فهد الكغاط يؤرخ لذاكرة المسرح المغربي في (معجم المسرحيات المغربية)

فهد الكغاط يؤرخ لذاكرة المسرح المغربي في (معجم المسرحيات المغربية)

العدد 732 صدر بتاريخ 6سبتمبر2021

لا يمكن إنجاز التوثيق لظاهرة من ظواهر النشاط الإنساني إلا إذا توفرت الأرشيفات التي يمكنها أن تساعد على تحقيق هذا الإنجاز لتكون الغاية القريبة والبعيدة هي وقاية الذاكرة الحية من التلف، وصونها من النسيان، وحفظها من الضياع، واتقاء المحو القصدي أو الانمحاء الذي يمارسه من لا يريد أن يقدم وجها مشرقا يمثّل وجها من وجوه النشاط الإنساني الذي هو جزء لا يتجزأ من هوية مجتمع يريد أن يبقى موجودا بما يمتلكه من عناصر البقاء والوجود والديمومة ثقافيا وفكريا وفنيا. 
تعني عملية التوثيق للتراث بكل أشكاله ونتاجاته إيجاد الوثائق الضائعة، أو المركونة في الرفوف، وإخراجها من ظلمة العوالم المنسية، أو المهملة ، والاطلاع على  ما تحتويه الخزانات الخاصة من ذخائر، والقيام باستخراج ما يساعد على الأرشفة لتحتل المواد المكتشفة موقعها في السياق التوثيقي الممكن، وتقديمها كموضوع تفكير، وفهم، ومتون يتم تجميعها ، وتصنيفها، والتعريف بها للوصول إلى ما يرسخ علامات هذا الضائع، ويحدد السياقات التي أنتجته ليدرجه في منظومة ثقافية محددة ستفصح بالضرورة عن انتمائها لنوعها حين تقدم خصوصياتها التي تفصح عن هذا الانتماء.
وحين يتعلق التوثيق بظاهرة طارئة على الثقافة العربية متمثلة في المسرح بكل مقوماته الغربية فهذا يعنى أن الصعوبة ستتضاعف في تحقيق عملية الأرشفة، لأن تيسير العسير سيبقى عسيرا، وتسهيل المستعصي والمستغلق سيبقى شاقا لغياب أدوات ومناهج التوثيق بسبب غياب التخصص الذي يتعامل مع هذا الطارئ بما تمليه شروط البحث ومتطلبات التوثيق العلمي الموضوعي المدعوم بركوب مغامرة التحدي أثناء التنقيب والبحث لإنجاز ببليوغرافية تختص بهذا الطارئ.
المقصود هنا بهذا الطارئ المسرح كظاهرة ثقافية وفنية اقتحمت بشكلها الغربي البنية الثقافية العربية التقليدية لتتأسس كممارسة جديدة قائمة على ترسيخ وجود مسرح لم يكن موجودا في المغرب من قبل عشرينيات القرن العشرين، لكنه بدأ يتخذ لوجوده موقعا خاصا سيتعلم تدريجيا من متناقضات الواقع كيفية البقاء موجودا إما بالاقتباس، أو بالكتابة النصية للمسرحية التي ستدخل زمن العرض، لتصير منتمية إلى هذه الظاهرة الطارئة على تاريخ الثقافة المغربية.
من عشرينيات القرن العشرين إلى الآن راكمت التجربة المسرحية المغربية تجاربها متمثلة في وجود ما يثبت وجودها إما مع المؤلفين، أو مع الفرق والجمعيات المسرحية والرياضية، أو مع ما أرخ به النقاد لجزء من هذه الظاهرة لتبقى حياة التجربة المسرحية المغربية ناقصة على مستوى التوثيق لأن الأمر يتطلب التوثيق الدقيق لهذه التجربة، كما يتطلب المتابعة المتتالية لما تعرفه الساحة المسرحية من إنجازات مسرحية كانت في كثير من الأحيان لا تجد من يبقيها حية بهذا التوثيق.
من عشرينيات القرن العشرين إلى الآن لا نجد سوى ببليوغرافيات ـ على الرغم من قيمتها ـ فإنها تبقى ناقصة يعوزها المنهج الدقيق والاحاطة الشاملة بتاريخ الممارسة المسرحية المغربية حتى تحيط بكل ما تراكم من تجارب، لكن وعلى الرغم من هذا النقص تبقى القيمة التجميعية لما تم تجميعه من قبل بعض الباحثين لبنة أساسية في التوثيق يمكن أن تساعد على توسيع دائرة الاهتمام بموضوع أرشفة المسرح المغربي وهو ما أقدم عليه الدكتور فهد الكغاط الذي قدم مشروعه الببليوغرافي  تحت عنوان : (معجم المسرحيات المغربية من البداية إلى القرن الواحد والعشرين).
نتساءل عن الإضافات التي ملأ بها الدكتور فهد الكغاط البياضات والفراغات التي كانت بارزة في تجارب سابقة في التوثيق للمسرح المغربي فلم تصل إلى توثيق كامل للتجربة المسرحية المغربية من بداياتها إلى التاريخ الذي حدده بعام 2015، السؤال الأول ما هو المنهج الذي تبناه لتحقيق ما أراد الوصول إليه لإنجاز مشروعه التوثيقي؟ والسؤال الثاني ما هي منهجيته في تثبيت بعض المعطيات وصحتها اعتمادا على ما هو موجود من وثائق حتى يضبطها بالتمحيص والتدقيق لبناء صدقية الوثيقة وصحتها؟  
في عتبة هذا المعجم يهدي الدكتور فهد الكغاط هذا الانجاز إلى الدكتور محمد الكغاط باعتباره رائدا من رواد التجربة المسرحية تأليفا، ونقدا، وكتابة درامية، وإخراجا، وتمثيلا، ويعدّ مساهما في الدرس النقدي داخل الجامعة المغربية برزت نتائج هذه المساهمة في العديد من الكتب التي أرخ بها لرؤيته في قراءة المسرح العربي، وما اهتمامه بالتوثيق إلا من باب الاهتمام بهذا المسرح فكان هذا الإهداء كالتالي:
(إلى روح أبي ....
إنطلقت في هذا العمل من الفهرس الذي أنجزته في الثمانينيات والذي عنونته بـ: فهرس للنصوص المسرحية في المغرب في سنوات العشرين إلى سنوات الثمانين.
وإذا كان ذلك الفهرس مازال مخطوطا إلى جانب عدد مهم من نصوصك المسرحية وأعمالك النقدية فإنه شكل بالنسبة إلى نواة هذا المعجم وأحد أهم مراجعه)1
ويأتي الدكتور فهد الكغاط لمواصلة ما بدأه الدكتور محمد الكغاط، وآخرون كلهم قدموا مشاريعهم في التوثيق للمسرح المغربي فأولى عملية إتمام ما قاموا به بضبط خطوات عمله بالعناية المعرفية التي كانت تحتاج إلى البحث المتواصل للوصول إلى مستوى توثيقي قريب من الموضوعية. ومن بين المنتجين لببليوغرافيات بشكل جزئي أو بشكل كامل نقدمهم بشكل مرتب ترتيبا كرونولوجيا كالتالي:
محمد أديب السلاوي: الفهرس العام للنص المسرحي بالمغرب. مخطوط 1979.
عبد السلام التازي: الأدباء المغاربة المعاصرون. مؤسسة بنشرة الدار البيضاء 1983.
عبد الرحمن طنكول: الأدب المغربي الحديث ـ ببليوغرافية شاملة. منشورات « الجامعة « مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر. الدار البيضاء 1984.
محمد الكغاط: فهرس النصوص المسرحية في المغرب من سنوات العشرين إلى سنوات الثمانين. مخطوط 1987
المهدي الودغيري    : ببليوغرافيا النصوص المسرحية المغربية المنشورة بالصحف والملاحق والمجلات. آفاق ـ المغرب ـ العدد 3 ـ خريف 1989 من صفحة 73 إلى صفحة 85.
زبيدة لهلالي: أعلام مؤلفي المسرح في المغرب. دراسة ببليوغرافية من 1920 إلى 1996 مطبعة بريستيكراف. سلا 1996.
المهدي الودغيري    : ببليوغرافيا النصوص المسرحية المغربية المنشورة بالكتب والمجلات والملاحق. الثقافة المغربية. العدد 8 ماي 1999 من صفحة 150 إلى صفحة 164.
عبد اللطيف ندير    :  (أطروحة جامعية مرقونة) المسرح المغربي وفضاء الإعلام المكتوب من خلال الصحافة الوطنية المكتوبة. 2001 ـ 2002. 
محمد قاسمي ومصطفى رمضاني: ببليوغرافيا المسرح المغربي. مؤسسة النخلة للكتاب. وجدة 2003 .
محمد مسعية: دليل المسرح المغربي ـ نصف قرن من الإبداع المسرحي بالمغرب ـ ترجمة حسن بحراوي ـ منشورات وزارة الثقافة 2012.مطبعة المناهل.
ولم يفت الباحث فهد الكغاط أن يعيد قراءة هذه الببليوغرافيات، ويعيد مراجعة العديد من مصادرها وهو يفحص الوثائق المعتمدة في تجميع موادها بحثا عن صياغة الأسئلة المناسبة للتوثيق المناسب حتى يرصد منهج التوثيق الذي سيتبناه في معجمه القائم على تقديم المسرحيات المغربية. 
الأسئلة مدخل للتوثيق لعمر المسرح المغربي
يبقى عمر المسرح العربي من بداياته إلى الآن مكتوبا بالتجارب المسرحية منها ما دخل إلى بقعة ضوء الكتابة والتوثيق، ومنها ما ضاع بسبب عدم الاكتراث بالتوثيق لغياب من يهتم بهذه العملية التي كان بإمكانها أن تبني ذاكرة التجارب بالأرشفة، وتحافظ على المادة النقدية التي ستساعد على تحديد خرائط هذا العمر دون إهمال شروط إنجاز ما سيمكّن من قراءة معنى حضور المسرح بالنسَب التي ستناسب سياقاته.
بين ضياع معطيات، و تلف حقائق ووثائق من الذاكرة الحية لهذا العمر المسرحي المغربي، ومع وجود محاولات كانت تريد أن تخفف من وطأة غياب الوثيقة قام العديد من المسرحيين والنقاد  بالبحث عن الوثائق وتجميع الإفادات المفيدة التي تمكنهم من العودة لهذا العمر المسرحي وإبراز  معاني حضوره في التاريخ الثقافي والفني في المغرب، وهو ما ظل يشكل هاجسا معرفيا عندهم وهم يبحثون عن تفاصيل هذا العمر بعد أن صار ينتمي إلى الماضي لكنه صار ينتمي عند الباحث فهد الكغاط  إلى الآن كسؤال أو أسئلة يريد بها الإجابة لتكوين المشروع التوثيقي من خلال الرجوع إلى الأرشفة الموجودة، والوثائق المتوفرة لإنجاز ما يمكن إنجازه وكأنه يضع بما هو متوفر لبنات معرفية أولى للتوثيق للمسرح المغربي جاعلا من الاجتهاد في التوثيق بابا مفتوحا أمام من سيأتي بعده لإكمال ما سينجزه من توثيق للتعرف أكثر على الذاكرة الحية للمسرح المغربي. 
 ولعل الدكتور فهد الكغاط وهو يروم الانتساب إلى زمرة من قام بهذا التوثيق يريد أن يضيف ما يحقق به تميزه بإضافاته القائمة على منهج حددته كل الأسئلة التي كان يستهدي بها أثناء التعامل مع الببليوغرافيات السابقة، ويستفيد من كل المصادر والمراجع التي بها أراد أن يردف ما يغني المادة المناسبة لمعجمه ليكون استتمام مشروعه التوثيقي قريبا من الإحاطة بعمر المسرح المغربي.
لكن هذا الانتساب لم يحقق المأمول عنده إلا بمعرفته مجال اشتغال المسرح بخاصيات المسرح فجعلته منتسبا إلى نوعه، وهذا ما كان يتطلب عنده تحديد زمن الاشتغال على الأرشيفات، والتعامل مع المواد المتوفرة بحيطة وحذر وهو ما حدد به انتساب معجمه إلى المسرح المغربي من البداية إلى العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين منطلقا من الشعور (بغياب التوثيق) وقلة الأرشيف الخاص بهذا المسرح، و (غياب التوثيق المنهجي للمنجز المسرحي المغربي) لتبقى استراتيجية هذا المعجم قائمة على هدف واحد هو(صيانة الذاكرة المسرحية المغربية.)
كان السؤالان اللذان طرحهما وهو يفتح مشروعه على إمكانات الاقتراب من الوثيقة هما المتعلقين بالمنطلق الزماني الذي أعلن به رواد التأسيس المسرحي عن ميلاد المسرح المغربي لتثبيت التاريخ الحقيقي أو المفترض لبداية المسرح المغربي فكان السؤالان كالتالي: (ما هو أول نص مسرحي مغربي؟ وما هي أول مسرحية مغربية منشورة؟)(1)
يروم فهد الكغاط بطرح السؤالين تحديد ظهور أول نص مسرحي لتحديد تاريخ بداية المسرح المغربي حتى يكون التوثيق مستوفيا لشروط الموضوعية التي تؤرخ لهذا الظهور، لكن الجواب بالتاريخ المفترض ظل ملتبسا يحتاج إلى التوضيح والإيضاح، كما يحتاج إلى قرينة التوكيد أو النفي، لأن إيجاد تاريخ محدد ـ كما راج عند مجموعة من الباحثين ـ ظل مفترضا بعد رواجه فكرّس تاريخ 1923 كبداية أولى للممارسة المسرحية المغربية وهو الذي كان منطلق التوثيق في المعجم.
هناك من الباحثين من سار وراء القول إن تاريخ المسرح المغربي يبدأ من هذا التاريخ فآعتبر ذلك حقيقة مطلقة، وهناك من تمسك بالرأي المخالف لأن هذا التاريخ يبقى أمرا مشكوكا في صحته إلى أن يظهر ما يثبت العكس، وهناك من أراد نزع فتيل هذا الشك من هذا التردد لإبقاء التوفيق بين الآراء وتحديد التاريخ أمرا مفتوحا على كل بحث مغاير ستبث فيه حقيقة المادة المتوفرة، لتبقى ضرورة الحفر المعرفي الدقيق رهينة بما ستتمخض عنه من نتائج يمكن أن تكون مماثلة لما هو رائج ، أو تكون مختلفة عن السائد مما يعني أن كل التناقض في الآراء حول بديات أول نص مسرحي يبقى اقتراحات متأرجحة بين توكيد المؤكد، أو تفنيذ ما هو رائج حول تاريخ  بداياته ، ومن كل هذه الاختلافات السائدة حول عمليات التأريخ للمسرح المغربي يكون دور الأسئلة هاما في هذا المعجم لأن الأجوبة ستكون عاملا مساعدا على تفعيل و رسم منهج التوثيق الدقيق بالشك أحيانا، وباليقين أحيانا أخرى.
فعالية الأسئلة في تحديد منهج التوثيق
حين طرح الباحث فهد الكغاط هذين السؤالين عن أول نص مسرحي مغربي فكأنه يشير إلى أن القرينة الوحيدة التي تكتب تاريخ ظهور المسرح في الثقافة المغربية هو النص المسرحي، لكن وفي غياب هذا النص فإنه يتبنى هذا التاريخ المفترض لإنجاز معجمه دون أن ينسى أن من هذين السؤالين سيتولد سؤال آخر ستبرز فيه صعوبة الحسم في قبول أولي بعيد عن كل وثوقية مطلقة تحسم حسما نهائيا في قبول هذا التاريخ إلا أنه ومع ذلك يتبعه بسؤال يتعلق بالنصوص التي كتبها من اهتم بالمسرح وتأصيله في الثقافة المغربي.    
السؤال هنا يتعلق بعملية الكتابة المسرحية بكل أشكالها، وأنواعها هل هي أصيلة أو مقتبسة، وهل تم التوثيق ـ فعلا ـ لما تم إنجازه؟ والدكتور فهد الكغاط حين يطرح السؤال تلو السؤال فللتوكيد على صعوبة ما يريد إنجازه لأن ما يعتبره دليلا على وجود المسرح هو كتابة النص الذي سيبقى دليلا مقنعا، وبرهانا دامغا على وجود هذا المسرح وفق تنوع الممارسة المسرحية وهو ما قدم به السؤال التالي بعد اقتناعه بأن هذا التنوع هو ما سيرسم له إجرائيا التصنيف النوعي للنصوص الموجودة أو التي يمكن إيجادها بعد الحصول على الأرشيفات التي تسعف المعجم بما يحتاجه من معلومات. يتساءل: (ما هي النصوص المسرحية التي ألفها، أو اقتبسها، أو ترجمها كتاب مغاربة قبل الاستقلال؟)(2)
هذه النصوص المسرحية المختلفة وحتى تصير موجودة يتحقق وجودها بإخراج مسرحي يكون قد أُنجز في زمن معين ومكان محدد هو ما سيثري الأرشفة والتوثيق بالمعلومات الضرورية للمعجم، وسيكون إدراجها في هذا المعجم مكملا لتاريخ تجارب ستحيط بزمن ومكان العرض لكن ذلك يحتاج إلى اهتمام خاص يكون هدفه تجميع الإجابات الممكنة لتسهيل عملية التوثيق، وقد صاغ الدكتور فهد الكغاط سؤالا يتعلق بالممارسة وبالإنجاز المسرحي كالتالي: (أين ومتى قدمت هذه المسرحية؟)(3)
لا يتوقف التأريخ لتجربة النص المكتوب والتوثيق لها عند هذا الحد بل نلفي الباحث فهد الكغاط يوسع من دائرة التوثيق المضبوط لأنه على يقين أن النص الدرامي سيبقى محكوما بآنفتاحه على فعل الإخراج، وتقديمه فوق الركح، ويبقى وجود بيانات تشير إلى زمن الإخراج عاملا مساعدا على تتميم عملية الفهرسة أثناء مراعاة تقديم تجربة نص المؤلف، ونص العرض الذي له علاقة وطيدة بالزمان، والمكان.
إن كل عرض مسرحي يٌنجز ليكون فرجة مسرحية إلا ويبقى مشروطا بوجود مخرج، وممثلين، ومكونات عرض فني، وفي غياب الوثيقة حول هذا المنجز فإن الصعوبة في تجميع المادة تبقى حائلا بين إتمام مهمة التوثيق والاستمرار في البحث عن المعلومة فيظهر وجود العوامل المعيقة في تدقيق الوثيقة الناقصة ليبقى سؤال الحضور أو الغياب المتعلقين بالممثلين والمخرجين عالقا، وهو ما أهملته جل الكتابات التي واكبت تجربة المسرح المغربي قبل الاستقلال لأنها كتابات كانت تقوم بتوصيف عناصر الفرجة بانطباعية  تقريرية تتكلم عن مضمون العرض، وتحكم عليه بأحكام القيمة التي كانت سائدة في زمن تأسيس المسرح المغربي دون الانتباه إلى صناع الفرجة لأن النقد المسرحي المنهجي لم يكن موجودا أصلا. 
بمعنى أن هذا التوصيف المقتضب بأسلوبه الصحافي لم يعط اهتماما خاصا للممثلين، والمخرجين، ومن هنا كان سؤال البحث في هذا الموضوع محاولة لتلخيص التوثيق من بعض الهنات التي وقعت فيها هذه الكتابات التي لم تنتبه إلى كل مكونات العمل الفني فكان السؤال كالتالي: (من مثل فيها ومن قام بإخراجها)(4) 
من هنا تبقى عملية تصنيف المسرحيات المتراكمة مع تجربتي الهواة، والمحترفين، ووضعها في مجالها الحيوي الخاص معتمدا على عملية الكتابة، والانتماء إلى الهواية والاحتراف، فكان السؤال التالي أساس إدراج التجربتين في عملية التوثيق لأن نتاج مسرح الهواة وتجارب المسرح المحترف يمثلان ـ بدون منازع ـ الذاكرة الحقيقية للمسرح المغربي وهو ما صاغ حول فهد الكغاط السؤال التالي: (ما هي المسرحيات المغربية المؤلفة والمقتبسة التي قدمها الهواة والمحترفون من الاستقلال إلى الآن؟)(5)
أكيد أن التجربة المسرحية الهاوية والمحترفة في المغرب بعد الاستقلال تعتبر الخزان الحقيقي لما قدمه المسرح المغربي من تجارب مختلفة أسست لمنظور جديد للاختلاف على مستوى كتابة النصوص المسرحية، ثم على مستوى إنجاز العروض التي عرفها المهرجان الوطني لمسرح الهواة.
أولا غرو أن الوقوف على هذه التجربة كان هاما أثناء التوثيق لما تراكم من كتابات حوّلت مسير المسرح المغربي بكل مضامينه وبنياته المختلفة لتضعه داخل القضايا السياسية والفنية والفلسفية التي رافقت العديد من مسرحيات المسرح الهاوي. وبالمقابل كان المسرح الاحترافي يسير باختياراته الفنية لتوفير عناصر الافصاح عن انتمائه الفني وما السؤال عن وجود وجوه بارزة في هذه التجربة إلا من باب التوثيق الكامل للخاص من خلال التوثيق للعام، وهو ما حدد منطوق الأسئلة التالية:(ماهي مسرحيات أحمد الطيب العلج، والطيب الصديقي، وعبد الله شقرن المنشورة وغير المنشورة، المؤلفة والمقتبسة؟ ما هو تاريخ كتابتها؟ وما هو التوصيف التجنيسي الذي وضعه كتابها لها؟ وما هي الأعمال التي قدمت منها على خشبة المسرح؟ من أخرجها؟ ومن صمم ديكورها، ومن شارك في أداء أدوارها؟ )(6) 
من هذه الأسئلة يسعى فهد الكغاط إلى استنباط العناصر التي رافقت تجربة المسرح المغربي في الكتابة المسرحية فكان أساس التجريب فيها موصولا إما إلى التأليف، أو الاقتباس، أو الترجمة، وهي ممارسات كتابية أنتجت المسرح كنصوص غطت المساحة الزمنية للتجربة المسرحية من التأسيس المسرحي من البداية إلى الامتداد، ويبقى الوقوف على هذه الممارسات في كتابة النص المسرحي توسيعا لدائرة الاهتمام بكل المجالات التي تدخلت في صناعة الزمن المسرحي المغربي لأن الوقوف على أبعاد التأسيس في هذا التوثيق هو الذي صاغ حوله فهد الكغاط السؤال التالي:(ما هي النصوص المسرحية التي ألفها، أو اقتبسها،  أو أعدها، أو ترجمها كتاب مغاربة على امتداد تاريخ المسرح المغربي، أي على امتداد ما يفوق تسعين سنة بقليل من 1923 إلى 2017؟) (7)
في (معجم المسرحيات المغربية) يبقى الاهتمام بزمانية التجربة حاضرا في توثيق النصوص المسرحية مع الاحتفاء بتصنيفها تصنيفا دقيقا يراعي خصوصية التأليف، ونوعية الكتابة، لتكون ثلاث عمليات في هذا التصنيف قابضة على إيقاع هذه الكتابة المسرحية هي التأليف، و الاقتباس، و الإعداد، إضافة إلى الترجمة وهي الممارسات الكتابية الخاصة بهذا التصنيف الذي كان يوثق به فهد الكغاط كل ما ورد في المسرحيات المنشورة أو  المخطوطة من إفادات اعتمدها كشهادة الكاتب وما يقدمه من توصيف لعمله مما كان  يساعده على التصنيف. وهو ما وجه عملية توثيق المعجم نحو ضبط معلوماته بالأسئلة التالية: (متى كتبت هذه المسرحيات؟ وكيف صنفها كتابها؟ ما هي النصوص التي نشرت منها في الكتب والمجلات والجرائد؟ وما هي الأعمال التي قدمت منها في المهرجانات الوطنية والدولية؟) (8) 
عندما نقف وقفة متأملة لتاريخ كتابة هذه النصوص فإن فهد الكغاط يستمد إجاباته من الإحالات الواردة في النص المطبوع، أو المرقون، أو المخطوط، أو من بعض المرجعيات والكتب النقدية، أو تلك الإشارات الواردة في بعض الدراسات كتوصيف للنص سيساعد على التصنيف النوعي لكل مُنتج مسرحي. ولم يفته ـ أيضا ـ الالتفات إلى النصوص المسرحية المكتوبة بلغات أخرى لأنها تشكل مكملا للتجربة المسرحية المغربية تعدد اللغات التي كُتبت بها، هنا يتساءل: (ما هي النصوص المسرحية المنشورة وغير المنشورة التي ألفها كتاب مغاربة بالفرنسية، أو الإنجليزية، أو الإسبانية، أو غيرها من اللغات الأجنبية الأخرى؟) (9)
لقد كان التمهيد لإنجاز (معجم المسرحيات المغربية) مُسيرا بكل الأسئلة المطروحة بشروط البحث العلمي، والمحكومة بكل متطلبات التوثيق المسرحي، وبكل آليات تثبيت صحة المعلومات الواردة في المصادر، والمراجع، وكتابات المؤلفين، والنقاد، والببليوغرافيات المتداولة في الساحة النقدية المغربية، فكانت الإجابات التي استخلصها الدكتور فهد الكغاط من كل جواب تصب في سيرورة المنهج الذي سيرسم به خارطة طريق التوثيق بعد تجميع المادة وتقديمها بشكل مُمنهج مضبوط لأنه حوّل كل الأجوبة إلى منهج للتوثيق.
حين تتحول الأجوبة إلى منهج للتوثيق 
تدل كل الأجوبة التي وجدت كيانها متحققا في سيرورة إنجاز المعجم أن الدكتور فهد الكغاط كان يسير معها بتؤدة ومهل يحكمهما التأمل، وفحص المادة ليتأكد من صحتها، والتحقق من صوابها، وأنها سليمة تطابق المراجع والإحالات المعتمدة.     
لقد كانت الإجابات عن كل الأسئلة المطروحة في مدخل (ٍ معجم المسرحيات المغربية) مضمرة في كل سؤال يحمل تصورات خاصة حول التوثيق تمكّن بها الدكتور فهد الكغاط من بناء المنهج الذي سيعتمده في إنجاز هذا المعجم دون أن يسلو أنه يريد أن يبقيه مشروعا مُشرعا على كل الإضافات المحتملة التي سيقدمها باحثون آخرون لتكون كل إضافة يأتون بها  عملا مساعدا على تعبئة بعض البياضات الموجودة بما تحتاجه من معرفة، وفي هذا يقول: (أعتقد أن أي معجم مثل الذي يضمه هذا الكتاب يمثل في الواقع مشروعا متواصلا لا يبلغ أبدا حالة الاكتمال، ويمكن اعتباره على الدوام قيد التحقق طالما أنه يقبل التنقيح والإضافة) (10)
لقد تحولت كل الإجابات المضمرة في كل سؤال طرحه الباحث إلى منهج ظل به يراعي شروط التصنيف، والفرز، والتدقيق وحين قدم أسئلته فإنه كان يشير بشكل غير مباشر إلى تفاصيل كل قضية تتعلق بمجريات هذا التوثيق حتى تكتمل رؤيته وغاياته للاقتراب أكثر من التجربة المسرحية المغربية، وهو ما أكده بقوله: (إن الأسئلة التي طرحناها في هذه المقدمة تدفعنا إلى إثارة قضية التوثيق للإبداع المسرحي بالمغرب، وأهمية ذلك بالنسبة إلى الباحث والممارس المسرحي معا) (11)
بعد تتبع مكونات هذا المعجم بكل تفاصيله، ومكوناته، وترتيبه نطرح بدورنا السؤال التالي: ما النتائج التي أفضت إليها كل هذه الأسئلة المقدمة فساعدت الباحث على ضبط استراتيجية التوثيق، والقيام بتطبيق آلياتها للوصول إلى تقديم المعجم كما جاء في حلته النهائية؟  
يمكن تحديد هذه النتائج كما قدمها المعجم كما يلي:
أن المعجم تمكن من أن يوثق للمسرحيات المغربية والمؤلفة والمقتبسة والمستنبتة والمُعدّة، والمترجمة.
أن زمن التوثيق كان محددا من بداية الحركة المسرحية بالمغرب في مطلع عشرينيات القرن الماضي إلى العشرينية الثانية من القرن الحادي والعشرين.
أنه تمكن من إدراج أسماء المسرحيات المنشورة، وغير المنشورة، المعروضة، وغير المعروضة.
أنه لم يهمل المسرحيات المكتوبة بالعربية و/ أو الدارجة، المكتوبة بالفرنسية، أو غيرها من اللغات الأجنبية.
هناك استثناء في عملية التوثيق يتعلق الأمر بمحدودية التوثيق للتجارب المسرحية الأمازيغية.
يبقى أن هذا المعجم قد وضع طريقة تصفحه بشكل مضبوط لتيسير عملية الوصول إلى المادة الموثقة ليسهل (الاطلاع على المعطيات الخاصة بتجربة مسرحية بعينها) وقد وضع الدكتور فهد الكغاط منهجية بناء المعجم القائمة على ترتيب مداخل المعجم ترتيبا هجائيا وفق الترتيب التالي:
معجم المسرحيات المغربية، سواء أكانت مؤلفة، أو مقتبسة، أو مستنبة، أو معدّة.
مسرحيات مغربية بالفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية.
مسرحيات عالمية نقلها مترجمون مغاربة إلى العربية.
بهذه المنهجية، وبهذه النتائج التي وثقت طريقة عمل الباحث فهد الكغاط يمكن القول إن معجم المسرحيات المغربية قدم إنجازا علميا مُعتبرا وهاما في التوثيق، كُلّل بالنجاح في تنسيق المادة المسرحية المتوفرة بشكل مضبوط مما يدل على أن هذا الجهد العلمي قد تمكن من تجميع مادة هذا المصنف التوثيقي بإصرار قوي مراهنا في ذلك كل المعايير والضوابط العلمية للتوثيق سواء تعلق الأمر بالتعامل مع المعلومة، أو تعلق الأمر بالتحقق من صحتها، وغربلتها حتى تُدرج بعد التأكد من سلامتها في سياق المعجم ، وتُلحق بكل تبوبيب يناسب تصنيفها.
بهذا يعد هذا المعجم وبكل المقاييس العلمية إضافة نوعية لذاكرة التوثيق للمسرح المغربي، وبكل تأكيد أن هذا الإنجاز ـ كما هو وارد في قناعات الباحث ـ سيظل مشروعا مفتوحا على كل الإضافات الممكنة التي سيقومون بها باحثون آخرون لتقديم الذاكرة المسرحية المغربية بشكل قريب من الاكتمال والتمام.
هوامش:
1   ـ المرجع نفسه..
2  ـ المرجع نفسه: ص 9.
3  ـ المرجع نفسه.
4  ـ  المرجع نفسه . 
5  ـ  المرجع نفسه .
6  ـ  المرجع نفسه .
7  ـ  المرجع نفسه .
8  ـ  المرجع نفسه .
9  ـ  المرجع نفسه .
10  ـ  المرجع نفسه .
11  ـ  المرجع نفسه: ص  10. 


عبد الرحمن بن زيدان