«Dogs» الغوص في عالم الحيوان لتقديم انعكاس لصورة بشاعة البشر

«Dogs» الغوص في عالم الحيوان لتقديم انعكاس لصورة بشاعة البشر

العدد 724 صدر بتاريخ 12يوليو2021

«Dogs» العرض المسرحي الذي قدمه شباب ورشة «ابدأ  حلمك» -الدفعة الثانية- على خشبة مسرح الجمهورية، هو الاسم الذي يطرح العديد من الأسئلة التي يمكن أن تراود ذهنك قبل مشاهدة العرض، ومنها: هل سنجد عالما من الكلاب أمامنا؟ أم سنشاهد علاقة الإنسان بالكلاب على خشبة المسرح؟ وكان أكثر الأسئلة إلحاحا إلى ذهني: هل سأرى اسكيتشات بينها خط درامي يتمثل في كون الممثلين هذه المرة كلابا، وهو الشكل الذي باتت عليه عروض الورش المسرحية لإظهار كافة المتدربين وقدراتهم التمثيلية بشكل متساوٍ أمام الجمهور؟ 
ولكن مع انقضاء لحظات قليلة، وجد الجمهور أنفسهم أمام حالة فنية فريدة؛ فأمامهم شباب مفعم بطاقة كبيرة، مدربون بعناية على فنون الغناء والرقص والتمثيل والأداء الحركي، ويقدمون نصا شديد الخصوصية والتميز، وعناصر العرض المسرحي مترابطة ومتجانسة من خلال مخرج مسرحي لم يترك شيئا دون تدقيق أو اهتمام.
صناع هذا العرض الأساسيون (المؤلف والمخرج) يعلمون تمام العلم أن حجم دور الممثل لا يجوز أن يجور على الدراما المقدمة في العرض، ومع ذلك صنعوا من كل ممثل نجما منفردا حتى لو كان دوره صغيرا أو لا يضاهي دور ممثل آخر، فقدموا شكلا جديدا للمسرحيات التي تعرض لتقديم الشباب المنضمين لورشة مسرحية.
العرض يقدم مجموعة من الكلاب مختلفة الأنواع، تعيش معا في وئام وسلام في الشارع، تغني وترقص معا في الليل، ويتم الإمساك بها جميعا لإيداعها في دار لرعاية الكلاب، ليكتشفوا مع الوقت أنها متواجدة في المكان لتصبح كلابا شرسة، ويتم تشريسها بالتجويع، وذلك من خلال أحد كلاب الدار ويُدعى (ريشو) -الممثل لسلطة الإنسان لدى هذه الكلاب- ويختار كلبا منها وهو (عشماري) لتنفيذ أوامره على هذه الكلاب المسكينة، وتظل ثلاثة كلاب فقط هي الرافضة لتشريسها: (جيبو) الكلب الأكبر سنا بينها، الذي كان يردد أن لكل ميزة ستُقدم لهم ثمنا يجب أن يدفعوه، وعندما اكتشف أن  الثمن هو أن يكون مفترسا حاول الابتعاد عما يحدث، و(أرشي) و(شيراز) وهما الكلبان اللذان ستحدث بينهما قصة الحب الوحيدة بالعرض وستنجب صغارا داخل الدار، ويمثلان الأحرار الرافضين لهذه الأفعال الدامية التي تُجبر الكلاب على القيام بها، و(شادو) وهو الكلب الفنان المحب للحياة، فكان يجمع الكلاب ليحكي لها الأفلام التي كان يشاهدها من صاحبه، الذي بدأ حنينه للحرية يسيطر عليه، ففتح مكانا صغيرا ليرى نور الشمس، ولكنه عندما حاول إخراج رأسه لم يستطع إدخالها مرة أخرى وتُكسر إحدى فقرات ظهره. 
وكان لحظة محاولة إخراج (شادو) لرأسه ومساعدة (أرشي) له، هي الأصعب في العرض، فرغم نجاحهم في ذلك، فقد أُصيب (شادو) بالشلل الكامل، وظل يبكي -وكأنه كلب حقيقي- وحاول (أرشي) الدفاع عن (شادو) أمام بقية الكلاب وتذكيرها بأنها ليست وحوشا، ولا يجوز حبسها وجمح حريتها، ليقوم (شورع) -وهو أحد الكلاب التى انصاعت للتشريس وكان الأقوي بينها وكان مصاب في وجهه بإصابة بالغة- قام بتذكير الكلاب بوحشية البشر وساديتهم الشديدة، ومدى بشاعة ما يحدث لهم من سكب المياة الساخنة عليهم، وضربهم وربطهم بشدة. وفي هذه اللحظة يظهر (ريشو) ويقوم بالانقضاض على شادو وإصابته في رقبته بوحشية. 
اختفاء (شادو) وتقليل طعام الكلاب يوما بعد يوم لتجويعهم أكثر بهدف زيادة شراستهم، يجعل (شورع) يواجه (عشماري) -الذراع اليمين لـ(ريشو)- وعندما يتصارعان يسمع المتفرجون صوت ضرب الرصاص ليُقتل (عشماري) على يد أحد القناصة، ويظهر (ريشو) ليخبر الكلاب أن (عشماري) هو الذي كان يسرق طعامهم ليخفف من غضبهم، ويطلب من (شورع) أن يكون مساعده بدلا من (عشماري)، وهنا يتأكد (أرشي) أن ما يحدث هو حلقة لن يخرجوا منها سوى بالاتحاد، خاصة أنه اكتشف أن الطعام الذي قُدم لهم لسد جوعهم هو جثمان (شادو) صديقهم الذي اختفى. 
ومحاولة (أرشي) لإيقاظ أصدقائه من غفلتهم لم يقبلها (ريشو) الذي يقرر إنهاء حياته بالقتل الشرس جدا، وهاجمه مباشرة بهدف قتله أمام الجميع، ورغم هذه النهاية المأساوية لـ(أرشي) وتشريس الكلاب كافة، فإن (شيراز) ترفض أن يعيش صغارها الذين ولدوا حديثا في هذا المكان، وتقرر إخراجهم من المكان الذي فتحه (شادو) لينالوا حريتهم التي لن تستطيع هي الحصول عليها، ويطلب منها (جيبو) أن تغني لهم الأغنية التي كانوا يغنونها معا قبل حبسهم. 
ويتم تغيير الديكور لمنظر البداية وهم يغنون نفس أغنية البداية أيضا، وكأن الكلاب في دائرة يمكن أن تتكرر لو ظلت وحشية الإنسان كما هي، ويمكن أيضا أن تتغير أحوالهم لو نالوا حريتهم وعاشوا في هدوء بيننا.  
في هذا العرض تم إظهار الإنسان دون أن نراه، من خلال حديث الكلاب عن قسوته وساديته، ثم ظهر من خلال صوت إطلاقه لأعيرة نارية لقتل الكلاب، وكأنه في عالمهم ليس سوى قاتل بلا روح، ولا يهم شكله، فالجميع في هذه الحالة بالنسبة للكلاب سواء. 
مؤلف النص محمود جمال حديني، واحد من المؤلفين الشباب الذين يصنعون شخوصه بمهارة شديدة، ورغم صعوبة الأدوار هذه المرة -فجميع الممثلين على خشبة المسرح من الكلاب- فإنه صنع لكل نوع منها صفاته المميزة، ومن الواضح أنه درس الفروق بين هذه الأنواع التي قدمها، فمثلا من غير المعروف أن الكلاب الجريفون يمكن أن تكون شرسة نظرا لحجمها الصغير وصوتها الضعيف بالمقارنة مع الكلاب الأخرى، لكنها كبقية الكلاب بالفعل يمكن أن تكون شرسة، ومثال آخر على دقته في الكتابة أنه جعل الكلب المدافع الأكبر عن الحرية في النص هو كلب الشارع، وهذه الكلاب رغم سمعتها السيئة أيضا عند البعض، فإنها الأكثر شعورا بإحساس الحرية التي لا تميل للشراسة، بل تحاول الحفاظ على هدوئها لتستطيع العيش وسط الناس دون أن تتم أذيتها. 
والمتابع للعروض التي يكون مؤلفها حديني يعرف أن قضية الحرية من القضايا التي تشغله، وقدمها أكثر من مرة، وكانت هذه المرة من المرات الأكثر إيلاما للمتفرجين، فقدم عالما كاملا من الكلاب المسكينة، التي تعيش بسلام في الشارع، وتسجن فجأة ويتم تشريسها لإرضاء حفنة مرضى من البشر يستخدمونها أحيانا في إصابة أشخاص آخرين، أو مشاهدتها وهي تقتل بعضها البعض لإرضاء ساديتهم. 
ومع قسوة ما حدث مع هذه الكائنات لتشريسها رغما عنها من خلال تجويعها، إلا أنه رفض أن تكون هذه هي النهاية، وقرر أن يكون هناك بصيص أمل صغير جدا من خلال تقديم قصة حب لاثنين من الكلاب: الذكر كلب شارع، والأنثى شيواوا، وكان هذا الكلب هو المدافع الوحيد عن حرية الكلاب داخل الملجأ، ورغم أنه قتل بشكل وحشي، فإن حبيبته عند وضعها لأطفالها رفضت أن يظلوا في هذا المكان المتوحش، وأخرجتهم من الفتحة الصغيرة، ليحصل الصغار على الحرية التي لم يحصل عليها والداهم.
الممثلون في هذا العرض جميعا أبطال -رغم اختلاف أحجام الأدوار- فكل واحد منهم يجسد نوعا من أنواع الكلاب، وبداية من لغتهم الجسدية التي تحولت لغير آدمية، وصوتهم الذي كانوا يستخدمونه في النباح، فتجد نفسك تسمع أصواتا متباينة تجعلك تتأكد أنهم كلاب مختلفة، ورقصهم الذي كان متجانسا ومحافظا في الوقت نفسه على هيئتهم ككلاب، كما أنهم كانوا يمثلون وهم يتحركون بأيديهم وأرجلهم -يقفون فقط عندما يرقصون- لإكمال حالة الإيهام بأننا نعيش داخل عالم الكلاب.
مصمم الرقصات ضياء شفيق كان يعي جيدا أهمية الحركات التي يصممها في هذا العرض، وأنها يجب أن يظل لها شكل خاص ليميز بها الحيوان الذي يرقص على المسرح، واستطاع ذلك في كل رقصة قُدمت على المسرح، ومنها عندما كان هناك أحد الكلاب بدأ ظهور مرض جلدي معدٍ عليه، وحاول إلهاء الكلاب الأخرى ليستطيع جعل صديق له يحك له ظهره دون أن يلحظ أحد منهم ذلك، فكان رقصه ورقصهم معه كوميديا ومعبرا عن حالته المزرية وفرحتهم من الرقص واللعب. 
وكان هناك عنصر من العناصر التي أضفت حالة فريدة على العرض، وهي الموسيقى التي قام بتأليفها محمد حسني، فكانت متوائمة مع الأحداث التي تُقدم على خشبة المسرح، والأغنيات التي كان يؤدبها الممثلون على المسرح، كان تميزها يتمثل في أنهم يغنون بانفهم -بدون تسجيل للأغنيات- وهي طريقة أثبتت تمكنهم في الغناء، وإمكانياتهم في الرقص والغناء معا.
ديكور العرض الذي صممه حمدي عطية كان يتمثل في منظرين: الأول الحي الذي كان يقطن فيه الكلاب، وهو مكان يحتوي على عشرات البيوت المليئة بالشبابيك، وفي الخلفية منظر للنجوم يضيء فوق البيوت بعمق المسرح، والثاني هو ديكور دار الرعاية الذي كان عبارة عن أقفاص متجاورة في دورين، وفي منتصف الخشبة بالعمق سلم عالٍ، ويجلس في الطبقة الثانية عند السلم إما (ريشو) الكلب المسيطر، أو (عشماري) ذراعه اليمين، دليلا على أنهم أعلى من بقية الكلاب في هذا المكان وأكثر قيمة بسلطتهم، ويتكرر المنظر الأول في نهاية المسرحية ليتأكد المتفرج أن حال الكلاب في الخارج متكررة وما يمكن أن يصلوا إليه جميعا يمكن أن يكون مصيرا واحدا أيضا.
واهتم عطية بأن يكون الديكور متمثلا في هذه البنارات المرسومة في المشهد الأول والأقفاص في الثلاثة أضلاع للخشبة في المشهد الثاني، دون وضع أية موتيفات أخرى على الخشبة لوجود عدد كبير من الممثلين على المسرح، ولأنه كان يقدم للجمهور أماكن تواجدهم ببساطة دون الاحتياج لزيادة تفاصيل هذه الأماكن.  
مخرج العرض حاول استغلال طاقات الشباب على أكمل وجه ونجح في ذلك بجدارة، فظهر على المسرح ممثلون يستطيعون الغناء والرقص والتمثيل والأداء الحركي، وعمل تشكيلات بصرية، بسهولة وسلالة، ويمكن أن يكون تدريبهم الجيد والواضح كان سببا آخر في جعلهم يستطيعون استغلال قدراتهم بالكامل، كما أنه استطاع أن يكون مسيطرا على عدد كبير من الممثلين الذين يتحركون على أقدامهم وأيديهم معا، فأصبحت المساحة الفارغة على المسرح صغيرة، ومع ذلك كان ظهورهم الدائم معا ضروريا طوال فترة العرض. 
كما أنه قرر المغامرة بتقديم فكرة كان يمكن لها أن تجعله ينال انتقادا واسعا -لو فشلت أو لم تنل استحسان الجمهور- أو أن تجعل هذا العرض يجد مكانا وسط العروض المهمة في الفترة الأخيرة، وهو ما استطاع النجاح فيه بالفعل، فسيكون «Dogs»  واحدا من العروض التي لن ينساها الجمهور. 
«Dogs» ديكور حمدي عطية، إضاءة كمال عطية، استعراضات ضياء شفيق، ملابس أميرة صابر، تأليف موسيقي محمد حسني، مكياج إسلام عباس، تأليف محمود جمال حديني، وفكرة وإخراج كمال عطية.
والمشاركون بالعرض من طلبة الورشة حسب الظهور: عمرو تركي (أرشي)، محمود رشوان (شادو)، أمنية النجار (شيراز)، أحلام يوسف (شورينا)، شروق ثروت (باندا)، أحمد زكي شيكا (عشماري)، أحمد فكري (شورع)، محمد موسى (هوباك)، يوسف يحيى (جيبو)، آلاء محمد (شيراز)، أحمد حسن (شادو)، روز فايز (ريتان)، عبد الرحمن تركي (بوهين)، إبراهيم الصعيدي (فلوطة)، مينا منير (ظايط)، معتز السبع (بيزو)، محمد نزيه (عرن)، شروق عوض (شورينا)، محمود حسان (بورك)، محمد علي الحلواني (ريشو). 


سلوى عثمان