فى مهرجان الشوارع الخلفية.. الإكسسوارات بطل من ذهب.. والمرح يلاحق الجمهور

فى مهرجان الشوارع الخلفية.. الإكسسوارات بطل من ذهب.. والمرح يلاحق الجمهور

العدد 524 صدر بتاريخ 11سبتمبر2017

في كثير من مهرجانات العالم يقف عدد أعضاء الفرقة المسرحية عائقا أمام استضافتها نظرا للتكلفة الكبيرة التي تتكبدها ميزانية أي مهرجان، لذلك تسعى المهرجانات - كلما أمكن - لاختيار العروض قليلة العدد والديكور وما إلى ذلك، وبشرط ألا يؤثر ذلك في مستوى جودة العروض، وهي معادلة صعبة للغاية.. وفي عروض مهرجان الشوارع الخلفية برئاسة د. محمود أبو دومة، شكل الجسد مع الإكسسوار بديلا حقيقيا تكونت من خلالهما خصوصية هذا الحدث في تواصله مع الجمهور بعيدا عن أشكال العرض التقليدية المعتمدة على الحوار.
وبالطبع، يقف وراء هذا التواصل الفعال فريق عمل المهرجان، وذلك عبر دقته في اختيار العروض التي تتناسب مع فلسفة المهرجان، فكانت النتيجة عروضا في غاية التنوع والإبهار والابتكار في الصور البصرية رغم بساطة الأفكار وعفويتها.
خلال تلك العروض التي تنوعت ما بين المسرح والسينما والغناء والأكروبات، اعتمد المؤدون بشكل أساسي على الإكسسوارات بدلا من الديكور، وهو بديل حيوي صنع بريقا خاصا لكل أشكال الدراما المطروحة، وقد تحقق في العرض الياباني “سينما بارادايس” والإسباني “تي إن تي شو” والنمساوي “مسافر عبر الزمن” وهي كلها عروض أدائية وفرجوية لا تزيد مدتها عن نصف ساعة وتهدف لنشر المرح والبسمة والبهجة بين الجمهور، فكان الإبهار في العرض الياباني من خلق عالم سينما الأكشن السحري والمثير من شريطة حمراء وطوق أحمر وكرسي.. فتشكلت من هذا الشريط الأحمر شاشة سينما تارة وإطار لحلبة ملاكمة تارة أخرى، وجسد من خلالها المؤدون مشاهد أكشن سينمائية من فيلم روكي الشهير للنجم الأمريكي سلفستر ستالون، وتابعناه وهو يمارس الملاكمة وسط الحلبة المتخيلة وصار الطوق الأحمر مقود السيارة التي يتم تصوير مشاهد الأكشن من خلالها، وبالطبع لم تكن الفكرة لتنجح إلا بالإتقان والحرفية الأدائية الشديدة لأبطال العرض في تجسيد المشاهد المختلفة ورسم انفعالات الفزع والخوف والإثارة على وجوههم، مع استخدام أزياء تنكرية للرجل مقطوع الرأس والسيدة ذات المؤخرة الكبيرة والشمسية الحمراء والشاب مدبب الشعر، وهي أزياء جاذبة ولافتة للنظر ساهمت في صنع البهجة خاصة وأنهم بادروا بالتقاط الصور التذكارية مع الجمهور قبل العرض، وهو ما خلق مناخا تمهيديا لاستقبال عملهم.
أما العرض الإسباني “تي إن تي شو” فيبدو بطله السيد فيتا للوهلة الأولى هاربا من فيلم كارتون نظرا لملامحه الكارتونية وقدرته على التحكم في انفعالات وجهه ونبرات صوته بطريقة لافتة للأنظار، بالإضافة إلى اعتماده الأساسي على الإكسسوارات باعتباره يقدم فقرة أكروباتية بها كثير من ألعاب الخفة، والعامل الأساسي في نجاح تلك الفقرة تكمن في مشاركته للجمهور من الصغار والكبار، وخصوصا في فقرة القنبلة التي حبس فيها أنفاس متابعيه خوفا من انفجار القنبلة ليكتشفوا في النهاية أنها قنبلة وهمية يلقي بعد انفجارها أمنيته بأن تكون كل قنابل العالم بلا دمار أو قتل.
ويأتي العرض النمساوي “مسافر عبر الزمن”، الذي يعيدنا لعالم الذكريات القديمة من خلال استدعاء كاميرا التصوير العتيقة إلى عصر التصوير الرقمي، وهي كاميرا بدائية ينشرون بها مع الصور الفورية البسمة والمرح لزبائنهم من جمهور مسرح الشارع الذين يداعبونهم ويهدونهم الورود والبالونات الحمراء والابتسامات، ولم ينسَ بطلا الفريق إكسسوارات المهرجين الجذابة سواء الأنف الحمراء المستديرة أو الملابس الكلاسيكية باللون الأبيض والأسود التي تمنح مرتديها رونقا وبهاء في حين تتفجر الكوميديا من مفارقة المظهر مع الأداء الفوضوي المثير للضحك والسخرية للممثلين، وهو ما أثار إعجاب الصغار من أطفال المدارس والمارة في الشوارع.
وفي العرض المسرحي المجري «آن درويد» يتجسد إبهار المسرح الرقمي كما لم تتخيل من قبل، وهي التقنية التي انتشرت قبل سنوات طويلة في أوروبا وصارت الأكثر جاذبية لدى المخرجين، خاصة وأنها تختزل كثيرا من عالم الفضاء المسرحي وتمنحه في ذات الوقت آفاقا أوسع وخيالا أرحب، ففيه انطلق بطلا العرض المخترع المهووس باختراعاته وفتاته الروبوتية الحالمة والساعية للتحول إلى حياة البشر بكل انفعالاتهم، وهنا تبدأ رحلتها المتخيلة بين السماء والبحار والأرض، وتتفاعل مع كل ما يقابلها على الشاشة الشفافة كما لو كانت شخصية حقيقية على المسرح، ولم يخلُ العرض من إكسسوارات مؤثرة في دراما العرض، فرأينا ملاحقة الكرة المضيئة «بيب بيب» لمخترعها أينما ذهب وعدد آخر من مخترعاته كالفوت مشروم واللولي بوت، وما إلى ذلك من أشياء لعبت دورا كوميديا ومثيرا للإعجاب بما جعل الأداء الصامت للممثلين أبلغ من أي جمل حوارية.
وما يؤكد على حرص فريق عمل المهرجان على انتقاء عروضهم بعناية وبقصدية شديدة هو اختيارهم لتقديم الأغنيات الكلاسيكية سواء المصرية أو العالمية بشكل معاصر وغير تقليدي، وتمثل ذلك في عرضي “أكابيلا” و”مسرح الساقية للعرائس”.. فالفرقة السويدية ليمون سكويزي المكونة من أربعة مطربين شقت طريقها بتقديم أغنيات الجوقة السويدية والفيس بريسلي منذ عام 2010 ولكن بطريقة مبتكرة للغاية، فإذا افترضنا أن لكل فرقة غنائية فريق موسيقى مصاحب له وإذا اعتبرنا أن كل فرقة موسيقية تصاحب أعضاءها آلات موسيقية كنوع من الإكسسوار الذي لا غنى عنه إذا جاز التعبير، فإن مطربي فرقة ليمون سكويزي اختاروا التخلي عن فكرة الفرقة وآلاتها، وأن يلعب المطربون أدوار الآلات بأصواتهم، وهنا تكمن جاذبية الفرقة، فقد تحولت أغنياتهم الكلاسيكية التي من الممكن أن تكون عادية أو تقليدية في بلادهم إلى أغنيات أكثر بهجة وحيوية، بما جذب الجمهور الشباب والكبار إلى التفاعل معهم بحماس شديد.. أما اختيار فرقة الساقية للعرائس فيبدو أنه أيضا بسبب جاذبية العرائس في تبسيط أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم للصغار وتجسيد فرقتها بالكامل على المسرح في شكل عرائس ماريونيت باعتبارهم أيقونات في عالم الغناء والموسيقى.. وعلى جانب آخر تماما تأتي فرقة أسياد الزار لتلقي نوعا آخر من فنون الغناء يعتمد على فكرة الطقس الشعبي المرتبط بفك السحر، ولكنهم استطاعوا تحويله إلى فن شديد الجاذبية لجمهوره من مختلف الأعمار، والغريب هو انجذاب الشباب من دون الثلاثين لتلك النوعية من الغناء حتى إنهم تفاعلوا معهم وشاركوهم الرقص على المسرح في حميمية وحماس يؤكدان متابعتهم المستمرة لعروض المختلفة في عدة أماكن.
ومن كلاسيكيات الغناء إلى مداعبة العمارة بخيال فني جديد في العرض الإنجليزي الصدع.. وهو عرض إسقاط ضوئي على العمارة المشيدة بقلب المدينة في مدة لا تتجاوز خمس دقائق، ويسعى صناع العمل به إلى إظهار مدى شغفهم بالعمارة المحيطة بنا في كل مكان إذ يعتمد على الإيقاعات الصاخبة وتعالي الأصوات على نحو درامي.
وفي النهاية يبقى مهرجان الشوارع الخلفية فرصة حية وحيوية لبث البهجة المفقودة وروح المرح والتفاؤل المطلوب لمواجهة أعباء الحياة.


سها كحيل