى تحقيق هدف المخرج والمؤلف معا فى تصدير المقارنة للمتلقى بين شبرا الأمس واليوم .
نجح احمد مجدى مصمم البوستر والدعاية إلى حد بعيد فى تصميم بوستر موفق ومعبر جدا عن حالة العرض المسرحية وخصوصية  شبرا وأهلها وأماكنها وأحيائها وشوارعها وما تتميز به، وظهر ذلك جليا فى اهتمامه بإدراجه فى البوستر صورة  للمسجد والكنيسة كل منهما يقابل الآخر وحمام السلام يطفو حولهما فى سماء شبرا، مع المبانى ذات الطراز المعمارى العريق والأثرى وبساطة الشوارع وسكانها حيث الحنطور كان وسيلة مواصلات هامة، وظهر بالبوستر محل مكتوب عليه باللغة الانجليزية كناية عن التعايش ما بين المصريين والأجانب فى وئام وسلام فى ذلك الحى وذاك الزمن، كما توسط البوستر صور أبطال العرض وهم جميعا مبتسمون ابتسامة عريضة توحى من خلالها بالشهامة والجدعنة والسعادة التى يضفيها أولاد شبرا على الآخرين، كما توحى بأنهم لا يعيرون للغد أي اهتمام ولا يعيشون سوى اللحظة الآنية، فكان اختيار الصور موفقا وعن عمد، وأخيرا حرص المصمم بالبوستر على تكريم الراحل الموسيقار أحمد الحجار بوضع صورته محتضنا العود وهو فى حالة تأثر وشجـن فنى، وكانت ألوان البوستر خليط ما بين الأبيض وأسود والألوان كناية عن المقارنة المقصودة من العرض ما بين ماضى شبرا وحاضرها .
وفى النهاية، يبقي أن نلفت نظر القارئ إلى أن العرض المسرحى «خلطة شبرا» هو عرض إنتاج مسرح الطليعة وينتمى إلى مسرح الحكى، وقد تم افتتاحه فى ذكرى مرور ستون عاما على تأسيس ذاك المسرح، وقد كان موضوع العرض مناسبا جدا لتلك المناسبة، حيث أن مسرح الطليعة طوال عهده منذ الستينات وهو متخصص فى التجارب الطليعية الجديدة، وهو ما ينطبق على ذلك النص الذى كتبه شاعر العامية المصرى الشبراوى يسرى حسان فقط من اجل أن يؤرخ ويخلد لطبقة هامة مهمشة ومظلومة من الشعب عاشت بيننا طويلا واختار لنا هنا أن يحكى عنهم من خلال  بسطاء  شبرا الذين عاش وتربى معهم وعلى مواقفهم وحكايتهم، حيث خصوصية  المكان عن دونه من أماكن المحروسة، وحيث قوة الانتماء ومبادلة الحب وأصول الجيرة ما بين بعضهم البعض والهدوء والسكينة والوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، فى فترة زمنية من الماضى الجميل كانت الأشياء فيها ليست كالأشياء سواء على مستوى الإنسان أو الزمان أو المكان، والتجربة الجديدة هنا قائمة على فكرة الخلط ما بين الحكى والتجسيد مع الغناء دون أن ينفصل احدهما عن الآخر، وهى من وجهة نظرى تجربة ناجحة بالفعل استطاع محمد سليم أن ينال رضاء الجمهور عليها، ليقدم لنا تجربة جديدة وموفقة بشباب موهوبة تدربت وأتقنت فن الحكى فشعرنا مع تلقائيتهم بأننا جزء منهم وهم جزء منا، ولم نشعر معهم بالوقت على مدار ساعة ونصف الساعة من الزمن، كما سلط الضوء على واحدة من أهم وأعرق أحياء مصر كنموذجا مستخدما العديد من الرموز والإسقاطات المسرحية للمقارنة بين الماضى والحاضر على المستوى الأخلاق والقيم وصناعة الإنسان، وساعده فى ذلك كثيرا اختياره لنص مكتوب بحرفية شديدة ليس عن عمد وتعمد، فالكاتب يسرى حسان هنا لم يستخدم القلم كالمعتاد فى كتابة تجربته عن شبرا ذلك الحى الذى ولد به ويعشقه على كل المستويات، بل استخدم قلبه وانتمائه وذاكرته وذكرياته وموهبته المفضلة فى الاختلاط بالمهمشين وحبه لهم والسماع لحكاياتهم فى كتابته للنص المسرحى «خلطة شبرا»، فهو دوما يعيش وسطهم مهما علا شأنه لا يفارقهم أو يتلون عليهم، بل يقترب منهم اكثر واكثر يكتب عنهم وعن حياتهم ومعاناتهم وأحلامهم، فقط من اجلهم ومن أجل الاهتمام بهم وإلقاء الضوء عليهم وتخليدهم دون وضع أية حسابات للتجمل أو التذوق فى الكلمات أو الحرص فى الموضوعات أو انتظار لنتائج، فقط هو يكتب بكل حب وصدق وتلقائية لكل ما يدور على قلبه ولسانه  و«زى ما تيجى !» .


أشرف فؤاد