بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (4) التمسك بالماضي من أجل الانطلاق

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (4) التمسك بالماضي من أجل الانطلاق

العدد 721 صدر بتاريخ 21يونيو2021

بعد عام 1919، لم أجد نشاطاً ملحوظاً لجمعية أنصار التمثيل طوال خمسة أعوام – وفقاً لما بين يدي من معلومات ووثائق وإعلانات - ولعل هذا ما جعل مجلة «الفنون» في سبتمبر 1924 تتذكر ماضي الجمعية الجميل، ورئيسها الأول «محمد عبد الرحيم»، فنشرت صورة له، وكتبت كلمة مطولة في ذكراه التاسعة - ذكرت فيها معلومات جديدة عنه – قائلة:
«في مثل هذه الأيام منذ سنوات تسع مات الأستاذ محمد عبد الرحيم، وكان متوسط القامة نحيف الجسم تلمح في غور عينيه اللامعتين حرارة العاطفة. ويطالعك من جبينه المميز بنتوء قليل فوق الحاجبين ذكاء حاد. ومن شحوب وجهه حدة في المزاج خضعت لطيبة قلبه، ولم تكن تظهر إلا إذا تكلم عن «التمثيل»، الفن الذي أحبه وساعدته طبيعته على النبوغ فيه. أرسلته وزارة المعارف إلى إنجلترا لدراسة التاريخ هناك في مسارح «دروري لين» و«كفنت جاردن» و«هز ماجستي». كشف له السير «هربرت بير بوم تري»، والسير «جورج ألكسندر» و«مس ألن تري» وغيرهم من كبار ممثلي إنجلترا عن فن غير الذي كان يراه في مصر، فأدرك أثر هذا الفن في تكوين أخلاق الأمة والسمو بها، وعرف أن التمثيل لن يكون له من الحظ في مصر مثل ما له في غيرها من الأمم الراقية؛ إلا بواقع المستوى الأدبي للممثلين، باشتراك المتعلمين فيه. وإلى أن يرقى بالمسرح المصري إلى الدرجة التي شاهدها، وإلى أن يرفع المستوى الأدبي للممثلين جاهد الأستاذ بعد رجوعه. وكانت الوزارة قد عينته مدرساً للترجمة والتاريخ بالمدرسة السعيدية. وفي وقت لم يكن في مصر إلا القليل الذي يزدري التمثيل، ولا يحترم مهنة الممثل. أستطاع أن يجمع حوله فئة من الشباب الناهض المتعلم وكوّن «جمعية أنصار التمثيل» التي رأسها وعمل على تقوية مركزها، واستطاع أن يقنع صاحب المعالي أحمد حشمت باشا وزير المعارف آنذاك إلى قبول رئاسة شرف الجمعية. بدأت هذه الجمعية جهادها فأقامت حفلات كان يلقي فيها أعضاؤها فرادى أو اثنين قطعاً تمثيلية كان يقوم هو على تعليمهم إلقاءها. ولما أنس من الجمهور المصري المتعلم تشجيعاً لعمله واستحساناً له وأيقن أن أعضاء الجمعية بعد ما بذله من مجهود في إرشادهم والإشراف على مرانهم يستطيعون أن يظهروا على المسرح ممثلين، وضع رواية «الممثل» أو «دافيد جرك» ومثلها بعد أن استعد لها استعداداً كبيراً في يوم الجمعة أول يناير سنة 1915، وقام هو بدور البطل وكان النجاح الذي صادفته الرواية والإعجاب الذي قوبل به تمثيله وتفتح أذهان الفئة المتعلمة من الشباب لروعة التمثيل وجلاله وإقبالهم جماعات على الانضمام في سلك الجمعية، أو تأليف نواد جديدة للتمثيل. كل هذا دفعه إلى التفكير بجد في أن يخطوا الخطوة الثانية الجريئة التي اعتزمها من أول ساعة فكّر فيها بالعمل لرفعة شأن التمثيل والنهوض به، وهي أن يحترف هو صناعة الممثل. ولولا أن عاجله الموت لتبدل اسم «جمعية أنصار التمثيل» وأصبحت تضم أعضاءها المتعلمين الغواة فرقة محترفة يرأسها رجل له من الشغف بالفن الذي تعشقه ما يدفعه إلى أن يستبدل بلقب الأستاذ المدرس لقب الأستاذ الممثل».
الرقابة تمنع العرض
بالرغم من مرور عشر سنوات على موت رئيس الجمعية الأول «محمد عبد الرحيم»، إلا أن مسرحيته الوحيدة «الممثل»، ظلت أساساً لهواة التمثيل! ففي أغسطس 1925، قرر أحد الهواة في الإسكندرية تمثيلها على مسرح «الهمبرا» من أجل الإسهام بريعها لصالح بعض المنكوبين، إلا أن مدير الأمن العام بوزارة الداخلية - والمسئول عن رقابة المسرحيات – رفض التصريح بتمثيلها! والوثائق التي بين أيدينا تقول: إن محافظ الإسكندرية أرسل خطاباً بتاريخ 29/7/1925 إلى مدير عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، قال فيه: «إن المدعو منسى حسني قدم طلباً للتصريح بتمثيل مسرحية «الممثل دافيد جرك» على مسرح الهمبرا، وهي من المسرحيات المُرخص بها من قبل؛ ولكن جناب قنصل جنرال دولة فرنسا حضر للمحافظة وأخبرنا أن المسرحية ستمثل لإعانة جرحى ومنكوبي الريفيين بالمغرب الأقصى، وستلقى في الحفلة الخطب، لذلك احتج على تمثيل المسرحية، وطالب بعدم السماح بتمثيلها، لذلك نحيطكم علماً وإصدار الأمر المناسب!! والمحافظة بناء على ذلك ترى رفض السماح بتمثيل الرواية المذكورة».
إذن سبب منع تمثيل المسرحية لا يتعلق بنص المسرحية، بل بريعها الذي سيُرسل إلى «جرحى ومنكوبي الريفيين بالمغرب الأقصى»، وبسبب الخُطب التي ستُلقى في الحفلة! ولعل أغلبنا لا يعلم شيئاً عن هؤلاء المنكوبين في المغرب، وما علاقتهم بنا في مصر .. إلخ هذه الألغاز! والحقيقة أن هؤلاء المنكوبين من شعب «جمهورية الريف»! وهي جمهورية تشكلت داخل دولة المغرب بقيادة رئيسها الزعيم المناضل «عبد الكريم الخطابي»، الذي قاوم الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب وقتذلك. وكانت جميع الدول الحرة الرافضة للاستعمار ترسل المعونات لشعب جمهورية الريف أو إلى الريفيين في المغرب العربي، وهذا يفسر لنا وطنية «منسى حسني»، ويفسر في الوقت نفسه تصرف قنصل فرنسا في الإسكندرية، الذي منَع بتدخله عرض المسرحية، وبالتالي منَع جمع المال الذي كان سيُرسل إلى الريفيين، ومنَع كذلك الخطب الحماسية التي كانت ستُلقى يوم عرض المسرحية.
طبعاً لم يعلم «منسى حسني» أن القنصل الفرنسي كان السبب في منع مسرحيته - ولا يعلم هذا السر أحد! وربما من يقرأ هذا الكلام الآن هو أول من يعرف السر بعد إخفائه طوال 96 سنة!! - لذلك أرسل «منسى حسني» تلغرافاً إلى وزير الداخلية، قال فيه: « تصرّح لي من المحافظة بتمثيل رواية الممثل دافيد جرك. واليوم تنبه عليّ بإيقاف الحفلة فألتمس السماح بمقابلة معاليكم بعرض مظلمتي».
وللأسف لم يستجب إليه أحد، وكتب «محمد مسعود» وكيل الداخلية خطاباً إلى محافظ الإسكندرية في 2/8/1925، قال فيه: « إيماءً إلى مكاتبة المحافظة بشأن «الممثل دافيد جرك» التي طلبت قنصلية فرنسا عدم السماح بتمثيلها نرجو من سعادتكم إرسال هذه الرواية إلى الوزارة فوراً للاطلاع عليها وتقرير ما يلزم بشأنها «. فرد المحافظ بخطاب قال فيه: « نرسل لسعادتكم طي هذا رواية «الممثل دافيد جرك» مع العلم بأنه بناء على تعليمات الوزارة قد اتخذت المحافظة اللازم لإبطال تمثيل الرواية المحكي عنها للغرض المنوه عنه بكتاب المحافظة «.
أما آخر وثيقة في هذا الموضوع، فكانت بتاريخ 8/8/1925 وهي تقرير الرقيب المسرحي الذي سيقرأ النص ويكتب عنه تقريره بالموافقة أو المنع، مع بيان سبب المنع أو الموافقة .. إلخ! وهذه الوثيقة، كان يجب أن تكون الأولى وليست الأخيرة؛ لأن بناء عليها يأتي القرار بالتصريح أو بالمنع!! الطريف إنها كانت الوثيقة الأخيرة؛ لأنها غير ذات قيمة أمام قوة الجنرال قنصل فرنسا!! أما المفاجأة فكانت صيغة التقرير، التي كتبها الرقيب «ناصف مفتاح»، قائلاً: «ليس في هذه الرواية إشارة ما إلى أمر سياسي، بل تدور حول رجل ضحى بماله وبسمعته عمداً ليخلص فتاة يحبها. والرواية تفيض بعبارات الحث على الوفاء والعمل والابتعاد عن الخمر إلخ، ولا أرى مانعاً مطلقاً من التصريح بتمثيلها» !!!
النادي الأهلى الرياضي
بعد واقعة رفض تمثيل مسرحية «الممثل» بثلاث سنوات عادت جماعة أنصار التمثيل إلى الظهور في مايو 1928، عندما أحيت حفلة خيرية بالأوبرا الملكية بعرضها مسرحيتي «انتحار توت عنخ آمون» و«الحلاق الفيلسوف» لصالح إحدى الجمعيات الخيرية. وفي هذا الاحتفال قدّم «محمد عبد القدوس» مقطوعات فنية، وألقى «حافظ إبراهيم» إحدى قصائده، وأطرب الحضور «محمد عبد الوهاب» ببعض أدواره ومقطوعاته الغنائية، كما أخبرتنا جريدة «كوكب الشرق». وهذه البداية لفتت الأنظار، وبدأت الصحف تتساءل، ومنها مجلة «المستقبل»، التي قالت: «أعلنت جمعية أنصار التمثيل أنها تقيم بعض حفلات في دار الأوبرا الملكية وفي كازينو سان أستفانو بالإسكندرية .. خطوة حسنة نصفق لها طويلاً. ولكن لنا سؤال نود أن نوجهه إلى أعضاء هذه الجمعية المحترمين: أنشئت في العصور الخوالي جمعية بهذا الاسم، وكان إسماعيل وهبي بك رئيسها والمرحوم محمد تيمور أحد أركانها. وماتت هذه الجمعية بمضي الزمن حتى سمعنا اسمها يبعث اليوم .. ترى من هم أعضاؤها؟ أليس لنا الحق أن نتساءل؟».
هذا السؤال أجابت عليه الجمعية بصورة عملية، عندما تعاون أعضاؤها وقرروا إعادة أمجاد الجمعية! ومن الطريف أنهم نجحوا في ذلك بفضل «النادي الأهلي الرياضي»! ففي مارس 1929 أعلنت بعض الصحف عن قُرب قيام النادي الأهلي إقامة حفلته السنوية بدار الأوبرا، وستمثل فيها جمعية أنصار التمثيل مسرحية كتبها «سليمان نجيب»، مع عزف على الكمنجة من «سامي الشوا»، ومنولوجات وأزجال لمحمد عبد القدوس، وقطع موسيقية لأحمد لطفي، وقطع بيانو من إبراهيم الليثي، هكذا أخبرتنا بعض الصحف مثل «البلاغ» و«الأهرام».
وهذه الحفلة تمت بنجاح كبير، نقلته لنا مجلة «التاريخ» في إبريل 1929، قائلة تحت عنوان «أنصار التمثيل»: «أقامت جمعية أنصار التمثيل المؤلفة من نخبة كبيرة من هواة التمثيل حفله على حساب «النادي الأهلي» بمسرح الأوبرا الملكية في الأسبوع الماضي حيث مثلت الفرقة رواية «24 ساعة» للأستاذ سليمان نجيب. وقد أعجبنا بتمثيل أفراد هذه الجمعية الذي دلّ على نبوغهم وقدرتهم في هذا الفن الجميل، نذكر منهم الأستاذ سليمان فقد كان رشيقاً إلى حد كبير وكذلك الأستاذ عبد الوارث عسر، ومحمد توفيق، فقد أبدعا كل الإبداع. أما السيدة ماري منصور فقد كانت هي المنصورة في هذه الحفلة، وهي بلا شك تعد من أقدر الممثلات في مصر وكذلك السيدة لطيفة نظمي الممثلة عند «الكسار»، فقد كانت في دورها متقنة، ومثلته دون تكلف ولا مغالاة. ولا عجب في ذلك، فهي تتقن تمثيل مثل هذه الأدوار في الحقيقة لا في الخيال اتقاناً تُحسد عليها من جميع زميلاتها. والصغيرة «صوفي» إحدى أفراد عائلة «إسكندر كفوري» الفنية، كانت مبدعة متقنة، ولا شك أن سيكون لهذه الفتاة مستقبلاً باهراً كبيراً».
هكذا كانت العودة القوية للجمعية من خلال حفلة النادي الأهلي عام 1929. وبالرغم من قيام الجمعية بإحياء حفلات مسرحية قليلة، إلا أن حفلة النادي الأهلي السنوية، كانت هي الواجهة الفنية البراقة لجمعية أنصار التمثيل في ثوبها الجديد! وأكبر دليل على ذلك إعلان جريدة «الأهرام» عن حفلة النادي الأهلي لعام 1930، عندما قالت:
«في دار الأوبرا سيحيي النادي الأهلي للرياضة البدنية ليلته السنوية تحت رعاية حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك في مساء غد، حيث تمثل جماعة أنصار التمثيل رواية «طاهر بك» تأليف الأستاذ الأديب سليمان بك نجيب، ويلقي الأستاذ محمد عبد القدوس منولوجاته الشيقة، ثم يشنف الأسماع الموسيقي الكبير سامي أفندي الشوا والأستاذ أحمد أفندي لطفي، ثم يلقي الأستاذ عبد الله بك فكري أباظة عضو النادي ورئيس نادي التجارة قصيدة لأمير الشعراء شوقي بك وضعت خصيصاً لهذه الليلة «.
أما حفلة عام 1931، فقد كتبت عنها مجلة «المصور» كلمة في مارس تحت عنوان «حفلة النادي الأهلي بدار الأوبرا الملكية»، قالت فيها: «سنّ الأهلي لنفسه سُنّة ما زال يعمل بها إلى اليوم، وهي إقامة حفلة بدار الأوبرا في كل عام، يخصص دخلها لخدمة أغراض النادي. وقد كان موعد الحفلة الأخيرة في يوم الخميس الماضي حيث اكتظت الدار بالرياضيين من أعضاء النادي وغيرهم. وما أن اكتملت الساعة التاسعة حتى أشرف على الحضور مندوب صاحب الجلالة مليك البلاد، وكان الخيار قد وقع على رواية «667 زيتون» التي وضعها الكاتب الأديب سليمان بك نجيب سكرتير معالي وزير الحقانية لتكون أساساً لتلك الحفلة، وطلب إلى جماعة أنصار التمثيل أن يضطلعوا بمهمة عرضها على الجمهور».
أما حفلة عام 1932، فقد أعلنت عنها مجلة «الكواكب»، قائلة: «اعتاد النادي الأهلي للرياضة البدنية أن يقيم حفلة تمثيلية سنوية بدار الأوبرا الملكية، وقد تحدد يوم الخميس 14 إبريل الآتي موعداً لحفلة هذا العام، وستحييها فرقة أنصار التمثيل المؤلفة من فريق من الشباب المتعلم، وبينهم رهط من هواة الموظفين أمثال الأساتذة سليمان نجيب، ومحمد عبد القدوس، وتوفيق المردنلي، ومحمد توفيق، وحنا وهبة، وعبد القادر المسيري وغيرهم. وقد تقرر أن تمثل في هذه الحفلة رواية «الدكتور» وهي إحدى مؤلفات الأديب الخفيف الروح الأستاذ سليمان نجيب، وستشترك في التمثيل النجمة السينمائية المعروفة السيدة «عزيزة أمير» والممثلة الفاتنة الآنسة نادية، وبالجملة فإن حفلة هذا العام ستكون من غير شك زهرة الحفلات».
ومن الواضح أن عام 1932 كان أنجح أعوام الجمعية من الناحية الفنية والإدارية! فقد عرضت الجمعية مسرحية «667 زيتون» على مسرح الأوبرا مرة أخرى بعد أيام قليلة من حفلة النادي الأهلي، وكانت الحفلة الأخرى لصالح «جمعية المواساة الإسلامية»، وقد نشر «سامي محفوظ» في مجلة «الصباح» مقالة عنها في إبريل تحت عنوان «حفلة المواساة الإسلامية بالقاهرة على مسرح الأوبرا»، قال فيها:
«أقامت جمعية المواساة الإسلامية بالقاهرة حفلتها السنوية بالأوبرا الملكية مساء الخميس الماضي، ومثّلت فيها هذا العام جماعة أنصار التمثيل الرواية المصرية المشهورة «667 زيتون» من تأليف الأستاذ سليمان نجيب. كما اشتركت في إحياء الحفلة المطربة المشهورة السيدة «نادرة» التي شنفت آذاننا بصوتها الرخيم والأوركستر البديع فلا عجب إذن إذا نجحت الحفلة ذلك النجاح الباهر الذي أحرزته. وقامت السيدة «عزيزة أمير» بدور «عليّة» فأدته على أحسن وجه، وأبدعت ما شاء لها الإبداع والنبوغ، فكانت أبدع مثال للفنانات، كما أنها كانت مثال الحب الصادق والتضحية لإسعاد الحبيب؛ إلا أني آخذ عليها عدم حفظها التام لدورها. وأما الأستاذ سليمان نجيب فقد أبدع في دور توفيق باشا أيما إبداع، فكان مثال الرجل الرجعي الشهواني كما أنه كان نموذج الأب الرحيم والرجل العاقل. وقد قام بدور لطيف بك الأستاذ محمد عبد القدوس، ويكفي أن يكون عبد القدوس ممثله لندرك أي نجاح يصيبه ذلك الدور. وأما الأستاذ توفيق المردنلي، فقد قام بدور محمد حسن الطنبشاوي فكان من أظرف شخصيات الرواية، فقد كانت أي حركة من حركاته البديعة تثير عاصفة من الضحك بعدها، ولقد كان نموذجاً حيّاً في دوره لطائفة المحضرين والمرابين. وأما الأستاذ محمد توفيق ممثل دور الخادم، فقد نجح فيه تماماً إلا أنني آخذ عليه سهوه أثناء محادثته مع الباشا تليفونياً بتوجيهه الحديث للسنترال بينما آلة التليفون الموجودة أمامه من نوع الأتوماتيكي، ولا علاقة لها بالسنترال. وبهذه المناسبة آخذ على مدير المسرح استخدامه تليفوناً أتوماتيكياً لسنترال الزيتون. وقام بدور عبد الخالق بك الأستاذ عبد القادر المسيري فنجح في أدائه ولو أن الأستاذ عبد الحميد عزو نجح في دوره زكي بك إلا أني آخذ عليه تمثيله له بشيء من التكلف. أما ممثل دور الخادم فيظهر أن هذه أول مرة يعتلي فيها خشبة المسرح فارتبك ذلك الارتباك الذي بدا منه. ولا يسعني إلا أن أهنئ حضراتهم من صميم قلبي باندماجهم التام في أدوارهم وتأديتهم لها بهذا الإبداع الهائل. ولي ملاحظة على الملقن فقد كانت كلماته واضحة مرتفعة جداً أكثر من اللزوم، مما كان يجب أن يقلل بهجة الحفلة بل ويضيع من رونق الرواية لولا إبداع ممثليها. ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أذكر قصيدة الأستاذ محمد الهراوي والقطع الغنائية التي ألقاها أحد طلبة المدرسة الخديوية فقد تركا في نفوس السامعين أطيب الآثار».


سيد علي إسماعيل