العدد 809 صدر بتاريخ 27فبراير2023
برعاية الدكتورة غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون، وتحت إشراف المخرج ومصمم الديكور محمود فؤاد صدقي المشرف العام على المسرح.
أقام مسرح نهاد صليحة بأكاديمية الفنون المسرحية، ندوة نقدية عن العرض المسرحي “الرجل الذي أكله الورق” للمخرج محمد الحضري، ضمن مشروع عروض المواسم المسرحية المتميزة للفرق المستقلة والجامعية، يوم الأحد 19 فبراير بعد انتهاء العرض مباشرة. مسرحية «الرجل الذي أكله الورق» حصل مخرجها على جائزة أفضل إخراج بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي.
وشارك بالندوة كل من: الكاتب والصحفي يسرى حسان، والكاتبة والمخرجة د. ايمان سمير ، والمخرجة منار زين، وأدار الندوة الفنان على ناصر الطالب بقسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
إيمان سمير: سعيدة بهذا التناول والاختلاف والتفرد والثنائيات في هذا العرض
أعربت دكتورة إيمان سمير عن سعادتها بهذا العرض وعن تسمية الفرقة ب»جروتيسك «، وهو التكنيك الدرامي الذي تم تطبيقه في العرض، وقالت: هو لون مختلف حيث يوجد ألوان جديدة نريدها أن تقدم في المسرح، والمخرج محمد الحضري قام بالفعل بتقديم لون من الألوان التي نريدها .
وأوضحت: في هذا العرض “الإنسان” الوحيد هو المطحون والمديون وسط عالم من المشوهين، وهو ما يعد تناولا جديدا ،فالعرض يقدم حالة التشوه وهوما قدم ضحك وسخرية وهو ما ينطبق على الجروتيسك.
طريقة ختام العرض وتحول الإنسان المطحون إلى ورق وتنظيف هذا الورق” الجثة” لإفساح الطريق لجثة جديدة والتي تتمثل فيما بعد في المحامي.
وأضافت: يقدم العرض إعدادا مختلفا لتاجر البندقية لشكسبير، وفيه تناول المخرج محمد الحضري الرأسمالية والتي تعد غول في هذا الزمان. فالعالم كله كدول وأفراد يعاني من تلك المشكلة، وأعربت سمير عن سعادتها بهذا التناول والاختلاف والتفرد في التمثيل والمحافظة على الثنائيات فيه.
يسري حسان: النص يتميز بفكرة تعدد قراءاته، والمخرج فكر بالصورة
وفي كلمته أشار الكاتب يسري حسان أولا: أن عروض الهواة دائما ما تفتقد للانضباط اللغوي، بينما هذا العرض يتميز بالانضباط اللغوي والذي يشير إلى جدية القائمين على العرض، والتدريب الواضح، فالاهتمام باللغة في العروض شيء هام جدا لأن أي خطأ لغوي قد يغير المعنى تماما، وثانيا: بالنسبة لاختيار النص قال: نحن ننظر للنص بمدى ملائمته لهُنا والآن.
واستطرد: نحن في حاجة إلى مثل هذا العمل لأن ميزة هذا النص والإعداد له أنه يمكن تعدد قراءاته مثلما تلقيت فكرة شايلوك كصندوق النقد الدولي. وهنا الميزة أن لا يكون العرض المسرحي أحادي الدلالة فيكون له أكثر من قراءة-أي الثراء في قراءاته-، وهنا نركز على المغزى وليس المعنى وهو ما يحسب لمن اختار النص واشتغل عليه، فالمخرج هنا اهتم بالصورة، فنحن لا نقدم خطبة، والصورة جزء أساسي ومهم فنحن امام مخرج يفهم المسرح ويفهم كيف يوزع الممثلين، ويفهم كيفية استخدام أجساد الممثلين كديكور ويفهم الديكور فالمخرج فكر بالصورة، حيث توجد مشاهد كثيرة إذا أغمضت عينيك سيفوتك منها الكثير.
كان هناك توافق واضح بين الحركة على المسرح والإضاءة، حيث الانضباط الشديد بينهما فالإضاءة لم تكن مجرد أداة للإنارة فمشهد الكنيسة شعرنا به من خلال الإضاءة من خلال الشموع فالإضاءة عنصر مهم ساهمت في بناء الصورة وساهمت في تسيير دراما العرض وساهمت في بناء العرض وتقديم رسالته، والإضاءة موظفه بشكل فني واعي.
اما الديكور فهو بسيط ولكنه ساهم بشكل رائع في بناء صوره العرض.
والوعي بالمكياج وتصميم الملابس فالزي له دلالته في كل الشخصيات والتفاصيل دقيقة والبسيطة تتوافق مع الشخصية. البناء الدائري بداية من العمال فكلما كان هناك بارقه امل تنتهي.
عرض يدين الرأسمالية المتوحشة وينحاز إلى طبقه البوليتاريا، هذا العرض يدين وحشيه هذه الرأسمالية الغير انسانيه .
العناصر في العرض تعتبر في مكانها السليم
ادهشني جدا اداء معظم الممثلين فلم يوجد اي ارتباطات، يوجد تضافر وتعاون ومواهب عدة في العرض، العرض يقوم على الطريقة الهزلية أو تبدو كذلك فالمخرج لا يقصد اختيار عرض كوميدي فهو اختار طريقه تبدو هزليه ولكنها شديدة الجدية وشديدة التأثير وشديدة العمق.
وكنقطة أخيرة أشار حسان إلى أنه ربما كان من الأفضل تكثيف بعض المشاهد.
وأنهى حسان كلمته قائلا: هذا العرض يقدم معالجه مختلفة لتاجر البندقية فهو عرض غير تقليدي لا ينتهي بالنهايات التقليدية.
منار زين: أهرب لعروض الشباب لأن الرهان عليها حاليا وفخورة بهؤلاء الشباب وبطاقاتهم
وفي كلمتها قالت المخرجة منار زين: أهرب لعروض الشباب لأن الرهان عليها حاليا، وهو ما لمسته في عرض الرجل الذي أكله الورق فالمخرج هنا عنده رؤية وفكر وأدوات، ويحاول توصيل مشاعره وأحاسيسه تجاه المجتمع وظروفه من خلال عرضه، فالمخرج لم يقدم العرض بشكل خطابي وانما في شكل مجموعة من الصور، والعرض به انضباط وبه أفكار وصور مختلفة بداية من تشكيل الفراغ وتوجيه المشاهد والممثلين وكل العناصر، وركزت زين في كلمتها على فكرة أننا نحتاج للممثل البطل، والبطل هنا متميز وعليه أن يتدرب على الكنترول في جسمه، وفي المجمل هو ممثل هائل رغم أنه لا يتكلم ولكنه استطاع تقديم علاقة وثيقة بين العرض والجمهور فالبطل كان على قدر التحدي.
ورأت زين أن على الممثل ان يشرك الجمهور معه داخل العرض ليعطي إحساس بالانتماء للجمهور داخل العرض أو داخل الدائرة، كما على المخرج أن يجعل الممثل يدرك أين هو من الجمهور وعليه التحكم في الابعاد والصوت.
وأوضحت زين: أن العرض منضبط كما ضمت صوتها للكاتب يسري حسان على أنه يفضل تكثيف العرض.
وفي نهاية كلمتها قالت زين على مستوى التجربة فخورة جدا بهؤلاء الشباب وبطاقاتهم وأشارت إلى أنه إذا كان لدينا مثل تلك العروض وتلك الطاقات ستتطور الحركة المسرحية كثيرا.
أحمد عبد الرازق أبو العلا: جيش من الشباب يمتلكون الأداء الجدي والاحساس بالمسؤولية
وفي مداخلة الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا قال: كيف تتعرف على المخرج إذا كان واعيا ولديه رؤية أم لا، وأشار أنه يأتي ذلك من مجموعة أشياء أولها: هل يملك أسلوب يعكس رؤيته ؟ فهي نقطة تحسب له، هل يملك رؤية بالفعل من خلال النص؟، هل هو قادر على تحريك أو التحكم في حركة الممثل على خشبة المسرح سواء كان فردا أو عددا كبيرا؟، هل في ذهنه ثقافة ومرجعية تجعل مفردات العرض المسرحي في حالة انسجام؟ .
وأضاف: هذا العرض يحمل عدة دلالات، فالأسلوب فيه مبالغة والمبالغة في الأداء التمثيلي هنا جاءت متوافقة مع المبالغة في معالجة الفكرة داخل النص المسرحي، وهنا يوجد الانسجام بين الأسلوب ومعالجة الفكرة داخل النص، كما أن هذا العرض يقدم دلالات كما في شكل المحكمة، فالصورة العامة تعطي الدلالة والمعنى، وهذا العرض به صورة مسرحية فكل جزء في الديكور له معنى ودلالة في انسجام، كل جزئية في الديكور له معنى ودلالة، وأشار إلى أن الناقد عموما لا يأخذ باله من بعض الأشياء ولكن في هذا العرض تجد ما هو ملفت للنظر من المكياج والديكور فالدقة في المكياج تعطي دلالة للعرض، أيضا الملابس أختيرت بشكل مميز ،وكل تلك المفردات تعتبر علامة تكشف للمتفرج أن المخرج يملك وعي وثقافة ومرجعية، وإن كان هناك بعض المحاولات كما أسماه «لفرد العضلات” وأكد أنه يجب ان نقول أن البساطة مطلوبة، وأنا أدعو المخرج للتخلص من محاولة الفذلكة ومحاوله إثبات الوعي، كما أشار أبو العلا إلى أن طريقه معالجة النص تحتاج عندما تقدمه في المستقبل إلى تكثيف، فالقمع والقهر يتكرر في صور مختلفة ولكنها في النهاية تعطي معنى واحدا، البطل ضحية المجتمع الرأسمالي فلا حاجة لتكرار المعنى، إلا إذا أضاف جديدا فالتكثيف هنا يكون لصالح العمل، أما الممثلين فهم جيش من الشباب يمتلكون الأداء الجدي والاحساس بالمسؤولية والتناغم والحيوية، والمجاميع المستخدمة أيضا مثل أصحاب الأقنعة والكلاب كمجاميع صامتة كان لها معنى ودلالة، هذا العرض زخما جميلا.