ثنائية الحسيني والنجار حلم يتنامى أم يوقفه الواقع

ثنائية الحسيني والنجار حلم يتنامى أم يوقفه الواقع

العدد 723 صدر بتاريخ 5يوليو2021

من أعوام ليست بالقليلة كون ابنا دمياط عبده الحسيني كمؤلف؛ وحسن النجار كمخرج ثنائيا فيما بينهما. بدأ من الخطوات الأولى في مشروع نوادي المسرح بالثقافة الجماهيرية. وامتد فيما بعد أن أصبح النجار مخرجا معتمدا بتلك المؤسسة. والحقيقة أن البدائات كانت بسرعة كبيرة وعروض حققت الحسنيين؛ التفاعل الجماهيري والتقدير الفني .
وإذا كان الإصنيين خرجا من رحم فرقة دمياط القومية المسرحية. فهاهما بعد أعوام قليلة من وجودهما المعتمد يقودان تلك الفرقة العريقة في عملها المسرحي هذا العام . والذي كان بعنوان ( كاهنة الأوراس)
خذخ المرة لم يكن النص من تأليف الحسيني ؛ وإنما قام بإعداد نص مسرحي عن نص مسرحي آخر!!؟ للكاتب والمفكر الجزائري/ البشبر الإبراهيمي.
والحقيقة أن الإبراهيمي لم يكن كما قال مقدم العرض . بأنه تعرض للاضهاد من قبل المستعمر الفرنسي لدرجة أنه؛ أي المستعمر وقف ضد كتاباته ولم يسمح بتداولها لدرجة أنها أصبحت عسيرة المنال. صحيح أن الابراهيمي كان له موقفا وربما تعرض للنفي داخل الجزائر من المستعمر. ولكنه اصبح وزيرا في حكومة الثورة . إلى أن أختلف معها فقامت بتحديد إقامته فيما بعد. أما كتاباته فملء السمع والبصر لا ورقيا فقط. بل هي موجودة على شبكة (الإنترنت) بشكل مكثف. ولسنا هنا بصدد الحديث عم الإبراهيمي ونشأه وأفكاره. ولكن الحديثث لمجرد تصحيح خطأ ما ونخشى أن يتوطن في عقول راغبي المعرفة: ولا نخفي رغبة في نزع ماأرادوه من بطولة وعروبية لمجرد التصدي لنص كهذا. كما أننا لسنا بصدد المقارنة بين النص الأصلي ونص العرض ؛ الذي كان مشحونا بالمواقف والأحداث وربما يتعارض الكثير منها مع بعضها البعض . كما يتعارض المفهوم العام لفكر الإبراهيمي نفسه؛ الذي رسخ جل عمره في الدفاع عن القضايا الإسلامية. نص العرض يبدأ بالخليفة الوليد بن عبد الملك وهو يرثي واقعه المتمثل في الكثير من الهزائم عند كافة خدوده؛ ليأتيه الخبر أن جيش إفريقيا قد تعرض للهزيمة على يد جيش البربر بقيادة فارسته وملكته. ليمضي نص العرض ليبين لنا ماهي تلك الفارسة فيوضح أن تلك البلدان كانت واقعة تحت سبطة الروم. وكيف أن ممالك البربر كانت متفرقة ؛ واضطرالملك للخضوع لقانون الليلة الأولى التي يحظى فيها جندي رومي باليلة الأولى مع أي عروس بربرية ؛ ولكن الجنود أرادوا المواجهة؛ وللخروج من هذا استعان الإبراهيمي بحيلة جليلة وكليب للتخلص من التبع حسان ؛ ونتيجة هذا رأي الجنود أن تكون الأميرة/دييا هي القائدة . ويحاول الكاهن الوثني استمالتها جسديا وعقائديا فيطلق عليها صفة الكاهنة< ولكنها ترفض الرضوخ جسديا. ولم ترفض الكهانة. ومن ثم يأتيها أمير خاطب؛ تفع في حبه وتعرف منه أنه أصبح يدين بالإسلام. لأنه عرف تعاليمه ورأى كيف ينقذهم المسلمون من حكم الروم. ولكن دييا ترى الغزاة كلهم سواء. ويموت الخاطب في المعركة بين المسلمين والبربر خاصته من ناحية والروم من الناحية الأخرى. وميوت والدها وتصبح الملكة فتحاول توحيد البربر. ثم يبين لها انها اتخذت أولادا ممن تم أسرهم من قبلها . وكلهم يدينون بديانات مختلفة فمنهم اليهودي والمسيحي والوثني ثم المسلم بعد ذلك، في محاولة منا أن يرث أولادها الأمر في بلدانهم ومن ثم تصبح قيم الإنسانية هي المسيطرة، ويكون الإخاء تبعا للإنسانية لا ديانة الفرد. هناك طبعا بعض الأمور الأخرة مثل الخيانة وقدرتها على الحلم/ التنبؤ سواء من خلال طيف حبيبها المقتول . أو رؤية نفسها وهي صغيرة.. الخ. وتكون الخاتمة حينما يخبرونها أن جيش المسلمين قادم فتخرج معلنة انها تحارب الروم، وفي نفس الوقت تكون مستعدة للمسلمين. وعندما تعرف بأن المسلمون قادمون لا محالة فتقول ، أن الغزاة هم غزاة مهما تغيرت عقائدهم ، وأنهم أي المسلمون لو كانوا أتوا لهداية الناس، فالناس أمامهم. وإن كانوا أتوا لكنوز البدلة فعليها إحراق كل شيء . وفعلا يتم هذا. وينتهي العرض بدخول المسلمين ورماحهم مشرعة في وجه البربر على الأرض؟
عرض يعلي من قيمة الشعوبية وحث كل شعب أن يحتفظ لنفسه بثرواته وعاداته دون إكراه من أحد؛ ونحن مع هذا؛ كما أن المشهد الأخير ليس له أي شيء ولكن عليه. ومن الواضح أن الحسيني قد تدخل كثيرا في دلالات واتجاهات النص الأصلي. وقول الإبراهيمي مالم يكن معتنقا به ؛ بل معارضه. فالإبراهيمي داعية إسلامي من تلاميذ ابن باديس وكانت له ميوله مع حركات الاسلام السياسي الناشئة لدرجة أنه حاول الوساطة بين عبد الناصر والإخوان فيما بعد 54.
كان نصا مقبولا لا جيدا كعادة الحسيني. ولا أعرف كيف خرج منه هذا المقبول على مضض؟ هل كان الأمر باختياه المحض مع النجار؟ أم كان هناك شيئا آخر كما يقولون لي؟ حتى لو كان هناك الآخر؛ فكا عليه أن يقوم بالأمر بشكل احترافي يستحوذ على الجودة على الأقل.
ولكن يعتقد الكثيرون أن عملية الإعداد أو القيام بعمل الدراماتورج هو شيء اسهل من التأليف المحض. وهذا محض هراء . لأن الإعداد وعمل الدراماتورج يستوجب قدرا كبيرا من خبرة . وقدرة على ترويض النفس بعد التأليف فيما هو واضح وله مبرراته ودوافعه في النص الأصلي . وليس عليه أن يضيف مواقفا وشخصيات قد تعجبه ولكنها تضر بالسياق الأساسي . وعليه فأعتقد أنه لو كان هناك نصا من تألليف الحسيني بدون أي مرجعية أخرى لكان الأمر اكثر جودة واتساقا مع مايعايشه ويألفه هو، ومن ثم يثدر على التعبير عنه سواء حلما أو واقعا.
ولكن كيف تم تفعيل هذا على خشبة المسرح؟ اعتمدت/ مي وهدي مهندسة الديكور على الضبان لتكون منهامناطق أو خحرات تمثيل. كما فعلت في العمل السابق مع نفس المخرج، ليصبح لدينا سبعة مناطق للتمثيل حيث حددت المستوى الأعلى القائم على القصضبت بثلاث مناطق في اليمبن والوسط واليسار. في اليمين كانت مناطق القتل. وفي الوسط كانت مناطق الخليفة والكاهن وقواد الجيوش، أي السلطة سواء كانت دينية او عسكرية أو سياسية. وفي اليسار كانت منطقة قصر الملك، ولايذكر منها سوى أنها منطقة موت الملك. وعلى الجانبين على نفس المستوى العلوي كانت هناك منطقتين تستخدمان في الأغلب للكاهنات. ولكن التعامل معهما كان بعيدا عن الرؤية خاصة لو تم استعمالهما في وقت واحد. ولو لم يكونا هناك لكان أفضل ؛ وماكان النجار سيجد نفسخ مجبرا على استخدامهما دون اي دلالة أو ضرورة. ثم منطقة أسفل المنتصف حيث تعتبر امتدادا لقصر الملك. ثك وسط خشبة المسرح حيث تدور معظم الأحداث. صحيح أ هذا الأمر قد ساعد قليلا في التعامل مع عمليات التداخل بين الأزمنة المختلفة أو حتى التداخل في الزمن الواحد ولكن بأماكن مختلفة. لكن كل هذا التداخل كان يمكن حله عن طريق الإضاءى وتقسيم الخشبة نفسها مناطق. أما الرسومات التي كانت على القماش الأسود المغلف الغالب فكانت في الأساس تصوير لوجه أنثوى ساعات يدخل في صراع نفسه وساعات وحيدا وهي نقوش في رأيي لمجرد الزينة لوم تعبر عن طبيعة ثقافة البربر بشكل كاف في تلك المرحلة كما الملابس تماما. أما النقوش التي في الوسط الأعلى والتي كان المقصود منها هو تبيان كل الرموز الدينية المسيحية واليهودية والإسلام.. الح . فلم توضع بالشكل الذي يسمح بتوصيل الرسالة خاصة أنها منطقة القادة. ولم يبن منها جيدا سوى نجمة داود، مع أن هذه المنطقة تمثل السلطة بأنواعها كما قلت.
أما كريم خليل الذي قام بعمل الكريو جراف والمعارك كما يقول مطبوع العرض. فعمل الدراما الحركية ربما يكون مقبولا في هذا العمل ، أما المعارك فلم تكن موفقة على الإطلاق؛ فلا يمكن أن يكون مارأيناه مبارزات بالسيوف وإنما عملية تحطيب استعراضية. وربما كان الأجدر أن يكون تصوير المعارك بأقل من صانيتين يتضح فيهما المنتصر من المهزوم. فلا الممثلون قادرين على المبارزة، ولا كريم يعرف أصولها. أما رفيق يوسف وضاع الموسيقى والألحان التي كان من المفترض انها تعبر عن الحقبة الزمنيةة فاستعان بأصوات الات غريبة عن المنطقة وربما كانت منابع الصوت في المسرح عائقا أمام التعامل الكافي مع موسيقاه وألحانه.
اما تفعيل النص من حيث الخركة المسرحية. فيبدو أن التوتر كان غالبان على النجار أثناء تنفيذه للعرض. فالجميع كان في حركة لاهثة خاصة في المنطفة المفتوحة، في مناطق يستوجب فيها الثبات والمواجهة كانت الشخصية تلقي الكلمة ولا تنتظر رد الفعل لتتحرك. ماساعد على تقليل حدة الأمر أن بعض المواقف كانت في الجزء العلوي حيث لا مجال لخطوات كثيرة. ولكن هذه المناطق أيضا لم تسلم من الحركات الزائدة. خفاظا على الشكل الجمالي لا الوظيفة والدافع والأثر.
وإذا كان من هناك تحية كبيرة واجبة فهي للأعضاء الكبار المحضرمين في فرقة دمياط القومية.. الذين يفون بجانب أبنائهم ويستمعو لتعليماتهم ويقبلون أدوار قد تبدو للبعض صغيرة. ولكنها كبيرة في قيمته وتتوافق مع الطبيعية . وهم المخرج والممثل الجيد/ رأفت سرحان / الملك تابنة. ومحمد الشريف الذي يعتبر واحد من مؤسسي الفرقة، الخليفة. ومحمد شعلان، الحاكم الروماني. ونادر مصطفى/ كبير الكهنة. ولكن الجميع تقريبا دون استثناء وقع في أخطاء كبيرة في نطق الفصحى من حيث الصرف والكلمات. وصحيح أن المسئولية الأولى تفع على الحسيني في استخدامه كلمات عامية بواقع يتنافى مع معناها الفصيخ مثل وصف الملك لنفسه بأنه عجوز؟ وأيضا عل المخرج الذي لم يستعن بمراجع للفعة ويمنحه السلطة الكافية. فالمسئولية أيضا تفع على عاتق الممقلين أنفسهم. الذين ربما التمس لهم العذر في أنهم لم يجدوا من يعلمهم بأنه بدون النطف السليم ليست هناك أي جودة. وبأن كل مجهود يبذل مع هذا الخطأ هو جهد في غير محله. وتثبت فرقة دمياط بأنها في مجال التمثيل على الأقل تضخ كل يوم مواهبا جديدة متمثلة في أمل موسى/ دييا وإسراء عاطف، الوصيفة
وإذا كان البعض سيرى في كلماتي بعض الشدة . فأولا أقول انني شاهدت العرض للنهاية أي أنه لم كن دافعا لعدم القبول به. وثانيا هو في المستوى الجيد لو تغاضينا عن عامل نطق الفصحى .. وثالثا وهو الأهم لأنني أعرف فرقة دمياط بشكل أكثر من جيد كما أعرف المؤلف الدمياطي أيضا .وأدرك تماما بأنه كان بالقليل من الجهد من الجميع أن يكون العرض أكثر إشراقا وإمتاعا
 


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏