السيد فهيم: الجائزة اعتراف موثق بقيمة الكاتب وتميز إبداعه

السيد فهيم: الجائزة اعتراف موثق بقيمة الكاتب وتميز إبداعه

العدد 753 صدر بتاريخ 31يناير2022

أعلنت مؤخرا نتائج جائزة ساويرس الثقافية في دورتها السابعة عشرة، في حفل أقيم في المتحف القومي للحضارة المصرية، وحصل على جائزة المركز الثاني لأفضل نص مسرحي الكاتب السيد فهيم عن نص مسرحية (سيرة بني فهمان).
السيد فهيم،  كاتب مسرحي وروائي، عضو اتحاد الكتاب المصري، صدر له العديد من الأعمال المسرحية والروائية والقصصية منها مسرحيات الشرنقة، ورا الشمس، أرض الملايكة، الأسرى، حزام ناسف، الدمية، أنا والوباء وهواك، وسيرة بني فهمان.  ومن مسرح الطفل مسرحية الأراجوز الكسلان،  و أرنوب يتحدى أشبول.  وله في الرواية أنا خوليا، خاطر، كفارة، النهر.  والمجموعة القصصية على حافة الدنيا.
كما حصل فهيم على العديد من الجوائز منها جائزة محمد سلماوي باتحاد الكتاب،  وجائزة توفيق الحكيم بالمركز القومي للمسرح،  وجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، وجائزة ممدوح الليثي لأفضل سيناريو بمهرجان الإسكندرية السينمائي،  وجائزة جاليري ضي للقصة القصيرة، وجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب لأفضل نص مسرحي منشور.
عرضت له العديد من المسرحيات في مصر والدول العربية مثل اعمل نفسك ميت،  قهوة وسط، الجبانة، بيانولا، أرض الملايكة، حزام ناسف، العبقري، الدمية، الشرنقة.. وغيرها.
عن الجائزة والمسرح والنصوص المسرحية كان لجريدة مسرحنا هذا الحوار معه.  
- هل كنت تتوقع الحصول على هذه الجائزة بالتحديد؟
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أتقدم فيها لهذه الجائزة ، فقد تقدمت عدة دورات سابقة بنصوص مسرحية وأخرى روائية لكنها لم تحظ على الجائزة. لكنني في الحقيقة كنت على أمل كبير بالفوز هذه الدورة خاصة حين وصل النص للقائمة الطويلة.
- متى جاءت فكرة النص وما فكرته؟ وكم من الوقت استغرقت في كتابته؟
الأفكار الفنية أعتبرها مثل الأرواح الهائمة وأطياف الخيال، فلا أستطيع بالتحديد أن أؤرخ متى جاءت الفكرة، لكنني أستطيع أن أحدد متى شرعت في تدوينها، وكم من الوقت استغرقت لتعلن تاريخ ميلادها. فقد بدأت بتدوين نص سيرة بني فهمان في صيف 2017 واستغرقت حوالي شهرين حتى أتممتها. ثم أعدت مراجعتها وضبطها في 2019 قبل نشرها في كتاب.
اما عن فكرة المسرحية باختصار شديد فهي عن رجل هو عدنان بن فهمان الذي قرر أن يبيع رأسه لمن يدفع ثمنها. وبالفعل يجد مشتري لكنه يكتشف أنه ليس جديرا بهذا الرأس العامر بالحكمة والمعرفة، فيحاول أن يسترد ما فرط فيه لكن بعد فوات الأوان. والأحداث تدور في إطار كوميدي رشيق في حوار بالفصحى، وفي أجواء أشبه بألف ليلة وليلة لتناسب غرابة القضية المطروحة.
- هل تقيس الجوائز حجم موهبة الكاتب؟
الجوائز مهمة في حياة أي مبدع، بل في حياة أي إنسان. ويغالط نفسه من يدعي غير ذلك. من منا لا يسعد بجائزة ولا يسعى للفوز وتحقيق ذاته.. فالجائزة هي اعتراف موثق بقيمة الكاتب وتميز إبداعه. كما أنها حافز وداعم هام ليستمر في مشروعه الإبداعي. وأنا شخصيا أعتبرها كقناديل مضيئة في عتمة المعافرة والإصرار، يهتدي عليها المبدع في طريقه ليطمئن أنه يسير على الدرب الصحيح. كما أن الجائزة تلقي الضوء على المبدع وتلفت أنظار المهتمين إلى إبداعه، خاصة لو كان مجهولا أو لازال في بداية مشواره، شرط ألا يغتر بها ويعتبرها غاية الحلم أو سقف الطموح، فعليه أن يطور نفسه ويستفز قريحته ليستمر في العطاء.
بالنسبة لمقياس حجم الموهبة ؛ الجائزة معيار هام ومؤشر لا يمكن إغفاله، لكنها ليست معيارا دقيقا لحجم المبدع أو إبداعه. فليس كل من حصل على جائزة هو الأفضل، كما أن من حُرِمَ منها ليس الأسوأ. فهناك معايير وظروف لكل جائزة بل لكل دورة ، قد لا يتسق إبداعك مع ذائقة اللجنة المحكمة، وقد تكون أخفقت بمشاركتك بعمل لا تنطبق عليه شروط الجائزة وتوجهاتها. المعيار الحقيقي لحجم الموهبة هو الصمود والمثابرة وعدم الاستسلام للعراقيل ، فالإبداع مشروع كبير لا يتوقف حتى بعد موت صاحبه.
- هل البحث عن الجائزة أهم أم عن جهات تنتج النص؟
بالنسبة لي الهدف الأول هو الكتابة، الكتابة بكل أشكالها وألوانها فقد كتبت المسرحية والرواية والقصة القصيرة والسيناريو، والمقال وبعض الشعر في مرحلة ما. أما مرحلة التسويق للإبداع فتأتي بعد تمام المنتج وحسب ما يتواءم مع ظروف المرحلة. قد تكون النافذة الوحيدة المشرعة هي المسابقة، أو النشر في كتاب لحين سنوح فرصة لتنفيذه. أما الهدف الأسمى بلا شك فهو إنتاج العمل بشكل احترافي وبصورة مُرضية، لكن ليس كل ما يتمناه المرءُ يدركه.
- هل تعوض المسابقات كتاب المسرح عن عدم اهتمام المخرجين بنصوصهم؟
لا شيء يعوض المؤلف عن عدم اهتمام المخرجين بنصوصه، لا الجائزة ولا النشر في كتاب، النص المسرحي خُلِق ليعرض على خشبة المسرح. والسيناريو السينمائي كتب ليعرض على الشاشة، أي شيء آخر أعتبره حلاوة روح، لكننا نعزي أنفسنا بأنه أفضل من لا شيء على الإطلاق. وقد كان لي تصريح في أكثر من مناسبة سابقة، وهو أن صعود النص المسرحي على خشبة المسرح أهم بكثير من الجائزة.
- لماذا يتجه المخرجون للنصوص الأجنبية و هل مسرحنا يعانى من أزمة تأليف مسرحي؟
لا أدري لماذا يتجه المخرجون للنصوص الأجنبية، مهملين النصوص المصرية ! ربما لإشباع رغبة فنية ما في نفوسهم ، فهذه في النهاية اختياراتهم وقناعاتهم، ربما يجد بعض المخرجين متعة ما وتحديا عظيما في تناول نصوص أجنبية أو أفكار بعيدة عن مجتمعنا، لكنني أعتقد أن المسرح في الأساس ابن بيئته؛ لذلك حينما نبتعد عن هموم وقضايا المجتمع سينصرف المشاهد ليبحث عن ضالته في أماكن أخرى، وفي رأيي إن عزوف الجمهور عن المسرح المصري هو أزمة عروض وليس أزمة نصوص، فالمتابع لحركة الإبداع في السنوات الأخيرة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي سيلحظ جيل من الكتاب المسرحيين الواعدين الموهوبين.
- تفوز النصوص المصرية كثيرا في المسابقات العربية. لما لا يتم إنتاجها؟
جميل أن تحصل نصوصنا على  جوائز في المسابقات العربية ، المسرح المصري بخير طالما الكُتَّاب بخير وهذا ما أظنه متحققا بالفعل. لكن لابد من طفرة إنتاجية مسرحية تتيح منابر لخروج هذا الإبداع قبل أن يعزف الكتاب عن الكتابة للمسرح وينصرفوا لغيره من ألوان الأدب.
- ما تقييمك لدور النص في عملية الإبداع المسرحي؟
النص المسرحي هو عماد الحركة الإبداعية المسرحية، والدليل أننا لازلنا نتناول نصوص منذ سوفوكليس ويوربيديس مرورا بشكسبير وموليير حتى الآن، كم عدد الفرق وأسماء المخرجين والممثلين وكم مقطوعة موسيقية عزفت كموسيقى تصويرية لهذه العروض، لا نذكر كل هؤلاء المبدعين- ولهم كل الاحترام والتقدير وإنا كنا نجهلهم-  لكن يبقى اسم الكاتب وعنوان النص المسرحي هو العماد والدعامة الأساسية. أما موضوع ونوعية النص فهو وليد العصر والمناخ العام للعروض وطبيعة الجمهور المتلقي. فنحن لا نكتب من فراغ ولا نوجه رسائلنا إلى الفراغ ، لابد من تفاعل بناء بين النص المكتوب والجمهور المتلقي لتحدث الشرارة المرجوة ويصل الإبداع ذروته بانسجام وتناغم الخشبة والصالة.
هل يرسم النص المسرحي خريطة الإبداع الإنساني ؟
لاشك أن الإبداع المسرحي المدوَّن، يمثل نوعا من التأريخ والتوثيق الدقيق لخارطة الإبداع الإنساني، بل كثيرا ما يكون مؤشرا هاما لفترات النضج والتطور المجتمعي خاصة إن كان يتناول قضايا حقيقية ويعزف على هموم المجتمع وشجونه، بحيث لا يكون الكاتب في عزلة عن قضايا المجتمع ومفردات عصره ويبحث عن أدق التفاصيل والقضايا الجادة ليطرحها بحِرفية وإيمان بما يكتب، فأقصر السُبُل لوصول الفكرة إلى مبتغاها هو الصدق والإيمان بها.
-ما رأيك في ورش الكتابة؟ وهل يحتاج المؤلفون إلى الرعاية من أساتذة المسرح في المعاهد المتخصصة ؟
بالنسبة لورش الكتابة أعتبرها ظاهرة إيجابية للموهوبين من الكتاب، كمسار موازي للدراسة الأكاديمية، شرط أن يعي القائمون على مثل هذه الورش أنها لن تعلم الكتابة ولن تصنع مبدعين من العدم، لابد أن تتوفر الموهبة أولا وإلا كان الأمر أشبه ببيع الوهم والاتجار بأحلام الشباب. الورشة لصقل الموهبة وتوسيع المدارك وإثراء الثقافة والفكر والاطلاع على مدارس المسرح المختلفة.
- ما رأيك في الحركة المسرحية  حاليا؟ وهل هي في تطور أم لا؟
بالنسبة للحركة المسرحية هناك حراك ملحوظ، لكن لا نستطيع أن نطلق عليه طفرة مسرحية. الجهات المعنية تسعى جاهدة لتقديم حركة مسرحية، لكن أرى أن العراقيل أكثر من قدرتها على تقديم الدعم الحقيقي لحركة مسرحية ذات صدى مؤثر؛ لأسباب معلومة للجميع أولها دور الرقابة الذي أثر سلبا على كثير من العروض، ثم تقليص الميزانيات بحجة ترشيد النفقات، وتقليل عدد ليالي العروض لتصل إلى ليلتين أو ثلاث أسبوعيا، لكن نأمل أن تذلل كل هذه العقبات وأن يستعيد المسرح المصري عافيته في القريب العاجل.
-  هل لديك مشروعات مسرحية جديدة ؟
أعكف حاليا على كتابة  نص مسرحي جديد، يدور في إطار فانتازي كوميدي يناقش قضايا اليوم مستشرفا أحلام المستقبل وهل لدينا القدرة والإرادة الحقيقية في تحقيقها. هذا بالنسبة للكتابة ، أما بالنسبة للنصوص المرشحة لعروض مختلفة فهناك أكثر من فرقة تتناول نصوص لي سواء بمسرح الهواة أو بمسارح الجامعات وفي قصور الثقافة.
- كيف يمكننا النهوض بالحركة المسرحية عموما؟
للنهوض بالحركة المسرحية يلزم أن تكون هناك إرادة جادة لتقديم نهضة مسرحية، وتشجيع المسرحيين ودعمهم ماديا ومعنويا لتخرج أعمالهم إلى النور، ويجب ترك مساحة من الحرية؛ فالإبداع يحتاج إلى مناخ عام من حرية الرأي والفكر وأعني بالحرية ليس الفوضى والعشوائية، بل تلك الحرية المسئولة التي تسمح بطرح الأفكار الجديدة والجريئة وتتناول القضايا الكبرى بالتحليل والنقد الذي لا يصل للإسفاف أو التطاول أو الاعتداء على الثوابت العقدية والأخلاقية، وعموما كل ما هو شاذ سوف تستهجنه الذائقة الجمعية ويهجره الجمهور الواعي، كما أتمنى أن تعود تجربة مسرح التلفزيون لتقديم عروض رفيعة المستوى فنيا بنجوم كبار ويتم بثها للشباب والجمهور بالمنازل كما كان يحدث في فترة ما من أكثر من ثلاثة عقود، كما يجب أن تعود الدعاية المستمرة للعروض المسرحية وعدم الاكتفاء بالصفحات الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي وإن كانت أصبحت لغة العصر ، لكن هناك شريحة كبيرة من المشاهدين لا تتابع هذه المنصات. كما يجب دعم المسرح المدرسي لتربية جيل يعرف المسرح وأهميته منذ النشأة ولابد من عمل رحلات مدرسية وجامعية لمشاهدة مختلف العروض الاحترافية لضمان التواصل وتعاقب أجيال المبدعين , فالمسرح حياة لا يجب أن نحرم الأجيال القادمة من حقها فيها.


سامية سيد