الأداء المسرحي ودلالات خشبة المسرح الأداء باعتباره نصا مسرحيا

الأداء المسرحي ودلالات خشبة المسرح    الأداء باعتباره نصا مسرحيا

العدد 743 صدر بتاريخ 22نوفمبر2021

  علي الرغم من تجليات مفهوم العلامة , فسوف نناقش سؤال كيف يحدث المعنى والدلالة في بيئة المسرح , أثناء تحليلنا لعملية الدلالة / الاتصال في واقع خشبة المسرح . ويساعدنا هذا المنظور السيميوطيقي في تطوير فكرة الأداء المسرحي كنص مسرحي مبتكر بواسطة الممثل والمساحة الخالية المقبول من الجمهور . وتتضمن هذه المقالة في جوهرها صورتين للدلالة – صورة لغوية/غير لغوية وصورة أدائية (وهي الفعل المادي) , وهما يؤثران فعلا في تنوع الدلالة علي خشبة المسرح . وسوف نستكشف فرضية أن الأداء المسرحي , كنص وبناء سيميوطيقي من العلامات وتكوينات من العلامات , يتميز بمجموعة من الشفرات الثقافية فوق المسرحية Supra-theatrical cultural codes , والتي تقوم علي أنساق علامة الأداء الثانوية – الأدب والموسيقى وعلم الأساطير والعقيدة وحتى المسرح نفسه كفن . ونشير إلى أن الشفرات الأدائية ( أنساق العلامة ) توظف آنيا في الأداء (بشكل نموذجي) أو تتابعيا (بشكل تركيبي) , وبالتالي ينتجون المعنى (الدلالة) بفعالية . فالعلامات التي يحصل عليها المشاهد من أنساق العلامة المتغيرة علي خشبة المسرح مقبولة في ظل مبدأ الاتصال الآني , وهي العلامات ذات العلاقة التركيبية فيما بينها لإنتاج الدلالة . واستشهادا بماركو دو مارينيس , وللاستنتاج , نستشهد أيضا بفرناندو دي تورو , فقد صنّفنا النص الأدائي بأنه النص الشامل Macro-text أو نص النص text of the text الذي ينتج من خلال سلسلة متنوعة من النصوص الأدائية الجزئية التي تشكل في سياق الأداء الكلي نتيجة تعبيرية فريدة , فهو منتج تجميعي مكون من الكلام والأزياء والموسيقى والايماءات والرقص ونحت الجسم .. الخ . وبالتالي نستنتج أن العناصر العامة لنص الأداء تتفاعل وتتحد في معنى واحد يبني النص المسرحي باعتباره تعبيرا أدائيا . وسميوطيقا المسرح كمبدأ عام , ولاسيما أفكار البنيويين في براغ , ساعدتنا أن ننظر إلى الأداء المسرحي من منظور التفاعل بين الممثلين والمساحة الخالية في اتصالها اللفظي/غير اللفظي العام . وفي ضوء برهاننا حتى الآن نؤكد في النهاية أن موقف الممثل وفراغ خشبة المسرح مكونان أساسيان ليس فقط للنص المسرحي , بل إنهما أيضا أساسيان للأداء المسرحي ككل . 
     ولطالما خدمت سيميوطيقا المسرح الجهد الجذري لتوليد فكرة الأداء كنص مسرحي والذي يبدو بقوة أنه خطوة إبداعية مبتكرة إلى الأمام في النقاش حول نماذج الدلالة في المسرح . ومن المفترض أن أي تعبير من خشبة المسرح إلى الجمهور يتداخل مع العلامة المسرحية المساوية , وهي نتيجة مباشرة لتعدد تكافؤ أنساق العلامة علي خشبة المسرح ولاسيما باعتبارها علامة لعملية الدلالة المعقدة : من البصري إلى اللفظي , ومن الأيقوني إلى الرمزي , ومن الطبيعي إلى الاصطلاحي , التي تميز النموذج الدرامي بأنه موضوع جمالي (الشخصية علي خشبة المسرح) . وفي هذا السياق , ولاسيما أن البنيويين في براغ ينظرون إلى الأداء باعتباره منصة تعبيرية مركبة . وقد أسس كل من أوتاكر زيتش في كتابه «جماليات فن الدراما Aesthetics of the Art of Drama” (1931) , وجان موكاروفسكي في كتابه « محاولة للتحليل البنيوي للنموذج الدرامي An Attempt at a structural Analysis of a Dramatic Figure” (1978) , بعضا من استنتاجهما علي الطبيعة السيميوطيقية للتمثيل المسرحي والاتصال . بينما قال كير ايلام في كتابه « سيميوطيقا المسرح والدراما  Semiotics of theater and Drama “ (2002) “ لقد غيرت مدرسة براغ  في الثلاثينيات آفاق نظريات المسرح جذريا من أجل التحليل العلمي للمسرح والدراما ووضعت أسسا لأغنى مجموعة من النظريات التي قُدمت في العصور الحديثة . 
     وبناء علي أسئلة البنيويين في براغ , يمكننا المضي قدما واستنتاج أن السمة المميزة للأداء المسرحي قد أظهرت طبيعة ديالكتيكية معينة , حيث تقدم شيئا ما لأنها ظاهرة تجسد في الوقت نفسه واقعا ثنائيا – واقعا ماديا وأيديولوجي , أي أنه يمثل علامة العلامات , التي هي عنصرا أساسيا في نص الأداء . إذ يتم اختزال كل دلالة خشبة المسرح التي تشبه الدلالة في الحياة العادية , إلى لفظي وغير لفظي , وزمان ومكان واضحين . ومن الضروري أن نعرف في كل اتصال لفظي علني  علي خشبة المسرح كيف نُشفر لغة خشبة المسرح هذه ونفك شفرتها , ونستلهم كيف تتشكل تعقيدات أنساق العلامة الجمالية في الأداء . فالأداء ككل , كنص وبناء سيميوطيقي من العلامات وتشكيلات للعلامة , يتميز تحديدا بمجموعة من الشفرات التي هي عموما شفرات ثقافية فوق مسرحية تقوم عليها أنساق العلامات الثانوية للعرض : الأدب والفن والموسيقى والأسطورة والعقيدة والمسرح نفسه كشكل فني . فالشفرات الأدائية ( أنساق العلامة) في العرض تعمل عادة وفقا للمبدأ الآني (بشكل نموذجي) أو تعمل بشكل تتابعي ( علي نحو تركيبي) , بالتالي ينتجون الدلالة . فالعلامات التي يحصل عليها المشاهد من أنساق العلامة المتنوعة تُفهم وفقا لمبدأ الاتصال الآني , وهي نفسها علامات في علاقة تركيبية بين بعضها البعض , وينتجون الدلالة . واستشهادا بماركو دو مارينيس , يمكننا أن نصنف النص بأنه النص الشامل أو نص النص الذي تنتجه سلسلة متنوعة من نصوص الأداء , والذي يؤسس في سياق العرض ككل النتيجة التعبيرية الفريدة , المنتج المصنف للكلام والموسيقى والملابس والإيماءات وحركات الجسم .. الخ . وقد وجد دي تورو , الذي ارتكز علي  مقولة دو مارينيس , أن : 
أ   – الخاص أو سياق الأداء الذي يتكون من شروط تقديم وتلقي نص الأداء .
ب – العام أو السياق الثقافي الذي يصنع وحدة النص الثقافي , سواء كانت من المسرح ( التمثيل والسينوغرافيا والدراماتورجيا ) أو من خارج المسرح ( الأدب والتصوير الفوتوغرافي والبلاغة والفلسفة ) وهي تنتمي إلي تزامن نص الأداء , أي أنها سياقات ثقافية اجتماعية تحيط بنص الأداء . وهذه النصوص في الواقع هي  تناص . وتشكل كل من نصوص المسرح والنصوص خرج المسرحية النص الثقافي العام . والتعبير عن هذين السياقين أساسي في فهم كل نص أداء , لأن عناصر فهم      نص الأداء , في الحالة الأولى موجودة في المكان , وفي الحالة الثانية ( حالة النص الثقافي) , فان مرجعيات هذا النص مدرجة في النص الثقافي العام . ويجب أن يتأمل أي تحليل للأداء كلى السياقين اذا كان كفئا . ولا يوجد كلا السياقان إلا في نص الأداء فقط , لأن النص الدرامي يغيب في سياق الأداء باعتباره موقف نطق وباعتباره تقديم للموقف . 
     وفي حالات المسرح , يحتاج خلق كيان شامل للنص المسرحي إلى توليد معنى قابل للتوليد في الكيان العام للعرض ويتكون من العناصر الفردية لهذا النص . ومرة أخرى , يرتبط هذا بكفاءة المشاهد , ولكن هذه العملية عرضة لانتماء المشاهد إلى المجتمع الثقافي . فبالنسبة للجمهور المحافظ ممثل النوع الثقافي الأوروبي , فقد يبدو أمر عرض مسرحية نوه , المبني كنص في التقاليد الشرقية , أمرا غير مفهوم علي أقل تقدير . ولكي نحول العرض إلى نص مفاهيمي , فمن الضروري أن يكون إرسال  نسق من البيئة الثقافية متوافقا مع البيئة الثقافية للمشاهدين , أي أن يكون مبنيا علي أساس اللغة المشتركة مفاهيميا . فمشكلة اللغة كأداة لفظية هو أمر مؤلم ولاسيما , في المواقف التي يسيطر فيها التعبير البصري . ولكن علي أي حال , فان وحدة بناء اللغة في وصف الأداء وفهمه ضرورية في عملية حل شفرة اللغة المسرحية الشارحة theatrical metalanguage , كما يقول باتريس بافيس : 
“ مكانة اللغة المستخدمة في وصف الأداء ذات إشكالية كبيرة , وينبغي أن نعّرفها بأنها لغة شارحة , سواء توظفت كخطاب , أو علي العكس تم التعبير عنها من خلال نسق من الوحدات المستقلة . فهناك فقط سيميوطيقا يمكن أن تكون قادرة علي الموضوع المسرحي الموصوف , وتمنحه التدوين الرمزي , أي التدوين الذي يستخدم في الرسوم البيانية التقليدية(الأشكال الهندسية و الحروف والاختصارات) مجموعة من الرموز , وتستخدم في التمثيل البصري للوحدات الناشئة عن اللغة الشارحة . ولا توجد لغة شارحة من النوع في المسرح : فهذا يمكن شرحه بسهولة من خلال تعدد معاني الأنساق في الأداء واستحالة تجانسها في تدوين واحد منفرد . وبالتالي يجب أن نرجع إلى السيميولوجيا التي تحاول جاهدة مزج التدوين الأيقوني والتدوين الرمزي لتبني افتراضات خطابها النقدي ومقارنة نظريتها بأداء مسرحي معين . ولذلك , لذلك لا يجب أن نعزل اللغة الشارحة عن الموضوع الذي يتم تحليله, ولكن يجب أن نبحث آثاره أو اقتراحاته داخل الأداء نفسه .  
     من خلال فهم الأدائية العامة للعرض , يستجيب المشاهدون للأشياء السمعية والبصرية التي تشير إلى معنى ما يظهر في أذهانهم , وفي عملية إدراك الأشياء يتم فصلها إلى أشياء متزامنة ومتتالية . وهنا يمكننا أن نرجع إلى رومان ياكبسون Roman Jakobson الذي يفترض أن العلامة البصرية المركبة تتعلق بسلسلة من المكونات المتزامنة , بينما العلامة السمعية المركبة , كقاعدة , لها مكونات مسلسلة ومتتابعة . ويبدأ ياكبسون من افتراض أن البيئة السمعية (العلامة) داخل الكلام (وفي حالتنا كلام خشبة المسرح) هي بشكل عام متعددة الأصوات ومبنية ومدركة علي أنها مجموعة معقدة من الصوتيات وحزم متزامنة من سمات مميزة تتسم بدوالها الزمنية والمكانية . ويتم تصوير عرض الكلام من قبل المتحدث مما يعني عدم وجود تسلسل زمني , فقد يتم تقديم الرسالة ككل في عقل المتحدث في نفس الوقت , ويتضمن الأداء نفسه وجهين التقديم والسماع وفهم خشبة المسرح , حيث يبدو أن التسلسل يجب أن يتغير توافق . وهنا يمكننا أن نستنتج أن آنية هذا المفهوم تمنح كلام خشبة طبيعته المكانية والزمنية , التي يمكن أن تمتد إلى الإيماءات والأشكال المكانية في سياق ملامحها الاتصالية وملامحها المسرحية الجمالية . وبالطبع لا تدرس نظرية ياكبسون العرض المسرحي تحديدا , بل بالأحرى الأعمال الأدبية , ومع ذلك فهي المثال الملائم لكيفية تنظيم الكلام ( كلام الممثل ) كجزء من النص المسرحي . وهنا يمكننا أن نعّرف النص المسرحي بأنه يتكون في داخل لغة المسرح , وهذه اللغة تتميز بوجه خاص بحقيقة أنه لا يمكن اختزالها إلى أصغر وحدة متجانسة , بل إنها تتكون بدلا من ذلك من نظام علامات غير متجانسة , ولا يمكن تقسيمها إلى عناصر دلالتها الأصغر , وفي هذا السياق دعونا نؤكد مرة أخرى أن الأداء كنص يتكون من علامات مختلفة وأنساق علامات لها بيئات مكانية وزمنية معلنة تشكل لغة مسرحية معينة وتحافظ عليها . ويتم تفسير هذا النص من خلال مكونين أساسيين في العرض : الممثل ومنطقة خشبة المسرح , وهما أيضا الوحيدان القادران علي تمثيل أنساق العلامة الأخرى أيضا . وهذا التفسير , من نواح عدة , ليس فقط لفظيا (لغويا) , بل انه غير لفظي أيضا ( مادية الممثل وإيماءاته وعمارة المكان وبيئة الصوت والضوء) , أي أن عمومية نص الأداء تسمح لكل مشاهد , بصرف النظر عن خبرته اللغوية , أن يقرأه بدرجة كبيرة مرتكزا علي التفاعل أو التوتر تحديدا , وإذا كان لابد أن نشير إلي أوبرسفيلد , فانه يرتكز علي التفاعل بين النص الدرامي والأدائي . 
 ويمكن تحديد تشكيل الفراغ الناتج عن حركات الأجسام والصوت من خلال قراءة البنية النصية , ولكن تلك الحركات يمكن أن يكون لها تاريخ , الأسبقية التي يمكن تطبيق البنيات النصية عليها . وبالتالي يمكن بناء الفعالية الإيمائية الجسدية . في النهاية , فان الفراغ الذي يتطور في اتجاه معاكس موازي أو حتى مضاد لما يمكن أن ينشأ من تخيل النص . 
 والتمثيل الفعلي للمعنى في الفراغ المسرحي هو نتيجة لفهم نص الأداء من جانب المشاهد باعتباره مقروءا بواسطة تفسير الممثل داخل فراغ خشبة المسرح (عن طريق الإيماءات/ بصريا) , ففي الأداء المسرحي , يتحقق « أنا هنا في الفراغ» من خلال الإشارات اللفظية والإيمائية . وعند نطق الحوار , يستخدم الممثل أيضا الجسم لتحديد علاقته بالعالم الدرامي علي خشبة المسرح , وأفعاله داخلها . ويمكن أن نرى نص العرض كمنتج مركب , أي أنه الذي ينشأ من حوامل متعددة للعلامة : النص المكتوب , والصور , و الأشياء المادية , والأصوات والممثلين أنفسهم وفراغ خشبة المسرح . ومرة أخرى , تغير كل هذه المكونات العلامة لكي تكون نوعا من الوسيط بين علامتين أو أكثر من نسق علامة واحدة أو عدة أنساق علامة حيث يخلق الاتصال بينهما اللغة الأساسية للعرض كنص . وتسمح الطبيعة المتنوعة للعلامات المسرحية بخلق البيئة متعددة الوسائط التي تتطابق من خلالها علامات من نسق واحد وتنتقل إلى نسق علامة أخرى , ويمكن أن يحدث هذا عن طريق وسيط علامة واحدة أو أكثر . ففي نسق علامات خشبة المسرح الملموسة مثل العمارة علي سبيل المثال , يمكن أن تظهر علامة لغوية بحتة , ويمكن أن تنتقل من خلال الأصوات أو الأجسام ( أنساق الإشارة الأخرى) التي تشكل نص العرض في تفرده ( يمكن لخشب أو حجر خشبة المسرح أن يتحرك ويرقص ويتحدث ويصدر أصواتا ويغني) . وفي هذه الحالة , يتولد المعنى الأولى للنص المسرحي من خلال توسيط المكونات المستقلة لمختلف أنساق العلامة , ويحوله إلى توسيط عام بين المعنى المقصود بواسطة المبدعين والمعنى كما يفهمه المشاهد . ومن الممكن أن يتجلى كل محتوى علامة كوسيط جوهري وتوليدي في مختلف بنيات سيمانطيقا النص المسرحي مادام يخدمه , لمستوى كفء , والى معنى عام للأداء , ويعتمد هذا الأخير بالطبع علي الاختيار الشخصي , ويشكل العلامات ويمزجها  فهناك المعني الذي تحقق فيه العلامة , أو أنواع معينة من العلامات , أو علامات في مرحلة معينة من دورة حياتها , فعاليتها – وفي المقابل جدوى المسرح – ليس فقط من خلال الإشارة إلى العالم من خلال كونه منه . فعندما يختار مبدع الأداء مثلا أن يجسد انهيار العالم ككل من خلال السيمفونية الخامسة لبيتهوفن , وانهيار عمارة خشبة المسرح بالمعني الفعلي , فان حجم نقل المعلومات المطلوبة لاتصال الفنان – الجمهور هو نتيجة لاختيار خاص في تكوين ومزج العلامات وأنساق العلامات , أي أن الأداء كنص نتيجة اختيار شخصي . ويمكن أن نلاحظ أن هذا الاختيار الشخصي للمعنى ( الدال) يتطابق مع ما يتم فك شفرته بواسطة المشاهدين, ولكنه مرتبط مرة أخرى بقدرته الفكرية . ويعد التناول الشخصي لدلالة النص الأدائي وفك شفرته نموذجيا لمعظم العروض الحديثة . إذ يعتمد معنى نص الأداء الذي يتم فك شفرته علي أساس مجال الدلالة علي عناصر يتحدد كل منها من خلال عناصر أخرى لنسق ذلك النص في اعتماد غير رسمي تماما علي كل الشروط التمهيدية التي تشكل المعنى العام وتولده . وها يجب أن نؤكد ثانية أن بناء نص الأداء يشترك في علامات متنوعة كثيرة ومجموعة ضخمة من مختلف أنساق العلامة . 
     يصاغ الأداء المسرحي في نص بأن توظف سلسلة من الشفرات الشائعة علي المسرح وبالتالي يتحدد في العديد من العروض كنص . ويقيم نص العرض في حقيقة أنه عندما يقارن بأبعاد المسرح الأخرى , فهناك تنوع في الشفرات , وتركيب علي الغياب المزدوج لموضوع الأداء : « كموضوع علمي لأول مرة  , وموضوع مادي ثاني مرة“. 
 وفي سياق تنظيم تشفير نسق النص الأدائي والبداية من طبيعته الخاصة , فان فرناندو دو تورو يعرفه بأنه متعدد الشفرات . 
 ولا يعني تعدد الشفرات تجمع الشفرات أو الحضور الآني أو حضور شفرات متنوعة من الشفرات الفرعية . والتوضيح المطلوب هنا « ما هو المقصود بالشفرة , لأن هناك عدة طرق لتعريف مصطلح الشفرة , وهم علي الأقل خمسة طرق وفقا إلى اليسكو فيرون : أ) الشفرة كمرادف للغة , بمعنى أنها مجموعة القواعد الضرورية لانتاج الرسالة أو الكلام ( عموما يجب إجراء التكافؤات التالية : شفرة اللغة , ورسالة الكلام , علي الأقل من المنظور اللغوي ) ب) في مجال المعلومات, تحدد الشفرة مجموعة التحولات التي تتيح المرور من نسق علامات ( مثل شفرة مورس ) إلى أخرى ( اللغة ) , ج)  كمرادف لمجموعة القيود التي تحدد طبيعة دال نسق معين , د) وفي مجال السيميوطيقا , فهي مخزون الوحدات الشائعة عند المستخدمين والتي تستخدم في الاتصال , ه) وأخيرا يمكن أن تشير الشفرة إلى الممارسة الاجتماعية , بمعنى , مجموعة القواعد المؤسسية التي تصنع الطريقة التي يوظف بها النسق الاجتماعي . والشفرة كما تستخدم هنا لها ثلاثة معان , فهي شفرة اجتماعية , ومجموعة من القواعد أو مخزون العلامات . وفي أساس هذه الأفكار المختلفة , رغم ذلك , هناك عنصر أساسي مشترك هو أن : الشفرة مجموعة ثابتة من القواعد التي تنظم الرسالة , سواء كانت رسالة لغوية أو لها طبيعة أخرى ( إيمائية , موسيقية .. الخ ) . بينما النص اللفظي أحادي التشفير , ونص الأداء متعدد الشفرات , ليس فقط لأنه يتضمن مختلف أنواع الشفرات , بل أيضا لأن له مواد تعبير ( بصرية وسمعية وإيمائية ) . ورغم ذلك يتميز العرض المسرحي بأنه متعدد الشفرات . 
     بلا شك يرتبط مفهوم العرض كنص مسرحي أو نص أداء بحضور شفرة مسرحية معينة تعمل كمنظم مرتبط بعرض وتقديم المعنى والمغزى في ناقلات جمهور المسرح . وربما تكون هذه الشفرة هي مادية الممثل , أو إيماءة خشبة المسرح , أو المجموعات والملابس , أو النوتة الموسيقية . وفي تقاليد مسرح النوه , والكابوكي والكتاكالي وأبرا بكين تشكل الإيماءات والتعبيرية الجسمية للممثل المفهوم الرئيس لهذه الشفرة المسرحية . وفي تقاليد مسرح بريخت فان ما يسمى الأغاني (الأنماط الصوتية المتممة والمنظمة للسياق العام لحدث خشبة المسرح ) يمكن أن تُرى كشفرة مفاهيمية أساسية في فهم المعنى . وفي تقاليد الدراما القديمة والدراما الدينية وشبه الدينية في العصور الوسطى , فان مظهر الإله باعتباره «الإله من الآلة dues ex machine  علاوة علي التمثيل الصور الأسطورية أو التوراتية لا يصبح مرئيا فقط , بل أيضا شفرة لغوية معينة . ويمكننا أن نعدد مثل هذه الأمثلة بغزارة , ولكن الأهم هو أن نلاحظ أن الشفرة المسرحية المعينة , بغض النظر عن العلامات ومزجها , تتأثر بدرجة استثنائية بالتوجه إلى الشفرات الثقافية فوق المسرحية التي يقوم عليها النسق الثقافي الذي يهيمن علي النص المسرحي ككل . ويؤثر مبدأ التفاعل الاعتماد هذا في كل بيئة مسرحية , سواء أشارت إلي أداء نفسي  وواقعي وطليعي , بينما يمكن أن يكون في جوهره وسيلة النقل التي تولد الموضوع الجمالي كصورة دينامية في أذهان الجمهور الحصيف . وتقوم رؤية مماثلة علي فكرة أن كل من الممثل والمتفرج في بعد واحد للنسق الثقافي الأساسي المشترك الذي يهمن علي النص المسرحي ككل . ويمكن أن يشير القرار السينوغرافي شمن الأسلوب أو الأزياء الضرورية مع خصائصهما إلي بيئة معينة وعصر اجتماعي وحدث ( وعلى التوالي إلى نوع التقاليد المسرحية . والموقف مماثل للغة والنص الدرامي الذي يمكن أن ينقل المعنى فقط إذا أشارت علاقة خشبة مسرح معينة إلى النسق الثقافي الخاص بنجاح , لأن تركيز الشفرات في المسرح هو المعيار , فهناك عادة تسلسل لأنساق العلامات التي تثير نسق معين أو هيمنته المؤقتة . فمختلف الأنساق الثقافية في تمثيل العرض – اللغة والتعبير الصوتي والتعبير الوجهي والإيماءة ونوع الحركة والمكياج والملبس والديكور الداخلي وإعداد العرض ككل هي عناصر بنيوية تميز جماليات كل من الشفرة الثقافية فوق النصية داخل نص الأداء وهي جزء لا يتجزأ من إبداع المعنى  والمغزى والإشارة إليهما , لأنه  , وفقا للمصطلحات السيميوطيقية , يمكن أن تتميز علامات هذا النسق بأنها جميعا رؤية خيالية للعالم , بمعنى أن رؤية العالم يتم التواصل معها في الخيال, ويتم توفير الارتباط بين الدال والمدلول من خلال شفرة خاصة لنظام رؤية العالم . ومن ثم تسمح كفاءة الآراء المقابلة بتحويل الأهمية من المسرح إلى قاعة الجمهور , بناء علي القدرة العامة علي نقل الأهمية ذات الصلة علي النحو المبين في عناصر النص المعني , حيث يعتمد تأثير الأداء الثقافي , بالطبع , علي توقع المتفرج الفرد والآلية الدقيقة التي تتفاعل بها المرجعية والأداء المسرحي والأداء الثقافي في أداء بعينه يعتمد علي العديد من العوامل : حالة الإنتاج وقصد المنتج وتكوين المؤدين وميل الجمهور وتطور الثقافة والضغوط الاجتماعية . وزاوية الرؤية المماثلة للنسق الثقافي السائد هي أساس أي تقاليد مسرحية بما فيه التقاليد المعاصرة . ويجب أن نلاحظ أن سياق العرض , كنص أداء , يمكن أن ترتبط الشفرات الثقافية فوق المسرحية بأي نسق ثقافي ثانوي مثل الأدب والفن والموسيقى والسينما والأسطورة والدين . وأنه في هذا السياق نرجع ثانية إلى دو مارينيس , إذ يمكننا أن نؤكد أن الشفرة الأدائية هي ذلك التقليد الذي ييسر في الأداء ربط مضامين محددة بعناصر محددة لنسق تعبيري واحد أو أكثر , بينما , بغض النظر عن الأداء المسرحي , يمكننا أن نجد شفرة مماثلة أيضا في مختلف الممارسات الفنية في الحياة اليومية . ولكن ما الذي يجعل الأداء  المسرحي فريدا فعلا هو استخدام شفرة المسرح هذه كجزء من النص الثقافي العام داخل النص المسرحي , بطريقة محددة علاوة علي الاستبدال النقي للشفرات ومفاهيميتها و سواء كانت لغوية أو بصرية ..الخ , ولكن تحديد باعتبارها شفرات تنتمي إلى بيئة ثقافية سائدة معينة لنص الأداء. لأن النص الأدائي يبدو أنه بناء استطرادي في العلاقة بين الأداء نفسه ونسق ثقافي بعينه , حيث أن شفرات الأداء نتيجة استخدام الخاص والمحدد في الأداء , واستخدام شفرات ثقافية غير محددة . فالمسافة بين شفرة الأداء الإضافي ( كم سوف نسمي الشفرة الثقافية قبل استخداما في الأداء – مثل شفرة الإيماءة اليومية ),   وشفرة الأداء , إذ تختلف إيماءات الممثل وفقا للعروض والأنواع الفنية والمؤلفين والعصور , وتنعكس في فهم المشاهد كشفرة أدائية , وتحديد , عندما تتجلى الشفرات الثقافية وفوق الأدائية في كل أدائي . ويقوم الموقف في المسرح الحديث ككل علي العلاقة بين المسرح والأداء الذي يفرض فكرة أن المسرح في جوهره هو العرض الذي يقدم , بينما النص الأدائي هو وحدة الأداء التي ينعتها المحلل بأنها كاملة دلاليا . 
................................................................................................
ايفاليو الكسندروف هو مخرج مسرحي ومصمم رقصات وممثل , وهو من بلغاريا . 
نشرت هذه المقالة في international association for Shell and spatial structure , 2014  


ترجمة أحمد عبد الفتاح