جولة فى مسارح العالم

جولة فى مسارح العالم

العدد 865 صدر بتاريخ 25مارس2024

بمناسبة شهر رمضان المبارك، طالعت صحيفة “كاثوليك هيرالد” الكاثوليكية  البريطانية التى تصدر فى لندن منذ عام 1888 قراءها بمقال لأحد كتابها واسمه ادوارد وست لمجاملة المسلمين فى هذا الشهر. كان عنوان المقال “كيف انقذ المسلمون مسرحية المهد فى مدرستى” 
 يروى  المقال الذى نقلته عنها صحيفة التلجراف البريطانية (ديلى تلجراف سابقا) ان الاتجاهات العلمانية باتت تسيطر على بريطانيا بشكل يبعث على الرعب. فقبل خمسين عاما مثلا كانت كل المدارس البريطانية تقريبا  تقدم فى عيد الميلاد مسرحية يطلق عليها غالبا “ قصة الميلاد” حول ميلاد السيد المسيح والمعجزات التى صاحبت مولده. وكان يجسد الشخصيات فى هذه المسرحيات تلاميذ المدارس. 
والان وبعد طغيان الاتجاه المادى فى بريطانيا باتت ثلث المدارس البريطانية فقط تقدم هذا النوع من المسرحيات بشكله التقليدى. والمقصود بالشكل التقليدى هنا –نتحفظ عليه كمسلمين -   ان يظهر فى المسرحية السيدة العذراء ويوسف النجار وحراس النزل الذى نزلت به السيدة العذراء والرعاة والمجوس وحتى الحمار. 

بدائل
وأكثر من ذلك اوقفت بعض المدارس عرض هذه المسرحية تماما وبدأت تعرض م ايقول كاتب المقال انه “بدائل عصرية دون اى دلالات دينية”. وتنوعت البدائل العصرية من اغانى لالفيس بريسلى او لقطات لمباريات كرة قدم أو معارض لاعمال فنية، فضلا عن اساليب عديدة لا تتفق مع قدسية المناسبة. وفى افضل الاحوال كن يتم عرض أغان عن الكريسماس بموسيقى  البوب بدلا من ترانيم عيد الميلاد.
وهناك مدارس كانت تعرض المسرحية   بأسماء غير دينية تفاديا للمشاكل مثل “احتفالات الشتاء” او “المسرحية الفصلية”. 
واستاء الاباء فى المدارس –خاصة فى مدارس الاطفال – من هذا الوضع. وكانت مجالس الاباء فى طول بريطانيا وعرضها تمطر المؤسسات التعليمية   بشكاوى جماعية من هذا الوضع. وكانت بعض هذه الشكاوى تبدى استعدادها للمساهمة فى تكاليف  هذه العروض بشكلها التقليدى بلاجدوى. ولم يحدث ان تراجعت اى مدرسة تبنت النهج العلمانى عن هذا النهج. وشعر كثير من المتدينين بالتشاؤم من مستقبل احترام الاديان فى بريطانيا. 

المسلمون
والان ما هو دور المسلمين فى ذلك . يروى كاتب المقال  تجربة تعرض لها عندما  كان طالبا فى احدى مدارس  لندن فى مطلع ثمانينيات القرن الماضى. وكانت   المدرسة خاضعة لمؤسسة تسيطر عليها عناصر  تروتسكية شيوعية وهو امر مسموح به فى بريطانيا.
وعند اقتراب موعد الكريسماس فوجئ الجميع  باعلان الغاء المسرحية رغم انها كانت تعرض فى سنوات سابقة بعدة قيود. لكن فى ذلك العام تم الغاء المسرحية تماما بحجة “الحساسية الثقافية” واحتمال ان يثير العرض غضب المسلمين فى المنطقة!!!.. 
وهنا ثار اولياء الامور ومنهم عدد لا يستهان به من المسلمين حيث كانت المدرسة تقع فى حى يقيم به نسبة كبيرة منهم وغالبيتهم من الهند وباكستان. وانضم المسلمون الى المسيحيين  – وكان لامه صداقة مع عدد من جاراتها المسلمات   – وطالبوا جنبا الى جنب مع المسيحيين بعرض المسرحية. وقالت جارة لها نحن المسلمون اخترنا الحياة فى دولة مسيحية وعلينا احترام عقائد اهلها ونرفض ان نكون حجة لقرارات خاطئة تتخذها ادارة المدرسة العلمانية. واشادت بالتسامح الدينى فى بريطانيا الذى لم تجده الاسرة المسلمة فى مسقط راسها بالهند التى تسئ حكومتها معاملة المسلمين. 
وشعرت ادارة المدرسة بالحرج وسمحت بعرض المسرحية بالاسم الطبيعى وبقيود اقل من السنوات السابقة.

مخرجة بريطانية تتساءل اين مسرح الفقراء
يستحقون مسرحا محترما وليس اعمالا سطحية 
تعد المخرجة والمنتجة المسرحية البريطانية ذات الاصول النيجيرية “كارينا جونسون” (51 سنة) من العلامات البارزة فى الحياة المسرحية البريطانية. وقد بدأت حياتها الفنية فى سن مبكرة عام 1997سواء فى الإخراج او فى ادارة الفرق المسرحية مثل فرقة كوشيت وغيرها. 
وهى لم تشارك فى التمثيل على الاطلاق بل ركزت جهودها على الإخراج والادارة وهى تعتمد فى ذلك على حبها للمسرح الذى صقلته  بدراستها للدراما فى جامعة لندن.
 وهى مخرجة عدد من الاعمال المسرحية المتميزة مثل مسرحية “الصباح الباكر “ وكان لهذه المسرحية موضوعا طريفا مأخوذا عن قصة للأديب النيجيرى “ديبو ابو لاجى” سلط الاضواء فيها على المظالم التى تلحق بالسود فى بريطانيا وغيرها من المجتمعات الأوروبية. 
وكان ذلك عن طريق نص ينتمى الى مسرح العبث شكليا يتخيل فيه مؤلفه ان مجموعة من عمال النظافة النيجيريين فى لندن قاموا بثورة احتجاجا على مايلحق بهم من ظلم  استولوا فيها على لندن وحكموها.
هذا فضلا عن مسرحيات عديدة مثل “الكوبرى” و”40” و”الامان” و”اغرب زوجين “ و”قبلة البطاطا”.

اتفاقيات
وبفضل تألقها وأعمالها المتميزة كانت طرفا فى اتفاقيات تعاون ثقافى مع عدد  من الدول التى سافرت اليها واخرجت فيها اعمالا مسرحية مثل ايران والصين وتركيا وعدة دول اوروبية ونيجيريا مسقط راس ابائها فهى من مواليد جنوب لندن.
وفازت بعدة جوائز حتى فى سنها الصغيرة اعترافا بجودة اعمالها  مثل جائزة جيروود لأحسن مخرجة شابة عام 2003. ورشحت لجوائز اخرى مرموقة لكن لم تفز بها مثل جائزة كارلتون للتعدد الثقافى. 
وعملت لبعض الوقت (خمس سنوات) فى برودواى عاصمة المسرح الامريكى على الجانب الأخر من الاطلنطى ثم عادت الى بريطانيا عام 2016.

مسرح الفقراء
وقبل ايام خرجت كارينا على الجميع برأى مهم فى الانتاج المسرحى فى بريطانيا وربما فى دول اخرى. وهذا الرأى طرحت فى تساؤل بسيط  ...اين مسرح الفقراء؟.
تقول كارينا فى مقال لها بجريدة الاندبندنت ان هناك  أسطورة تنتشر  ربما تنتشر حول العالم مفادها  أن رواد المسرح من الطبقة العاملة  والطبقات الفقرة يقبلون على المسرح لمشاهدة الاعمال البسيطة التى تبعث على الضحك. وحتى اذا ارادوا حضور  مسرحيات غنائية على غرار “الاوبرا الصابونية” التى تعالج موضوعات مبسطة من الحياة اليومية. وبعبارة اخرى تقول كارينا إن الطبقة العاملة  تواجه خطر الانقراض من مقاعد المتفرجين فى العروض الجادة حتى لو كانت مدعومة من الدولة  واسعار تذاكرها فى متناولها. 
والسبب ان المسارح لا تقدم عروضا ذات مستوى مرتفع مناسبة لها وتفترض انها لا تهتم بالعروض الجادة الراقية. وهناك فئات أخرى مهمشة فى اختيار العروض الجادة مثل بعض الجماعات العرقية. كما ان تركيز الاهتمام على  التذاكر المخفضة كطريقة لمعالجة ذلك هو المبالغة في التبسيط وإضاعة الهدف. وبدلا من ذلك يتعين اجراء دراسات مستفيضة لمعرفة رغباتها وانها لا تأتى لمجرد الضحك فقط بل يجب تشجيعها على ارتياد المسارح حتى لو غابت الضحكات عن العمل المسرحى وحتى لو كانت من الاعمال التاريخية التى لا تبعث على الضحكات مثل اعمال سوفوكليس وشكسبير. فهذا نوع من إثراء المسرح وتعزيزه بمبدأ    المشاهدة الجماعية المتنوعة.  

تنوع
وتمضى قائلة  انها  أمضت حياتها  المهنية في العمل في فرق ملتزمة بالوصول للجماهير والتنوع. وكانت تحرص من خلال مسرحياتها مثل “الصباح الباكر” على ان يكون لها جمهور متنوع يمثل كافة اطياف المجتمع البريطانى.    
وفى النهاية تقول إن قطاع المسرح المدعوم  هدية تدفع ثمنها الأغلبية ولكن يصل إليها عدد قليل من الناس، فلماذا لا نوفر المزيد من المسرح لأغلبية الطبقة العاملة؟ لماذا لا نفتح مساحاتنا وخياراتنا لهذه المجموعة المتنوعة؟ إن الجو الذي خلقه جمهور جديد من الطبقة العاملة عندما اكتشف أن الفن يمكن أن يكون “لأشخاص مثلي” هو أمر رائع: إعادة خلق تلك اللحظة السحرية التي حدثت لي، الفتاة التي نشأت في مسكن للفقراء مملوك لحى  جنوب لندن.


ترجمة هشام عبد الرءوف