العدد 718 صدر بتاريخ 31مايو2021
المخرج والمؤلف المختلف سعيد سليمان خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، وهو أيضًا خريج أكاديمية فنون وتكنولوجيا السينما، و عضو نقابة المهن التمثيلية والسينمائية. قام بالعديد من الورش المسرحية منذ عام 1990 وحتى الآن، وشارك في العديد من المهرجانات المصرية والعربية والدولية، ومن أهم الجوائز التي حصل عليها جائزة أفضل عرض عن عرض «فرجة عربية» وجائزة أفضل عرض و موسيقى وتمثيل عن عرض «عرس الدم»، وشهادة تقدير خاصة ودرع المهرجان من لاهور بباكستان عن عرض «ياسين وبهية» وجائزة أفضل عرض متكامل من مهرجان طقوس الدولي بالأردن عن عرض «البيت» وجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن عرض «الإنسان الطيب»، وجوائز أفضل مخرج وموسيقى وتمثيل في مهرجان شرم الشيخ الدولي. من أهم أعماله المسرحية أوديب ملكًا وأيوب وهاملت وأوبرا ياسين وبهية وحكاية شعبية والقبيلة والعشاق ونعيمة والنافذة والبيت والإنسان الطيب وشامان وترنيمة الفلاح الفصيح والمقام، وفى عيد الفطر المبارك استقبل مسرح الطليعة عرضه الجديد «طقوس العودة» إنتاج مسرح الغد، عن العرض وأشياء أخرى كان لـ»مسرحنا» معه هذا الحوار.
-حدثنا عن كواليس مسرحية «طقوس العودة»؟
البحث في التراث هو منهجي من البداية، سواء شعبي أو صوفي و خاصة التراث الطقسي، ما جذبنى لـ»حسن ونعيمة» الموال الشعبي نفسه، حسن يشكل قيمة، نعيمة استفادت منه، بالتالي يجب أن تبرز هذه القيمة، الاختلاف كان في محاولة عودة حسن بالطريقة المصرية القديمة نسبةً إلى إيزيس، التي كانت تقوم باستحضار أوزوريس، أو ما يُسمّى بطقس العودة في مصر القديمة، وقد قمت بربط التراثين الفرعوني والشعبي على أساس أن نعيمة تستدعى أو تجلب حسن لحياتها، فكانت الفكرة هى الجمع بين أربعة أشياء: أولًا أن «حسن ونعيمة» تراث شعبي فى الأساس، ثانيًا: حسن قيمة تستفاد منها نعيمة مع الدمج بين التراثين المصري القديم والشعبي، ثالثًا: أن تقدم الفكرة بمادة غنائية موسيقية، لكي تساعدني، لأنني باستمرار أعمل على المسرح الموسيقى أكثر، ورابعًا: أن تجمع بين فنانين يقومون بعمل أكثر من شيء في الوقت ذاته، وأن لا يقتصر الممثل على التمثيل فقط، وإنما أن يغنى ويعزف على آلات، فمعظم التجارب التى قمت بها كانت تحتاج الممثل الشامل. العرض بدأ التحضير له منذ ما يقرب من ستة أشهر، ولكن الحصول على فنانين شاملين يجيدون التمثيل والغناء والعزف بشكل جيد مسألة شاقة جدًا خاصة فى مصر، وذلك يجعل أغلب عروضي يسبقها ورشة فنية ينتج عنها ممثل شامل وحالة من التدريبات التى يجب أن تسبق العرض، وقد تستغرق تلك التدريبات شهورًا طويلة للتدريب على الرقص والحركة والغناء والعزف وهكذا، وقبل العرض بشهر تقريبًا أقوم ببروفات العرض، ولكن هذا العرض كان له ظروفًا خاصة بسبب ضيق الوقت، فكان الاختيار مبنى على ممثل قادر على الغناء والتمثيل والعزف معًا مثل الفنانة نجلاء يونس والفنان ماهر محمود.
هذا العرض لم يُسبق بورشة، لأن فنانيه كان لديهم الإمكانيات المكتملة إلى حدٍ ما التي تجعلني أبدأ فى البروفات دون ورشة تأهيلية.
-»طقوس العودة» لماذا اخترت هذا الاسم بالتحديد؟
هناك مشهد في العرض يُعتبر هو master sein العرض، عندما كانت نعيمة تقوم بعمل طقوس بالأطباق والرمل والتراب، وكان ذلك يعبر عن استلهامها لحسن، وهذا طقس فرعونى كانت تقوم به إيزيس لاستدعاء أوزوريس، وقد قمت بتوظيفة بشكل مختلف ، حيث تجعل حسن يعود لها بلغتها وشخصيتها البسيطة، والطقس هو جزء من شخصيتها الفلكلورية التي تربت عليها، أنها تستدعيه بطريقتها الشعبية، من خلال الودع والطقوس الشعبية الغيبية، التي من الممكن أن يتم توظيفها فى المسرح ، دون أن تظهر على أنها خُرافة أو خُزعبلات، وهذا ما مهدت له نعيمة فى بداية العرض بعباراتها البسيطة «وشوشت عنه الودع». ـ»طقوس العودة» هذا الاسم مبنى على هذا المشهد، وقلب العرض من وجهة نظري هو استحضار روح حسن.
-حدثنا عن فريق عمل العرض ومقاييس اختيارك لهم؟
كان لابد من اختيار من يلعب دور»نعيمة» أن تكون فنانة شاملة قادرة على العزف والغناء والتمثيل بشكل جيد، ولأن «نجلاء يونس» عملت معي فى عرض «الإنسان الطيب»، فكانت هي الأقرب الترشيحات ، أما «ماهر محمود» فكان المرشح الوحيد والأخير لـ»حسن» فقد شاهدته وسمعته كثيرًا فهو صاحب صوت قوى جدًا بالإضافة لعزفه المميز على العود، وبالتالى كان مُحققًا المواصفات.أما الألحان فهي للفنان «أحمد الحجار» الذي قال أنه لم يقدم تقريبًا هذا اللون الشعبي من قبل، ولكنه تفوق على نفسه في تقديمه ، واستطاع أن يجعلنا نستشعر الشجن والمعاناة الإنسانية، بشكل معبر وليس طربيًا فقط، قدم كل لحن بشكل مختلف ولكن التيمة واحدة، وقد كان الفنان الكبير أحمد الحجار مكسبًا مهمًا، والحمد الله أنه وافق، لأنه من الصعب أن يقوم ملحن كبير مثله بتدريب الفنانين وأن يقوم بالغناء والعزف على العود أيضًا، هذا مجهد وشاق جدًا ويحتاج شخصًا بحجم قامة فنية كبيرة كالفنان أحمد الحجار.
الديكور والملابس للفنانة الزميلة من مسرح الغد نورهان سمير، لم نعمل من قبل معًا رشحها لي الفنان سامح مجاهد ، و أشكره على ترشيحه لأنها ممتازة وعملية جدًا، ولا تيأس ومهما وقفت أمامها عقبات تقوم بحلها، فكان اختيارا هائلا. كذلك لدى مخرجين منفذين هائلين جدًا هما عليا عبد الخالق وهى تعمل أسكريبت حركة فى الفيديو، وكان لديها أعمال فى الدراما الرمضانية، ولكنها استطاعت أن تجمع بين العرض وعملها، وكان مهم جدًا تواجدها لكي نستفيد من خبرتها، أما وليد الزرقانى فكان يجب أن يوجد كمخرج منفذ فى العرض، كان معي فى عرضين من أهم عروضي هما «الإنسان الطيب» و»شامان»، وهو نشيط جدًا وحيوي ومؤثر.
كذلك كان الشاعر مسعود شومان كاتب أشعار العرض من ترشيح الفنان سامح مجاهد، وهو شاعر حساس جدًا ومن أهم مميزاته أنه مدرك معنى التراث الشعبي، بالإضافة إلى أنه باحث، فهو يبحث ويقرأ جيدًا فى التراث ، فكان يفهمني من أول كلمة، فهو يفهم جيدًا معنى التراث الشعبي بأشعاره بمواويله الحمراء والخضراء، وقد كان مكسبًا للعرض، أما الإضاءة فهي من تصميمي وقد اعتدت أن أصمم إضاءة عروضي.
- ديكور العرض كان له طابع مختلف ومميز، حدثنا عنه؟ ولماذا استخدمت بعض الدمى البسيطة ، وكانت قطعة الديكور الأساسية مرسوم عليها عنصر انتوى مجرد الملامح؟
القطعة الأساسية فى العرض هى «صندوق الدنيا» وكنت صاحب هذه الفكرة، كُنت أرغب فى «صندوق الدنيا» بتفاصيله وفتحاته وشاشة سينما بداخله وسجادة مفروشة فقط لا غير، ولكن عندما تناقشت مع مصممة الديكور نورهان سمير أضافت كل هذه التفاصيل، من رسومات ومعاني، صنعت «حياة وخيال» للصندوق، وما أضافته كان إضافة حقيقية للمعنى، بالإضافة لدقتها فى التفاصيل وأن تكون الرسومات والمعانى أبيض وأسود وليست ملونة، لتدل على تيمة العرض، لأن طبيعة العرض وحكاية «حسن ونعيمة» حكاية بلا بهجة، مجردة من الألوان، بها شجن وتأمل. العرض بأكمله وبخاصةٍ الديكور كان معتمدا على البساطة، الحكاية لا تحتاج لألوان تلفت العين، حتى استخدامنا للألوان كان فى غاية البساطة لتوصيل رسالة العرض المبنية على تلك الفكرة. أما العنصر الأنثوي مجرد الملامح فهو يعبر عن «نعيمة» الممزقة ما بين حياتها وأهلها، امرأة منزوعة الملامح والإنسانية، أما استخدامنا للدمى فكانت تعبر عن حكى «نعيمة» الساخر عن علاقتها مع أهلها، ففي مشاهد استخدام «نعيمة» للدمى كانت تحكى من خلالهم ما عاشته بأسلوب ساخر، والتعبير من خلال الدمى مبنى بالفعل على توظيف التراث الشعبي فهي جزء منه، وكل ذلك لخدمة الفكرة الأساسية.
-هل هناك إقبال على المسرح خاصة و أن العيد مرتبط أكثر بالذهاب إلى دور العرض السينمائية؟
جمهور المسرح لديه وعى به، وهو يذهب للفن الجميل والراقي، ولكن المشكلة أنه «لا يعرف» ليست هناك دعاية حقيقية، بمجرد تحقيق ذلك سيكون هناك إقبالًا كبيرًا على المسرح، ونحن كمسرحيين نقوم بمجهود كبير جدًا لكي نخبر الناس بما نقدمه، نعتمد بشكل أكبر على الجمهور وإعجابه ، بالتالي سيخبر من حوله ، بالإضافة إلى اعتمادنا على أنفسنا ووسائل التواصل الاجتماعي. إن من يذهب إلى المسرح لأول مرة يكتشف أنه ممتع ويذهب مرة أخرى وأخرى، المواطن البسيط يعي ما هو المسرح بمجرد أن يكتشفه. «طقوس العودة» أيضًا به عناصر مهمة تجعل المشاهد يثق في جودته مثل الفنان الكبير أحمد الحجار، فالمشاهد يعرفه ويعرف ألحانه وأغانيه، وأيضًا الجمهور شاهد من قبل نجلاء يونس فى عرض وسمع ماهر محمود فى حفلة وشاهد عروض من إخراجي من قبل وهكذا،
بالإضافة إلى أن العرائس مجرد رؤيتها تبهج الأسرة والطفل، والعرض مبنى على الحكى والمشاركة والتفاعل من قِبَل الجمهور.
-هل هناك صعوبات تواجه العروض الاستعراضية والغنائية؟ وهل وصلنا بها لدرجة التصنيف العالمي؟
الصعوبات التى تواجهني صعوبات فنية فقط، أي القدرة على أن يكون هناك وفرة من الفنانين الشاملين الراغبين فى التدريب والتطوير المستمر.
ولكن ينقصنا الجانب العلمي فى التدريب فى مصر، التدريب علم وفن، علم من الجانب الفيزيقي وفيزيقية الجسد ومكوناته ومرونته والصوت وطبقاته، وهناك جوانب كثيرة جدًا فى أداء الممثل.
إنما على المستوى العالمي فمن وجهة نظري أن لدينا كثير من الفنانين المتميزين ، على مستوى هائل، استطاعوا أن يحصلوا على جوائز عالمية ومن مهرجانات دولية، وأنا منهم و الحمد الله.و ما ينقصنا أن تكون وزارة الثقافة ممثلة فى العلاقات الثقافية الخارجية، أكثر مرونة، وتقوم بالسماح بسفر عروض تمثل مصر بشكل مشرف، و أن ننتقى العروض التي ستسافر وننتقى المهرجانات التي نشارك فيها، من خلال لجنة تختار بشكل محايد جدًا ، والمشكلة أن الفنان بعد أن يسعى لمخاطبة المهرجانات الخارجية، وبعد موافقة هذه الدول، يجد بعض التعقيدات والروتين، فحتى نتواصل أكثر عالميًا يجب أن يكون هناك مرونة حقيقية من العلاقات الثقافية الخارجية.
-ما الجديد لديك؟
بعض الطقوس أقوم ببعض القراءات والأبحاث بعد ذلك تأتى الفكرة، وإلى الآن لم تأتنى الفكرة التى تجعلني متشوقا لتجسيدها فى عرض مسرحي.