العدد 768 صدر بتاريخ 16مايو2022
يقدم لنا الكاتب الكبير د. علاء عبد الهادي في كتابه الأخير «الشعريات المقارنة –التعازي والتشابيه الشيعية» (قراءة سيميائية من منظور النوع النووي).. حيث يقول في تمهيده للكتاب; (تنتمي هذه الدراسة في جزء منها إلى حقل النقد الثقافي، ويقوم منهجنا علي مداخل متعددة الاختصاص، وذلك بناء علي محاور (ثلاثة) فيقدم المحور الأول «عروض التعازى والتشابيه، موضحا» الجوانب التاريخية والعقدية لنشأتها، ومقدما وصفا تفصيليا لهذه العروض في إطار الوحدة ويعالج .(المحور الثاني) من «منظور الشعريات المقارنة محددا «ما يطلق عليه المكافئ isotop)= (في النوع المسرحي، ومتناولا» صحة التعامل مع التعازي والتشابيه بصفتها نظيرا «مسرحيا» (isomer) وذلك في ضوء نظرية (النوع النووي) الذي سيوضحه سياق تحليلنا (لنظير) التعازى والتشابيه المسرحي .. لمن لم يقرأ كتابه «مقدمة إلى نموذج النوع النووى نحو مدخل توحيدى إلى حقل الشعريات المقارنة « 2008 (دار الحضارة العربية)، ويعد كتابانا هذا جزءا تطبيقيا يعالج تطبيق النوع النووي في نموذجها المسرحي. ويقدم (المحور الثالث) مدخلا منهجيا إلى قراءة سيميائية لعرض «التعازي والتشابيه»، وتنتهي الدراسة بنتائج توضح الاستثمار الثقافي والأيديولوجي لعرض التعازي والتشابيه المسرحي، في مجموعه من الجداول الرياضية، مع الإشارة إلى أسباب عدم تطوره الفنية .
تبدأ هذه الدراسة (بمقدمة) حول (مناهج البحث في أصول المسرح العربي) والشكول المسرحية في تراثنا قبل دخول فن المسرح بشكوله الغربية وتقاليده سياقا ونصا - أداء، ويقدم قراءة (ميتا نقدية) موجزة تتناول هذا التأصيل في المسرح العربي، وجدليات الأداء في تراثنا الذي يقبل السؤال النقدي والمجادلة بشأن انتمائها من عدمه إلى النظير المسرحي. ويؤكد قائلا (كما تجدر الإشارة إلى أن شخصية (الحسين) عليه السلام التي تتناولها هذه العروض، والتي تعالجها هذه الدراسة ليست هي الشخصية التاريخية أو الحقيقية في عروض التعازي وإنما كما من بينها الشخصية الدرامية الحاضرة في عروض التعازى والتشابيه.. التي رسم حدودها الفنية، والخيالية الوعي الجمعي، فضلا عما إضافة إليها من سمات وصفات في أثناء تطور هذه العروض تاريخيا»، وذلك بما اتسمت به هذه الشخصية التاريخية العظيمة في أثناء العرض من اختزال وتحرير وتحوير، نوع شكولها واظهر غناها واختلافاتها من عرض إلى أخر وفق ما تصفه هذه العروض اقتضاءات السوق الاجتماعي الثقافي والضرورات الفنية والعقدية في كل قطر).
هذه هي المعالم العامة في هذا الكتاب (الهام) الذي يتناول بالدرس والتحليل، إذا كان من المناسب إيضاحها، وتجليه بنيتها ويضيف الكاتب: (وقد حاولنا في طرحنا هذا التمسك بالاقتصاد،و تقريب القول من بعضه مهتمين بتأصيل أسئلة البحث الرئيسية، والعودة بها، وقريب القول من بعضة مهتمين بتأصيل أسئلة البحث الرئيسية والعودة بها إلى الدليل المنطقي والاستدلال العقلي وتقريب القول من بعضه بتأجيل أسئلة البحث الرئيسية،و العودة بها إلى الدليل المنطقي والاستدلال العقلي، وهذا الشأن ليس بهين،لان الإعراض فيه غالبا ما يكون أولي من الذكر، وكما يقول (ابن عطا الله السكندري) [ربما عبر عن المقام من استشرف عليه، وربما عبر عنه من وصل إليه، وذلك ملتبس إلا علي صاحب بصيرة ]
وفي (الفصل الأول) من هذا الكتاب وعنوانه (في مناهج البحث في أصول المسرح العربي؟ قراءة (ميتا نقدية) حيث يتناول الخطاب النقدي والتأصيلي .، ومناهج البحث عن أصول المسرح العربي قبل عام 1847 – كي تكون مقدمة ضرورية تسبق تحليله (للتعازى والتشابيه) من خلال نموذج النوع النووي المسرحي، والذي يعده (الكاتب) بمثابة الجزء الثاني التطبيقي من كتابة «مقدمة إلى نموذج النوع النووي نحو مدخل تمهيدي إلى حقل الشعريات المقارنة بعمق 2008 – مركز الحضارة العربية . وكما سبق أن أشرنا وهذا الفصل يعمق ويرسخ تأكيد وجود مسرح عربي قبل 1847، وهو ما يختلف مع بعض أراء المنظرين الذين اختلفوا كثيرا حول هذه القضية كما جاء في كتاب (د . محمد المديوني) إشكاليات تأصيل المسرح العربي»- (المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون) يبت الحكمة -1993 – والذي تنوعت واختلفت حوله كل من حاول تأصيل المسرح العربي في أنحاء العالم العربي ويشرح الكاتب الكبير د. علاء عب الهادي بان (نظرية النوع (النووي) الذي تقوم علي بنية منطقية ورياضية، لها جهازها المفهومي، وإجراءاتها، وأنه فضل إطلاق اسم (نموذج) عليها لشكه العلمي في مفهوم النظرية غير التاريخي من جهة،و لميله إلى فلسفة العلم كما شرحها الفيلسوف النمساوي (بول فابرابينو) في كتابه «ضد المنهج « 1979، وأنه ربما تكون نتائج هذا النموذج مفيدة في تشكيك المركزية الغربية في دراسات النوع بعامة، والنوع المسرحي بخاصة (النووي) إلى افتراض وجود تقاطع بين (الشعريات) القومية المختلفة للنوع الأدبي أو الفني يمكن استخلاصها في نموذج نووي نوعي واحد من خلال القراءة الدقيقة لمئات التجليات النوعية لنوع ما في ثقافات متعددة وسياقات اجتماعية متنوعة، وذلك من اجل تحديد المكونات البنوية وفصلها عن المكونات الجمالية في جماع هذه التجليات ذوات الشعريات،الجمالية والأسلوبية المختلفة المرتبطة بقومياتها وجغرافيتها الثقافية، واللغوية المتعددة، وبجيولوجيتها الجمالية المتراكمة، وذلك بسبب اختلاف سياق نشوئها الاجتماعي والثقافي من قومية إلى أخري، و كان هدفه من ذلك الحصول علي مكون بنيوى قادر علي المستويين (النووي –الانطولوجي والمعرفي يمكن تعيينه من خلال دراسة (امبريقية) لمئات العروض المسرحية من قوميات مختلفة – بحثا عن المشترك والمتقاطع بينها، وذلك لتحديد المكون البنائي في نموذج النوع النووي المسرحي،و يري أن هذا النموذج لديه الإمكانية القوية لسيادة نظائر فنية لقوميات ذات تقدم حضاري مهيمن علي نظائر فنية لقوميات اقل تقدما ،و أن من حقه السؤال عن تراثه المادي والابداعي الذي طمسته نظرية الأنواع الأوروبية، و تعاملت معه بصفته تراثا بدائيا لا يصح أن ينتسب إليه فن المسرح أو الملحمة أو الرواية،و يتساءل: (هل يعني غياب كلمة مسرح عن المعجم الفني لامة ما غياب ما تدل عليه هذه الكلمة في الواقع ؟و هل يعني وجود عوالم درامية في نصوص أدبية قديمة يتوافر فيها الحوار مثل في «انتصار حورس» علي سبيل المثال،أو نصوص تراثية مثل المقامات « معرفتنا بفن المسرح المؤدي، ولا أقول فن الدراما المكتوب،و هل يشكل غياب مبني مسرحي بالمعني المتعارف عليه جماليا أو تاريخيا دليلا علي غياب معرفة شعب أو قومية ما للفن المسرحي؟ وهل يعني غياب كلمة (مسرح) في المعجم الفني لامة ما هو غياب ما تدل عليه هذه الكلمة في الواقع ؟ ويستعرض الكاتب أراء من ذهبوا إلى وجوده بشكله الغربي، ويري انه قد مرت (حركة تأصيل المسرح العربي) بتيارين يحلقان بين النفي والإثبات –الأول مندفع منهجيا، وسيطر علي معظم البحوث ...أحدهما يتخذ أسلوب التأريخ أو العرض التصنيفي أو الوصفي – دون الدخول الجاد في (مبحث النوع المسرحي)، وأنهم قد عرفو المظاهر المسرحية دون منازع وأن دلائل وجودها في التراث العربي لا يمكن انكارها عند (محمد كمال الدين) في كتابة «العرب والمسرح «1975 وكتاب (علي الراعي) المسرح في الوطن العربي 1980 وعلي (عقله عرسان)، «الظواهر المسرحية عند العرب» 1983، ويري الكاتب أن استيراد المسرح من الثقافة الغربية إلى الثقافة العربية أدي إلى إجهاض الجنين الشرعي الذي كان يمكن أن ينمو من واقع فنون الأداء . والفرجة الخاصة بنا ويحدد (علي نحو موجز) اهم تجليات الأداء الفني مثل .تجليات فنية يهيمن عليها السرد مثل (سارد الملحمة)،و سارد القصص الشيعي،السارد الديني (المنشد أو الصييت)، وتجليات أداء فنية تهيمن عليها المحاكاة الصامتة مثل (الكُرج) و(السماجة)، والحواة وألعاب الحيوانات،و تجليات اداء شعبية يهيمن عليها الجانب الديني والفلسفي مثل (التعازي)،(الزار) والاحتفالات الدينية (المولد النبوى نموذجا)، وتجليات أداء تعتمد علي وسيط غير بشري وتضم [القراكوز، خيال الظل،صندوق الدنيا ] ويقرر انه اغفلها عند الحصر لابتعادها عن مفهوم المسرحية علي نحو واضح ومباشر مثل: النصوص الأدبية التي ليس لها تحقق مسرحي، وممارسات الأداء الديني المباشرة في المعابد، الأضرحة، المساجد وغيرها من دور العبادة، وطقوس عدد من الطوائف المغلقة وعاداتها،و الممارسات الاحتفالية الواقعية البعيدة عن المفهوم الأدبي الفني مثل (العزاء) وطقوس الندب،و تجليات أداء شديدة المحلية محدودة من الناحية الفنية أو التاريخية، والشكول مثل ما يطلق عليه في المغرب بمسرح (الحلقة) معتمدا في كل ذلك علي مراجع لدارسين من أمثال (حلم الزعفري، محمد خراف، محمد أديب) السلاوي، و حسن البحراوى).
ولهذا كان إلزاما علينا استعراض مراجع هذا الكتاب الهام وهم (41) (واحد وأربعون) مرجعا باللغة العربية،و (15) خمسة عشر مرعا مرجعا إلى العربية، و(20) (عشرون) مترجما باللغات الأجنبية –ويستشهد الكاتب بكتاب (محمد يوسف نجم) «المسرحية في الأدب العربي الحديث «1914 -1947 « دار الثقافة 1980 وفيه يسأله الكاتب: [هل يسمح التقسيم الذي انتهي اليه حين يضع الفن المسرحي في مقابل الفن الشعبي ؟
ويرد عليه كاتبنا متسائلا: ألم يكن المسرح في بذوره الأولي التي خرج منها شعبية (كالديثرامب)، و(عربة تسبيس) الخ – يمكن أن يميز تمييزا قاطعا علي مستوي النوع –بين فني المسرح وغيره من ألوان الأداء الفني الشعبية التي لا تنتمي إلى فن المسرح ؟ وهل هناك ما يمنع انتماء عدد منها إلى حقل الفن المسرحي، وهي أسئلة يطرحها (الكاتب) علي طريقة التناول أو التفكير التي انتهجها (د. محمد يوسف نجم)، ويؤكد هذا الرأي الباحث [عبد الرحمن حمادي ] في كتابة «جوانب من قضايا وإشكاليات المسرح العربي»، عندما أشار إلى انه ليس في مصلحتنا أن نعاند بتحويل بعض ثقافتنا أو تراثنا العربي إلى ظواهر مسرحية لم تكن موجودة، وينضم إلى هذا الاتجاه (عبد الرحمن باغي) في كتابة «الجهود المسرحية الإغريقية والأوروبية العربية»، و(د.علاء عبد الهادي) في كتابه «مفهوم النظير المسرحي - مقدمة في نظرية النوع النووي، وكتاب (حياة جاسم محمد) في « قضايا المسرح العربي المعاصر» في المسرح العربي بين النقل والتأصيل» .لذا فقد رفض ممثلو هذا الاتجاه وجود المسرح في التراث أو الموروث ويرجع مؤيدو رفض وجود مسرح عربي إلى اتجاهين وهما: غياب النص الدرامي، وإلى أن الإسلام بتعاليمه كان مانعا لهذا الفن، والي (العامل اللغوي والأدبي) وطبيعة اللغة العربية وقسوتها، والي (العامل النفسي) كما يقول (توفيق الحكيم) إن العرب ظلوا متمسكين بماضيهم الأدبي والفكري، و(العامل البيئي) وقسوة البيئة الصحراوية، و(العامل الأنثروبولوجي)، وان العرب بطبيعتهم ينظرون إلى الكلمات ولا يميلون إلى التحليل، ويطرح الكاتب سؤالين في نهاية هذا الجزء حول غياب الدراما عند شعب من الشعوب في حياته؟ وأن الأمر يتطلب فصل العناصر البنيوية عن العناصر الجمالية والأسلوبية، و(الاتجاه الثاني) يعزو غياب المسرح إلى غياب فن الأداء وغياب الخشبة المسرحية الأدائية، و(العامل العقدي) وهو أن الإسلام قد حرم التجسيم والتمثيل وإنكار الفنون اللا أدائية، ويستشهد بكتاب (لويس غاردينية)، بان العرب حاربوا تمثيل الأدوار النسوية، والي (العنصر الفني)، ويستشهد بما أشار إليه (طه سيف) إلى غياب احتكاك العرب بنماذج منه كي يقتدي به)، و(العامل البيئي) كما يقول (العقاد) بأن طبيعة البيئة العربية وقسوتها قد منعت قيام الأدوار الاجتماعية في حياة العربي، وأن التمثيل يرتبط بالحياة الاجتماعية، وكذا (أمين الخولي) الذي يري أن ترحال البدوي الدائم كان سببا لغياب استقرار المظاهر التجسيمية في وثنيته، وينتهي (المؤلف) في هذا الفصل بسؤال هو [هل يشكل غياب مبني مخصص للعرض المسرحي وفق المعني المتعارف عليه جماليا للعرض المسرحي في المسرح الأوروبي، دليلا علي غياب معرفة شعب ما للفن المسرحي ؟]
وينتقل الكاتب من خلال الدرس المنهجي لهذه المحاولات، ويمكننا عبر القراءة النقدية السابقة، أن ترصد عيبا منهجيا في الدراسات والآراء –عند التنظير والتفسير إلى وعي جمالي خارج الوعي التاريخي لفنون فرجتنا، وتراثنا أو موروثنا العربيين، وخارج صرامة التحري النقدي الذي كان يجب عليه أولا الفصل بين البنيوى والجمالي في العمل الفني كي لا يجري التعامل النقدي مع المكون البنيوي بمسميين للفظ واحد كما استلهم تعريفهم للمسرح بانه بالضرورة –لا يمكنه بأي حال أن يكون مستوعبا للشكول المسرحية لبيئات قومية أخري تقع في خارج هذا الوعي،و قد ظهر هذا العيب في معظم الدراسات أو المقالات التي رفضت وجود المسرح الجديد والدراما العربية قبل (مارون النقاش) 1847 وأن كثيرا من الدارسين [عند تنظيرهم ] للمسرح العربي وإشكالية العرض الكاملة في بعدية نص الدراما /نص الأداء فوقع الخلط بينهما عند إطلاق الأحكام التي حاولت إثبات مسرح عربي سابق علي استشياب المسرح وفق تشكيلة الغربي « حيث قامت الأحكام النقدية علي أساس أن وجود النص الدرامي في تراثنا العربي دليل علي وجود مسرح عربي، وهكذا تعامل عدد من النقاد مع عدد من النصوص التراثية التي تحمل في جنباتها سمات درامية، ويتسائل: هل يمكننا أن نتكلم بكفاءة نقدية عن وجود عوالم درامية في نصوص أدبية وعربية (تراثية) وأن هذا يعني معرفة العرب لفن المسرح ؟ وهو فن أدائي دون منازع، وقد خلط عدد من هذه الدراسات عند الحكم النقدي علي الفنون الأدائية، وهكذا علي سبيل المثال أصبحت «بابات ابن دانيال» و»مقامات الحريري «– دليلا علي وجود مسرح عربي بالرغم من غياب دليل قاطع لتحققها في فضاء ثلاثي الأبعاد – أما علي مستوي (الأعمال التي تنتمي إلى الفنون الكتابية ومطلقين عليها جماليات فنية، والتي خرجت من محيطها النوعي والجمالي إلي محيط جمالي أخر، وبنية فنية أو شكلية أخري،و ذلك بعد أن تدخل في جسدها الفني خارج وعيها التاريخي – بما أخل بسيطرة المفاهيم الجمالية الدخيلة علي طبيعة النص الأصلي –فأعدت نصوص تراثية مُنحت صيغة درامية علي شكل الدراما الأوروبية –مثل النص الذي اعده (محمد عزيزة) من نصوص التعازي الشيعية، كما تدخل عدد من النقاد بالتعديل، والحذف، والإضافة علي النصوص الأصلية مثل (د.إبراهيم حمادة) في « بابات ابن دانيال «، وقد سبقت النتيجة في عدد من هذه الدراسات ومقدماتها قبل 1847 –تاريخ دخول أول مسرحية غربية إلى عالمنا العربي علي يد (مارون النقاش) وبداية خضوع فنون فرجتنا التي ينتمي بعضها إلى المسرح دون منازع تحت ظل جماليات المسرح الأوروبي .
و يشير (الكاتب) إلى تأثر عدد كبير من الأدباء التي نفت وجود المسرح أو الدراما العربية لأن معظم هذه الدراسات لم تتحر دراسة فنون الأداء بشكل كلي علي مستوي العالم العربي، وان عددا كبيرا من النقاد والأدباء قام علي نحو جزئي لم يهتم بالتقصي الشامل للظاهرة موضوع البحث –لكن ظل سؤال الكفاءة مرتبط بقدرة نص العرض علي حزب المتلقين؛ وينتهي (المؤلف) إلى أن العرب قد عرفوا المسرح –مثلهم في ذلك مثل الكوريين واليابانيين والهنود وشعوب أفريقية أخري أكثر بدائية .. وتشير نتيجة تطبيق نموذج (النوع النووي) المسرحي علي تجليات الأداء العربي قبل 1847 إلى حضور ثمانية نظائر مسرحية مستقرة مارسها العرب في تاريخهم الطويل قبل استزراع المسرح الغربي وتعتمد علي (نظائر) مسرحية تعتمد علي وسيط بشري: وهي نظائر يهيمن عليها (السرد) أي السارد الملحمي وسارد القصص الشعبي، ونظائر مسرحية تهيمن عليها المحاكاة الصامتة مثل [الكرج والسماجة]، ونظائر يهيمن عليها الأداء التمثيلي مثل (السامر والمحبظين)، ونظائر يهيمن عليها الحدث الديني والفلسفي مثل (التعازى) ونظائر تقوم على وسيط غير بشري وتضم (القراقوز) ويري (الكاتب) أن أي عمل مسرحي متحقق هو نظير مسرحي(ISOTOP (أيا كانت درجات نضوجه الجمالي إذا ما توفرت فيه المكونات البنيوية كالنظير المسرحي،و أن هناك أشكال مسرحية (ثمانية) ليست مظاهر مسرحية أو بذورا مسرحية أو ظواهر مسرحية –إلى أخر هذه التوصيفات التي اعتاد الباحثون علي إطلاقها دون حسم – بل أنها نظائر مسرحية دون منازع، مثل نظائر المسرح الإغريقي أو مسارح العصور الوسطي أو المسرح الأوروبي، وذلك وفق النوع النووي المسرحي، وأن ظل سؤال الكفاءة الفنية في علاقته ببلاغة العرض المسرحي، ويخصص (الكاتب) دراسته بالتحليل نظيرا واحدا من هذه النظائر المسرحية الثمانية وهو نظير [ التعازي والتشابيه المسرحي ] في مدينة كربلاء، وانه في هذا التحليل يلقي الضوء علي نموذج النوع النووي المسرحي علي نحو تطبيقي،و كما في الفصل الثاني) وعنوانه (في عرض التعازي والتشابيه) مستعرضا» الجوانب التاريخية والعقدية لعروض التعازي ونصوصها) حيث ظهرت أول ما ظهرت في الأدب الفارسي في شكل أشعار حماسية ومأساوية، ورثاء مذهبي في القرن السادس عشر التي أدخلت طقوس الاستعراضات العنيفة الغريبة إلى مجالس التعزية الحسينية – كما أشار (مناضل داود) في كتابة « مسرح التعزية في العراق، دار المدي -2006 – حيث يحج إلى كربلاء (مدينة الواقعة) من زوار الشيعة من إيران والهند وباكستان والبلدان العربية ومحافظات العراق وغيرها، واشتهرت مدينة كربلاء بعقد مجالس التعازي والحسينية في العشرة أيام الأولي من أيام عاشوراء، وقد أضيف إلى التعازى بعد ذلك ما يسمي (التشابيه) في أواخر 1779 – وذلك بعد أن فرض التشييع بالقوة في إيران، وقد تأثرت طقوس التعازى بالتزاوج الذي حصل بين حركة التشييع الإثني عشري في إيران، وطريقة دراويش الصوفية (الباكداشية) في إيران التي أخذت منها التعازي الحسينية الشيعية طقوسها الاستعراضية العنيفة والتي اعتمدت لاحقا في مواكب التعازي،تعبيرا عن الندم، وهي طقوس قد تكون لها وشائج قربي باستعراضات ألآم السيد المسيح التي كانت تنتشر في أوروبا المسيحية في القرون الوسطي ويقال أن (البويهيين) قد ادخلوا إلى العراق في القرن الرابع الهجري (تشابيه) قتل الحسين في الأيام العشرة الأولي من شهر محرم ليتقربوا إلى الناس، وقبل أن تتأثر طقوس التعازي بالتزاوج الذي حصل بين حركة التشييع الإثني عشري في إيران، وطريقة دراويش الصوفية الباكداشية في إيران والتي اعتمدت لاحقا في مواكب التعازي تعبيرا عن الندم، وهي طقوس لها وشائج قربي باستعراضات ألام السيد المسيح التي كانت تنتشر في أوروبا المسيحية في القرون الوسطي . ويشير إلى أن ذروة الاحتفالات كانت في اليوم العاشر (يوم عاشوراء) وتلقب بمشهد التعازي ويسمي بالإيرانية (روز قتل) –أما (التشابيه) فطقس استعراضي دنيوي جديد نسبيا» أضيف إلى التعازى الحسينية التقليدية التي كان يقيمها الشيعة بدوافع سياسية،و هي ليست غارقة في القدم كما يشاع عنها فقد كُتبت النصوص الأساسية للتعازي شعرا، لكنها تقرأ تراتيلا، و قد أضيف إلى مادة هذه النصوص عدد غير قليل من المسرحيات لمؤلفين مجهولين، ويذكر (محمد عزيزة) أن للتعازي ثلاثة نصوص رئيسية فضلا عن نصوص عديدة ومتنوعة، وأهم هذه النصوص:
ثلاثة وثلاثون مجلسا ويحمل عنوان (نشيد الشهيد)
«كتاب (لتبن) « ويتضمن خمسة عشر مثلهما
«كتاب (لويس)» وعنوانه « مسرحية الحسن والحسين المعجزة «ويتضمن ترجمة سبع وثلاثين مسرحية فقدت نصوصها الأصلية منذ ذلك الحين، وتتعدد أسماء النصوص مثل: «مقتل الحسين مصوغ بأسلوب السرد وليس الحوار، والنص الشعبي «مقتل الإمام الحسيني» (لابي مخنف)، ويغيب عن نصوص التعازي والتشابيه الحوارات بين الشخصيات، (وأن وجدت) فهي مقاطع شعرية عاطفية ويكتفي به (الراوي)، وكذا نصوص شفاهية مسجلة في شرائط، والتي تؤكد اختلاف النصوص من مكان إلى أخر، ويقسم نص التعازي إلى ثلاثة أقسام: الأول: يصف فيها زواج فاطمة وعلي، وطفولة الحسين،وموت الرسول، وتوجه الحسين إلى كربلاء .
والثاني: يصف مقتل الحسين علي يد (شمرين ذي الجوشن) من جيش يزيد عام 40 هجرية، والثالث يُصف ما بعد مأساة كربلاء عندما يحمل الجيش الأموي رأس الحسين إلى دمشق ومعهم السبايا، ووقوع المعجزات) بإسلام اليهود والنصاري، وتحرير عائلة الحسين من الأسر، وعودتهم إلى المدينة المنورة، وفي الخاتمة يتم تمثيل يوم الحساب، وقد تحتوي نصوص أخري معاقبة القتلي علي فعلتهم الشنعاء، أما قصائد الرثاء فتتجدد أساليبها وتتنوع مضموناتها، لتنطلق حية كل عام – لكن قراءة النصوص لا تعطي صورة حقيقية لمدي تأثيرها في جمهور شديد الانفعال بأحداثها، إذ ينوه (الكاتب) بانه معني بإعطاء الأولوية للعرض والأداء في المقام الأول، ويشير إلى اهتمامه بوصفه التعازي والتشابيه من جانبها الأدائي والسيميائي وبعد تناول النصوص، وان هناك مئات المؤلفات الأدبية عن شعر الحسين، وأدب (الطف) منشورة في أجزاء عشرة علي مدي القرن الأول الهجري .إلى القرن الرابع عشر، وينتقل (الكاتب) إلى كيفية صياغة الخيال الشعبي (تشخيصا ونصا) .
و تحت عنوان (التعازى والتشابيه) بوصفهما وحدة واحدة)، يعود المؤلف إلى الكاتب والمخرج العراقي الكبير (جواد الأسدي) وكتابه «المظاهر الاحتفالية التي تقام في الأيام العشرة الأولي من شهر محرم»، ويقسمها إلى أشكال ثلاثة هي: (الحلقة)، و(التعازى) و(التشابيه) وبالرغم من اختلاف خصائص كل منها عن الأخري – فهو يراها جميعا تجليات صاغتها مشاعر الناس لحالة وجدانية متماسكة، ويخضع نصوص التعازى أثناء قراءتها في المجالس الحسينية إلى ترتيب مقصود حيث (يقسم الشيعة شهداء المذبحة ممن يرغبون أن يخصوهم بالمحبة والأهمية علي أيام عشرة –[فمن الليلة الأولي حتي الرابعة تكون الطقوس والقراءات مرتبطة بالشهيد الحسين، وأما الليلة الخامسة فتخص (مسلم بن عقيل)، وهو ابن عم الحسين ورسوله إلى الكوفة، وتخصص الليلة السادسة عن (حبيب بن مظاهر) وهو من صحابه الحسين، وتخص الليلة السابعة في [ (العباس بن علي) أخ الحسين من أبيه، والليلة الثامنة تخصص لـ (القاسم بن علي) أخ الحسين من أبيه، وتخصص الليلة التاسعة ل (علي الأكبر بن الحسين)، وأما الليلة العاشرة فتخصص (للأمام الحسين)، ونلاحظ في هذا الترتيب أن الأربعة الأول مخصصة للحسين، وتمثل بداية المواكب التي يتزعمها القراء الحسينيون – الذين يقدمون بها قراءة مبسطة لقصة القتل ومدح الحسين وأل بيته، وتسمي التصاعد من قصة مقتل (مسلم بن عقيل) رسول الحسين إلى الكوفة ليبدأ البناء الهرمي للأحداث في تقديم المواكب وصولا إلى اليوم العاشر الذي يعد ذروة تصاعد الأحداث وتقام المجالس في قاعات كبيرة أو في ساحات الجوامع أو في الشوارع العامة – قرب مرقد الشهداء لتستقبل الناس المشحونين سلفا للبكاء والنواح، وهناك من تحت(منصة الراوى) يبدأ الراوى، وتشاركه الناس اللطم علي الصدور، علي نحو له (إيقاع خاص، يتناسب مع إيقاع الأداء، ويلعب (الراوى) دورا أساسيا في إثارة عواطف الحضور –حيث تتناغم مع الرواية حركة اللطم، ويستعرض الكاتب (مسيرات الجوقات)، وكذا [التطبير] أي الضرب بالسيف علي الرأس – ورجال وظيفتهم وضع العصي الغليظة في الوقت المناسب تحت (السيوف،و تضرب السيوف علي توافق إيقاعي) وعلي نقرات الطبول ونفخ الأبواق الذي يقوم به متخصصون، ويأخذ طقس الضرب ثلاثة أشكال: (بسيط) بمجموعة من الأشخاص يضربون صدورهم، و[الثاني ] المسمي بعزاء [الجنازير] أو الزنجيل وعلي راسه رجال يرتدون الملابس السوداء الطويلة، ويضربون أكتافهم وظهورهم بالسلاسل وخلفهم (راو) يقص مقتل الحسين في كربلاء ويسمي، [الثالث] [عزاء القامات] وهو عبارة عن سيف طويل له حدان ويتحرك في هذا الموكب أطفال صغار نذروا من أبائهم ليضربوا القامة سنويا، و(للنساء) مواكبهن أيضا –حيث تفتح البيوت التي تستضيف مواكب لطم النساء أبوابها التي يقدم بها (خبز العباسي) بخاصة. وعن (لطم النساء) فأنه يأخذ شكلا وإيقاعا مختلفا عن لطم الرجال –حيث النساء أمام (الملاية) التي تبدأ بقراءة القصيدة (التي ترثي الحسين، ويبدأ رقصهن في حركات مختلفة . وفي اليوم العاشر من محرم تستعد المدينة منذ الصباح الباكر وتأتي الوفود من بلاد مختلفة، ويأخذ التجمهر صفة شموليه، وتكثر في بيوت كربلاء الذبائح والبخور، وتوفي كثير من النذور في هذه الفترة، كما يعلو الصراخ والندب، ويذكر المخرج والكاتب العراقي [جواد الأسدي] أن كثيرا من المصادمات –كانت تقع مع الشرطة وتؤدي إلى اعتقالات وضرب رصاص، وفوضي تعم المدينة كلها، وفي (التعازى والتشابيه) تتعاقب المشاهد وتمتلئ ساحات كربلاء وجوامعها بالأهالي والضيوف، وتنصب الخيام تمثل مجموعة صغيرة من الرجال في مخيم صغير، ويمثل فريق كبير صورة جماعة الحسين ويمثل فريق كبير العدد جيش الأمويين، ويقبل أحد الرجال (بصعوبة) أن يؤدي دور قاتل الحسين، أمام الديكورات في حقل ثري ملأي بالسمات السيمائية وتمثلها أيقونات يعرف المقصود منها متلقو العرض، وتتعدد الرموز في شجرة النخيل، وبرميل،و البحيرة يمثلها (طشت) الماء، و(الدلو) يمثل نهر الفرات، وأدوات حقيقية مثل الماء دلالة علي استشهاد الحسين وأل بيته وأصحابه عطشي قرب نهر الفرات، والدعوة إلى شرب الماء لتذكر عطش الحسين – فكأن الماء هو عين الشارع وهويته، ويتحرك (المشرف) علي العرض بين الممثلين بهدوء، وتختم المسرحية بمشهد يوم الحساب الأخير، وتكون (الترديدات) في ليلة العاشر هادئة وخافتة، وفي غروب اليوم العاشر يطوف شوارع كربلاء موكب صامت حزين،و يري (الكاتب) أن القراءة التي يقوم بها القارئ هنا لا تنتمي إلى فن (الحكواتي)،و يحدد الاختلافات الرئيسية بين القارئ أو الراوي في التعازى و(الحكواتي)في خمسة نقاط: 1 –عدم ارتباط الحكي عندهم بتاريخ بعينه،2- أنها ترتبط بالتراث الديني وتبتعد عن عالم الإنشاد الديني،3-القراءة أو (القراية)تأخذ يوما بليلة مهما تكررت، 4- ويختلف السمع في النهاية حيث لا يرتبط فيها الجلوس، وان اقتربت من موضوعات الذاكرين والمنشدين القدماء 5- قد يغيب عن القراءات الشخصيات الإنسانية المكتملة علي الجانب الفني علي عكس موضوعات السيرة الشعبية وتعدد شخصياتها وجوانبها