المسرح ونظرية الأنساق الدينامية(3)

المسرح ونظرية الأنساق الدينامية(3)

العدد 735 صدر بتاريخ 27سبتمبر2021

يمكن أن تتساوى رواية فرجينيا وولف مع الذاكرة، التي يمكن أن تُفهم كحد أو أفق يؤطر العملية الابداعية. وعلي هذا النحو فانها توفر منظور علي المعلومات التي تنشأ من التدريبات ويتم دمجها في العرض. ورغم ذلك، فان الرواية ليست شيئا سلبيا للقراءة ؛ وبدلا من ذلك يوفر تسلسل مأخوذ من الرواية يوفر معلومات جديدة تتحدى ملاءمة ما تم اكتشافه حتى تلك النقطة، وتحد ما يتم اختياره وتحليله واستخدامه في بناء المشاهد. في كل مرة تعود الفرقة إلي الرواية، يجب أن  يعيدوا تقييم ما أنجزوه ويحددوا اتجاه الخطوة التالية التي يخطوها العرض. ومع ذلك فان التحول النص إلي العرض المسرحي أكثر تعقيدا، لأنه سوف يتم تشويه مشهد من الرواية في عملية التدريبات من خلال الدوفع الابداعية للفرقة والبنية العامة للعرض. وتنسب العملية بشكل لا مفر منه معاني جديدة لكلمات وولف، بينما يتم تعديلها وعرضا في التدريبات. فهي تنقل وتنتقل من خلال الحدود المتأصلة في رواية « الأمواج». فالرواية مثل الذكريات، ليست بنية متجانسة بل مجموعة من العلاقات السلسة التي تتكون بينما يتخذ العرض شكله. 
ولا تجسد كاتي ميتشل وليو وارنر والفرقة رواية حقيقية ولكنهم يختارون مونولوجات معينة لصلتها الخاصة بالعرض. ومع ذلك يوفر عمل وولف حدودا مفيدة بتمييز اللحظات التي يمكن استرجاعها، وتبديلها ودمجها أثناء عملية المعالجة. ومع ذلك، فليس هذا هو الحد الوحيد. اذ تتضمن آفاق آخرى معلومات من وسيط الفيديو، وفهما للمسرحانية، والمصادر المتاحة، والقيم الجمالية للفنانين المشاركين. ولا يوجد تسلسل بين هذه المقومات، علي الرفم من الميل لاعطاء رواية الأمواج مكانة مميزة في مصدر العرض. وربما نتج العرض من الرغبة في استكشاف الوسائط في تطوير الحدث المسرحي، وقد أثبتت الرواية ببساطة أنها وسيلة ملائمة لمثل هذا البحث. وفي كل الاحتمالات، كانت هناك أصول متعددة، بعضها كان معروفا بشكل واع، اندمجت عندما قدمت الفرصة نفسها واتاحت للفرقة المشاركة في العملية. 
وبالمثل بينما تعمل كاتي ميتشيل وليو وارنر في وظائف تنفيذية كمخرجة  ومصور فيديو، فان العرض عبارة عن توليفة تجمع بين المهارات الابداعية والتحليلية للفرقة بأكملها (بما في ذلك مصممي الديكور والدراما تورج ومدير خشبة المسرح). ومن المشكوك فيه أن تكون ميتشيل ووارنر قد نجحا في كل شيء من البداية. فمن المرجح أن أكثر أن عملية التدريبات تعلقت بقراءة ومناقشة وارتجال مقطع في محاولة جاهدة لتمييز أفضل صورة للمادة، وتعديل النص لدعم الفعل المرئي، وتحديد كيفية تنفيذ الفعاليات بأكثر الطرق فعالية وكفاءة من الناحة الجمالية، ومقارنة دقة التنفيذ في كل مهمة بسرعة ايقاع الكلمات. ومن خلال التكرار والتقييم، أصبحت الخطوط العريضة للعرض أوضح، بينما المادة الخارجية صارت منسية. وحتى ما تم التخلص منه كان يخدم غرض التحقق من صحة ما تم اختياره في النهاية للتكرار المستمر، مما أدى إلي تحدي رؤية وارنر وميتشيل للحدث المسرحي والسماح بفهم أوضح لنوع المواد الأفيد للعرض. 
تتضمن صورة عملية التدريبات هذه العناصر الضرورية لتحديد نظرية العقل كنسق دينامي. ويوفر التفاعل بين ميتشيل ووارنر مجموعة من المعايير، المميزة بقراءات رواية وولف، التي توجه ابداع الفرقة في اتجاهات معينة. وبقدر ما تنظم هذه الحدود العملية، فما يتم اكتشافه من خلال العمل علي النص يعدل -  عموما وبطرق ثانوية – رؤية العرض، الذي يغير في المقابل المعيير التي تعمل منخلالها الفرقة. وهذا يعرف بأنه السببية الدائرية. 
تصف السببية الدائرية السببية ثنائية الاتجاه بين مستويات الأنساق المختلفة. ويؤدي الشكل أو الوظيفة ذات الترتيب الأعلـى إلي نمـط معـين مـن الاقتـران بين العناصـر  ذات الأدنى، بينما يؤدي هذا النمـط في نفـس الوقـت إلي شكـل الترتيب الأعلى .ويمكن اعتبار تدفق السببية من أعلى إلي أسفل قيدا ناشئا (من النسق ككل) علي أفعال الأجزاء. 
العرض هو ما ينشأ من هذا التفاعل الدائري المتكرر. وهذه العملية ليست مقيدة بما يحدث في التدريبات فقط، بل أيضا بالتقنيات والحدود (البدنية والابداعية) للمجموعة. ومع ذلك سوف يتم تعديل هذا في مكان التجارب قي مساحة التدريبات حيث يتم مواجهة المشكلات وحلها – في بعض الحالات يتم حلها مرة أخرى ولكن بطريقة مختلفة. وبينما تكون بعض القيود أكثر صرامة من غيرها، إلا أنها سائلة وقابلة للتغير. ولا يتم احتواء التأثيرات التي تؤدي إلي الدائرية في مكان التدريبات، بل يتم تضمينها في السياق الذي تحدث فيه العملية. ولا يخضع المشروع باستمرار لضغوط خارجية ولاسيما من رواية الأمواج فقط، بل أيضا يخضع لمطالب وحدود التكنولوجيا، والمساحة التي تحدث فيها التدريبات، وميزانية العرض والمصادر المتاحة وضغوط المنتجين، علاوة علي التجارب الجمالية واليومية التي تحدث أثناء العملية. وفي مثال آخر للسببية الدائرية، فان ما يحدث في التدريبات يؤثر علي تفاعل الفرقة خارج مكان التدريبات كما أن  ما يحدث في الخارج يؤثر علي ما يحدث في التدريبات. في الواقع، بدون هذه التفاعلات المستمرة مع العالم يستحيل أن يحدث العرض. 
وتشكل العلاقة بين أعضاء الفرقة أنفسهم نظاما في عملية من التعديلات المستمرة لأنهم منزعجون أثناء التدريب من تصورات جديدة تزعزع أو تعزز جوانب الأداء. وأثناء تطور العرض، تكتسب الأنماط درجة من الثبات، تتضح أو تستجيب إلي دوائر الإدراك والتعبير المستمرة، التي تمنح الأداء شكله في الزمان والمكان. ورغم ذلك، فان هذا ليس جدثا فرديا، لأن هناك مختلف الأنماط والايقاعات المرتبطة باللغة والحركة والعاطفة والفكر تتضافر في مرحلة تزامن، وتخلق نمطا مستمرا عرضة للتنوع. وبالتدؤيج تكون الأنماط التي تظهر أقل عرضة للتأثر بالاضطراب. فالتكرار يسمح للاستمرارية الأكبر والخصوصية بتشكيل أنماط يمكن تنشيطها عند تحفيزها من خلال مجموعة من المؤثرات. ولا تخلق الأنماط الناتجة توازنا أو سجل أداء سوف يتم تكراره في كل مرة في الأداء. وبدلا من ذلك، تظهر قابلية الاستقرار، التي تسمح باعادة تمثيل يمكن التنبؤ بنتيجته من التفاعلات والأنساق والأنماط المختلفة، ومع ذلك لا تزال النتيجة مفتوحة للمعلومات المتعلقة بالحساسية والحيوية. ولا تفقد هذه الأنماط المتعلمة مرونتها، بل ظل مفتوحة للصدمات من مصادر غير متوقعة. وبالتالي، رغم أن العرض يصبح مجموعة ويمكن تجسيده بثقة أكبر وفعالية واستمرارية، تظل هناك امكانية للتجديد والهدم. فالاستمرارية تسمح لانتباه المؤدي أن يركز علي الاحتمالات غير المتوقعة وتكرار مجموعة من الأنماط. 
    هذا القياس عير دقيق، كما أنه نموذج مجرد للنسق الدينامي ولكنه ينتج صورا تجعل نظرية نسق الاتصال الدينامي أكثر سهولة. وباستخدام هذه النقط المرجعية يمكننا أنحول انتباهنا إلي نظرية للعقل. 
نظرية الأنساق الدينامية وطرق عمل العقل : 
عمليات المخ تكرارية، ارتجاعية ذاتية التنشيط، ولا تبدأ أو تتوقف في أي مكان. 
تعمل كل الأنساق وفقا لمجموعة من القواعد أو الشروط التي تسمح بتمييز حدودها. والأنساق الدينامية ليست استثناءا من هذا. ويحدد سكوت كيلسو ثلاثة شروط تميز هذا النظام : والفكرة الرئيسية هي أن الفهم في أي مستوى من النظام يبدأ بمعرفة ثلاثة أشياء بشكل أساسي : المحددات التي تعمل علي النسق (والتي تتساوى أحيانا مع مصطلح شروط الحدود boundary conditions)، والعناصر المتفاعلة نفسها (مجموعة الأوليات)، والأنماط الناتجة  أو الصيغة (التعاونيات التي ينشأون عنها). ويتم تحديد الشروط الحدودية من خلال كل من التنظيم العصبي والتفاعلات السابقة والحالية مع العالم. وتشمل الأنماط المعتادة التي تطورت عبر الزمن (نهج معين في التمثيل) ؛ مناطق المخ التي يتم تنشيطه بشكل أساسي (مراكز اللغة، أو أجهزة الاستشعار، مثلا) ؛ و السياق الذي نجد فيه أنفسنا (نرتجل نصا أو نحلله). الأوليات هي المحفزات التي تزيد من زعزعة استقرار النسق – ما يفعله مثل زميل، ملاحظة المخرج، غطيط أحد الجمهور. ومن التفاعل بين الاضطراب وشروط الحدود، يظهر نمط السلوك المتجاوب مع الحالة الذهنية للممثل، وطبيعة كثافة الإثارة والموقف. 
ويمكن تمييز الأنساق عن باقي العالم، ولكنها لا توجد بمعزل عنه. وعلي الرغم من أنه يمكن توليد الإثارة ذاتيا، إلا أنها تميل إلي التكون من التصورات (العالم بأسره) والحس العميق (معلومات جسدية يتم توصيلها إلي المخ) وبالتالي تستجيب الأنماط التي تظهر للمحفزات والسياق الذي يولدها. ويقول لويس، « بالقياس إلي الإدراك، يشير التنظيم الذاتي إلي ظهور واستقرار التجليات النفسية والعصبية التي تتطابق مع (أو تمثل) الشروط في العالم. ولكي يحافظ التنظيم الذاتي علي نفسه، فلابد أن يتكيف مع ديناميات البيئة المتغيرة (التي تتميز بتدفق المعلومات الإدراكية المستمر)، ويجب أن تستجب أنماطه الطارئة (الملحوظة كسلوك تنظيمي) لتلك الشروط لازدهار الكائن الحي. وهذا يختلف عن المدخلات – المخرجات الخطية لأن هناك تدفق مستمر للمدخلات والمخرجات، ويوفر تجربة سلسة للعالم. وتقييم ماذا كانت الأفعال تتطابق مع الشروط في العالم هو جزء من العملية المستمرة. ولكي يكون هذا التقييم مفيدا، فلا بد من وجود وعي أساسي بالشروط العامة. فلكي يكون الممثل مستعدا للاستجابة إلي غير المتوقع، يحتاج المؤدي أن يكون في تدفق المشهد، ومع ذلك باحساس بما يلي. عندما ينسى الممثل سطرا أو يواجه ضحك غير متوقع من الجمهور يتعطل النمط الذي يتدرب عليه، يحتم مجموعة مختلفة من الاستجابات. والهدف هو اكتشاف الحل الذي يعيد الأداء إلي السجل المقرر. فالممثلون يدركون التجربة الزمانية المكانية لوجودهم علي خشبة المسرح، وهذا الإدراك يسمح لهم بملاحظة المواقف غير المتوقعة وتقييمها والاستجابة لها. فالمخ في عمل مستمر، وفي حالة توازن، ويراقب البيئة كجزء من العملية المستمرة التي نادرا ما ندركها بشكل واع. 
 ومع الأخذ في الاعتبار أن المخ لا يكون في حالة راحة أو في حالة توازن ثابت، يمكننا البدء في تكوين صورة لما يحدث عندما يزعج التحفيز النظام. فالإثارة هي ما يسميها لويس أن المحفز يخلق اضطراب. فالسلوك المنظم للنسق تتم مقاطعته بالاضطراب، الناشئ عن خسارة سريعة والتنظيم والزيادة في الحساسية تجاه البيئة. والاضطراب – الأداة ليست حيث يفترض أن تكون، أو يشعر الممثل بالإعياء فجأة – يتطلب استجابة. وسوف تتم ممارسة عدم التوازن مثل العاطفة – مثل عدم الارتياح أو الألم أو الرغبة في الشيء. وهذه المشاعر، التي تقوم جزئيا علي الظروف الفورية، تحتاج تقييم للموقف، الذي يمكن أن يأخذ شكل الاستجابة الصريحة – الفرار أو الحب أو المتعة الجمالية. وعملية التوفيق بين ثالوث المنبه – العاطفة –التقييم معقدة كما نتوقع. وبينما يبدو التسلسل المنظم المباشر مرغوبا فيه، فان التسوية في الواقع هي عملية غير فعالة، ولاسيما أن الحل المبدئي يؤكد أنه غير ملائم. فقدرة العقل علي المهام المتعددة تسمح بظهور عدد  من الاحتمالات في نفس الوقت، ويؤدي إلي تقييم يحدد أي منها الملائم : من الأفضل الهروب بدلا من القتال، أو أن النظر أفضل من العناق، أو أن تبقى وتغرق في جمال اللحظة حتى لو تأخرت علي موعد. ومع ذلك هناك بدائل أخرى جاهزة للتأمل. 
عندما يكون المحفز قويا بالقدر الكافي، فانه يمثل مرحلة انتقال، تتميز بتغير مفاجئ واضطراب مؤقت بينما ينتقل النسق إلي نظام جديد. وهذا التوازن الجديد ليس عاما، ولكنه محدود بالنسبة للتجمعات العصبية المرتبطة بالمحفز. ويمكن تعريف التجمع العصبي بأنه « مجموعة فرعية موزعة من الخلايا العصبية ذات الاتصالات القوية المتبادلة. وسوف يؤدي الاكتشاف المفاجئ للرائحة إلي تنشيط الخلايا العصبية المرتبطة بتجارب حاسة الشم مما يخلق اضطرابا يستمر حتى ظهور نمط يمكن التعرف عليه – ربما التعرف علي زهرة. فالتطابق بين الرائح والزهرة، الذي ينهي المرحلة الانتقالية، ينشأ من حالة جديدة، هي توازن أقل اضطرابا. وسوف يكون التكوين الناتج جديدا حتى لو لم تكن هذه هي المرة الأولى التي نشم فيها وردة، لأن المخ لم يعود تحديدا إلي حالة سابقة. وهذه ليست حالة ثابتة، لأنه لا تزال هناك مدخلات تحدد تجربتنا المستمرة مع الزهرة في هذه الحالة. ويظل الشرط الجديد ما دامت اضطرابات الشم مستمرة في إثارة المجموعات العصبية التي تشارك وتعزز الأنماط الناشئة المرتبطة بتجربة الزهرة. فالمجموعات العصبية المستثارة بواسطة رائحة الزهرة  ليست شمية فقط، بل تتضمن ذكريات تجارب سابقة مع نفس الزهور. وربما تجلب إلي العقل صورا مرئية للزهرة، ذكريات شخص أعطانا إياها، أو ربما ذكرى قطف زهرة. بالإضافة إلي كل ما يرتبط بالقشرة الشمية، سيتم تنشيط التجمعات العصبية المرتبطة بالمناطق البصرية والمحرك الحسي في المخ. 
 ورغم ذلك فانهم لا يوظفون بدون حدود. فكما يوحي مفهوم شرط الحدود، هناك قيود علي ما يمكن أن يخرج من تدفق المنبه. وتأمل شروط الحدود كحد فقط هو طريقة سلبية في صياغة المفهوم. فالمصطلح الذي يقدمه كيلسو للقوى التي تشكل الحدود هو « الجاذب Attractors” “ كل صيغة مقيدة بعدد فريد من الجاذبات ... وهذه الجاذبات ترى كحالات هدف تعمل علي تقييد درجات الحرية الداخلية للنسق. وتؤدي التغيرات في عدد الجاذبات وتكوينها إلي تغيير في المجال يؤدي من تحولات نوعية إلي صيغ فعل جديدة. وعندما تنشئ الاضطرابات مرحلة انتقال، تؤثر الجاذبات في عملية تحديد الاستجابة عن طريق تشجيع تبني نمط سلوك معين أكد تأثيره في الماضي. فالجاذبات ليست جامدة، ولكنها سريعة التأثر  للتغير مع التجربة. ويميل الممثلون المدربون علي تقنية معينة إلي تناول الدور وفقا لمبادئ المنهج، ولكنهم قابلون لتعلم الحيل المختلفة عن تلك التي اكتسبوها أثناء التدريب. فكل طريقة عمل تمارس تأثيرا في تكوين الاستجابة – بعضها بقوة أكبر من بعض. وفي النهاية يحدد السياق الذي يقع فيه الحدث أي من هذه البدائل يتم اختياره. 
 ويتم تثبيت بعض هذه الحدود. بمعنى أننا لا يمكن أن نحصل علي صورة مرئية من الإدراك الشمي، أن لم يتم تنشيط القشرة المخية البصرية أيضا. وبعضها حدود تزودنا بها التجربة. فالوقوف علي خشبة المسرح للأداء مستحيل تقريبا، بالنسبة لبعض الناس، بينما هو حتمية بالنسبة لآخرين. ومن المرجح ألا تكون هذه الحدود ضروريات عصبية، بل هي بالأحرى نتيجة تفاعلات اجتماعية وثقافية، ولها علاقة أكبر بالهوية والوعي الذاتي أكثر من علاقتها بتنظيم المخ. وفي كل من حالتي Hardwiring  و Softwiring، هناك حدود تحدد ما يظهر من مجموعة الاضطرابات. وفي المثال الأخير، يمكن أن تجاوز القيود البيئية: فمن الممكن للانطوائيين أن يؤدوا علي خشبة المسرح، بغض النظر عن عدم الارتياح الذي يشعرون به. وهذه التجربة تغير شرط الحد، اذا كان بدقة فقط. وهناك، بعبارة أخرى، علاقة تبادلية بين حد الشروط ومقدمة الاضطرابات الأخرى، أو السببية الدائرية. ويتناول الممثل المدرب علي تقنية معينة كل مسرحية جديدة بأدوات نجحت في الماضي. وسوف تحدد هذه الأدوات كيف يقرأ الممثل المسرحية. فالممثلين الذين يستخدمون المنهج يقرؤون مسرحية بريخت من أجل الأبعاد العاطفية والنفسية للشخصيات ويميلون إلي إغفال نقد بريخت اللاذع للرأسمالية. وهذا ليس لأن ممثلي المنهج يرفضون عمدا النقد الماركسي (رغم أنهم ربما يفعلون ذلك) ولكن لأن شروط حدودهم نفترض مسبقا قراءة واقعية لأي مسرحية. وتصبح الأم شجاعة شخصية عاطفية لأنها تفقد أطفالها، فضلا عن رجل الأعمال الذي يحدد الخيارات بناء علي الحقائق الاقتصادية وحدها. وفي مثال آخر، يطور الممثل نوعا جديدا من العروض تعتمد علي ما إذا كان يؤدي مسرحية لتينسي ويليامز أو آرثر ميللر. تتطلب النصوص المختلفة (المفهومة هنا باعتبارها مجموعة من الاضطرابات) خصائص مختلفة من الممثل. وهذه الضرورات سوف تغير شروط الحد، وتفضل استخدام أدوات معينة علي أخرى. فالممثلة التي تلعب دور «بلانش دوبوا « في مسرحية «عربة اسمها الرغبة» بنفس الطريقة التي تصور بها شخصية «اليزابيث بروكتور « في مسرحية « البوتقة «. وتغير المحفزات التي توفرها المسرحيتان تغير شروط الحد. فالتغير حتمي، ولكن الاستجابة إلي الارتباك سوف تتحدد جزئيا بواسطة التفاعل بين الخبرة الإدراكية والميل للاستجابة إلي المواقف بطرق معتادة. 
     والصورة التي تستخدم لوصف السببية الدائرية هي حلقة، تقترح التأثير المتبادل للحدود عالية المستوى علي الاضطرابات المنخفضة المستوى والعكس صحيح. وسيظهر من الترددات المتناغمة وغير المتناغمة في عدد من التجمعات العصبية، أنماط معينة تعكس هذه العلاقات فيما يسمى تزامن الطور : 
 يحدث التكامل علي نطاق واسع من خلال شكل من أشكال الترميز الزمني، حيث يحدد الوقت الدقيق الذي تنطلق فيه ما إذا كانت تشارك في مجموعة معينة. والمرشح الأكثـر دراســة لهذا النـوع هو تزامـن الطـور. وتفــرغ الخلايــا العصبية مجموعة واسعة من الترددات المتذبذبة ويمكــن أن تدخل في تزامن دقيق أو تقفل طورا خلال فترة زمنية محدودة (جزء من الثانية). 
ولأن أغلب الأحداث ليست محددة بشبكة عصبية واحدة، بل أنها تصل إلي عدد من مناطق  المخ  ووظائفه المختلفة، فان تزامن الطور يحدث داخل عدة مجموعات عصبية، بالإضافة إلي منطقة المدخلات الإدراكية الأولية. وتتحد أنماط الشبكات العصبية المختلفة في قفل الطور مما يؤدي إلي ظهور مجال دينامي ينشق الاستجابات المختلفة وينسق مسار العمل الذي يوفر نتيجة إيجابية من الناحية النظرية. وسوف يعزز رد فعل هذا القرار الاختيار أو يقترح تصحيح للمسار لتأكيد الاختيار الناجح. ويوحد المجال الدينامي والمجال الواسع ونمط التذبذب المتماسك التناغمات المختلفة، ويسمح لأحدهما أن يحدد الرائحة مع الزهرة مثلا، وعلي الأقل بشكل محتمل، عددا من النتائج المرتبطة، مثل الرومانسية الخيالية، وقرار البحث عن الزهرة، الخ. 
............................................................
جون لوتيربي  يعمل أستاذا بقسم المسرح والأداء المسرحي بجامعة واشنطون – الولايات المتحدة الأمريكية. 
هذه المقالة هي الفصل الثاني من كتابه « نحو نظرية عامة في التمثيل Toward a General Theory of Acting  « الصادر  عن دار نشر Palgrave , Macmillan .


ترجمة أحمد عبد الفتاح