وداعًا سهير البابلي «أسطى باشا» المسرح العربي

وداعًا سهير البابلي    «أسطى باشا» المسرح العربي

العدد 745 صدر بتاريخ 6ديسمبر2021

رحلت النجمة الكبيرة سهير البابلي بعد مشوار كبير تركت خلاله بصمة في تاريخ الفن العربي، وقد اشتهرت البابلي بحضورها القوى وخفة ظلها ومهاراتها في الارتجال. شاركت في بطولة ما يقرب من خمسين مسرحية وخمسين فيلمًا وعددًا كبيرًا من الأعمال الإذاعية والتليفزيونية. تُعد مسرحيات «نرجس» و»مدرسة المشاغبين» و»ريا وسكينة» و»ع الرصيف» من أهم العلامات في مسيرتها المسرحية.
ولدت الفنانة القديرة سهير البابلي في الرابع عشر من فبراير 1935 بمركز «فارسكور» بمحافظة «دمياط»، ولكنها لم تقض طفولتها بها حيث انتقلت مع أسرتها إلى مدينة «المنصورة»، نظرًا لأن والدها كان يعمل ناظرًا لإحدى المدارس الثانوية بها، وكان والدها أول من اكتشف موهبتها وتنبأ بمستقبلها الفني، خاصة وقد بدت عليها الموهبة في سن مبكرة وهي تقوم بتقليد الفنانين وبعض أفراد الأسرة، وكان لابد أن تصقل موهبتها بالدراسة فالتحقت بكل من «المعهد العالي للفنون المسرحية» و»المعهد العالي للموسيقى» في نفس الوقت، ولكن للأسف لم تتح لها فرصة استكمال دراستها في أي منهما نظرًا لمواجهتها لضغوط عائلية كبيرة من قبل والدتها التي كانت ترفض احترافها الفن، انضمت لفرقة المسرح القومي عام 1958، ويُحسب لها نجاحها منذ أول أدوارها بالفرقة في لفت الأنظار إلى موهبتها وذلك من خلال تجسيدها لدور «الغازية» بمسرحية «الصفقة» للكاتب القدير توفيق الحكيم.
بدأت «البابلي» حياتها الفنية بمدرسة «المسرح القومي» وعملت بجوار العمالقة أمينة رزق  وسميحة أيوب وسناء جميل ومحسنة توفيق وعايدة عبد العزيز ورجاء حسين و مديحة حمدي وسهير المرشدي، ثم قدمت أدوارها الكوميدية من خلال فرقة المسرح الكوميدي وبالتحديد مسرحيات جوزين وفرد عام 1966، لتنطلق بعد ذلك من خلال فرق القطاع الخاص وبالتحديد من خلال فرقة «الفنانين المتحدين» لتحقق جماهيريتها من خلال مسرحية «مدرسة المشاغبين» عام 1971، ولتصبح واحدة من أهم نجمات المسرح الكوميدي بفرق القطاع الخاص.
وعلى الرغم من نجاحها وتحقيقها للتميز في جميع المجالات إلا إن المسرح ظل هو مجال تألقها الفني حيث تألقت في مسرحيات عديدة منها سليمان الحلبي وبلدي يا بلدي ونرجس وليلى والمجنون، بالإضافة إلى مسرحياتها الشهيرة مدرسة المشاغبين ووريا وسكينة وع الرصيف والعالمة باشا والدخول بالملابس الرسمية.
«سكينة» أو «سوسكا» أو «بكيزة»... ألقاب اشتهرت بها «سيدة المسرح السياسي» النجمة الكبيرة سهير البابلي، التي ستظل خالدة في ذاكرة جمهورها وتاريخ الفن العربي، تاركة بصمة في حياة كل من عرفوها، وقد التقت «مسرحنا» ببعضهم ليحدثونا عنها وعن ذكرياتهم معها.

قال الناقد والمؤرخ المسرحي د.عمرو دوارة: لقد فقدنا واحدة من نجمات تاريخ الفن العربي، ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة/ سهير البابلي، فقد تفجرت هوايتها لفن التمثيل به، كما أثبتت وأكدت موهبتها من خلاله بعدما تعلمت أصول التمثيل بمشاركاتها بعدد كبير من العروض بفرقه المختلفة التي قام بإخراجها نخبة من كبار المخرجين، ومن خلاله أيضا شاركت في عدد كبير من المسرحيات المتميزة وتدرجت في بعض الأدوار المساعدة حتى أصبحت نجمة متوجة، وفي هذا الصدد يجب التنويه إلى أن فترة ازدهار الفرق الكبرى بالقطاع الخاص وبالتحديد خلال الفترة من عام 1973 إلى عام 1993 تعد من أزهى فترات تألق الفنانة/ سهير البابلي مسرحيًّا، وهي الفترة التي شاركت في بطولة عدة مسرحيات بفرق: «الفنانين المتحدين»، «مسرح الفن».
وتابع «دوارة»: هذا وتتضمن قائمة إسهامات الفنانة/ سهير البابلي المسرحية إبداعها في تجسيد عدة شخصيات درامية مهمة ومن بينها على سبيل المثال: منيرة في مسرحية «الناس اللي فوق»، هيلانة في مسرحية «مصرع كليوباترة»، بهية بمسرحية «آه ياليل يا قمر»، نرجس بالنص المعد بعنوان «نرجس» عن رائعة الكاتب الفرنسي/ جان أنوي «المتوحشة»، نبيلة الطالبة الجامعية في مسرحية «القضية»، زوجة السيد في مسرحية «الفرافير»، الفتاة ابنة حداية الأعرج قاطع الطريق بمسرحية «سليمان الحلبي»، الغانية/ فاطمة بنت بري التي حاولت إغواء السيد البدوي بمسرحية «بلدي يا بلدي»، الصحفية/ ليلى التي أحبها بجنون زميلها الشاعر/ سعيد برائعة الشاعر المبدع/ صلاح عبد الصبور «ليلى والمجنون»، فوزية الزوجة الشكاكة المرتابة في «جوزين وفرد»، وبفرق القطاع الخاص: المدرسة/ عفت عبد الكريم مدرسة الفلسفة بمسرحية «مدرسة المشاغبين»، السفاحة/ سكينة بمسرحية «ريا وسكينة»، المدرسة/ صفية العائدة من إحدى دول الخليج في مسرحية «ع الرصيف»، العالمة الراقصة/ سوسكا بمسرحية «العالمة باشا»، وذلك بخلاف تألقها في تجسيد عدة شخصيات من المسرح العالمي باللغة العربية الفصحى وفي مقدمتها: «ماريان في مسرحية «الوارثة»، الفتاة/ يرما برائعة الكاتب الأسباني/ جارسيا لوركا «يرما»، فتاة الطريق العاشقة/ رئيفة في مسرحية «بيت من زجاج»، أديل في مسرحية «بيت برنارد ألبا».
وأضاف «دوارة»: يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذه الفنانة القديرة التي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من التمثيليات الدرامية والمسلسلات الإذاعية على مدار ما يزيد عن نصف قرن، وذلك لأننا نفتقد للأسف الشديد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وتضم قائمة إسهاماتها الأعمال التالية: تعبان جدا، رجل تحت الصفر، وجه ملاك، أين تذهب أمي؟، بنات حارتنا، زقزوق وأولاده في العيد، علي الزيبق، وذلك بالإضافة لمشاركاتها ببطولة بعض البرامج الدرامية مثل: مهرجان النجوم، سيد مع حرمه في رمضان. عاصرت الفنانة القديرة/ سهير البابلي بدايات البث التلفزيوني وبداية إنتاجه الفني مع بدايات ستينيات القرن الماضي، وبالتالي فقد تحملت مشقة مرحلة التأسيس والبدايات، حيث كانت الصعوبة التي تواجه جميع العاملين خلال فترة البدايات هي ضرورة تصوير الحلقة كاملة دون توقف - لعدم وجود إمكانية لعمل «المونتاج» - وبالتالي فقد كانت واحدة من جيل الممثلين والممثلات المسرحيين الذين أثروا العمل التلفزيوني بقدرتهم على الحفظ وأيضا بتفهمهم لطبيعة التصوير ومراعاة زوايا الكاميرا المختلفة. هذا وتضم قائمة إسهاماتها الإبداعية مشاركتها في أداء بعض الأدوار الرئيسة بمسلسلات: العابثة، وسط الزحام، هنداوي، عش المجانين، وكان سرابا، لمن نحيا (1962)، خيال المآتة، الشنطة مع مين؟ (1964)، عواصف (1965)، جراح عميقة (1969)، ليل ورجال (1972)، شهادة ميلاد (1973)، هذه الحياة (1974)، عنترة (1978)، أحمد بن ماجد، الأيدي الناعمة (1980)، ومشيت طريق الأخطار، عم حمزة (1981)، وتوالت الأحداث عاصفة (1982)، عش المجانين (1983)، الشاهد الوحيد (1984)، فوازير وحلقات ألف ليلة وليلة - عروس البحر (1985)، بكيزة وزغلول (1987)، قلب حبيبة (2005)، يا أنا يا هن (2010)، قانون سوسكا (2016). وذلك بخلاف بعض السهرات التلفزيونية ومن بينها: أسرار المدينة، وكان من المنطقي أن تتوج تلك المسيرة الفنية الثرية ببعض الجوائز وبعض مظاهر التكريم ومن بينها على سبيل المثال، تكريمها من قِبَل كل من مهرجان قرطاج الدولي بتونس عام 1993، ومهرجان المسرح العربي، المُنظم من قِبَل الجمعية المصرية لهواة المسرح بدورته الثامنة عام 2010، واتحاد المنتجين العرب عام 2015 عن مجمل أعمالها، ونقابة المهن التمثيلية عام 2017 في افتتاح الدورة الثانية لمهرجان النقابة، وفي اليوم العالمي للمرأة في إطار الدورة الرابعة لمهرجان «آخر موضة» عام 2015، وهي بلا شك فنانة قديرة جديرة بكل التكريم، خاصة بعدما نجحت في حفر مكانة خاصة لاسمها وحظيت بحب وإعجاب الجمهور العربي بجميع الأقطار العربية الشقيقة، ويكفي أن نسجل لها أنها وبرغم غيابها عن الساحة الفنية لأكثر من عشر سنوات إلا أن مكانتها قد ظلت شاغرة، وبمجرد عودتها استقبلها جمهورها مرة أخرى بكل الحب والترحاب، وأخيرا لا يسعني إلا التوجه لله بالدعاء بأن يمن على هذه الفنانة القديرة بالرحمة والمغفرة وجنة الخلد جزاء ما أسعدتنا بقدراتها الإبداعية بمختلف القنوات الفنية، وبتفوقها وتألقها في تقديم مختلف الشخصيات التراجيدية أو الكوميدية، سواء كانت باللغة العربية الفصحى أو باللهجة العامية الدراجة، وسواء كانت لشخصيات من البيئة الشعبية أو من الطبقات الأرستقراطية، وأقل تقدير لها أن أمنح جريدة «مسرحنا» صور تذكارية نادرة من أرشيفي الخاص، بالإضافة إلى المادة العلمية الدقيقة الخاصة بتلك النجمة المتألقة.

نجمة استثنائية
وقال الناقد الفني طارق الشناوي: هى نجمة استثنائية في تاريخ المسرح المصري والعربي، أكبر نجمة لها شباك وقادرة على الجذب، وهذه حالات نادرة، أن تجد نجمة بها كل ذلك، وتُكتب لها مسرحيات، ومن نجمة مسرح إلى مشروع عند المنتجين، وأكثر من استفاد من ذلك استفادة مشروعة جدًا هو المخرج جلال الشرقاوي في مسرحه، فهو مسرح جاد وسياسي، وكانت سهير البابلي قادرة على أن تشعل جنبات هذا المسرح بأعمال عظيمة مثل «ع الرصيف» و»العالمة باشا» وغيرها، وأكثر ما كان يميز سهير البابلي قوة الشخصية.
وتابع «الشناوي»: جلست معها مرات عديدة، فكانت قريبة من عادل أدهم، وكُنت صديقا له ولزوجته، فكنت أجلس مع إنسانة قوية الشخصية جدًا ومثقفة ودمها خفيف وذكية، وكانت قامة وقيمة ستظل أعمالها محفوظة، لأن الفضائيات وثقت أعمالها كلها، في أي لحظة نستطيع أن نُشاهدها.

مثلها لايموت
فيما قال الكاتب المسرحى الكبير بهيج إسماعيل: من مثل سهير البابلي لا يمت، لأن فنها باق رغم غياب الجسد، وهى من القلائل القادرين على الوصول بالكوميديا للقمة والوصول بالتراجيديا للقمة أيضًا، تملك الموهبتين الأداء الكوميدي العالي والساخر، والأداء التراجيدي الكفيل بهز القلوب نفسها، وهذه الموهبة المزدوجة توجد عند القلائل فقط، وأذكر منهم نجم النجوم عادل إمام ويحيى الفخراني،  ثم إن «البابلي» عاشت حيوات كثيرة في عمرها ومرت بتجارب عديدة إلى أن وصلت لهذا النوع من الصفاء النفسي، ولا أقول الزهد.
وأضاف «بهيج»: قرأت «البابلي» مسرحية «الدخول بالملابس الرسمية» في صيغتها الأولى وأعجبتها، وأبدت استعدادها لتمثيلها، و عندما عرفت أن الفنانة سهير البابلي هى التي ستمثلها، أصبح أمامي مشكلة جديدة، وهى دخلة سهير للمسرح، المسرح الذي عُرض عليه هذا العرض المسرحى، الذي هو حاليًّا حديقة الأندلس، وكانت مُستأجره بمبلغ رمزي وقتها، ثم أخذت بعد ذلك، وانتقلت المسرحية إلى مسرح ميامي، وتم تسجيلها هُناك، د. عزت صقر كان هو مصمم ديكور العرض، وقام بتصميم الديكور على مستويين وبه سلم علوي، وكان لابد حسب فنية التقديم، أن تدخل سهير البابلي كآخر شخص يدخل في المسرحية، حتى يكون التصفيق بالتدريج، فكان لابد أن تنزل من الدور العلوي إلى السفلي وتقول جملة مثيرة للضحك، بالإضافة إلى الموقف مع الممثل المقابل لها في هذا المشهد، وكان على ما أذكر أبو بكر عزت، وكان المشهد به سوء تفاهم يجب أن يُقدّم بشكل كوميدي، إعداد هذا المشهد ودخلة سهير البابلي، كأنك تكتب مسرحية كاملة، وهذا كله تم إعداده فقط عندما أخبروني أن سهير البابلي هى من ستكون بطلة المسرحية، وكان لها شروط أن تقدم النص كما كتبته دون أي تغيير فيه، وكنت سعيد جدًا بذلك، وكانت تحترم النص جدًا، حتى عندما  خرجت إسعاد يونس عن النص في جملتها المشهورة «أنتِ بابا وأنتِ ماما وأنتِ أنور وجدي»، اتفقت أولًا مع سهير البابلي.
وتابع «بهيج»: لا أكتب كوميديا الإفيه، ولكنني أكتب كوميديا الموقف، وكيف أعلى بالموقف تدريجيا، إلى أن يصبح هناك ضحك عال ويتحول إلى تصفيق، والتصفيق يقوم بشيئين، يجعل الممثل يرتاح قليلًا، وكذلك الجمهور، وهذه صناعة فنية، وما سبق هو الجزء الفني أو «الصنعة» داخل المسرح نفسه، وهذا لا يُهتم به كثيرًا في مسرح القطاع العام للأسف، وتبقى سهير البابلي خالدة بحضورها المسرحي، وقد كانت حاضرة  حتى في حالة غيابها، وكان جمهورها ينتظرها على المسرح بلهفة، فهي خالدة بحضورها وأعمالها الفنية.

سيطرت على المتفرج
كذلك قال الكاتب المسرحى محمد أبو العلا السلاموني: سهير البابلي من الفنانات المصريات، اللاتي أثبتن وجودهن على المسرح المصري، وحضورها على المسرح يتميز بالسيطرة على المتفرج، وهذا دليل على قدرتها الفنية والأدبية في السيطرة على الجمهور، واستحواذها على مشاعرهم ووجدانهم، إلى جانب أنها كفنانة تعتمد على جانبين مهمين جدًا وهما الجدية والجانب الكوميدي، وهى من النوع القادر على تقديم الجانبين، الجانب الدرامي الجاد والجانب الكوميدي، وهناك نموذج مهم جدًا قدمته في مسرحيتها الشهيرة «مدرسة المشاغبين»، على الرغم أن كل من حولها من الفنانين في هذا العمل، وكلهم نجوم كوميديا، لكنها لم تخضع لهم ولم تُجاريهم، في طريقة أدائهم الكوميدية، ولكنها ظلت في شخصية «المُدرّسة»، وخصوصًا مدرسة الفلسفة، فقدمت نموذجا للمعلم الجاد، الذي يواجه مشاكل التلاميذ من المشاغبين، الذين لا يهتمون بالتعليم، واستطاعت ببراعة أن تحقق لنفسها حضورا في هذه المسرحية الكوميدية من ألفها إلى بائها، ومع ذلك كانت في غاية الجدية والثبات أمام كل هذه الحالة الكوميدية، وبالطبع هناك أدوار كثيرة هامة في تاريخ سهير البابلي، ولكنني أذكر بشكل خاص دورها في مسرحية «ريا وسكينة» وخصوصًا أنها كانت تمثل أمام فنانة عملاقة مثلها، وهى الفنانة شادية، والاثنين قدموا دورين غاية في الأهمية في الكوميديا المصرية والكوميديا الراقية المحترمة بدون إسفاف.

وضوح الشمس
قالت الفنانة القديرة رجاء حسين: كانت واضحة وضوح الشمس كزميلة لي في المسرح القومي، علاقتي بها كانت طيبة جدًا، فهي طيبة ومرحة و ذات مبادئ وسريعة البديهة، كل ما قدمته كان فنًّا راقيًا خال من الإسفاف، كانت «غول» تمثيل، قدمنا معًا في كل فترات حياتنا تقريبًا أعمالًا كثيرة معًا، فكنت صديقة مقربة لها وهى كذلك، أسأل عليها باستمرار، حتى في آخر أيامها كنت أطمئن عليها من ابنتها نيفين، سهير هى واضحة وضوح القمر، وضوح كلى وجزئى، كانت بارة جدًا بأهلها، وهذا لا يعرفه الكثيرون، يجمعنا دائمًا الاحترام المتبادل، وعندما كُنا نُمثل مع عظماء المسرح القومي وكان أحدهم يوجه إلينا ملحوظة، نضعها في الاعتبار، ونعمل عليها بجدية، تعلمنا من المسرح القومي أن نسمع جيدًا، ونتعلم مما نسمعه، لم تكن تحب أن تتحدث عن حياتها الخاصة، وعاشت علاقة طيبة جدًا مع زوجها السابق الفنان أحمد خليل في غاية الاحترام والتقدير، رحمة الله عليهما.

صداقة عميقة
وقال الفنان القدير رشوان توفيق: كان هناك صداقة عميقة بين عمتي وعمتها نفوسة هانم فاضل، وعائلة البابلية مشهورة بخفة الدم سواء رجال أو نساء، وانقطعت العلاقات بسبب ظروف الحياة، ثم التقينا مرة أخرى كممثلين، وقدمت معها العديد من المسرحيات، أول مسرحية جمعتنا معًا كانت مسرحية « ثورة الموتى»، وأبرزها مسرحية «نرجس»، كان لديها قدرة هائلة على تمثيل الكوميديا بشكل غاية في الإبداع، وكذلك الدراما، وقدمنا معًا أيضًا مسلسل الشاهد الوحيد مع «ملك الترسو» فريد شوقي من إخراج أحمد توفيق، وقدمنا أيضًا أنا وهى و»وحش الشاشة» مسلسل «عم حمزة».
وتابع «رشوان»: قدمت معها أيضا مسرحية «آه يا ليل يا قمر» و سافرت المسرحية مهرجان في دمشق، وقدمت دور الفنان شكري سرحان، وشاءت الأقدار أن أقف أمامها وأقدم هذا الدور، وعلق على تمثيلي في هذا العرض المسرحي الفنان دريد لحام، وقال لي: قبل أن تتحدث و بمجرد ظهورك على المسرح كنت أثق أنك ممثل جيد ومتميز، وسعدت جدًا عندما علمت منه أنه شاهد فيلم جريمة في الحي الهادي، وأعجبه بشده.
وأضاف «رشوان»: كانت نجمة شباك من الدرجة الأولى، كانت ممثلة شاملة، وكان صوتها رائعا، وأبدعت في رائعتها هى والفنانة الكبيرة شادية «ريا وسكينة»، وكذلك قدمت دورًا مميزًا مختلفًا في «مدرسة المشاغبين» وكانت حازمة وأدت دورها على أكمل وجه وسط نجوم الكوميديا.
كذلك قالت الفنانة سماح أنور: كل من سمع كلمة مسرح في حياته معناها «سهير البابلي»، هى لم تكن مجرد نجمة مسرح مصري وعربي وضحكة مصر، بل أكبر من ذلك بكثير، كان من حظي ولي الشرف أن أعمل معها في فيلم ليلة عسل، وكنت مازلت صغيرة جدًا، ومفارقة الفيلم كانت أن الأم وابنتها يلدون في نفس اليوم، وهذا ما حدث بالفعل لمؤلفة الفيلم منى الصاوي، وكانت الفنانة سهير البابلي متعاونة جدًا، وساعدتني جدًا في كل المشاهد التى جمعتني بها، حيث كُنت أقوم بدور ابنتها، وكانت تساعدني جدًا في تقمص الدور، خاصةٍ أنني لم أكن قد تزوجت، فلا أعرف شيئا عن الحمل والولادة، وهذا العمل محبب إلي جدًا، ولا تختلف سهير البابلي إطلاقًا في الحقيقة عن الشاشة، عظمتها على الشاشة وعلى المسرح، حاضرة أيضًا في حياتها الحقيقية، هى نفس الروح والأخلاق والعظمة والأناقة، القيمة الفنية والإنسانية نفتقدها شيئًا فشيئًا، وبعد رحيلها أصبح الموضوع أكبر وأصعب، الحقيقة أنى لم استطع أن أحزن عليها، فكلما تذكرتها ابتسمت، وتذكرت كل ضحكاتها وروحها العطرة، كانت تكره الحزن وتعشق البهجة والسعادة.
وتابعت «سماح أنور»: هى نجمة شباك في المسرح المصري بالتأكيد، ولم تحظ  أي نجمة بهذا التألق، كانت مسرحيتها كاملة العدد لشهور مُقبلة، ولها مسرحيات أثرت في وجدان المتفرج والإنسان المصري والعربي، كانت مسرحياتها بها رسالة ووجهات نظر حقيقية ولم تكن مجرد مادة للضحك، كان مسرحها «نظيفًا»، وهذا المصطلح مستحدثا، لم نسمعه إلا قريبًا، و كان الطبيعي أن الفن لابد أن يكون «نظيفًا».

تركت بصمة
وقالت الفنانة سميرة عبد العزيز: كانت صادقة جدًا في عملها ومحبه للمسرح، وشكرًا جزيلًا لها أنها جعلت الفنانة شادية تُقدم رائعتها «ريا وسكينة»، وهى من أقنعت شادية بدخول المسرح، وأضافت شادية إلى المسرح، وكل مسرحيات وأعمال الراحلة سهير البابلي تركت بصمة في وجدان كل الجمهور المصري والعربي.
وقالت الفنانة د. سميرة محسن بإيجاز شديد: المسرح المصري فقد قيمة كبيرة بفقدان سهير البابلي، لأنها كانت ممثلة شاملة في كل شيء، وكانت نجمة شباك كبيرة جدًا، وكانت هى بطلة مسرحياتها ولها جمهور كبير جدًا، حتى عندما قدمت رائعة «ريا وسكينة» مع الفنانة شادية، كل منهما أضاف لنجومية الآخر.

طريقة أداء خاصة
 فوق التقييم
فيما قال الفنان كمال أبو ريه: سهير البابلي فوق التقييم على المستوى الفني، كانت متميزة ولها طريقة أداء خاصة بها، ولديها حيوية وإبداع، وكانت تتعامل مع الشخصية بشكل احترافي، تتحلى بخفة الظل والأخلاق الحميدة، على المستوى الإنساني كانت أخت كبيرة وروحها المرحة التي على الشاشة، تعيش بها في الواقع، وشرفت أنى قدمت معها فيلم «ليلة عسل»، كانت أول تجربة سينما لي تقريبًا، وكانت لا تبخل علينا بأي معلومة، وروحها الطيبة المرحة كانت تملأ المكان كله بهجة وإيجابية، كانت الأخت الكبيرة الحنونة والفنانة الناضجة، التي توجّه من حولها بشكل راق وغاية في التواضع.
و قال الفنان فتوح أحمد: لم يكن لي الشرف أن أعمل معها، ولكنها إحدى رائدات المسرح المصري، وهى علامة مميزة من علاماته ، أعمالها جميعها خالدة في ذاكرة جمهورها ومحبيها في مصر والعالم العربي بأكمله، و»ريا وسكينة» كانت من علاماتها المسرحية، وقدمت العديد من المسرحيات في مسرح الدولة، فهي ابنة المسرح القومي.
فيما قال الفنان والسيناريست عمرو محمود ياسين: بالتأكيد تأثرت بموت العظيمة سهير البابلي، شأني شأن كل جمهورها، لأنني واحد منهم، وارتبطت معنا بذكريات جميلة وفترة هامة في حياتنا، ونحن نشاهد أعمالها، جيلي تربى على أعمالها ، ولها علامات لا تُنسى في ذاكرتنا، مثل دورها في «بكيزة وزغلول» و»مدرسة المشاغبين» و»ريا وسكينة»، ولها دور مهم في الحركة المسرحية المصرية لفترات طويلة، وكانت تمتاز بالعفوية والانطلاق ، كان لها مذاق و منهج وطريقة خاصة بها، فقدنا إيقونة من إيقونات الفن المصري والعربي، وهي فنانة لن تتكرر أبدًا بذكائها وأناقتها وخفة ظلها، كانت فنانة شاملة صادقة عاشقة للمسرح والفن.
فيما قالت الفنانة رانيا محمود ياسين: رحيل الفنانة الكبيرة سهير البابلي خسارة فادحة للفن المصري والعربي، قدمت رصيدا فنيا كبيرا، في المسرح والسينما والتليفزيون وفي الإذاعة أيضًا، أدوارها في السينما كانت قليلة ولكن مميزة، هى من النجوم المفضلين لدي، ولها قدرة هائلة على إبكائك وضحكك في آنٍ واحد، ذات موهبة حقيقية، وتمتلك حضورًا طاغيًا ومؤثرًا، و تمتاز بطريقة أدائية مميزة خاصة بها، كل مره أُشاهد فيها أعمالها أضحك أو أبكي كأنني أرى العمل لأول مرة، هذا الجيل لن يُعوّض بهذا التاريخ الراقي والمحترم والهادف، وهذا الفن المؤثر المحترم.
وختامًا قالت الفنانة رانيا فريد شوقي: المسرح على مر العصور به نجمات، مثل فاطمة رشدي، ولكن ليس بحجم النجوم الرجال، الذين كانوا متصدرين بعدد أكبر، السيدة سهير البابلي واحدة من النجمات القليلات  اللاتي كن يحصلن على البطولة ، لها مدرستها الخاصة، من أبرز أعمالها ذات الصبغة السياسية، ع الرصيف والعالمة باشا، كانت تدمج السياسة بالكوميديا، وكان ذلك يميزها، إلى جانب خفة ظلها وقبولها الكبير على المسرح وخارجه.
وتابعت «رانيا فريد شوقي»: عملت كثيرًا في التليفزيون مع والدي ، وقدموا معًا أكثر من عملً  سينمائيًّ ، رحمة الله عليهما، وعلى كل فنان رحل عن عالمنا، ولكنه باق بأعماله وتاريخه.
وكتبت الفنانة إسعاد يونس على صفحتها الرسمية «فيسبوك»: (إنا لله و إنا إليه راجعون، تلقيت الخبر الحزين وأنا خارج البلاد، فارقتني حبيبتي وعشرة عمري ورفيقة أيامي وأستاذتي سهير البابلي، محاولات مستميتة للعودة إلي مصر حتي أكون في وداعها، أسألك اللهم اللطف يا أرحم الراحمين، فالمصاب جلل، عزائي الوحيد الآن أن أجد مكانا فارغا في أول طائرة إلى مصر).


إيناس العيسوي