صفحات من تاريخ المسرح الأوروبى

صفحات من تاريخ المسرح الأوروبى

العدد 753 صدر بتاريخ 31يناير2022

كان حدثا مسرحيا اهتمت به الأوساط الفنية فى إيطاليا وربما فى أوروبا بأسرها شهدته مدينة فيرارا شمال إيطاليا رغم أنه استمر ليومين فقط . فهو لم يكن مجرد عرض لأوبرا  «الفرنيس» للموسيقار الإيطالى «أنطونيو فيفالدى» (1678-1741) التى كتبها منذ 300 عام.  ولمن لا يعرفه كان فيفالدى ملحنا وكاهنا كاثوليكيا، وعازف كمان وكتب  حوالي أربعمائة كونشرتو، من بينها «الفصول الأربعة» وهي أشهر أعماله على الإطلاق. 
وما حدث أنه منذ أبدع هذه الأوبرا قبل نحو 300 عام اختلف مع  اسقف الكنيسة الكاثوليكية فى المدينة وقتها الكاردينال توماسو روفو فمنعت عرض الأوبرا وقتها وقررت نفيه خارج المدينة. وكان السبب امتناع فيفالدى عن حضور معظم القداسات وتردد أنباء عن علاقة تربطه مع إحدى مغنيات فرقته المسرحية .هذا رغم أن الأوبرا كانت قد عرضت بالفعل فى عدة مدن فى إيطاليا وخارجها وحققت نجاحا طيبا. وأدى ذلك إلى خسائر جسيمة لحقت به فى أعوامه الأخيرة بعد أن تحمل نفقات الإعداد للعرض ليموت فقيرا مدينا فى منفاه خارج إيطاليا حيث توفى فى فيينا ودفن فيها. وكان السبب هو تراجع عائداته بعد أن تراجع الأقبال على أعماله. وكان من المفارقات أن اشهر أعماله الأوبرالية وهى “الفصول الأربعة” عثر على مخطوطها مع أعمال أخرى بعد وفاته ولم يحقق من ورائها شيئا فى حياته. 
    
 صفحة جديدة 
وحسبما يقول المؤرخون كان الاتهام ظالما وكان فيفالدى يتخلف عن حضور القداسات بسبب مرض صدرى يعانيه. وكانت المغنية تقوم برعايته ولم يحدث بينهما شئ أخر.
وكان الغريب أن بلدية المدينة المعروفة باتجاهها المحافظ وكل من تعاقبوا عليها من ذلك التاريخ حتى عام مضى التزموا بقرار الكنيسة ورفضوا عدة طلبات لعرضها رغم أنها عرضت فى مدن إيطالية أخرى وفى عدد كبير من دول العالم. 
وأخيرا توصلت البلدية إلى اتفاق مع الكنيسة الكاثوليكية لعرض المسرحية على المسرح الرئيسي بالمدينة . وتم بالفعل إسناد الأوبرا إلى  فرقة “فونتازيونى” إحدى الفرق الكبرى التى أسندت الإخراج بدورها إلى واحد من كبار مخرجى الأوبرا وهو “مارشيلو كورفينو” الذى ألقى كلمة فى افتتاح العرض. رحب فى كلمته بحضور أسقف فيرارا «جيان كارلو بريجو» للعرض الأول باعتباره إشارة رائعة إلى مصالحة مع الكنيسة لعرض هذا العمل لموسيقار من أبناء المدينة رغم أنه ليس من أبرز أعماله.
 وتحكى الأوبرا سيرة حياة الملك الإغريقي والفارسى  فارناسيز المعروف باسم ملك البوسفور الذى حكم منطقة البوسفور بين عامى 63 و47 قبل الميلاد وهو العام الذى قتل فيه ومات عن عمر قصير يبلغ خمسين عاما.  

سيرة حياة
ويقول المؤرخ الفنى الإيطالي  ماسيمو فاجيولى أنه كان من الغريب أن يترك فيفالدى فينيسيا التى نشا فيها  والتى كان الفنانون والأدباء يتمتعون فيها بقدر كبير من حرية التعبير عكس فيرارا التى كانت خاضعة لسلطان البابا مما اخضعه لسلطان الفاتيكان على الثقافة.
وقد حاول إدارة العملية عن بعد فكان يرسل خطابات تحمل توجيهاته إلى المغنين والعازفين وكل ذلك دون جدوى.  ووجدت معظم هذه الخطابات من يحافظ عليها .وتمت الاستعانة بها فى إعداد العرض الذى استمر ليومين فقط. وقد ساعدت هذه الخطابات فى التعرف على طبقة صوت فيفالدى والاستعانة بأقرب مغن أوبرالي ملك صوتا قريبا من صوته.
وبدوره اعترف القس بريجو  فى كلمته فى الافتتاح بأن الكاردينال روفو كان صارما أكثر من اللازم وأوقع ظلما فادحا بفيفالدى بناء على شائعات وليس حقائق. وكان عليه أن يتحقق أولا من الاتهامات. ويقول فى النهاية تم شفاء الجرح لتتأكد الحكمة القائلة بأن الكلمة تقتل أحيانا أكثر من السيف .

حلم العودة إلى المسرح يراود «انزل»
المسرح لا يحقق أرباحا كبيرة 
عشاق المسرح يمولون فرقة الأحد والاثنين
هذه الأيام يراود نجمة التليفزيون البريطانية السابقة «إمي انزل» (48 سنة) حلم العودة إلى المسرح الذى عشقته منذ نعومة أظفارها وكانت لها معه تجربة مثيرة لم تكن ناجحة  للأسف، لكنها تنوى تكرارها.
فى البداية عرف الجمهور فى بريطانيا إمي انزل (48 سنة حاليا) منذ نحو 20 سنة من خلال الحلقات التليفزيونية العلمية «المبتدئ». وبعد ذلك توالى ظهورها فى عدد من الأعمال الفنية. 
وفوجئ بها الجميع  فى 2013 تعلن ذات يوم أنها قررت اعتزال العمل فى السينما والتليفزيون. وبدا من ذلك قررت إنشاء فرقة مسرحية أطلقت عليها اسم “فرقة الأحد والاثنين المسرحية” لتقديم مسرحيات ذات طابع جماهيرى.
وكانت تجربة ناجحة فى بدايتها حيث نجحت إمى الأمريكية المولد فى تجميع استثمارات للفرقة بلغت ربع مليون جنيه استرلينى فى الأسبوع الأول من الإعلان عن تأسيس الشركة من 345 مستثمرا.  ولجذب المزيد من المستثمرين أعلنت انها مستعدة لقبول أي مبلغ بحد أدني ألف جنيه استرلينى.  
وتدفقت عليها الاستثمارات من كل اتجاه مما سمح لها بتقديم عروض جيدة رابحة تجولت بين عدد من المدن البريطانية. 

 خسائر
ولم يستمر النجاح وبدأ التعثر لعوامل ذاتية وأخرى موضوعية وثالثة خارجة عن إرادتها. وكان أخر عرض لها  هو «الأيام السعيدة» المأخوذ عن مسلسل  كوميدى غنائى شهر عرض فى السبعينيات. وتراكمت عليها الديون حتى بلغت مليون جنيه استرلينى للممولين والموردين. وعجزت عن سداد الديون فتم إشهار إفلاس الفرقة المسرحية التى كانت انزل المالك الوحيد لها. وتمت تصفية الفرقة ومنع انزل من تأسيس أي شركات مساهمة وفقا للقانون. وكان ذلك فى 2016.  وكانت الأرقام الحقيقية اعلي من ذلك لكن بعض الدائنين تنازلوا عن ديونهم مثل رجل الأعمال مايكل داى الذى تنازل عن دين له يبلغ عشرة ألاف استرليني. وقال وقتها أن انزل لم تتعهد بجبال من الأرباح بل تعهدت بتقديم أعمال مسرحية جيدة.

مجال أخر وعودة 
وبعد التصفية كانت انزل قد عافت نفسها التمثيل وبحثت عن باب أخر للرزق. ولم يطل بها البحث حيث عملت فى تسويق نوعيات فاخرة من مستحضرات التجميل والأكسسوارات. واستغلت معرفتها بعدد كبير من الفنانين والفنانات فنجحت فى تسويق معروضاتها بينهم وحققت نجاحا لم تكن هى نفسها تتوقعه. وزاد من نجاحها إجراء عمليات تقشير الجلد للمشاهير التى حققت لها إيرادا كبيرا.
وأخيرا تجمعت لديها أرباح بلغت مليون استرليني فقررت سداد ديونها ورفع الإفلاس عنها والبدء فى البحث عن ممولين ومستثمرين لتمويل الإنتاج المسرحى القادم الذى ترفض الإفصاح عنها . وهى واثقة من انها سوف تجد من يمول مسرحيتها من البسطاء الذين أسعدتهم بمسرحياتها وعبرت عنهم فيها. وسوف تنتظر لبعض الوقت لتدبير للحصول على أرباح من تجارتها تساهم بها فى الأعمال المسرحية كى تكون مشاركة مع هؤلاء المستثمرين فى تحمل المخاطر. 

وعد
وقد وعدها لورد شوجر وهو رجل أعمال وكاتب سير ذاتية بريطانى من قيادات حزب العمال بتمويلها بمبلغ ربع مليون جنيه استرليني بشرط أن تبدأ فى التجهيز لعمل مسرحى.  
وتقول انها لا تعرف سببا مقنعا  لفشل تجربتها مع فرقة الأحد والاثنين رغم أسباب عديدة تحدث عنها النقاد .وسوف تدرس هذه الأسباب لتلافيها. وتقول أن البعض ارجع السبب إلى قلة خبرتها وأنها لم تدرس الأمر جيدا لكنها تعتقد انه اتهام ظالم لأنها لم تقدم على هذا العمل إلا بعد أن توافرت لها الخبرة. كما انها حرصت على اكتساب خبرات جديدة بعد تصفية الفرقة وإغلاقها.
وفى النهاية تقول أن المسرح نشاط لا يحقق أرباحا كبيرة فى 90% من العروض بسبب طبيعته الخاصة ونفقاته المرتفعة ولابد لمن يقتحم هذا المجال أن يدرك ذلك. 


ترجمة هشام عبد الرءوف