بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (14) آخر أعوام العهد الملكي

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (14) آخر أعوام العهد الملكي

العدد 731 صدر بتاريخ 30أغسطس2021

هذه الأعوام تبدأ من عام 1939، أي منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، إلى عام 1948. وسنبدأ هذه السنوات بعلاقة الجمعية بالملك فاروق، التي ظلت مستمرة أطول فترة ممكنة، حيث قامت الجمعية بتمثيل مسرحية قصيرة حضرها الملك في منتصف يناير 1939، عنوانها «السواق نمرة 952»، وأحداثها حقيقية وقعت في الإسكندرية لسائق إحدى سيارات البلدية كاد أن يصدم سيارة الملك فاروق، «فلما أريد أخذه بما يستحق من عقوبة وصل أمره إلى الأعتاب الملكية فشمله صاحب الجلالة بسامي عفوه وأمر بعدم اتخاذ أي إجراء ضده». وفي الاحتفال نفسه تم تمثيل مسرحية «أخيراً تزوجت» من تمثيل سليمان نجيب، وعبد الوارث عسر، وزينب صدقي، ونجمة إبراهيم، هكذا أخبرتنا الصحف وقتذاك، مثل: الاثنين والدنيا، والمصور، والبلاغ.
وفي نوفمبر 1939 أحيت الجمعية حفلة جمعية المواساة بالإسكندرية في حضور الملك، وعرضت مسرحية «في سبيل العائلة» على مسرح الهمبرا، بطولة: سليمان نجيب، وتوفيق المردنلي، وحنا وهبي، وعبد الوارث عسر، وفاطمة رشدي، ونجمة إبراهيم، وروحية خالد، وماري كفوري. وقد نقلت الحفلة محطة الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية. وبعد عام كامل – وتحديداً في ديسمبر 1940 - حضر الملك مسرحية «كيف تزوجت» التي عرضتها الجمعية في الأوبرا لمساعدة الهلال الأحمر والطلبة الغرباء.
وقد كتبت مجلة «الصباح» كلمة عنها تحت عنوان «حفلة تمثيلية بمسرح الأوبرا يشرفها جلالة الملك» قائلة: «المسرحية من تأليف سليمان نجيب، وعبد الوارث عسر، ومثلها كل من: سليمان نجيب، عبد الوارث عسر، أمين وهبة، دولت أبيض، زوزو حمدي الحكيم، سامية فهمي. وقد تبرع «سامي الشوا» بالعزف على كمنجته، وتبرع «بديع خيري» بإلقاء بعض أزجاله. وبعد انتهاء التمثيل دخل إلى المسرح حضرة صاحب المعالي أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي وأبلغ الأستاذ سليمان نجيب الآتي: «كلفني مولاي أن أشكر الممثلات على ما بذلنه من مجهود، كما أشكر أعضاء جمعية أنصار التمثيل على توفيقهم في تأدية أدوارهم راجياً لكم التوفيق الدائم في جميع جهودكم الفنية».
وإذا نظرنا إلى المسرحيات التي عرضتها الجمعية في هذه السنوات، سنجدها قليلة ولا تتناسب مع تاريخ الجمعية! ومن أهمها مسرحية «الحجاج»، الذي قال عنها سليمان نجيب في سبتمبر 1939: «إن هذه الرواية لم تكن صعبة في تأليفها أو في حبكتها، إنما كل الصعوبة في تمثيلها وفي إخراج أدوارها. حتى إننا لأجل إظهارها بمظهر فني كامل سنضطر إلى الاستعانة بخلاصة الممثلات اللواتي يعملن في المسرح سواء في الفرقة القومية أو في فرقة الأستاذ يوسف وهبي أو في فرقة الريحاني».
وفي فبراير 1941 عرضت الجمعية في حفلة خاصة مسرحية «يعملوها الكبار» على مسرح دار الأوبرا. والمسرحية من تأليف سليمان نجيب والدكتور وصفي عمر، وأخرجها السيد بدير وتوفيق المردنلي. وقام بتمثيلها سليمان نجيب، وعبد الوارث عسر، وأمين وهبة، ومحمد حسن توفيق، ومحسن سرحان، ومحمد كامل، وزوزو ماضي، وعقيلة راتب، ونجمة إبراهيم، وثريا فخري، وسامية فهمي. وأحداث المسرحية تدور في منزل أحد أعيان المدينة، وهو إبراهيم فريد السندي بك، ويضم هذا البيت ثلاثة أبناء للرجل مع والدتهم وخالتهم وامرأة أحدهم وجدهم العجوز. وفي منتصف إحدى الليالي استيقظوا على صوت طارق أزعجهم فإذا بهم أمام سلة تحوي طفلاً حديث الولادة ومعه خطاب يتضمن هذه العبارة «رأيت أن أترك الولد بجوار أبيه». فمن يكون والد هذا الطفل؟ أهو الأب أم أحد أبنائه الثلاثة أم خادم الأسرة؟ فتارة تجتمع الأدلة ضد الوالد، وأخرى ضد أبنائه، وتارة ضد الخادم، وأخيراً تظهر الحقيقة، وأن الفاعل هو جد العائلة.
بعد ذلك تراجعت الأخبار حول عروض الجمعية تراجعاً كبيراً، لدرجة أنني لم أجد أخباراً عن هذه العروض طوال عدة سنوات!! وإذا انتقلنا إلى محاضرات الجمعية في هذه الأعوام، سنجد أهم محاضرة ألقاها «حلمي رفلة» خريج فرنسا، ومسئول المكياج في الفرقة القومية، وعنوانها «فن المكياج: متى نشأ وكيف تطور؟». وقد عرضت جريدة «البلاغ» تفاصيل هذه المحاضرة يوم 25 يناير 1939، فعلمنا منها أن المحاضر بدأ محاضرته بسرد تاريخي لفن الماكياج وكيفية ابتكاره عند قدماء المصريين، ثم عند اليونان الذين استخدموا في مسرحهم وجوهاً مستعارة، وأصبح لكل وجه منها صفاته التي تميزه عن غيره. وقد لوحظ أن هذه الوجوه لا تؤدي إلا إلى حالة نفسية واحدة طول الوقت الذي يستغرقه تمثيل الرواية، وهذا يتعارض مع طبيعة التلوين التمثيلي والانتقال بالوجه من عوامل الفرح والسرور إلى مظاهر الحزن والكآبة، لذلك فكروا في ابتكار وجوه مزدوجة يبدو على إحدى ناحيتيها الهدوء والرضا وكرم الخلق، وعلى الناحية الأخرى الغضب والثورة والتهديد. ثم تحدث المحاضر عن الدور الذي لعبته هذه الوجوه في الكوميديا الإيطالية، وذلك باستعمال وجه خاص لكل شخصية في الرواية. وتحدث بعد ذلك عن ابتكار الماكياج الذي يستعمل على الوجه مباشرة .. إلخ ما جاء في المحاضرة من تاريخ فن المكياج.
وهناك محاضرة أخرى ألقاها السيد بدير عنوانها «تاريخ الإضاءة المسرحية». بعد ذلك سنّت الجمعية سُنّة جديدة، وهي إلقاء الدروس على الهواة الراغبين في الانضمام إلى جمعية أنصار التمثيل والسينما؛ وكأن الجمعية أصبحت معهداً فنياً؛ لأن إدارتها اشترطت على المتقدمين لعضوية الجمعية النجاح في هذه الدروس! لذلك أعطى عبد الوارث عسر دروساً في «أدب التمثيل»، و«فن الإلقاء». وأعطى محمد حسن توفيق دروساً في «التمثيل الإعدادي»، وأعطى عباس يونس دروساً في «الموسيقى»، وأعطى إدوار نسيم دروساً في «الرقص التوقيعي».
خلافاً لما سبق، قامت الجمعية بأنشطة متنوعة – في هذه الأعوام – مثل عرضها مسرحيتي «إلى الأبد» و«أخيراً تزوجت» في حفلتين بالأوبرا في يناير 1940، تم تخصيص دخلهما للترفيه عن جنود الجيشين المصري والبريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، وتخصيص حفلة ثالثة لصالح منكوبي الأناضول. كما كان مقرّ الجمعية هو مكان تأسيس اتحاد النقاد ووضع قانونه. كما احتفلت الجمعية بالفرقة الإنجليزية التي كانت تعرض أعمالها في الأوبرا، وحضر هذا الاحتفال: زكي طليمات، يوسف وهبي، نجيب الريحاني، محمد عبد الوهاب، علي الكسار، عزيز عيد، عزيزة أمير. كما احتفلت الجمعية بذكرى مرور عشرين عاماً على وفاة محمد تيمور الرئيس الثاني للجمعية.
ومن الأنشطة المتميزة للجمعية في هذه الفترة، ما نشرته مجلة «الشعلة المصورة» يوم 13/11/1944 تحت عنوان «مهرجان مصري لبناني»، قالت فيه: «اتفق الأستاذ وجيه ناصر مدير الفرقة القومية اللبنانية وأستاذ الخطابة بالكونسرفاتوار اللبناني الحكومي مع إدارة الأوبرا على إقامة مهرجان مصري لبناني على مسرح دار الأوبرا الملكية مساء الأحد 3 ديسمبر القادم تحت رعاية معالي هيكل باشا وزير المعارف. وقد تضامن في إحياء هذا المهرجان الحافل كبار ممثلي الفرقة المصرية، وجمعية أنصار التمثيل والسينما برئاسة الأستاذ سليمان نجيب، ونخبة من فناني الجالية اللبنانية برئاسة الأستاذ ناصر، وتشترك فيه بلبلة لبنان الآنسة «عايدة» المطربة الهاوية بصوتها الرخيم. ويتضمن البرنامج، تقديم مسرحية «محاكمة فيوليت» واستعراض «في جبال لبنان» ورواية «امرأة لها كرامة» و«آدم وحواء»». كما ذكرت الصحف أخباراً متفرقة عن سفر الجمعية إلى بعض الأقطار العربية لتقديم بعض مسرحياتها هناك.

مظاهر الضعف
بعد كل هذا التاريخ الحافل لجمعية أنصار التمثيل والسينما، بدأت بوادر الضعف تظهر شيئاً فشيئاً! وهذا الأمر بدأ عندما لاحظ سليمان نجيب – رئيس الجمعية – أن بعض الأعضاء يعملون في فرقة «مطربة العواطف ملك»، فأرسل إليهم خطابات ينذرهم فيها بالفصل إذا هم استمروا في العمل، لأنهم بذلك يخرجون من دائرة الهواية إلى الاحتراف. فلم يعبأ بعض أعضاء الجمعية بهذه الإنذارات واستمروا في العمل، وقد كتب السيد بدير – وهو سكرتير الجمعية وأحد الذين يعملون بفرقة «ملك» - رداً على الإنذار الذي استلمه، قال فيه : إن اشتغال أعضاء الجمعية بالمسرح مع فرقة ملك أو غيرها يتساوى تماماً مع الاشتغال في الأفلام السينمائية التي يعمل بها معظم أعضاء جمعية أنصار التمثيل، ثم ختم خطابه بتقديم استقالته! هكذا أخبرتنا مجلة «الصباح» في نوفمبر 1940.
وبعد مرور خمس سنوات قالت مجلة «الشعلة المصورة» في مارس 1945: «منذ أعوام واسم جمعية أنصار التمثيل والسينما في هبوط مستمر وقد سألنا أحد كبار أفرادها عن السبب في عدم نشاطها، فقال إن أفراد الجمعية كانوا يعتمدون على ظهورهم مع الأستاذ محمد عبد الوهاب في أفلامه. وقد احتج كثير من الممثلين المحترفين على اشتغالنا بالتمثيل فأردنا أن نترك لهم الفرصة لنرى ما يفعلون».
وبعد ثلاث سنوات قالت مجلة «الفنون» في أكتوبر 1948 تحت عنوان «صلوا من أجلها»: «في مصر شيء اسمه جمعية أنصار التمثيل والسينما وللذكرى والتاريخ، نذكر أن مقرها في شارع البورصة الجديدة رقم 8 بالقاهرة. تغمض عينيك قبل أن تقرأ كشف الإعانة الفنية الحكومية كل موسم، وأنت متأكد أنك ستجد للجمعية إعانة محترمة، قائمة عاملة، لها في دنيا الفن أثر وحياة. ولا يعيبك أن تعرف السبب، وهو مجرد مجاملة رئيس الجمعية سليمان بك نجيب صديقنا وصديق من بيدهم أمر الإعانة. أما الجمعية نفسها، أما نشاطها، أما إنتاجها، فلا يزيد عن وجود شقة لها في عمارة ما. لها يافطة ولها فرّاش، ولها إيجار يدفع قيمة سكنى المكاتب والكراسي والدواليب. وبدل راحة ورغد وهناء العنكبوت، وهو الوحيد الذي له أنفاس تتردد في أنحاء الشقة العامرة بالعنكبوت! وتقلب الطرف إلى ما قبل سنوات ثلاث تحاول أن تجد للجمعية الموقرة عملاً واحداً تخزي به عين الشيطان فلا تجد .. ولقد قامت الجمعية أول ما قامت على لفيف من الهواة والهاويات أخلصوا العزم وصدقوا النية على خدمة الفن، فإذا بهم جميعاً – وجميعاً بلا استثناء! انقلبوا محترفين يقبضون الأجر مقدماً ويساومون فيه! وخذ عندك: سليمان نجيب بك، محمد كريم، السيد بدير، عبد الوارث عسر، أحمد ضياء الدين وغيرهم! كلهم احترفوا، ثم اقترفوا في حق جمعيتهم الإهمال والتهاون. وبعد هذا يُحرم أعضاء فرقة الريحاني، وفرقة ملك والكسار وفرقته من جنيهات تقيم أودهم، وتُعين هذه الجمعية لتدفع أجر الشقة المهجورة الواقعة في العمارة رقم 8 بشارع البورصة الجديدة .. ضموها إلى الأنتكخانة، إذا استحيتم أن تحلوها!».
هذه هي حكاية جمعية أنصار التمثيل والسينما منذ نشأتها عام 1913 إلى عام 1948، والتي عرضت فيها هذه المسرحيات على الترتيب: الممثل أو دافيد جرك، ونور العين أو عزة بنت الخليفة، والعرائس، ولولو ولوله، وفرجينيا، وانتحار توت عنخ آمون، والحلاق الفيلسوف، و24 ساعة، وفي سبيل الحقيقة، و667 زيتون، والدكتور، والعثرة الأولى، وإلى الأبد، والهاوية، وابن السماء، وطاحونة سفاريا، وأنتيكة في المزاد، والعبرة، وألا مود، والسكرتير الفني، والواجب، والتقرير السري، والدكتورة، والمشكلة الكبرى أو المخاطرة الكبرى، وطرطوف، والأم بين جيلين، والست الكبيرة، وحادثة الطربوش، وأبطال المنصورة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وضحية الفن، والنضال، وبلاد بره، وعبد الستار أفندي، والزوج الكامل، والحلاق الفيلسوف، ومصرع كليوباترا، وأخيراً تزوجت، والسواق نمرة 952، وفي سبيل العائلة، وكيف تزوجت، والحجاج، ويعملوها الكبار.
أما أعضاء الجمعية في هذه الفترة – من الرجال - تبعاً للترتيب الهجائي، فهم: إبراهيم رمزي، إبراهيم صبحي، أحمد البدوي، أحمد النحاس، أحمد رامي، أحمد صادق عفيفي، أحمد ضياء الدين، أحمد فؤاد أبو السعود، أحمد فواز، إسماعيل عبد المنعم، إسماعيل وهبي، أمين وهبة، البير موسى، توفيق المردنلي، حسن عبد الرازق، حسن عويس، حسين فتوح، حنا وهبي، داود عصمت، راغب رزق الله، زكي طليمات، سليمان نجيب، سليمان نيازي، السيد بدير، شريف وصفي، شفيق منصور، صلاح الدين ذهني، طاهر بك، عباس رحمي، عبد الحميد الشريف، عبد الحميد زكي، عبد الحميد عزو، عبد الرحمن حمدي، عبد القادر المسيري، عبد الله سلامة، عبد الله فكري أباظة، عبد الوارث عسر، علي رضا، علي عبد القادر، عماد حمدي، فؤاد درويش، فؤاد رشيد، فؤاد قطبي، محسن سرحان، محمد الملا، محمد بهجت، محمد توفيق، محمد تيمور، محمد صابر حسين، محمد عبد الرحيم، محمد عبد السميع غرس الدين، محمد عبد العزيز، محمد عبد القدوس، محمد فاضل، محمد كامل، محمد كريم، محمود رمزي نظيم، محمود طاهر لاشين، محمود فهمي، محمود مختار، محمود مراد، مصطفى إبراهيم، مصطفى حمودة، مصطفى راشد، مصطفى غزلان، يحيى نجاتي.
أما العضوات أو الهاويات من أعضاء هذه الجمعية، فمنهن: إحسان عاكف، إخلاص عبد العزيز، آمال زايد، إيزابيل، بلسم برسوم، ثريا فخري، رشيدة حمدي، زاهية أمين، زوزو شكيب، زوزو ماضي، زينات صدقي، سامية فهمي، سلمى نديم، شويكار رفعت، صوفي إسكندر كفوري، فتحية شريف، فردوس حسن، فردوس محمد، فيفي برسوم، كوثر فريد، ماري كفوري، ميمي شكيب، نينا زكي.


سيد علي إسماعيل