التقليل والتهويل في.. «رسائل العشاق»

التقليل والتهويل في.. «رسائل العشاق»

العدد 645 صدر بتاريخ 6يناير2020

في الحقيقة أنه لم تكن في نيتي الكتابة عن عرض( رسائل العشاق) الذي قدمه المسرح الكوميدي على مسرح ميامي في الفترة الأخيرة . مغ الاعتراف أن تجربتي مغ العرض من حيث المشاهدة والتلقي لم تكن سيئة . بل العكس فهذه المشاهدة دفعتني لإعادة النظر بأمور كثيرة . من أهمها هي كيفية أو محاولة النظر من وجهة نظر الأخر. ربما ساعتها يمر ماكنت تستهجنه أو تكون هناك إعادة تقييم لما كنت ترفضه قبلا.
ولكن مادفعني للكتابة هو ماطالعته من بعض ماكتب عن هذا العرض . وللأسف ترواحت الكتابات مابين التقليل والتهليل. وأعتقد ان هذا يعود للآفة التي انتشرت بشكل ملحوظ في المحاولات النقدية في الفترة الأخيرة , والتي يحكمها عادة مسافات القرب أو البعد من صانعي العمل . لا العمل نفسه . ولم تصبح محاولة البحث عن الحقيقة أو الجمال هي ماتشغل الناقد. ولكن فيما أعتقد أن محاولات البحث عن أشياء أخرى خارج نطاق العمل والنقد ؛ في الأغلب هو الدافع.
صحيح أنه كانت لي بعض المآخذ_ ومازالت_ على العرض من حث الصنع والتقديم. إلا أنه لا يمكنك أن تجادل في أن العرض مر بدون شعور بالرتابة أو البرودة؛ وهذا شيء لو تعلمون عسير في الكثير من العروض الدرامية هذه الأيام.
ولكن ينسى البعض في الأساس انه عليك أن تقبل أو ترفض العمل الفني أو أيا كان طبقا لما يقدمه؛ وليس طبقا لنظرتك المسبقة عما يجب أن يكون عليه.
فالعرض الذي استدعى شخصية جلال الدين الرومي كفيلسوف  ومحب . لم يكن يعنيه في الكثير من القليل الدخول في مراحل التصوف ؛ أو تقديمه . وإنما كان من وجهة نظري هو محاولة استغلال هذا الولع بهذه الشخصية في الآونة الأخيرة خاصة من جانب الشباب نتيجة بعض الكتب التي خرجت تتناول سيرته ومن ثم بعض الأعمال التي حاولت إعادة تقديم ماكتب عن هذه الشخصية. ربنا نسيى الكثيرون أن تجاهلوا ان منطق به الرومي في العرض لم يكن من كلماته هو المأثورة أو المستدعاة . بل كانت من نتاج الكاتب والمخرج ومؤلف الإغاني أيضا فيما أعتقد/ محمد ابراهيم. وربما يعود هذا اللبس أو المثلبة من وجهة النظر؛ لتمكن محمد ابراهيم من هذه الشخصية وفهمها . ومن ثم استدراك لغته أو مايمكن أن ينطق به لو تم استدعائه من الماضي ووضعه وجها لوجه أمام بعض المشكلات الآنية.
صحيح ان العرض لم يكن به موضوعا واحدا محددا . كما أن الصراع الذي هو المكون الرئيسي للدراما لم يكن موجودا في الأغلب . واقتصر الأمر على بعض ( الاسكيتشات) إن جازت التسمية. تتناول بعض القاضيا التي يعاني منها الكثيرون في تشابك العلاقة بين الرجل والمرأة خاصة في الجانب الاقتراتي. واستعراض الكثير من الحالات التي لا تسير بها تلك العلاقة على الشكل المرجو أو السليم نتيجة بعض الطمع والانتهازية ؛ أو عدم تحمل المسئولية . أو عدم التقدير للآخر . ... الخ من المشكلات اليومية التي تقابل الكثير ممن يصرحون بكلمات الحب للآخر . دون فهم لمسئوليات وتبعات الحب الحقيقي . ومايمكن أن يبعثه من سعادة ورضا . لو تم تناوله على الوجه الصحيح. ومحاولة التفريق بين المحب قعلا ,وبين المتقول بالكلمات فقط.
أعترف أنني وقت التلقي انتابني بعض الشيء من هذه المعالجة . ولكن طبقا لطبيعتي في البحث عن الأثر على الآخر . أي على بعض المشاهدين الآخرين من الجمهور العادي . خاصة الذين لاتربطهم أي علاقات بأي مكون مكونات العرض. وجدت الكثير من التأثر؛ الذي وصل بالبعض لمرحلتي البكاء ثم الانفراجة وبسمة الارتياح : كرد فعل طبيعي للمعايشة مع بعض اللوحات التي قدمت.
كما إن اختيار محمد إبراهيم للمؤدين جاء بطريقة ساهمت كثيرا في وصول هذه المشاعر؛ التي وصلت لحالة المعايشة في الكثير من الأحيان _ دعك من اتفاقي أو اعتراضي على حالة التلقي هذه، ولكنني اتحدث عما هو كائن لا المفترض. كما أن الكثير من الأعمال الدرامية العظيمة في كل أنحاء العالم ؛ اعتمدت كثيرا على خلق تلك الحالة من المعايشة للحدث الدائر أمامهم سواء على مسرح أو شاشات_. فمن الواضح ان تلك المجموعة من الشباب الذين استعان بهم يعانون من؛ أو يتعايشون مع تلك الحالات المستعرضة أمامنا ؛ لذا فالصدق والكثير منه كان هو الصفة الغالبة في عملية الأداء ؛ بما استوجب تلك الحالة من التصديق والمعايشة التي أشرنا إليها . كما أن الأداء الرائع المتمكن للنجم/ مفيد عاشور كان له أثره في إثراء هذه الحالة . والتعويض عن الصرع الدرامي المفتقد بالكثير من الأحيان . بالتباين في نبرات الأداء؛ بينه وبين مجموعة الشباب/ المحبين. لذا فإن كان مفيد يمثل شخصية الفيلسوف المحب . فهو قد استوعب مايراد من الشخصية جيدا. وإن كان يمثل شخصية الداعي للحب بكل الجوانب والأشكال . إلا أنه يمرر هذا بسمت المعلم ونبرته . أي أن صوته كان نابعا من عقل سليم متزن؛ يدفئه الشعور بالحب وكيف يكون. وفي هذا معارة بين أداء من أمامه الذين كان يغلب عليهم فوران العاطفة سواء سلبا أو إيجابا . ممزوجا ببعض من عدم الاتزان العقلي نتيجة مايمرون به من عقبات .
ربما أثر على العرض سلبا تلك الحارت الراقصة أو المعبرة التي صممها، مناضل عنتر. وهو من هو في هذا المجال. ولكن للأسف الشيدي عند المشاهدة لم يكن هناك توافقا بين المسموع والمرئي. أي ان الموسيقى والأصوات في واد والحركة في آخر. فهل تم مثلا تصميم الرقصات او التعبير الحركي قبل وجود الموسيقى؟ هذا هو التفسير الوحيد لتلك الحالة الغير منطقية التي أمامنا . ولو كنت من إبراهيم لحذفت تلك الحركات بعد ليلة العرض الأولى . حيث ان وظيفتها الرئيسية كانت في وقف حالة السريان نتيجة هذا التعارض مع المسموع والمرءي والغير المبرر
وأعتقد أن هذا العرض وتلك الحالة بين مفيد عاشور وبقية المؤدين/ الجمهور المستهدف, ربما تعالج بعضا من قصور انتاب المجتمع المصري مابعد يناير؛ خاصة من جانب الشباب . والمتمثل في رفض كل أفكار ورؤى من هم أكبر عمرا. ليقدم مايمكن أو ايجب ان يكون عليه الحال. وهذه نتيجة غير مباشرة. ووتلك النتيجة هي التي ستبقى في مرجعية المتلقي حتى مابعد انتهاء العرض ومشكلته الذاتية .
أي انه ربما من الأوفق ان يكون الحكم على هذا العمل طبقا لتأثيره على الجمهور المستهدف؛ وهو الجمهور الطامخ لتكوين علاقات وبناء بيوت  وشق حياة جديدة. أي جمهور الشباب في الأغلب . فهو يعمل على الإيضاح والتوجيه بدون مباشرة فجة. وعلى الذين تعدوا تلك المرحلة؛ ومروا من تلك المشاكل عدم الاستهانة بالطرح والتجاوب مع طريقة التقديم. وتثمين أن البعض من العارفين اختلط عليهم الأمر. هل هذا جلال الدين؟ أم محمد ابراهيم؟.
نقول هذا مع تأكيدنا ان استعاء شخصية تاريخية يكون بمرجعياتها . ومن ثم تكون تجاربها الماضوية هي الأساس في التعامل . وأن التفاعل مع الحاضر يكون بناء على تلك المرجعية. أما إذا كان لهذه الشخصية معرفة أو تفاعلا بتجارب آنية فيجب أن يكون بناء على أساس تفسير منطقي . بإتاحة الوقت وتصوير الحدث او الإخبار عنه فيما يختص بالمعايشة أو معرفة مايدور آنيا أو في زمن لاحق عما عايشه من قبل.
كما أن أداء على الهلباوي في مستوى الموسيقى والغتاء كان أكثر من جيد وخلق حالة من التفاعل بين الجمهور . كما أن التوظيف له أسهم في خلق حالة من الفصل بين الحالات ومايليها. أو التمهيد للبعض. بما يحول من استمرار فترة التعايش مع حالة قد يؤدب للانصراف عن مشاهدة الأخرى. ولكن اتساقا ربما مع شكل اللوحات الملتصقة التس سار عليها؛ كان توظيفه ولم يدخل في لب أي حالة . بل حتى لم يكن مناقشا في أغلب الأحوال. إنما هو معلقا في البعض. وفاصلا في آخر. وربما كان هذا له مايبرره في بعض الحالات كما أسلفنا . وعلى هذا ربما تم التعامل معه على خشبة المسرح . ولم يكن هناك الاعتناء التام بمكانه فوقها. بل ربا ترك له الأمر ليتصرف هو.
خلاصة الأمر أن التقليل من هذا العرض ليس مبررا. والتهويل له ليس مناسبا. فمع اعترافي بأهمية ماقدمه: ومروره على جمهوره بشكل جيد . وسيخلق أثرا في نفوس من شاهدوه وبعضا من شباب مؤديه . إلا إن اعتماده على مايشبه- الاسكتشات- مع بعض القليل من عدم الاهتمام بالمنطق الفني. وتجريد حالة الفيلسوف المحب من الحب بكل أنواعه واقتصاره على جل وإمراة ربما يكون عند العض سببا لعدم الاحتفاء
وفي النهاية هل كان هناك دافع أو اضطرار ليقوم ابراهيم بالتأليف والإخراج وتصميم الإضاءة.. الخ؟ أم أنه كان مطلبا شخصيا منه؟ لو صح الثاني فأعتقد انه فوت على نفسه الفرصة بمشاركة عقل آخر وجهة نظر ربما كانت ستسهم في الإثراء. ولو كان هناك آخر فالله معه ومعنا.


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏