مشروع ثقافي يتجول في قرى مصر النائية مشروع الجرن. تجربة مثمرة تحتاج للاستمرار

مشروع ثقافي يتجول في قرى مصر النائية  مشروع الجرن. تجربة مثمرة تحتاج للاستمرار

العدد 558 صدر بتاريخ 6مايو2018

يسعى مشروع مسرح الجرن منذ عام 2005 أن يقدم دورا تنويريا في قرى مصر النائية، عبر نافذة الهيئة العامة لقصور الثقافة. وبين الاستمرار والإيقاف جاهد المشروع بقيادة المخرج أحمد إسماعيل أن يكمل طريقه رغم الإحباطات، متجولا بين مجموعة من القرى المصرية بين جنوب مصر وشمالها.
وحالفني الحظ أن أشارك في جولات المشروع لأكون شاهدا على مجموعة من الأنشطة التي يقدمها التلاميذ في مدارس القرى كنتاج لورش فنية وثقافية تقدم النشاط المسرحي ومسرح العرائس وحكايات القرية والأغاني الشعبية والشعر والألعاب الشعبية والفنون التشكيلية.
وفي هذه المرة ذهبت مع المشروع إلى قرية أبو دياب غرب في قنا، وقرية كوم بوها في أسيوط، وقرية كفر مسعود في الغربية، وقرية دمو في الفيوم.. وفي نفس الموسم كان للمشروع مشاركات في قريتي أبو فودة بالإسماعيلية، وميت أبو العز بالدقهلية.
في قرية دمو بمحافظة الفيوم أخرجت عفاف عبد اللطيف مديرة المدرسة مقاعد الدراسة من الفصول لتسع جميع الطلاب في حوش المدرسة الواسع، حيث لاحظت مواهب صوتية واعدة في الفنون الأدائية، ولفت نظري الأشغال الفنية المتقنة من المشابك والأحجار والكارتون وقشر البرتقال.
وفي قرية كوم بوها بمحافظة أسيوط شاهدت مسرحية «حلم تيار» ليتحدث التلاميذ عن مشكلة تؤرقهم وهي تكرار انقطاع التيار الكهربائي، ثم العرض المسرحي للعرائس بعنوان التعاون وهو من تحريك الأطفال، كما أن العرائس من صنعهم بمعاونة مشرف العرائس، وهذه العروض المسرحية تقدم قيمة هامة للأطفال وهي كيف أن فنا مثل فن المسرح يمكن أن يساهم بفاعلية في مشاركة الإنسان همومه وطرح قضاياه، فأن يستشعر الطفل - في قرية نائية بالصعيد - بهذه القيمة من خلال عرض مسرحي يشارك فيه لأول مرة في حياته، لهو هدف مهم يعد من ثمار مسرح الجرن الذي يراكم نشاطه في هذه القرى، فقرية مثل كوم بوها ذهبت إليها منذ عدة سنوات ضمن نفس المشروع، وشعرت كيف أثمر هذا المشروع دورا تراكميا في الأجيال المتتابعة في هذه القرية، وغيرها من قرى المشروع، مثل قرية أبو دياب غرب في قنا التي قدمت مسرحية شجرة أمي عن الإرهاب، وحضر هناك القمص يوليوس حنا راعي كنيسة الأنبا شنودة بأبو دياب غرب، وقال في لقاء معنا إن الذي دعاه طفل صغير بالمدرسة، ولعله يريد أن يشير إلى أن هذا الطفل القناوي استشعر أنه يقدم شيئا له قيمة ويفخر به فأراد أن يشاركه القمص فرحته، وهذه التفاصيل الصغيرة تتراكم في نفوس الأطفال وتكبر معهم وتصبح ذكرى تساعد في تنمية وجدانهم والرقي به، ولاحظت في معرض الأنشطة التشكيلية في نفس المدرسة القناوية أن الفتيات رسمن ممثلة ترتدي الساري الهندي، ورسمن ممثلات الأفلام، ولعلي استشف من هذا قوة الإعلام والدراما في التأثير والوصول إلى أقاصي الصعيد، وهو أمر معروف طبعا لكن وجب رصده من خلال واقع حي لتلميذات في العقد الثاني من عمرهن في مدرسة بأقاصي الصعيد.
وفي قرية كفر مسعود في محافظة الغربية شاهدت مسرح عرائس فريد من نوعه، فهو عبارة عن منزل بحديقة مقام على منضدة في أحد الفصول، ويقوم الأطفال الظاهرون أمام المتفرجين بتحريك عرائسه بواسطة العصي، وهو عرض متماسك إلى حد كبير وأعجبت بتوصية المخرج أحمد إسماعيل لمديرة المدرسة بأن يشاهد جميع تلاميذ المدرسة هذه المسرحية على مجموعات، فقيمة هذه الأنشطة تصبح أجمل حين تتخطى الحيز الضيق لمجوعة تلاميذ يقدمون عرضا للجنة تقييم تأتي من القاهرة لتشاهده، ثم شاهدت في فناء المدرسة مسرحية من تمثيل التلاميذ عن الإشاعات وتداولها وخطورتها، وأعجبت بما لدى الأطفال من جرأة وقدرة على الارتجال والاشتباك مع الجمهور.
وأريد أن أشير إلى عوامل ساهمت في إنجاح التجربة التي رأيتها، منها التعاون المثمر بين القائمين على التجربة من قيادات الوزارتين، الثقافة والتربية والتعليم، وأتمنى أن تستمر الهيئة العامة لقصور الثقافة في الدفع بهذا المشروع خلال السنوات التالية لأن الثمار مبشرة وتحتاج إلى تراكم وانتشار في محافظات أكثر طالما نجحت التجربة في حيز المحافظات المحدود التي طاف فيها المشروع خلال ثلاثة عشر عاما يستقطع منها عدد السنوات التي أحبط فيها وتوقف، كنا في حاجة إلى هذه السنوات التي توقف فيها، فالتجربة كان يمكن أن تحقق صدى أكبر في نفوس الأجيال النامية في هذه القرى، لكن يظل في القادم فرصة لتعويض ما فات.


حسن الحلواجي