العدد 730 صدر بتاريخ 23أغسطس2021
تم مناقشة رسالة الدكتوراة بعنوان «توظيف التراث في المسرح الهندي - مسرحيات جيريش كارناد نموذجًا» مقدمة من الباحثة رانيا عبد الرؤوف يوسف إبراهيم فتح الباب، وتضم لجنة المناقشة الدكتور مصطفى رياض محمود، أستاذ متفرغ بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة عين شمس (رئيسًا ومناقشًا)، الدكتور مدحت الكاشف، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية (مناقشًا)، الدكتور سيد علي إسماعيل، أستاذ المسرح العربي كلية الآداب جامعة حلوان، وأمين اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة (مشرفًا مشاركًا)، الدكتور عبد الناصر حسن محمد، أستاذ متفرغ بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة عين شمس (مشرفًا)، الدكتورة راجية يوسف عبد العزيز، أستاذ مساعد في قسم الدراما والنقد المسرحي كلية الآداب جامعة عين شمس (مشرفًا مشاركًا). والتي منحت الباحثة من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الدكتوراة بتقدير مرتبة الشرف الأولى، وبذلك أصبحت الباحثة أول متخصصة في المسرح الهندي بصفة خاصة، ومسرح الشرق الأقصى بصفة عامة في قسم الدراما والنقد المسرحي.
ولأنها أول دكتوراه في القسم، فقد شكلت لها الكلية منذ أكثر من سنتين لجنة إشراف تحت رئاسة الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل – أستاذ المسرح بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة حلوان – مشرفاً رئيسياً، مع الأستاذ الدكتور عبد الناصر حسن عميد كلية الآداب جامعة عين شمس الأسبق، والدكتورة راجية يوسف الأستاذ المساعد بقسم الدراما والنقد المسرحي.
ولأنها أول دكتوراه، فقد اختار الدكتور سيد علي إسماعيل لمناقشتها الأستاذ الدكتور مدحت الكاشف عميد المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون مناقشاً خارجياً، والأستاذ الدكتور مصطفى رياض مناقشاً داخلياً ورئيساً للجلسة. ومن باب الوفاء حدد الدكتور سيد علي إسماعيل يوم المناقشة بالتاسع عشر من أغسطس، لأنه يوافق الذكرى السابعة عشرة لرحيل أستاذه الدكتور إبراهيم عبد الرحمن، حيث إن الدكتور سيد علي نال جميع مؤهلاته – الليسانس والماجستير والدكتوراه - من كلية الآداب جامعة عين شمس.
وإذا أردنا عرض الرسالة، سنجد الباحثة تقول في مقدمتها: « تعدّ حركة مسرح الجذور، التي نشأت في الهند في فترة ما بعد الاستعمار، حركة لخلق ترابط بين الأشكال المسرحية الغربية والأشكال التراثية بالهند. لذا يمكن القول إن ذلك المسرح كان مسرحًا يتسم بالهجنة والدمج بين ثقافتين مختلفتين. وكان الهدف من العودة إلى التراث هو إعادة تقديم التراث بتفسيرات جديدة وثيمات معاصرة يمكنها أن تثري المسرح الهندي في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث لم تعد الأشكال المسرحية، التي تم استعارتها من الغرب، كافية للتعبير عن تطلعات الشعب الهندي، ونمط الحياة، والمشاكل الأساسية في الهند المعاصرة. ويعدّ استقلال الهند عام 1947 نقطة محورية في العودة إلي التقاليد الشعبية في الهند وتمرد رواد تلك الحركة على التأثير الغربي في المسرح الهندي».
أما النموذج المختار فكان كارنارد، وعنه قالت الباحثة في مقدمة رسالتها: «ويعدّ «جيريش كارنادGirish Karnad » من أهم مؤسسي تلك الحركة المسرحية وأهم من أثرى المسرح الهندي الحديث بنصوصه التي أعادت تناول التراث الأسطوري الهندي وإعادة طرحه مرة أخرى في شكل معاصر لطرح أنساق ثقافية ومجتمعية جديدة. وبالإضافة إلى تناول «كارناد» للتراث الأسطوري الهندي في معالجاته المسرحية. فقد تميز «كارناد» أيضًا بتناوله للتراث التاريخي الهندي والتراث التاريخي الإسلامي، على وجه التحديد، حيث حاول أن يطرح «كارناد» من خلال مسرحياته رؤية جديدة، لذلك التاريخ الإسلامي، مغايرة تمامًا لما يتم طرحه في كتب المؤرخين الهنود والبريطانين على حد سواء. وتجدر الاشارة هنا إلى أن «كارناد» كان من أبرز الكتاب المسرحيين الذين دافعوا عن فترة حكم المسلمين، على عكس أغلبية الكتاب والمثقفين الهنود الذين رأوا في الحكم الإسلامي تجسيدًا للطغيان ومحو للثقافة والتراث الفني الهندي. فنجده في أحد المحافل الأدبية يقوم بتوجيه انتقاده إلي نايبول Naipaul، وهو أحد كتاب الهند الذي عرف بعدائه للمسلمين والحكم الإسلامي، ويقول: لا يمكنك أبدًا أن تفهم الهند بدون السماع إلي موسيقاها والتعرف إليها. تلك الموسيقي التي لم يلق نايبول لها بالًا خلال كتاباته عن عدائه لفترة الحكم الإسلامي؛ وهو الشيء الذي يثبت أن نايبول لم يتعرف أبدًا على التداخل والتمازج بين الفنون الهندية والإسلامية التي ساعدت في إثرائها بعض الحركات مثل حركة باكتي وصوفي، مما منحنا ذلك الإرث الموسيقي الذي يميز الهند اليوم».
وبناء على ذلك تناولت الباحثة بالتحليل دور مسرح «كارناد» في طرح أنساق ثقافية جديدة ومغايرة، من خلال إعادة تجسيد الأحداث التاريخية والحكايات الشعبية داخل نصوصه المسرحية. فجاءت بالتالي فكرة الدراسة وأهميتها وإضافتها إلى الدراسات السابقة. حيث لم تلق أي دراسة سابقة الضوء على اهتمام «كارناد» بالتاريخ الإسلامي لدولة الهند وكيفية طرحه، لتلك الأحداث التاريخية، من وجهة نظر مخالفة لما هو موجود في كتب المؤرخين والأعمال الأدبية. كما لم تتناول دراسة سابقة قيام «كارناد» بالقراءة الثقافية للأساطير الهندية وتفنيد الأنساق الثقافية الكامنة داخل تلك البنية الحكائية للأسطورة، والكشف عن الأنساق المضمرة وفضحها من خلال معالجاته المسرحية؛ تلك الأنساق التي كرست لها الثقافة على مر العصور.
والرسالة تنقسم إلى تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، وتناولت الباحثة في التمهيد التعريف بمفهوم النقد الثقافي وإبراز مجالات الدراسات الثقافية التي تنتقل من النص الجمال إلى سياقاته الاجتماعية والسياسية والثقافية. مع بيان عدم إغفال التحليل الثقافي للعناصر الجمالية للعمل الفني. وتناولت في الفصل الأول البنية الثقافية والسياسية التي أعادت تشكيل المسرح الهندي في العديد من المراحل السياسية المختلفة ابتداءًا من المكون المسرحي الهندي في ظل وجود الاستعمار البريطاني، وصولًا إلى تطور الحركة المسرحية، بعد استقلال الهند، وظهور «حركة مسرح الجذور»؛ تلك الحركة التي أعلن روادها الثورة على المفاهيم والتقاليد الفنية المسرحية الغربية. وتعرضت الباحثة في هذا الفصل إلى البنيات الثقافية والمجتمعية التي شكلت الفكر المسرحي لدى «جيريش كارناد».
وفي الفصل الثاني تناولت الباحثة المعالجة المسرحية لبعض الأحداث التاريخية في مسرح «كارناد». وتتبع دور مسرح «كارناد» في خلق خطاب تاريخي مضاد للسرد الامبريالي. والكشف عن النسق الثقافي المضمر خلف الروايات التاريخية الاستعمارية. كما تناولت أيضاً دور «كارناد» في تقويض المؤسسة الثقافية التي رسخت بعض الروايات الخاصة بتاريخ الحكم الإسلامي في الهند. أما الفصل الثالث فتعرضت الباحثة فيه إلى صورة المرأة داخل النسق الأسطوري الهندي من خلال مسرحية «ناجا مانادلا» لكارناد، والكشف عن القهر المجتمعي الذي تتعرض له المرأة في ظل النظام الأبوي. وتقديم صورة حديثة للشخصية الأنثوية الهندية من خلال البنية الحكائية للمسرحية وإعادة تشكيل الحكاية الشعبية الهندية لتكون وسيلة لدحض المركزية الذكورية، وإحلال محلها المركزية الأنثوية.
واختتمت الباحثة رسالتها ببعض النتائج، منها:
1 - إن حركة مسرح الجذور لعبت دورًا، لا يمكن إغفاله، في تحرير المسرح الهندي من النسق الامبريالي المهيمن، وشجعت الدراميين على العودة إلى تراثهم الشعبي وتوظيفه داخل البنية الحكائية وفي التكوين السينوغرافي للمسرحية. فضلا عن دورها في إلقاء الضوء على بعض القضايا مثل الإيمان الأعمى بالآلهة، والخرافات، والعلاقة الزوجية، والمكانة المجتمعية للمرأة، والنظام الطبقي في الهند.
2 - ساعدت النشأة المسرحية والمجتمعية لكارناد في تشكيل خلفيته الدرامية ودخوله إلى عالم التراث للبحث عن مواضيع نصوصه المسرحية. ويتضح ذلك من خلال كسر النخبوية في كتاباته المسرحية، وتوجهه نحو إعادة توظيف التراث الشعبي.
3 - قام كارناد في نصوصه بتفكيك الأنساق الثقافية التي ينتمي بعضها إلى البنية الأسطورية للثقافة الهندية، وينتمي بعضها الآخر إلى البنية الثقافية الامبريالية. واستطاع أن يعيد طرح أنساق ثقافية مختلفة.
4 - تأثر كارناد بثقافة عصره التي كانت تدعو إلى نبذ التقاليد والأعراف البالية، وكان هذا المهيمن الاجتماعي من شواغله، وأخذ منه مأخذًا كبيرًا. حيث يظهر سعي كارناد إلى الكشف عن الأنساق المهيمنة التي تعمل على تشكيل النص التراثي في مضمره النهائي. فقد عمل كارناد من خلال القراءة الثقافية للتراث التاريخي والأسطوري على كشف مضمر القبح والزيف فيها. حيث تتبع كارناد تضمين ذلك الإرث للعديد من الأنساق الدلالية التي تحمل بعدًا أيديولوجيًا يترسخ داخل الذائقة الذهنية للشعب الهندي.