جيل السبعينيات في المسرح المصري.. تجريب بلا حدود(2-2)

جيل السبعينيات في المسرح المصري..   تجريب بلا حدود(2-2)

العدد 740 صدر بتاريخ 1نوفمبر2021

 كان دخول عناصر “ الفرجة الشعبية “ مغامرة تحسب لجيل السبعينيات  فلم تدخل فقط في الشكل الخارجي للعرض ، بل دخلت في عمق النص المكتوب الذي لم يقدم التراث بشكل حرفي ، بل استفاد من تقنياته مضيفاً إليها الرؤية الواقعية متشعبة الدلالة سياسياً واجتماعياً وثقافياً ، ومن هنا تحقق التمرد ، وتحقق عنصر المواجهة وربما ذلك ما قصده المخرج هناء عبد الفتاح – حين قال )” الأزمة الحقيقية لجيلنا أنه واجه قدره المحتوم ، وهو “ الموت “ منذ أن بدأ ، فهو من ناحية وقف ضده بالمرصاد مسرح يعتمد على الكلمة فقط ، حيث توظف مفردات العرض المسرحية لخدمته ، مغفلاً كل الإنجازات الأخرى في ميدان التشكيل للرؤية البصرية لفضاء خشبة المسرح ، ولإنجازات ميدان سينوغرافية العرض المسرحي ( التشكيل لجسد الإنسان وللإيماء ) وأسلوب الأداء الصوتي الجديد الذي لا يعتمد على الصياح أو الصراخ أو الإعلان ، وإنما يصل من خلال الهمس والخفوت ، واحترام لحظات الصمت التي تنطق . فالمسرح الذي غدا ظاهرة شائعة هو مسرح “ ثرثار “ سيعيد أطر مسرح العلبة الإيطالية ، أو المسرح التقليدي في الشكل والمحتوى “
وما يقوله د. هناء عبد الفتاح فيه محاولة لإنصاف تجارب قدمها بعض أبناء هذا الجيل جاءت مخالفة للسائد ، ومتنوعة في الآن نفسه مثل مسرح حسن عبد الحميد المعتمد على التقنيات اللغوية الجديدة ، وتجارب عبدالعزيز مخيون في التعامل مع المسرح بوصفه وظيفة اجتماعية وفنية وتجارب نور الشريف في صنع حالة مسرحية تنتمي إلى ما يمكن أن يسمى بمسرح المواجهة عبر لغة درامية كثيفة وكاشفة أيضاً تجلى ذلك في مسرحياته “ محاكمة الكاهن “ و “ يا غولة عينك حمرا “ وغيرها ، وكذلك تجربة المخرج سيد طليب في المسرح الاجتماعى / السياسي ، ومسرح مراد منير الفكري والسياسي ، وخاصة في تقديمه لمسرحيات سعدالله ونوس وأكثرها نجاحاً “ الملك هو الملك “ والتي قام ببطولتها صلاح السعدني مع محمد منير والتي حققت نجاحاً ملحوظاً مما جعلها تعرض لأكثر من مرة ، بما فيها من خطاب مسرحي كاشف وناقد للسلطة التي لا تكترث بأحد سوى مصلحتها الخاصة ، حتى في التعامل مع من يشغلون كراسيها ، فالوظائف التي يحتلها الأشخاص هي التي تعطى وجودهم معناه وتضفى عليهم الهيبة و “ هيلمان السلطة “ كما قدم “ مراد منير “ لونوس أيضاً مسرحية “ الفيل يا ملك الزمان “ وهى مسرحية قصيرة يعود فيها ونوس إلى بحث آليات عمل السلطة وعلاقة الحكام بالمحكومين ، لكنه يركز في هذه المسرحية على معنى الخضوع الذي يولد عنفاً واضطهادا أكثر ، والمأساة التي ترسمها أحداث المسرحية ذات دلالة بالغة حيث الطفل الذي يقتل دوساً بأقدام فيل الملك ، بالإضافة إلى النقد اللاذع الذي تقدمه المسرحية للانتهازية التي يولدها الخوف من السلطة ، ونموذج ذلك شخصية الرجل الذي كان يدعو الناس للتخلص من فيل الملك – لكن الخوف من مواجهة الملك وأعوانه جعل الرجل يتراجع ويطلب السماح ويطلب من الملك أن يزوج الفيل كي ينجب أفيالاً كثيرة ليعم الخير على البلاد .

فضاءات مختلفة
كما أن ظهور الفرق المستقلة التي اعتمدت على التجريب المسرحي من خلال أبناء هذا الجيل، كان لها دور مهم في ترسيخ قيم فنية جمالية مختلفة.
إذا كان العنصر الجمالي “يسود في المجتمعات التي تتمتع بصحة جمالية إبداعية” ـ على حد تعبير بيتر فوللر ـ فإن تجربة المسرح الجديد في مصر قد خلقت فضاءات مغايرة في الرؤية والكتابة والأداء والإخراج، وإن جاءت هذه الفضاءات ـ في كثير من الأحيان ـ خارج المسرح الرسمي الذي يعاني منذ أكثر من ثلاثين عاما من التدهور نتيجة لغياب الوعي بأهمية المسرح في الحياة، فأصبحت كثير من مسارح الدولة تعيد إنتاج ما سبق، وفي بعض الأحيان تغلق أبوابها لأنها لا تجد ما تقدمه، أو هكذا تظن، وكأن معين الإبداع قد نضب، وتصبح المسألة في النهاية مجرد ميزانيات وموازنات مالية يجب أن تسوى في نهاية كل عام وفقط.

المسرح الكوميدي
وبالإضافة إلى ذلك فقد وجد “ المسرح الكوميدي “ أرضاً خصبة لتقديم عروضه – وإن جاء كثير منها في إطار المسرح التجاري – إلا أن التجارب المتميزة فيه جاءت عبر فنانين مزجوا في تجاربهم بين ما يطرحه العرض من وعى جمالي مضافاً إليه الطبيعة الترفيهية ، خاصة تجربة الفنان عادل إمام بداية من مسرحية “ مدرسة المشاغبين “ 1977 والتي كانت البداية الحقيقية لعدد من الفنانين أمثال سعيد صالح وهادى الجيار وأحمد زكى ، ثم مسرحية “ شاهد ماشفش حاجة “ 1979 والتي شاركه البطولة فيها عمر الحريري وناهد جبر وسمير ولى الدين ، والتي كانت بداية لخط مسرحي تميز فيه “ مسرح عادل إمام “ – وحتى في أفلامه السينمائية – والذي يقوم على عنصر المفارقة عبر خلفيات سياسية واجتماعية تعتمد على فكرة النقد الاجتماعى والسياسي عبر فضاء منفتح على دلالات كثيرة ، وهذا ما تجلى – أيضاً – في عروضه التالية مثل “ الواد سيد الشغال و “ الزعيم “ و “ بودى جارد “ وهى عروض لاقت إقبالاً جماهيرياً كبيراً حيث استمر عرضها لأكثر من عشر سنوات ، وقد وجد “ عادل إمام “ مؤلفين يحملون رؤية مختلفة عن المسرح الكوميدي السائد – وقتها – والذي يقوم على طبيعة تجارية – ومن هؤلاء الكاتب سمير خفاجي والكاتب يوسف معاطي ، حيث تم طرح كثير من القضايا السياسية والاجتماعية بحرية مطلقة ومنها علاقة الحاكم والمحكوم في مسرحية “ الزعيم “ ، وعلاقة التفاوت الطبقي بين فئة اجتماعية تستأثر بالثروة وفئة أخرى مطحونة كما في مسرحية “ الواد سيد الشغال “ .
والنموذج الثاني في هذا الإطار هو مسرح الفنان “ محمد صبحي “ وهو مسرح يمزج بين الطابع الكوميدي وما يمكن أن يسمى بمسرح القضية ، وقد تجلى ذلك في عدة أعمال منها “ الهمجي “ ، و “ تخاريف “ و “وجهة نظر “ و “ ماما أمريكا “ وغيرها .
وبالإضافة إلى ذلك فقد اتجه “ محمد صبحي “ في عدد من أعماله إلى إعادة بعض المسرحيات القديمة مثل “ لعبة الست “ وغيرها بمشاركة الفنانة سيمون والمطرب السوري أركان فؤاد 
كما كانت تجربة مسرح الفنان محمد نجم من التجارب الكوميدية التي لاقت إقبالا جماهيريا ملحوظا.
وكان لابد أن تخرج من رحم تلك التحولات تجربة فنية مغايرة تعتمد على أفق مفتوح من التجريب ، وهذا ما فعلته الفرق المسرحية الحرة ، والتي عملت في مراحلها الأولى على البحث عن خصوصية فنية ، لذا جرب كثير من المخرجين فنون المسرح الشعبي وامتد هذا التأثير إلى بعض الفرق مثل “ الطيف والخيال “ والتي أسسها المخرج الراحل بهائي الميرغني ، والتي حاول من خلالها إحياء فن خيال الظل وتوظيفه في مسرحيات تتعرض لطرح قضايا واقعية .
 ومن الفرق التي ظهرت في حقبة السبعينيات”جماعة مسرح الشارع” في الفترة ما بين 1976 و1980 على يد مجموعة من عشاق المسرح الذين بدأوا الفكرة بإرهاصات فنية على مسرح جامعة القاهرة عامي 1975 و1976 وكان منهم ناصر عبدالمنعم وأحمد كمال ومنحة البطراوي وعبدالعزيز مخيون وناجي جورج ومها عفت وأحمد فؤاد وخالد وشاحي ومحمد صفي الدين ومحمد العزاوي وهشام العطار وهاني الحسيني ومصطفى زكي وحسين أشرف ـ مني سعد الدين ـ محمد عصمت سيف الدولة ـ ومنى صادق سعد ـ عبلة قاسم  ـ وسميحة قاسم ومحمد الفرماوي وفاطمة الصياد وليلى سعد، وانضم إليهم بعد ذلك عبلة كامل وأحمد مختار وصلاح عبدالله.


عيد عبد الحليم