عروض مسرحية في شارع شيكولاني

عروض مسرحية في شارع شيكولاني

العدد 766 صدر بتاريخ 2مايو2022

ذكرنا من قبل أن شبرا كانت المتنزه الأول في مصر منذ عهد محمد علي باشا الكبير، وتطورت بصورة ملحوظة في عهد الخديوي إسماعيل، لا سيما بعد تهافت الأمراء لبناء قصورهم فيها، ومنهم الأمير عمر طوسون ابن سعيد باشا ابن محمد علي باشا الكبير! والأمير عمر بنى قصراً فخماً له في شبرا، ويقع في شارع طوسون المعروف باسم الأمير حتى الآن. وفي معية هذا الأمير يوجد خادم أرمني اسمه «برنار شيكولاني»، ونتيجة لوفاء هذا الخادم منحه الأمير عمر قصراً بجوار قصره، عُرف بقصر شيكولاني الذي تحول إلى مدرسة، وسُمي الشارع باسم «شارع شيكولاني» الموجود حتى الآن في شبرا وبهذا الاسم.
مع مرور الوقت تحولت بعض قصور شارع شيكولاني إلى مدارس، أو أن المدارس كثرت حول قصور الشارع، ومنها نقرأ خبراً عن «مدرسة شيكولاني للبنات» حول حفلتها السنوية، نشرته جريدة «المقطم» عام 1918، قائلة: «تقيم مدرسة شيكولاني للبنات بشبرا حفلتها السنوية في الأوبرا السلطانية مساء يوم الأحد في 3 مارس، تحت رعاية حضرة صاحب الدولة حسين رشدي باشا، فيمثل جوق عبد الله عكاشة وإخوته في تلك الليلة التي قدموها من لياليهم في الأوبرا حباً بفعل الخير، فعسى الجمهور أن يقبل على هذه الحفلة مساعدة للمدرسة». ولنا أن نتخيل أهمية مثل هذه الحفلات التابعة لإحدى مدارس شارع شيكولاني في شبرا، عندما نقرأ أن الحفلة ستُقام في دار الأوبرا، وسيحييها جوق عكاشة، ويرعاها رئيس الوزراء!!

مسرحية نيران
من أهم الموضوعات المكتملة في سلسلة مقالاتنا حول بدايات المسرح في شبرا، وثائق مسرحية «نيران» عام 1935. وتبدأ قصتها داخل مدارس الأمة الابتدائية بشارع الجيوش بشيكولاني بشبرا مصر، والتابعة لجمعية نهضة التعليم الخاضعة لتفتيش وزارة المعارف العمومية! والمدارس داخلية ونصف داخلية وخارجية للبنين والبنات! وفي يوم 18 فبراير قرر ناظر المدارس إقامة حفلة مدرسية، يتم فيها تمثيل مسرحية «نيران» تأليف «سيد الجمل»، فكتب الناظر خطاباً من أجل تصريح وزارة الداخلية بتمثيل المسرحية، قال فيه:
«حضرة المحترم صاحب العزة مدير إدارة المطبوعات بوزارة الداخلية. بعد الاحترام، نرجو التصريح بتمثيل رواية «نيران» المرفقة طيه من ثلاث نسخ على الآلة الكاتبة، وملخص عنها، وذلك لتمثيلها بالمدرسة يوم السبت 2 مارس 1935، وطيه خطاب فرقة معهد التمثيل الشرقي الذي سيقوم بتمثيلها للمدرسة. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. [توقيع] ناظر المدرسة».
أما ملخص المسرحية المرفق مع هذا الخطاب، فيقول: عزيز باشا رجل موثر، رجعي المبدأ، يضحي بواجبه في سبيل المادة. له ابنة هي «عنايات» أبى أن يزوجها من ابنة خالتها الشاب المستقيم «رأفت أفندي المهندس» مفضلاً عنه ابن أحد أعيان الوجه البحري المدعو «سمير»، ذلك المحتال الجريء، الذي انتحل شخصية وجيه مستعيناً بالخاطبة، فأوهم الباشا أنه غني ذو جاه. فقبل راضياً مسروراً عن زواجه بابنته عنايات. وتمت الخطوبة وأصبحت الفتاة في يده. ولكي يخضعها تماماً سطا على عفافها، فانتزعه دون احتياط منها. ولكي يوهم الجميع عظمة مكانته سطا بمعرفة إخوانه اللصوص على سراي شكري باشا مهيب، أحد أصدقاء «عزيز باشا»، وسرق بعض المجوهرات من ضمنها خاتم ماسي ثمين، قدمه كهدية لعنايات التي نست به آلامها واغتبط الباشا بمكانة «سمير»، التي أتاحت له تقديم تلك الهدية الثمينة. وببحث البوليس وتنقيبه استطاع أن يعرف أحد السارقين، وبواسطته استدل منه على مكان سمير فهاجم سراي «عزيز باشا» فجأة واستخرج من أصبع «عنايات» ذلك الخاتم الماسي، في الوقت الذي اختفى فيه «سمير» عن أعين الرقباء. وبعد إجراء التحقيق استطاع «سمير» أن يتقابل مع «عنايات» في الخفاء مستعيناً «بالدادة»، وفعلاً تم له اللقاء بها ليلاً وأقنعها بأن موقفها بعد فقد شرفها يدعو إلى اضطهادها ووجودها في حياتها وجود المرأة المنبوذة. ولسذاجتها خضعت له للمرة الثانية وهربت معه إلى بلدة ريفية. وقد أبى الزواج منها وجعلها كعشيقة له وقد رآها «ماجد» ابن عمدة البلدة فاستهواه جمالها الفاتن وارستقراطيتها التي ظهرت عليها رغم حالتها المبكية، فدفعه نبله إلى الزواج منها وانتشالها من براثن هذا الوحش الآدمي، فجن والده «العمدة» من حرص ابنه وأبى في تصميم الموافقة على هذا الزواج، مستعيناً برأفت الذي حضر صدفة مبعوثاً من قبل المساحة لمسح فدادين خاصة بالعمدة. وهنا المفاجأة حيث يتقابل «رأفت» بابنة خالته «عنايات» واستطاع «سمير» أن يفر من الجميع. هنا أصبح موقف رأفت حيال ابنة خالته عنايات موقفاً محيراً. لم يستطع الزواج بها لنقم العائلة عليها، خصوصاً بعد أن قضت بهروبها على حياة والدها، حيث مات بالسكتة القلبية فالتجأ للدادة التي عرفته بـأن بها صلة قوية من مدة 20 سنة بأحد موظفي مساحة المنصورة المدعو «شكيب بك»، وأن زوجته توفت قريباً. فطلب رأفت نقله إلى مساحة المنصورة وتم له ذلك وتقرب بحكم وظيفته من شكيب بك واستعان بالدادة على إغرائه إلى أن قبل الزواج من عنايات، وقد بهره جمالها الفاتن واستحوذ على لبه. وكان المعارض في هذا الزواج ابنته «صدف» فقد رفضت أن يكون للمرحومة والدتها في البيت بديل. ولحسن حظ «شكيب بك» كما توهم هو أن ذلك من حسن حظه عثر على خطاب من عشيق لها يدعى جميل، كانت تذهب إليه برضاء والدها لتأخذ على يديه درس في التصوير، ولحل المشكلة قبل شكيب بك تحت تأثير الدادة أن يزوج ابنته من ذلك المصور ليتسنى له الزواج من عنايات. وهنا المفاجأة إذ يظهر أن المصور «جميل» الحاصل على دبلوم الفنون العليا كما أوهم الجميع وآثر العمل الحر هو نفسه «سمير» الشاب الجريء المحتال. وقد استطاع تضليل رجال البوليس بانتحاله تلك الشخصية مع تغيير ملامح وجهه. هنا يأبى ضمير عنايات أن تروح «صدف» ضحية لهذا الذئب الآدمي فتعارض في زواجها به بحجة أنه مصور لا يكفل لفتاة كابنة «شكيب بك» حياة سعيدة رغدة تليق بمكانة هذا الرجل العظيم. فيعود «شكيب بك» إلى رشده ويرفض هذا الزواج فتثور «صدف» التي أحبت «سمير المصور» بمنتهى قوتها، وتندفع بهذا الحب إلى الإفصاح لأبيها على الاجتماعات السرية التي تحصل بين عنايات وسمير في الحديقة وقت أن يكون والدها غائباً. تلك المقابلات التي كان يداهمهما بها سمير ليرغمها على كتمان ماضيه عن «شكيب بك» حتى يتم استيلائه على الغنيمة وهي «صدف». فيثور الوالد ويرمي زوجته بالغدر والخيانة ذلك في الوقت الذي اتصل فيه «رأفت» بالبوليس ومهد بمعرفة عنايات الطريق الذي يوصل البوليس للقبض على «سمير»، ويتم ذلك فلم يجد لنفسه خلاصاً غير النافذة الذي يرمي بنفسه منها فيقع من هذا العلو الشاهق فوق سياج الحديقة الحديدي فيتمزق جسمه ويموت شر ميتة. هنا يتضح لشكيب بك الحقيقة ويعرف أن زوجته ضحية بريئة يجب انتشالها والاحتفاظ بها خصوصاً وأنها قضت مدة الزوجية معه كامرأة أمينة شريفة لزوجها، فيتغاضى عن ماضيها بعد أن يسدل عليه ستار النسيان. ويزوج ابنته «صدف» بالمهندس «رأفت أفندي»، وترضى هي بذلك حيث وجدت فيه الشاب المستقيم ذا الأخلاق الحميدة. وترفرف السعادة بجناحيها على العائلة بهذا الختام.

الرقيب فرنسيس شفتشي
استلمت وزارة الداخلية نص المسرحية، وأعطته إلى الرقيب «فرنسيس شفتشي» - وهو من الرقباء المشاهير في تلك الفترة - فكتب تقريراً طويلاً، قال فيه: هذه الرواية فضلاً عمّا يشوبها من ارتباك وخلط ولغو، لا يستطاع من حيث مغزاها وأغراضها وصفها بأكثر من أنها، بؤرة موبقات، وكشكول للأخلاق الساقطة، التي حاول المؤلف – في غير براعة – أن يزجيها إلى أذهان الجمهور، منتحلاً كحجة له في ذلك تمثيل الدعارة لاتخاذ العبرة مما تشتمل عليه من قبح وإباحية واستهتار، أو تنبيه الآباء – على زعمه – إلى ضرر منح الحرية لفتياتهم. وهذه النغمة التي ألفناها في المطبوعات من أمثال هذا المؤلف، أضحت ممجوجة لكثرة ما حفيت بها أقلامهم، فضلاً عن أن نقد الفضائح لا يستلزم إبرازها على المسرح في شكلها المعيب. لقد عني المؤلف في هذه الرواية بإبراز صورة مشوهة غاية التشويه، ممسوخة كل المسخ لابنة أحد الباشوات، ممن عرفوا بالشرف والجاه، وتدعى الفتاة عنايات. ذلك بأن جعل والدها عزيز باشا يخطبها إلى شخص يزعم المؤلف (وهو كاذب في زعمه) أنها لا تهواه، ويدعى سمير! ومع ذلك فقد جعلها تستسلم له كل الاستسلام وتفرّط لإرضائه في عفافها. ثم أخذ المؤلف ينحي باللائمة على الوالد – على لسان الفتاة – بقولها إنه أصل البلاء (وهو منه براء)، وذلك لأنه غصبها (كزعمه) على هذا الزواج، وحاول أن يثبت لنا أن تفريطها في عرضها لمن لم تكن تحبه، إنما جاء نتيجة لهذا الإرغام. وهذا تناقض غريب حاول المؤلف به أن يستر صفة العار التي تتصل بهذا الحادث الشائن الذي يعرضه في روايته. وقد كان خطيب الفتاة ويدعى سمير – أو هو ينتحل هذا الاسم – شاباً فاسقاً عربيداً. وكان لصاً شقياً تطارده العدالة، وقد استطاع بفكره وحيلته أن يصل إلى خطبة ابنة الباشا طمعاً في ماله. وسرعان ما أثمرت خطبته مع الفتاة جنيناً أخذ يتحرك في أحشائها، قبل أن يتم زواجه منها. وقد باتت من أجل ذلك في غم، تتعجله بالدخول بها – وهي تحدّثه بكل صراحة عن انتفاخ بطنها وقرب فضيحتها وسط الأهل والأصدقاء، وعن آلامها النفسية من جرّاء ذلك. إلا أنه يرجئ ويماطل إلى ما لا نهاية حتى أخذ المرض يتفشى في أوصالها فألزمها الفراش. وأخذت الشفقة والد الفتاة على ابنته فهمّ باستدعاء طبيب العائلة فأبت وادعت – بإيعاز من سمير – أنها سائرة في طريق التحسّن. وجاءها سمير ذات يوم بعد غياب أسبوع عنها مربوط الذراع، فإذا سأل عن خطبه أجاب بأنه انزلق من القطر فأصابه رضّ بسيط، يؤمل الشفاء منه على عجل، ثم يبرز لخطيبته خاتماً من الألماس الثمين يدّعي أنه جاء به هدية لها للزواج، ثم يستأذن من والدها في أخذها معه إلى نزهة للرياضة وعرضها على أحد أصدقائه الأطباء!! فيوافق الوالد عن طيب خاطر!! وبينما هما في شاغل من الاستعداد للخروج، يأتي (رأفت) ابن خالتها - وهو فتى مهندس كانت الفتاة تحبه وتأمل الزواج منه وكان بنفسه من تباريح الحب مثل ما بنفسها - وقد جاء ذلك اليوم ليخطبها من أبيها، ويعلم بخبر خطبتها إلى سمير، فيثور ثائره لخيانتها عهده، ويهدد بقتل سمير، فتعترف له الفتاة في صراحة كلية بأنها حامل منه إلا أنها تلتمس منه الصفح عنها وسترها، فيعدها بكتم سرها. وفي هذه الأثناء يقرأ عزيز باشا في الصحف خبر سرقة منزل أحد الوجهاء من أصدقائه، ويتضح للبوليس أن السارق هو سمير الذي أُطلق عليه عيار أصابه في ذراعه أثناء فراره من نافذة البيت المسروق، وأن الخاتم الذي قدمه لعروسه مسروق. ويحضر البوليس للقبض عليه إلا أنه يهرب ويؤثر على الفتاة فتقبل الهروب معه بعد أن تسرق من خزانة أبيها ما وسعها، وذلك خوفاً من افتضاح أمرها. ويأخذها سمير إلى بلدته حيث يسومها الذل والهوان، ويرغمها على بيع عرضها لإشباع شهوة المال في نفسه. وتعشق هي بدورها ابن العمدة الذي يدعى ماجد، ويعلم بذلك والده فيحضر مع أحد أصدقائه الذي يتضح فيما بعد أنه (رأفت) إلى منزل عنايات لطلبها إليها أن تكفّ عن معاشرة ماجد هذا. وكان رأفت لا يعلم من أمرها شيئاً بعد الذي جرى فيباغت إذ يراها (ابنة خالته) ويصعق ولما يراه سمير يرتج عليه، ويحاول الهرب من النافذة فيصيبه رأفت بعيار من مسدسه. ويعمل رأفت على أن يستر ابنة خالته، التي ما زال يحبها، ولكنه يخشى الزواج منها لسوء أخلاقها بشكيب بك أحد رؤسائه في الديوان، ويسعى إلى إتمام هذا الزواج بواسطة دادة عنايات. وقد كانت هذه الدادة في الحقيقة أصل البلاء، إذا هي التي مهدت لسمير سبيل السطو على عفاف الفتاة، ثم جاءتها بعد الحمل بدواء لإجهاض نفسها فلم تفلح، وكانت النتيجة أن وضعت عنايات مولوداً، وقد وعدت الدادة رأفت هذا (الذي جعله المؤلف مثال النبل والشرف!!)، وعدته بأن تمهد له سبيل مقابلته مع عنايات على خلوة بعد الزواج من شكيب بك. وكان لهذا الأخير زوجة توفيت وتركت له أولاداً وبنتاً تدعى صدف. وكان دأب الفتاة أن تعارض والدها في إحلال امرأة أخرى مكان والدتها في البيت – ويعلم الوالد أن لابنته عشيقاً يدعى جميل – ولنلاحظ هنا أن الفتاة تتحدث عن الحب بألفاظ تخرج عن المألوف من فتاة مهذّبة – فيعمل شكيب بك على استرضاء ابنته لكي يأمن معارضتها في زواجه، بأن يخطبها إلى الشاب الذي تحبه ويدعى جميل. ويتضح فيما بعد أن جميل ليس إلا سمير المحتال وسرعان ما يقف جميل أمام عنايات، التي تنكرت بعد زواجها باسم عزيزة، ويكون بينهما مواقف بشأن الطفل، يقف منها شكيب بك على حقيقة زوجته وخطيب ابنته. وتعترف عزيزة بكل قصتها ملتمسة عفو زوجها وتدبّر معه الحيلة للإيقاع بسمير فيقبض عليه البوليس. ويعفو الرجل عن زوجته العاهرة، ويزوج ابنته لرأفت الذي يحب امرأته. وأرى أن هذه القصة شائنة.
وبناءً على ما سبق، كتب مدير المطبوعات خطاباً، قال فيه: «حضرة صاحب السعادة محافظ العاصمة، أتشرف بأن أرسل مع هذا نسخة من رواية «نيران» التي رُفض تمثيلها تأليف سيد الجمل أفندي، بتاريخ 2/3/1935 بتياترو مدارس الأمة بشبرا. فالأمل التنبيه بحفظها للإشراف على منع تمثيلها».


سيد علي إسماعيل