دراسة في نقد النقد» رسالة دكتوراة الباحثة رسل خلفة كاظم البكري

 دراسة في نقد النقد» رسالة دكتوراة الباحثة رسل خلفة كاظم البكري

العدد 717 صدر بتاريخ 24مايو2021

تم مناقشة رسالة الدكتوراة بعنوان «سوسيولوجيا النقد المسرحي عند الناقد حسن عطية - دراسة في نقد النقد» مقدمة من الباحثة رسل خلفة كاظم البكري، وتضم لجنة المناقشة الدكتور محمد حسين محمد حبيب، أستاذ إخراج بكلية الفنون الجميلة جامعة بابل (رئيسًا)، والدكتور عبد الكريم عبود مبارك، أستاذ تمثيل وإخراج بكلية الفنون التطبيقية جامعة البصرة (عضوًا)، والدكتور معتمد مجيد حميد، أستاذ أدب ونقد بكلية الفنون الجميلة جامعة بابل (عضوًا)، والدكتور زيد ثامر عبد الكاظم، أستاذ تربية مسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بابل (عضوًا)، والدكتورة سافرة ناجي جاسم، أستاذ مساعد أدب ونقد بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد (عضوًا)، والدكتور عامر صباح المرزوك، أستاذ مساعد أدب ونقد بكلية الفنون الجميلة جامعة بابل (مشرفًا). والتي منحت الباحثة من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الدكتوراة.
وجاءت رسالة الدكتوراة الخاصة بالباحثة كالتالي:
إن المنهج السوسيولوجي في النقد المسرحي بحاجة إلى نضج الملكة الفكرية وسعة التجربة، لإن النص المسرحي يقول شيئاً ويعني شيئاً آخر، ومن ثم فإن عمل الناقد ليس مجرد فرض معنى، ولكنه يقترح معاني، لفهم الخطاب المسرحي وتفسيره وتجسيده إبداعياً من خلال اعتماده منهجية واعية في النقد، للإحاطة بمشاكل الناس وهموهم وانشغالاتهم، إذ أن النقد السوسيولوجي لا يعكس ثقافة الشعوب ويتعمق في جذور الحقائق الإنسانية ويزيح اللثام عنها وحسب، بل يحمل رسالة تأخذ على عاتقها الارتقاء بالإنسان عن كل ما هو سطحي وتخاطب عقله قبل عواطفه، إضافة إلى أن الصراع داخل المجتمع يمكن أن يتحول إلى صراع ضمن البناء اللغوي، لذا يستلزم عدم الإغفال عن العناصر المكونة لبنيته التي تتألف من جزئين هما السوسيولوجي واللغوي.
تعددت المناهج والاتجاهات النقدية نتيجة التطور والتغيير في مسار النقد المعاصر، وكان للنقاد أساليب متعددة في تحليل الأعمال الإبداعية، وأصبح من العسير الوقوف عند منهج نقدي واحد، فكانت هناك محاولات كثيرة تسعى للنهوض بالظاهرة النقدية، لجعلها أكثر حداثةً ونُضجاً، بالاعتماد على مناهج نقدية جديدة، لا تتقيد بالنظام النقدي التقليدي المبني على البديهيات، وإصدار الأحكام المسبقة.
من هذا المنطلق اهتمت الدراسات النقدية المعاصرة بالنصوص والأعمال المسرحية، معتمدةً على ما قدمته المناهج والنظريات من آليات تُمكّن القارئ من التغلغل إلى العمل الإبداعي، الذي أضحى جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الذي نشأ فيه، والقبض على الدلالة التي تكمن وراءه، ليحقق التفاعل بين القارئ والعمل الإبداعي.
إن العلاقة بين الأعمال الإبداعية والمجتمع لا تحتاج إلى إثبات، أو وجود من ينكرها، وكل ما تدعو الحاجة إليه، هو بيان هذه العلاقة وكشف عناصرها وتفسيرها، وعلى أي نحو ترتبط تلك الأعمال بالمجتمع؟ وهل يستقي المجتمع من الفن أم العكس؟ أم أن العلاقة بينهما علاقة تبادل تأثر وتأثير؟ كما أن نقد هذا الواقع ليس كافياً بالنسبة للنقد السوسيولوجي، وإنما على الناقد أن يعي بما ينبغي أن يكون عليه الواقع الذي يطمح له الإنسان، ويرفض التقاليد البالية والتخلف والاستغلال، لما يعبرُ عنه في نقده بطرح الحلول البديلة.
لذلك تسلط الباحثة الضوء على العلاقة القائمة بين المنهج السوسيولوجي والأعمال النقدية المرافقة للظاهرة المسرحية، باعتباره من المناهج التي اعتمدتها الممارسة النقدية من أجل إنتاج معرفة علمية مرتبطة بالأعمال الإبداعية، وأن التحليل من وجهة النظر الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية أصبح أمراً شائعاً، لاسيما بعد أن أخذ الكاتب والفنان ينهل أبداعه من بيئته، فاذا ما حاولنا الغوص في الأعمال الإبداعية لوجد في داخلها حياة منتجها، وشخصيته، ومجتمعه، وبيئته، التي ترعرع فيها سواء بالشكل المقصود أو غير المقصود، مضيفاً إلى المناهج التقليدية ما يغنيها من عمق وبُعد جديد، حيث تعد الأعمال الإبداعية نتاجاً من الحياة الاجتماعية، وثمرة إعادة بناء عناصر الواقع بلغة جديدة، تقوم على المعاينة والملاحظة والشرح والتفسير والتحليل، لتولد إدراكاً ووعياً بالجمال عند المتلقي.
ولعل من التجارب النقدية العربية المعاصرة، هي تجربة الناقد المسرحي الأكاديمي المصري الأستاذ الدكتور حسن عطية (1948_2020م)* التي تُشكلُ إضافة جديدة إلى حقل الدراسات النقدية السوسيولوجية المعاصرة، بإعتبارها تجربة امتدت منذ أواخر ستينيات القرن المنصرم من خلال نقوداته المسرحية التي بدأ ينشرها في الصحف والمجلات المحلية ومن ثم العربية والأجنبية، ونشر فيما بعد عدد من الدراسات الأكاديمية النقدية، ومن ثم إصداره مجموعة من المؤلفات النقدية التي أهتمت بالمسرح والمجتمع، وعالجت مجموعة من القضايا المسرحية التي تخص المسرح العالمي والعربي، وتوزعت دائرة اهتمامه النقدي وفق ثلاثة محاور رئيسة وهي: المسرح والسينما والفنون الشعبية، وعلى وفق ما تقدم من القول، تحدد الباحثة مشكلة بحثها بالاستفهام الآتي:   

ما سوسيولوجيا النقد المسرحي عند الناقد حسن عطية في ضوء نقد النقد؟
تكمنُ أهمية البحث بدراسة سوسيولوجيا النقد المسرحي عند الناقد حسن عطية، كونه ناقد مسرحي ملتزم بقضايا المسرح وهمومه، بل إنه الأستاذ الأكاديمي الذي تخرج على يديه جيل من النقاد هم الآن يشغلون الوسط المسرحي بكتاباتهم النقدية، من خلال تدريسه لمناهج النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون في القاهرة منذ ثمانينيات القرن المنصرم، إضافة إلى ممارسته التطبيقية للنقد المسرحي لأكثر من نصف قرن، وحضروه الفعّال في المسرح العربي، ومشاركته الواسعة في المهرجانات الأجنبية والعربية والمحلية، حتى أُختير ليكون الرئيس الأسبق لجمعية النقاد المسرحيين العرب، لهذا جاءت هذه الدراسة لتوثق تجربته النقدية، ودراسة أعماله النقدية السوسيولوجية التي اهتمت بالخطاب المسرحي في ضوء نقد النقد، لتبين الباحثة خصوصية منجزه النقدي.   

الحاجة إلى البحث:
فالبحث يعدُ جهداً معرفياً يُفيد طلبة كليات الفنون الجميلة ومعاهدها والباحثين والدارسين والمهتمين بمجالات النقد والأدب المسرحي، بوصفه منجزاً يُسهم في تسليط الضوء على الدراسات التي تهتم بالنقد المسرحي عموماً، والنقد المسرحي السوسيولوجي خصوصاً.

هدف البحث:
يهدف البحث الحالي إلى:
تعرف سوسيولوجيا النقد المسرحي عند الناقد حسن عطية في ضوء نقد النقد.

حدود البحث:
يتحدد البحث الحالي بالحدود الآتية:
الحدود الزمانية: دراسات الناقد (حسن عطية) المنشورة في الكتب للمدة (1989_2020م).
الحدود المكانية: مكان طباعة الكتب (جمهورية مصر العربية، الإمارات العربية المتحدة).
حدود الموضوع: دراسة سوسيولوجيا النقد المسرحي عند الناقد حسن عطية في ضوء نقد النقد.

تحديد المصطلحات:
أولاً/ السوسيولوجيا: Sociology
أشتق عالم الاجتماع (أوغست كونت) «كلمة (Sociology) من مصطلحين من اللاتينية واليونانية، ليشير بهما إلى «الدراسة العلمية للمجتمع»، وتعرف السوسيولوجيا بأنها «علم مهمته الاستيعاب ]الفهم[، عن طريق تأويل النشاط الاجتماعي»، وهي «العلم الذي يدرس الظواهر الاجتماعية دراسة علمية، بهدف الكشف عن القوانين أو القواعد أو الاحتمالات التي تخضع لها أشتق عالم الاجتماع (أوغست كونت) «كلمة (Sociology) من مصطلحين من اللاتينية واليونانية، ليشير بهما إلى «الدراسة العلمية للمجتمع»، وتعرف السوسيولوجيا بأنها «علم مهمته الاستيعاب ]الفهم[، عن طريق تأويل النشاط الاجتماعي»، وهي «العلم الذي يدرس الظواهر الاجتماعية دراسة علمية، بهدف الكشف عن القوانين أو القواعد أو الاحتمالات التي تخضع لها هذه الظواهر في ترددها أو اتجاهها أو اختفائها»، وهي «صفة ما هو متعلق بحياة الناس في المجتمع، وفي هذا المعنى يكون اللفظ وصفاً للأمور السياسية والمعيشة معاً».

ثانياً/ النقد السوسيولوجي: Sociological Criticism
عُرف النقد السوسيولوجي بأنه المنهج الذي «يثبت أن حياة الأفراد العاطفية والثقافية لها دلالة موضوعية ذات طابع تاريخي واجتماعي»، وأولى علامات هذا النقد أن يقود إلى عدد من المواقف والتصورات، منها رفضه للأدب الغامض لأنه لا يمد جسوراً مع متلقيه، وأن يبين الصلة بين النص والمجتمع الذي نشأ فيه، ورفضه للمتعة المحضة دون وجود أهداف واضحة، إلى جانب إدانته اهتمام الأدباء بقيم الطبقات المستغلة كالإقطاعيين والبرجوازيين وتعبيرهم عنها، مهما بلغت أعمالهم من نضج وجودة.
ويرى الناقد (بيار بربريس) أن فكرة النقد السوسيولوجي هي «فكرة قديمة أقترن ظهورها بحركة نشأة العلوم الاجتماعية وببروز التفكير في التفاعل بين الواقعين الاجتماعي والثقافي»، ومن وجهة نظره أن النقد السوسيولوجي «مشروع دقيق ومرتبط بتاريخ محدد لكنه – بطبعه مشروع مفتوح وسيبقى مفتوحاً، بخلاف علم الاجتماع الذي يدرس ما قبل النص وما بعد النص وهما مبحثان محكومان دائماً بحصر مجال الاهتمام في فترة تاريخية محددة ... وينبغي أن يدل على قراءة ماهو تاريخي وماهو اجتماعي وماهو أيديولوجي وماهو ثقافي في هذا الشيء ذي الشكل الخارجي والذي هو الأدب».
وعرفه الناقد (صلاح فضل) بانه المنهج الذي تبقى من المنهج التاريخي، «وانصبت فيه كل البحوث والدراسات التي كانت في البداية متصلة بفكرة الوعي التاريخي. إذ سرعان ما تحول هذا الوعي إلى وعي اجتماعي يرتبط بطبيعة المستويات المتعددة للمجتمع، وبفكرة الطبقات وكذلك يرتبط بفكرة تمثيل الأدب للحياة على المستوى الجماعي، وليس على المستوى الفردي، بمعنى أنه كلما اعتبرنا الأعمال الأدبية تعبيراً عن الواقع الخارجي كان ذلك مدخلاً لربطها بتفاعلات المجتمع وابنيته ونظمه وتحولاته بإعتبار هذا المجتمع هو المنتج الفعلي للأعمال الإبداعية والفنية».
ويمكن للنقد السوسيولوجي «أن يدرس المجتمع بعناية من خلال خطط ثلاث: أولاً: المجتمع الواقعي، حيث ظهر الكاتب، وحيث أنتج عمله.
ثانياً: المجتمع الذي ينعكس مثالياً في نطاق العمل نفسه. وأخيراً، قد يكون عبارة عن أدب العادات، سياسياً أو هاجياً أو أخلاقياً، أو خطة اصلاح اجتماعي في العمل»، وينطلق النقد السوسيولوجي من «النظرية التي ترى أن الأدب ظاهرة اجتماعية، وأن الأديب لا ينتج أدباً لنفسه، وإنما ينتجه لمجتمعه، منذ تفكيره في الكتابة، وفي أثناء ممارسته لها، وعقب انتهائه منها. فالقارئ حاضر في ذهن الأديب، وهو وسيلته وغايته في آن معاً»، وبهذا يكون النقد السوسيولوجي هو «التزام في البحث عن نقاط الالتقاء وعن التناقضات. ولهذا السبب لا يضع النقد الاجتماعي إطلاقاً نقطة النهاية التي تجعل من النص نتاجاً نهائياً».

ثالثاً/ النقد المسرحي: Theatrical Criticism
النقد المسرحي هو نقد «ينصب على الحكم على المسرحيات إثر تمثيلها مباشرة، ويظهر على شكل مقالات في الصحف والمجلات ... وقد يعالج النقد المسرحي المبادئ العامة والمعايير الفنية التي تقوم عليها كتابة المسرحيات»، وهو «العملية التحريرية – أو الشفوية – الخاصة بتحليل، وتفسير، وتقييم العرض المسرحي، بما في ذلك النص، والإخراج، والتمثيل، والديكور، والعناصر الأخرى المشتركة في تكوين العرض. وقد يكون لكل عنصر من هذه العناصر ناقد مختص»، وهو «حلقة أخيرة من حلقات العمل المسرحي».

رابعاً/ النقد المسرحي السوسيولوجي: Sociological Theatrical Criticism
تبنى النقد المسرحي السوسيولوجي مفهوم النسبية و»دوره في إدخال عناصر جديدة تحكمت بمنحى وتوجه النقد. فقد صار النقد يحاول أن يفسر العمل انطلاقاً من التركيز على ربط المادة بسياقها التاريخي والاجتماعي والإنساني، أو عبر البحث في لا وعي الكاتب وعلاقة إنتاجه بالمكبوت لديه».
وهذا ما يجعل من دراسة خطاب النقد المسرحي جانباً أساسياً من جوانب «المسرح في المجتمع»، يهدف إلى الكشف عن الكيفية التي تستجيب بها المؤسسة النقدية – بوصفها مؤسسة اجتماعية - للتحدي الذي يطرحه التاريخ الاجتماعي متمثلاً في تغير الواقع تغيراً يفرض على المؤسسات الاجتماعية أشكالاً مختلفة من الاستجابة له».

التعريف الاجرائي لـ(سوسيولوجيا النقد المسرحي):
هو نقد مسرحي ابتكاري متجدد، يبحث عن لغة جديدة، ذات طبيعة تنويرية، تأتي بالقراءة التاريخية والاجتماعية والايديولوجية والثقافية، بالإضافة إلى طرح الأسئلة والمشكلات، وإيجاد الحلول المناسبة التي تُعبر عن تطلعات المجتمع والطبيعة البشرية.

التعريف الاجرائي لـ(نقد النقد):
هو قراءة نقدية تراجع النقد الأول لفهمه وتفسيره وتحليله، وتبرر اتجاهاته، وتحدد اشتغالاته، لتساعد القارئ على تقديم تفسيرات متنوعة، وتزوده بسيل من الاحتمالات، والتأمل في جماليات الخطاب المسرحي، إضافة إلى المتعة واللذة في خلق واكتشاف الموضوع النقدي من جديد، وإبرازه إلى الوجود وبصورة مختلفة.
 

 


ياسمين عباس