«الصندوق».. ورحلة البحث عن الذات داخله

«الصندوق».. ورحلة البحث عن الذات داخله

العدد 720 صدر بتاريخ 14يونيو2021

حين نقول عن شخص ما أنه يفكر خارج الصندوق فأننا نعني بذلك أنه يمتلك فكرًا مختلفًا يجعله يختار حلولاً غير تقليدية تمكنه من التغلب على كل المعوقات التي تحول دون تنفيذ رغباته وتحقيق أحلامه، أما الشخص الذي يترك نفسه للظروف والمعوقات كي تسوقه بعيدًا عن أهدافه وتحول دون تحقيق أحلامه ويجد طوال الوقت المبررات التي تجعله عاجزًا عن أي فعل إيجابي فهو بذلك يدخل الصندوق بكامل إرادته، هذه هي الفكرة الأساسية التي يعتمد عليها العرض المسرحي «الصندوق» تأليف وأشعار محمد زناتي، إخراج رضا حسنين، بطولة: ياسر الطوبجي، ناصر شاهين، أحمد عبد الحي، طه خليفة، محمود فتحي، أميرة عبد الرحمن و محمد عبد الخالق. إنتاج فرقة مسرح الطليعة.
 حيث يجد ستة أشخاص -يعبرون عن مراحل زمنية مختلفة- أنفسهم في مكان ما لا يوجد به أية مخارج سواء أبواب أو شبابيك، وكل شخص منهم يعيش معاناة مختلفة عن معاناة الآخرين، فحلم السائق الذي يجسد شخصيته ناصر شاهين أن يستطيع إتمام جهاز ابنته المقبلة على الزواج وهو عبارة عن «سرير بعمدان ووابور نحاس» وسداد الأقساط المتبقية عليه، شخص آخر اعتاد الكذب لدرجة أنه يدعي أنه يعمل بجهاز المخابرات ويجسد شخصيته محمود فتحي، وذلك لأنه عاش عمره كله ساقط قيد وبالتالي بلا هوية إلى أن استطاع مؤخرًا استخراج بطاقة رقم قومي وجواز سفر، الشخص الثالث هو موسيقي شاب ويجسد شخصيته طه خليفة، وفتاة تجسد شخصيتها أميرة عبد الرحمن تعبر عن حلمها وحلم كل فتاة في تغيير نظرة المجتمع إليها باعتبارها إنسان قادر على العمل والنجاح وليس مجرد جسد، تعمل بلارينا. 
سبايدرمان ويجسد شخصيته محمد عبد الخالق وهو صعيدي هارب من الثأر ويعمل في حديقة للأطفال لذلك فهو يرتدي هذه الملابس، وهو عمل لطيف وسهل يضمن له الأمان بهذا التنكر كما يحقق له عائد مادي كبير. شخص عدمي ويجسد شخصيته ياسر الطوبجي، هو الوحيد الغير مبال بما يحدث حوله أو حتى له، فهو لا يفعل شئ سوى السُكر والسخرية من كل شئ.
 كل شخص ممن في هذا المكان وجد نفسه فيه بينما هو في طريقه لتحقيق حلمه، فالسائق كان ذاهب لسداد آخر قسط عليه، وسبايدرمان كان في طريقه لاستلام أول راتب من عمله الجديد، البلارينا كانت في طريقها للأوبرا لتقديم أول استعراض تشارك فيه، الموسيقي كان في طريقه للأستديو الذي سيسجل فيه أول لحن له، وساقط القيد كان في طريقه للمطار، أما الشخص العدمي فهو الوحيد الذي يعتقد أنه يمتلك الحقيقة وراض تمامًا عن تواجده في هذا المكان وليس لديه رغبة في الخروج على الإطلاق.
وبينما هم لا يعرفون شيئًا عن المكان أو الزمان المتواجدين فيهما يكتشفون أنها ليلة رأس السنة ويحضر «بابا نويل» الذي يجسد شخصيته أحمد عبد الحي ويقوم بتوزيع الهدايا عليهم لكنهم لا يهتمون بها ويطلبون منه مساعدتهم في الخروج، فيقول لهم أن بإمكانه أن يأخذ معه أثنان فقط، فيجد كل واحد مبررات تجعله يفضل البقاء بينما خرج الفنانان «الموسيقي والبلارينا» وقد أصابهما سهم كيوبيد فجمع بينهما الحلم والحب والقدرة على اتخاذ القرارات.
 فكرة العرض واضحة تمامًا على الرغم من أن صناعه استخدموا المنهج العبثي أو اللامعقول في طرحها، فمن تمسك بحلمه وأصر على تحقيقه كان له ما أراد، أما من استسلم لليأس وجد لنفسه المبررات التي تجعله يقبل بالأمر الواقع، وقد كنت أفضل أن ينتهي العرض بهذه النهاية، أما أن يتم إزالة جدار لتظهر من خلفه سيدة تكلم دمية وتضعها في صنوق، كأنهم أرادوا أن يحلوا اللغز بقولهم كلكم دمى في يد سلطة ما ولا تملكون حرية الحركة، وهو ما يخالف ما سبق تقديمه خلال أحداث العرض التي أكدت أننا نمتلك حريتنا وتحقيق أحلامنا حين يكون لدينا هدف وإرادة لتحقيقه. فصناع العمل أرادوا بهذا المشهد توضيح الفكرة لكنهم للأسف قاموا بنفيها من وجهة نظري. 
 الديكور الذي صممه الفنان فادي فوكيه تضمن مجموعة أشياء لا توجد روابط بينها: بار، مانيكان، إطارات سيارات ....، وهو ما خدم الفكرة وأوضحها حيث لا مكان بعينه، وإينما وجد الإنسان وجدت المعوقات التي تكون في حقيقتها داخله وليست حوله، والذي قام بتفيذ الملابس أيضًا والتي لم تعبر عن مكان أو زمان أو ثقافة معينة فكل شخص يمثل نفسه ومكانه وزمانه.
 توج العرض آداء الممثلون وتوزيع الأدوار الذي جاء ملائمًا جدًا لكل شخصية، والاستعراضات والغناء أشعار محمد زناتي، موسيقى حسن ذكي.


نور الهدى عبد المنعم