استحالة تحقق الحب هشمت العالم.. في أحدب نوتردام

استحالة تحقق الحب هشمت العالم..   في أحدب نوتردام

العدد 738 صدر بتاريخ 18أكتوبر2021

الحب في الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه هذا ما قاله نزار قباني عن الحب: والذى يعد شعوراً بالانجذاب نحو شخص أو شيء ما، وقد ينظر للحب على أنه كيمياء متبادلة بين اثنين، وفي مسرحيتنا أحدب نوتردام يبدو الحب نقطة يتغير عندها مسار الأحداث الدرامية، وتعُم الفوضى اذا ما تحول الحب إلى رغبة من طرف واحد يستحيل تحققها.
يقدم مسرح الطليعة العرض المسرحي أحدب نوتردام كتابة وترجمة عن رواية فيكتور هوجو لأسامة نور الدين، أشعار طارق على، اخراج ناصر عبد المنعم، تواجهك كمتلقٍ منذ لحظة دخولك إلى المسرح ستارته المغلقة والتي ستكتشف مع انزياحها كونها تخفي عالماً يعد فيه الخيال ركيزة أساسية، وهو ما نتوقعه من خلال حديث الراوي في مقدمة خشبة المسرح أمام الستار المغلق في البداية، ويأخذنا الراوي جرا نجور «يحيى محمود» في رحلة  كان يوماً ما أحد اطراف الحكاية  فيها وربما من المساهمين في دفع الصراع ، يخاطب الراوي المتلقين من خلال استخدامه لتقنيات الفلاش باك، التي تؤدي إلى حالة الكشف فتنزاح الستارة والتي تخفي ورائها عالماً من الألوان تظهر في الملابس وتفصيلاتها من تصميم» نعيمة عجمي» والتي بدت ملابسها مناسبة تماماً لما يقدمه الراوي في الحكاية وطبيعة المجتمع والشخصيات التي تؤدي على خشبة المسرح، هذا إلى جوار تناسق الألوان المستخدمة في الخلفية والايقونات التي تعبر عن الكاتدرائية بمستوياتها، وجميع قطع الديكور باختلاف المناظر من تصميم «حمدي عطية» تلك العناصر المرئية في البداية هي مفتاح الجذب الأول للمتلقي، والذى تستغرقه المسرحية تماماً فيستهل المخرج أحداثها بمجموعة من الغجر يمارسون ألعابهم المتلونة والمختلفة  وحيلهم التي لا تخلوا من التحايل ، وتتفتح حالة اللعب على المسرح كنوع من التقديم لأحد شخوص الغجر  أزميرالدا «رجوي حامد» والتي يتحدث الجميع عن جمالها الآسر.
تعد شخصية ازميرالدا هي جوهر العُقدة ومفتاح الحل، وينصب اهتمام مترجم وكاتب الرواية للمسرح «أسامة نور الدين» والمخرج «ناصر عبد المنعم» على هذه الشخصية  التي أصبحت محورية تدور في سياقها جميع الأحداث الدرامية في العرض، فعلى الرغم من الأهمية الدرامية لشخصية الأحدب والتي قامت على أساسها الرواية الرومانسية أحدب نوتردام لفيكتور هوجو الا أن المخرج ناصر عبد المنعم استطاع أن يقدم الرواية في ثوب جديد ، يتم نسجه على خشبة المسرح بدقة عالية، وتضافر واضح لجميع العناصر المسرحية.
ازميرالدا هي الفتاة الغجرية التي يرغبها الأسقف ويدبر المؤامرات للحصول عليها، وكلما رفضته كلما زاد تمسكه بها، وعلى الرغم  من إنقاذه لها لحظة اعتداء الضابط عليها الا إنها باتت حزينة لتصورها أن الضابط الذى احبت قتل، على الرغم من أن الأحداث الدرامية ستكشف ضمن سياق المسرحية أنه لم يمت وأنها متهمة بقله زوراً ، وتتجلى لحظة التأزم في الحوار الجدلي الذى يدور بين الأسقف والغجرية في السجن، وهو الحوار الذى يكشف عن هشاشة عقيدته وزيفه أمام الجمهور، فهو متلقِ الاعترافات من الناس في حين أنه بحاجة إلى التطهر فهو رجل لم يستطع مقاومة احاسيسه المعتمدة على الشهوة تجاه امرأة جميلة، وقد تلبسه جنون الانتهاك والخوص في خيال منفلت من كل القوانين التي تكبله سواء كانت تلك القوانين دينية مفترض أنه يطبقها ويحميها داخل الكاتدرائية، أو قوانين دنيوية يضعها المجتمع.
ومع ذلك  الشعور من قبل الأسقف الا أن هذا يشكل تناقضاً يجعلنا كمتلقين يمكن أن نرى غُربة الأسقف الموحشة داخل عالم ازميرالدا  المُنغلق على حب رجل أخر  فهي رافضة حتى النظر إليه، وترفض الاستماع إلي أي عروض يقدمها لها حتى ولو وهب فيها الحياة.
 يقوم بدور القس «محمد عبد الوهاب» والذى يبدو أداءه معبرا عن الحب والحزن العميق ذلك الشعور بالذات العارية الوحيدة والتي تتجرع الألم، فأنت كمتلقٍ تري القس وما فعل في ازميرالدا فترفضه، لكنك تجد له مبرراً انسانياً يجعلك تتعاطف معه، فهو المُحب المرفوض والذى  بلغ شعوره بذاته ذروته لحظة الألم والرفض القاطع من قبل المرأة التي أحب. 
ليست أزميرالدا مجرد امرأة عابرة في الحكاية فهي التي تكشف عن زيف المجتمع، وتناقض القول مع الفعل فالضابط والذى يعد مصدر الأمن هو ذاته المُقدم على الفعل المتنافي مع الأمن والذي تركها تعدم لاتهامها بقتله على الرغم أنه حيي الا انه رفض التدخل لتعاقب على رفضها الجسدي له، والأسقف رجل الدين هو المُصر على انتهاك حرمة جسد فتاة لا يعرفها، والقاضي يقوم بدوره -محمد حسيب- يقدمه بشكل كاريكاتوري يثير الضحك، في هذا العالم المُتخيل مما يعبر عن هشاشة أحكامه، والتي تتسبب في جلد  الأحدب كازيمودو واعدام ازميرالدا في النهاية ومن ثم إصرار الاحدب أن يدفن معها..                                                                             مجتمع العرض يرزح تحت وطأة الشهوات الإنسانية وتبدو فيه القوانين منتهكة اذا ما كانت تمس مجموعة مهمشة كمجموعة الغجر، او حتى تمس رجل يطلقون عليه  الأحدب الذى يحيا في الكاتدرائية لا يعرف عن الخارج سوي أنه مجتمع يرفضه ويتقزز من شكله، يُكرث الأحدب «جورج أشرف» كل انتباهه للأسقف الذى رباه على الطاعة لجميع ما يطلب، ولذلك حينما يطلب منه اختطاف ازميرالدا بحجة  انه سيهديها يفعل ذلك، وفي لحظة تنفيذ الحكم عليه بالجلد في الساحة العامة، وتهكم الجميع على الامه تتعاطف معه ازميرالدا نفسها، وترى فيه انسانا يستحق الحياة وتقدم له شربة ماء فيبدأ في رؤيتها بعين أخري غير الجميع، ويحبها كإنسان لايري تشوهه لقد أحب فيها إنسانيتها، وأحب روحها التي تشبه روحه، فالأحدب يبدو وكأنه روح هائمة تبحث عن حب وحياة يتخيلها لكنه لا يحصل عليها فجل ما يفعله المراقبة للأخرين فهو يعرف جيداً مدي تنافره عن كل ما هو محيط به، ولكن في تلك اللحظة والتي تعتبر بالنسبة لشخصية الأحدب لحظة انتباه مباغتة وارتداد إلى داخل الذات يدرك فيها أنه ثمة أناس آخرين يمكن أن يكونوا خلاصاً من عالم قاسي، ولذلك يحاول حمايتها في النهاية عندما أرادوا حرقها وقد نعتوها  بالساحرة التي تستحق الموت كما يقولون في مجتمعهم المزيف.
تبدأ المسرحية فعلياً مؤداه على خشبة المسرح  من نقطة انتهاء الأحداث الفعلية في الحكاية، وعلى ذلك فإن الأحداث المرئية على خشبة المسرح تعد استرجاع  لكل ما سبق من احداث في الزمن الماضي،  وجميع هذه الأحداث نعرف عنها من خلال الراوي وهي بذلك تؤدى داخل سياق الزمن الفعلي القائم على خشبة المسرح.
الاستعراضات من تصميم «كريمة بدير» يمكن اعتبارها عنصراً هاماُ ووازناً في العرض، فهي تدعم الصورة الجمالية للعرض حيث تتوافق بشكل واضح الحركات الجسدية للراقصين والراقصات، بما يناسب مع ما أراد تقديمه المخرج ناصر عبد المنعم، فالحركة الراقصة تخطف الأنظار وتزيد الاستعراض جمالا.
الراقصون : خالد محمود، فاطمة محسن، نوران محمد، رفعت حسن ، أحمد عاطف، حسين رشاد، ابانوب خليل، سعد يحيى، أحمد محمد»أما الموسيقى والألحان ل» كريم عرفة» وكونها متسقة مع اللحظات الدرامية والرقصات الاستعراضية ، ما جعلها عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه خصوصاً أنها تتضافر بشكل متقن مع الاستعراضات، وقد استطاعت الاستعراضات ان تعبر عن الموسيقى كما يجب أن تكون.
الإضاءة من تصميم «أبو بكر الشريف» كانت منضبطة بشكل واضح وأثرت العرض ولحظاته الدرامية.
  المكياج ل»اسلام عباس «من أهم العناصر في هذا العرض فهو المؤكد الدائم على بشاعة مظهر الأحدب وقد أجاد عباس استخدامه.. 
الممثلون «يحيى محمود، هبة قناوي، محمود طلعت، عمرو شريف، مي السباعي، محمد عبد الوهاب، أحمد مخيمر، مريم الجندي، فادي ثروت محمود دياب، حسام الشاعر ، اية خلف ، محمد حسيب ، عمار مصطفى، كريم عماد، زيكو الفخرانى، أحمد فايز، منعم ضرغام، شيماء محسن، عمرو محروس، فاطمة محمد، محمد صلاح، شريف فاروق، مؤمن الفقي» وجميعهم اجادوا أداء أدوارهم، والمخرج المنفذ في هذا العرض داليا حافظ.
عرض أحدب نوتردام على الرغم من مأساوية نهايته الا انه قدم بهجة للمتلقي جعلته في حالة من التفاعل على مدار احداث العرض..


داليا همام