محمد زناتي: أنا مخرج معتمد في الثقافة الجماهيرية ولكن مع إيقاف التنفيذ

محمد زناتي: أنا مخرج معتمد في الثقافة الجماهيرية ولكن مع إيقاف التنفيذ

العدد 719 صدر بتاريخ 7يونيو2021

يمكن القول إن محمد زناتي رجل مسرح واسع الموهبة، أبت موهبته إلا أن تتوزع على أكثر من فن، فهو شاعر يكتب القصيدة، ويؤلف الأغاني المسرحية، وهو كاتب ومخرج مسرحي، ومترجم كلما دعت الحاجة لذلك. تجاوزت خبراته الحدود، تنقل من ببا ببني سويف حيث الميلاد والنشأة، وبداية غرامه بالمسرح، والمشاركة في عروضه، إلى القاهرة وملتقياتها وشعرائها ومعاهدها ومسرحييها الكبار الذين أتاحوا له الكثير من الفرص ودفعوه دفعا لاستكمال المسيرة وتحقيق بعض الآمال، ثم إلى فرنسا حيث اتسعت خبراته المسرحية، بالمشاهدة والتعرف والاحتكاك والممارسة، وقد أسس بها فرقة مسرحية، كتب وأخرج لها الكثير من العروض، للأطفال والكبار، وحصل معها على كثير من الجوائز، كان آخرها العام الماضي، بل وشارك بفرقته أيضا في إحدى دورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ممثلا لفرنسا.
محمد زناتي عاد منذ سنوات قليلة إلى مصر، وكله أمل في أن يتسع مسرحها لخبراته، وأن تتنفس على مسارحها موهبته، وقد حصل بالفعل على عدة فرص، مؤلفا للأغاني وكاتبا للدراما المسرحية، غير أنه لا يزال ينتظر فرصته في ممارسة الإخراج ولا يعرف الطريق إلى تحقيق ذلك. 
  «الصندوق» عرض مسرحي يقدم حاليا على مسرح الطليعة من إخراج رضا حسنين، وتأليف محمد زناتي.. حول مشواره الفني وحول عرضه الجديد أجرينا هذا الحوار معه .. الكاتب محمد زناتي. 
 

- متى و كيف تعرفت على المسرح وأحببته؟  
مسرح الثقافة الجماهيرية هو معلمي الأول، كان عمي وشهرته حمدي الديزل ممثلا ومخرجا، في فرقة ببا، ببني سويف، وكنت أتردد عليه دائما لمشاهدة  البروفات، ومع الوقت شغفت بالمسرح، وشعرت منذ هذا الوقت المبكر جدا من حياتي أن هذا هو العمل الذي سأعمله في المستقبل، المسرح. ولم يكن واضحا لي عندها هل سأكون ممثلا أم مخرجا أم مؤلفا؟. تعرفت على الشعر بعد ذلك وكتبته، فكان هو القاطرة التي قادتني إلى المسرح، حيث أسند لي الفنان مجدي عبيد كتابة  أغاني  مسرحية “رحلات ابن بسبوسه” لسيد حافظ، وكان هذا هو أول لقاء رسمي لي مع المسرح. شاركت بعد ذلك كشاعر أيضا في عدة عروض مع فرقة ببا، ثم بدأت أكتب مسرحيات قدمت أيضا على مستوى فرق محافظة بني سويف، واستطاع عدد منها أن يقدم خارج المحافظة، فقدم لي نص “ استغماية” في قصر ثقافة أبو فرقاص، وفي  ديروط قدم عرض  “كنسلينا” الذي كان محظوظا إذ تصدى لإخراجه مخرجان وهما خالد أبو بكر وعلاء نصر، كذلك أخرج لي أشرف النوبي في الأقصر أوبريت “الدرس ابتدا”. 
- وماذا كانت محطتك التالية؟ 
هي دراستي في المعهد العالي للنقد الفني بالقاهرة، حيث تعرفت من خلاله على د. هناء عبد الفتاح الذي رشحني للعمل معه في عدة عروض للجامعة الأمريكية، ومنها عرض “اتنين في قفة” الذي عرفني على الكاتب الكبير الفريد فرج، وبالمناسبة فقد حصل حازم شبل على جائزة الدولة التقديرية عن مشاركته في هذا العرض،  كذلك شاركت بكتابة الأشعار في عرضي “ سجن النسا”  و “ليالي الحصاد”. كما شاركت في عمل “أوبرا تلات بنسات” بمكتبة الإسكندرية، وهو الحدث الذي لا أزال أفخر بعملي فيه، مع الشاعر الكبر سيد حجاب والمخرج هناء عبد الفتاح، وإشراف ألفريد فرج . 
- ماذا كان دورك بالضبط في هذا العمل؟   
كان شرط الألمان لإنتاج “أوبرا الثلاث بنسات” في ذكرى بريخت،  هو أن نقدمها كما تقدم في الأوبرا الألمانية، ولم تكن النسخة المتاحة وقتها مطابقة للنص الألماني، فقمت بترجمة النص عن الإنجليزية بمساعدة الكاتب الكبير ألفريد فرج، ثم قارنتها بالنص في الفرنسية، واستعنت بأحد المتخصصين في الألمانية للتأكد من مطابقة الترجمة للنص الأصلي ، بعد ذلك كتبت الدراما وكتب سيد حجاب الأشعار. 
- وماذا بعد هذه المحطة ؟ 
عملت في المركز الثقافي الفرنسي، في القاهرة، ومن خلاله أتيح لي عمل تجارب مسرحية كثيرة، مع جنسيات مختلفة، تجارب من المسرح الفقير، بدون ميزانيات على الإطلاق، اعتمدت خلالها على توظيف الخيال، في كل عناصر العرض، وكانت الأداة الوحيدة التي أعتمد عليها هي جسد الممثل. وكان من ميزة هذه العروض إمكانية تقديمها في أي مكان، لذا فقد أتيح لها أن تقدم في بلدان مختلفة، وقد أعاد تقديمها عدد من المشاركين فيها، في بلدانهم، وكانوا ينتمون إلى جنسيات مختلفة.    
كذلك أتاح لي العمل في السفارة الفرنسية فرصة السفر إلى فرنسا والإقامة فيها عدة   سنوات، شكلت خلالها فرقة مسرحية، قدمت بها كثيرا من العروض للأطفال والكبار، وقد شارك أحد هذه العروض في إحدى دورات المهرجان التجريبي في مصر، ممثلا لفرنسا، كذلك أسست فرقة موسيقية مهمتها المزج  بين الموسيقى الشرقية والغربية، واستعنت فيها ببعض الفنانين المصريين ومنهم الفنانة فاطمة محمد على، والفنان حاتم عزت، فكانا يحضران بشكل متقطع للمشاركة في أعمال الفرقة. ولم تنقطع علاقتي بفرنسا بعد العودة، فلازلت أذهب إلى هناك وأقدم تجارب وأشارك في مهرجانات، وفي العام الماضي حصلت على جائزة من مهرجان Clef de So ويعني بالعربية   “ مفتاح الصول “ أقيم في مدينة سان مالو،  أما اسم العرض فهوnous sommes بمعنى “احنا” .
- مالذي أضافته لك الإقامة في فرنسا وممارسة المسرح بها؟ 
أتاح لي وجودي في فرنسا فرصة التعرف على الآخر، فهي بلد منفتحة على الفنون في كل مكان، ومن خلال مهرجانها الشهير والمهم “أفينيون” استطعت متابعة كل المسارح التي لم يكن من المتاح لي مشاهدتها، ومن خلاله اكتشفت  المسرح الصيني والياباني والإيطالي، والكثير من المسارح، فهو كعبة كل المسرحيين، تعرفت خلاله على أشكال مسرحية مختلفة، منها ما ينتمي للمسرح الكلاسيكي، ومنها ما ينتمي لمسرح الشارع، كما شاهدت تجارب خارج أي تصنيف، حطمت كل الحدود. منحتني الإقامة في فرنسا فرصة التعلم، و كنت أرغب فيه وأسعى إليه، فأنا لا أحب  أن أستقر وأثبت عند فكرة معينه، كنت شغوفا للمعرفة والرغبة في التجديد، لذلك حصلت على العديد من الكورسات والورش التدريبية  في كل عناصر المسرح تقريبا، الكتابة والإخراج، وكذلك التمثيل. بالطبع لم أكن أريد ن أصبح ممثلا ولكني أردت معرفة كيف يعمل جسد الممثل وكيف يمكن تطويعه. وعلى ذكر التمثيل فقد عمل معي ممثل أعتبره من أهم الممثلين الفرنسيين وهو “فرانسيس ماريشال” الذي  شارك في  أكثر من عرض من إخراجي، وكانت بيننا صداقة تتجاوز علاقة  المخرج بالممثل. 
- عرفناك شاعرا وكاتبا أصدر عددا من النصوص المسرحية وعرضت له أخرى .. لماذا لم تمارس الإخراج في مصر وقد مارسته في فرنسا بل وحصلت به على جوائز؟    
لا أعرف ما هي الآلية المتبعة هنا في مصر حتى يتحقق ذلك. أنا مخرج معتمد في الثقافة الجماهيرية منذ زمن طويل، جيلي كله يعرف هذا، وحتى الآن لم يتم إسناد أي مهمة إخراجية لي..  أعرف أن العائد المادي ضعيف جدا، وهذا لا يعنيني كثيرا  ، في قابل أن أقدم شيئا لبلدي ووسط أهلي وناسي، وسأكون سعيدا جدا بالطبع  إذا حصلت على فرصة إخراج في الثقافة الجماهيرية أو مسرح الدولة. ولكنى لا أعرف كيف السبيل إلى تحقيق ذلك.  
- كثير ممن علقوا أو كتبوا عن عرض “الصندوق” نسبوه إلى مدرسة العبث.. فكيف ترى ذلك؟ 
صحيح، ولكن هناك كثيرون أيضا أشاروا إلى أن الشخصيات تشير إلى فترات تاريخية بعينها، وتنتمي إلى مشكلاتها. أنا شخصيا أرى أني أقدم عرضا، يمكن أن يكون منهجه - نظريا - هو العبث، فهناك مجموعة من الدمى في صندوق، كذلك  لا يوجد تواصل حقيقي بين الشخصيات، و لا يوجد تحديد دقيق لزمن بعينه أو مكان. كذلك أرى أن العبث حينما ظهر كان يقدم تفسيرا للتاريخ والظروف الاجتماعية والسياسية، حيث ظهر في ظروف ما بعد الحربين، مع  انهيار البديهيات والثوابت، كما ظهرت مدارس أخرى  تناهض الثوابت القديمة، وتحاول التعبير عن الجنون الذي وصل إليه العالم. لا أستطيع أن أقول إن العرض يشير إلى واقع بعينه، فقد طرحت صورة لكل مشاهد الحق في أن يفسرها كما يريد، والعرض لا يخلو من إشارات دالة، ومفاتيح تفسره.
مثل هذه العروض الجادة، ذات الحمولات التي يمكن أن نعتبرها فلسفية، غالبا، لا يقبل عليها الجمهور.. فما رأيك؟ 
من واقع تجربتي في هذا العرض أرى أن هذا الرأي لا يمكن تعميمه، وربما كان غير صحيح، فقد حقق العرض وفق مشاهدتي الشخصية إقبالا جماهيريا جيدا، خاصة إذا وضعت في الاعتبار ظرف الجائحة التي نمر به، والذي قلص إلى النصف عدد حضور العروض،  والدليل على  أن العرض يلقى إقبالا جيدا هو أن الجمهور حضر لمشاهدته، في يوم توقع الجميع انصراف الجمهور فيه لمشاهدة مباراة السوبر الإفريقي، ومع ذلك حضر الجمهور بأعداد كبيرة، واضطر بعضه للانصراف دون حضور العرض، بعد أن اكتفت القاعة بالأعداد المسموح بها فقط. هذا هو تقديري للأمر، وهو تقدير غير رسمي بطبيعة الحال.  
- في تقديرك ما هي عناصر الجذب في العرض؟ 
عناصر الجذب في العرض هي كل ما شكلته الصورة البصرية التي جسدها المخرج رضا حسنين على خشبة المسرح من ديكور وإضاءة وملابس والمؤثرات الصوتية والموسيقي، كلها أسهمت بشكل متناغم يدعم الرسالة التي يوجهها صناع العمل إلى الجمهور، ولكن من أبرز العناصر التي يجب أن أشيد بها هو أداء الممثلين وقد ظهر كل واحد منهم بصورة جديده لم نشاهده عليها من قبل: ياسر الطوبجي وناصر شاهين وأحمد عبد الحي ومحمود فتحي ومحمد عبد الخالق وطه السادات وأميرة عبد الرحمن وأميرة فريد. و كل الشكر للصديق المبدع حسن زكي الذي أتعاون معه لأول مرة
وكذلك لديكور الفنان فادي فوكيه. فكل العناصر كانت تهدف إلى توصيل رسالة بسيطة يمكن للجمهور العادي أن يستوعبها دون شعور بالتعالي عليه، بالإضافة إلى وجود مستويات أخرى للتلقي قد تثير الجمهور النخبوي.
ترجمت كتابا عن «العلمانية» لماذا ؟ 
نعم، الكتاب صادر عن المركز القومي للترجمة، وقد أقدمت على ذلك لما رأيته من مغالطات وأخطاء شائعة تلتصق بالمفهوم، فأردت تصويب هذه المغالطات، اعتقادا مني بأن هذا واجبي، عليّ أن أقوم به ما دمت قادرا على أدائه، وقد استعنت في ترجمته  بصديق فرنسي متخصص في الفلسفة لما يضمه الكتاب من مصطلحات فلسفية وأراء تحتاج إلى متخصص لتوضيحها.  
- هل لديك مشروعات أو تجارب أخرى في الطريق ؟ 
هناك مشروع عرض في مسرح الشباب، من تأليفي وإخراج الصديق هاني السيد كان قد تقدم به منذ ثلاث سنوات تقريبا، ومر بالإجراءات المعروفة، حيث أجازته لجان القراءة، وتم إدراجه في خطة عروض المسرح وحدد له موعدا، ونشر ذلك في عدد من الصحف، كما أعلن عنه على الصفحة الرسمية لمسرح الشباب، لكنه للأسف لم يقدم حتى الآن. والآن غادر الأستاذ المخرج عادل حسان إدارة المسرح وتسلم الإدارة بدلا منه الأستاذ المخرج سامح بسيوني الذي وعد بعرضه. وأنا متفائل بذلك، وإن كان الأمر لايزال غير واضح.
من أعماله:  
    كتب محمد زناتي أشعار عدد من عروض فرق قصور الثقافة منها «رحلات بن بسبوسة» « نقول إيه، صياد اللولي إخراج مجدي عبيد، ألو يا مصر إخراج سيد خطاب، بأمر مولانا السلطان و كوكب الفيران إخراج سمير الخليلي، جلا جلا، إخراج أحمد السيد، الحضيض  إخراج أشرف النوبي، يوم مقتل الزعيم إخراج حافظ احمد حافظ، كذلك قدم عدد من مخرجي الثقافة الجماهيرية نصوصا له مع فرق الأقاليم، فقدم خالد أبو بكر نص «استغماية» على مسرح قصر ثقافة أبو قرقاص، وقدم « كنسلينا» على مسرح قصر ثقافة ببا. وشارك محمد زناتي بكتابة الأغاني أيضا في عدد من عروض البيت الفني للمسرح ومنها: «حار جاف صيفا» على مسرح السلام، وهبط الملاك في بابل إخراج رضا حسنين على مسرح متروبول، روح إخراج باسم قناوي على مسرح الطليعة، احنا وظروفنا إخراج حسام عطا على مسرح فاطمة رشدي.  
ولمحمد زناتي كتب منشورة منها « الصندوق الأسود» و يضم عددا من المسرحيات القصيرة وهو صادر عن الهيئة العامة للكتاب، و كتاب «ما العلمانية»  ترجمة عن الفرنسية، وصادر عن المركز القومي للترجمة .     
 


محمود الحلواني