ما يفعله المؤدون في المسرح؟ (1-2)

ما يفعله المؤدون في المسرح؟ (1-2)

العدد 716 صدر بتاريخ 17مايو2021

 أصف في هذا المقال ما يفهمه المتلقون الذين يتمتعون بفهم أعمق للمؤدين . والهدف من ذلك هو اكتشاف ما يميز المتلقون الذين يتمتعون بتقويم كامل للعروض المسرحية . واقتراحي لكيفية وصف تلك المادة مستمد من الفكرة التي ذكرناها في الفصل الرابع، وهي أن المشاهدين ينتبهون إلى المؤدين، وأن المؤدين يستغلون تلك الحقيقة لترتيب ما يشاهده المتلقون لكي يتوافق مع ردود فعل المشاهدين تجاه الصور وتتابع الصور والأحداث والشخصيات والمواقف والأفعال في القصص .
 وتستتبع هذه الفكرة أنه، في أي أداء محدد، هناك إجابة لكل سؤال من الأسئلة التالية :
ما هو الموقف المميز لهؤلاء المشاهدين وهؤلاء المؤدين ؟
ما هي مجموعة الأشياء التي يجب أن يشاهدها في المتلقين في حضورهم أمام المؤدين، بالنظر إلى الموقف المحدد ؟.
ماذا ينبغي أن تكون الاستجابات الملائمة لما يشاهده المتلقون عندما يظهر ؟
ما هي التعبيرات والعلامات السلوكية التي يخطط أن يعرضها المؤدون، بالنظر إلى الموقف المحدد ؟ .
كيف يخطط هؤلاء المؤدون تجاه ادارة ردود أفعالهم ما ينتبه اليه المشاهدون.
تقدم هذه الأسئلة القواعد الإرشادية لتطوير وصف ملائم لما يحدث في أي حالة تجسيد مسرحي .
 ما الذي يفعله المؤدون، وما الذي يمكن أن يعرفه المشاهدون :
بالسؤال عما يفعله المؤدون لتوضيح الفهم الأساسي ( أو الأعمق) للعروض المسرحية، من المفيد أن نتجنب بعض أساليب التنظير المبكر للسؤال .
 أولا، يجب أن نتجنب الإشارة بسرعة إلى تعميم نظريات التمثيل . وبالسعي إلى تأسيس تحليلنا لما يفعله المؤدون في وصف ممارسات المسرح الفعلية، نخاطر بالقبول المسبق بمجموعة أساسية من الممارسات المتضمنة بشكل ما في الافتراضات المعيارية حول ما يمكن أن يفعله، أو ما ينبغي أن يفعله، المسرح . يتناول (شانون جاكسون Shannon Jackson)، مثل عدد كبير من الذين كتبوا حول الموضوع، مطلب الحضور في كثير من ممارسات الأداء في مسرح القرن العشرين باعتبار أنه متضمن في الميتافيزيقا القابلة للنقاش . والاعتراض بالأساس هو أن الممارسة التي تجعل المؤدين حاضرين تعطي صورة زائفة للحياة الإنسانية التي توافق علي الممارسات القمعية وتضفي عليها الشرعية بطرق متنوعة. ويستشهد (جاكسون) بعدد من العروض التي سعت إلى الحد من الحضور الفعلي، وكذلك، إعادة صياغة عدد من التقاليد الطبقية والعنصرية والمتعلقة بالتمييز علي أساس نوع الجنس من أجل إجراء اختزال مطلق .
 ولذلك يجب أن نتجنب تبنى أي مجموعة عادية أو معيارية من الممارسات التي نناقشها في الفصل الأول، وكلها قد تم ابتكارها أو اعتمادها باسم المسرح باعتباره فنا، ولكن تم طرحها فعليا من أجل السعي إلى تحقيق رؤية محددة حول طبيعة المسرح وهدفه وما هي مسئولية الممثل في عملية صنعه .
 ورغم ذلك، يمنحنا الاهتمام بنظريات التمثيل شيئا ايجابيا . لأن التقنيات التي تتبناها نظريات التمثيل قد ساعدت المؤدين في الواقع علي تحقيق النجاح، المفهوم علي أنه العروض التي حازت لقيت قبول المشاهدين . وإذا كان لنا أن نصف ما يفعله المؤدون بالطريقة التي لا يمكن انجازها بواسطة أغلب مناهج التمثيل، عندئذ لا يمكن أن يكون وصفنا صحيحا بشكل واضح . لذلك فان وصف ما يفعله المؤدون يجب أن يتوافق مع القيد التالي : يكون وصف ما يفعله المؤدون ملائما إذا كان الوصف المستخدم للمناهج الموظفة بنجاح مقنعا للممثلين .
ثانيا، يجب أن نتجنب أن نعلن بسهولة عن شروط التحليل المطروحة في مناقشة الأداء والأدائية التي وصلت إلى الصدارة في نظرية المسرح والأداء منذ منتصف الثمانينيات . وتتجنب هذه المناقشات مزالق التعميم الخاطئ، ومجموعات معينة من الممارسات المشكوك فيها . ولكنها تتجنب مثل هذه التعميمات علي حساب تأمل مفهوم الأداء بتجريده من أي ممارسات فعلية . وبهذا التفكير، يمكن أن تكون ممارسة الأداء مشكوك فيها إذا كانت متشابكة في أيدلوجيات مشكوك فيها . ولكن إذا اعتقدنا ذلك، فسوف نتجاوز حقيقة أن الممارسة أحيانا مشكوك فيها لأن بعض المؤدين ملتزمين بممارسة الجبن والجهل أو الكسل .
 وهناك شيء مغري فيما يتعلق بتأمل الأداء في خلاصته . وكما يقترح (هربرت بلو Herbert Blau)، يبدو أن هناك توتر بين أن يكون الباعث حقيقيا – أن يكون لا مسرحي في المسرح – وحقيقة أنه، لأن ما يحدث علي خشبة المسرح أمام المشاهدين، فكل شيء يفعله المؤدي في المسرح هو مسرحي . والمنظرين المهتمين بهذا التوتر وسؤال علاقته بأن الحداثة في المسرح قد وجدت مفهوم «الأدائية» مفيدا . فالمصطلح، مبدئيا مستعار من (ج.ل. أوستينJ.L. Austin ) لكي يصف النطق عن طريق شيء ما يحدث بالإضافة إلى شيء يقال – وقد استخدمه منظري الأدب والمسرح منذ الثمانينيات لمناقشة سلسلة من الخلافات حول الحداثة . ولأسباب متنوعة، ظل هؤلاء المنظرين أنفسهم في حالة خلاف، فقد وضعوا أحيانا مصطلحي «الأداء» و»الأدائية» في مصاف مصطلحي «التفسير الحرفي» و”المسرحانية”. فعندما وضعوا المصطلحين في مصاف التفسير الحرفي عدّلوهما لكي يستتبعا ارتباطا بادعاء مشكوك فيه بأن قصد المؤدين شفاف للمتلقين . وعندما وضعوا المصطلحين في مصاف المسرحانية، تناولوهما لكي يشيرا إلى التضمينات الضارة والمحاكاة الساخرة فيما يشاهده المتلقون .
 ولم تكن هذه الشروط مفهومة بشكل متباين ومتناقض فقط، بل أحيانا كان يساء فهمها – في استخدامها الأصيل بواسطة (أوستن) . ويقدم ( أندرو باركر Andrew Parker) و ( ايف كوسوفسكي سيدفيك Eve Kosofsky Sedgwick) علي سبيل المثال، فهما واضحا . فهما يقتبسان تعليق (أوستن) بأن احتمال النطق الأدائي ربما لا يوضح أنه عرضة للمرض الذي ترثه كل الأفعال ، ثم نتناولا ذلك التعليق لكي يعني أن مثل هذه الالتزامات متضمنة في بنية الأداء وبالتالي تشكل أساسا له . وهنا يطالب (باركر ) و (وسيدفيك) بما هو نهائي في الأداء حيث قدم (أوستن) مطالبة تجريبية واسعة وحقيقية حول تقلبات أي فعل، بما في ذلك النطق الأدائي .
 الأمر الرئيس في هذا النوع من التنظير، رغم ذلك، له علاقة بحقيقة أن أغلبه لن يتم التعبير عنه في ممارسات الأداء، ناهيك عن الطريقة التي يصل بها إلى المتلقي . فبعضها لا يصل، وعندما يصل، تكون له أهمية كبيرة في نظرية المسرح لأنه يمكن أن يصبح له أهمية كبيرة للمتلقي، ولاسيما للمتلقين الفاهمين بعمق . افترض مثلا، تحت تأثير مخاوف مسرحية من العمل ضد الأداء، تضطلع الفرقة المسرحية بالتوفيق بين التنفس الذي نعتبره أمرا مفروغا منه باعتباره عملية جسمية يجب اكتشافها أو أنها نظام روحاني يجب اكتسابه ، أو تفكر فيما تفعله باعتباره موتا أمام عينيك، أو تتبني ممارسة حركة ترتكز علي فنون القتال الصينية Tai Chi Ch’uan أو اليوجا أو فنون الأكيدو Aikido أو أي نوع من أنواع فنون القتال . وربما لا يكون لكل هذه الفنون تأثير علي عروض الفرقة. فبعضها من المرجح أن يظهر علي ما يبدو في الممارسات المسرحية المادية المتاحة للمشاهدين أكثر من أخرى . ولكننا لا نستطيع استبعاد أن بعض صور عروض تلك الفرقة سوف تعكس أحد هذه القرارات، وإذا حدث هذا، فان العملية التي تصل بها الفرقة إلى تلك الصور في عروضها يمكن أن تكون ملائمة نقديا لمتلق يفهم بعمق .
 ورغم ذلك، أغلب التنظير حول الأداء والأدائية ليست له مثل هذه النتائج لسوء الحظ .
 ويمثل ( ديفيد سولتز David Saltz) الأسلوب الواعد بشكل أكبر لتراث (أوستن) مع الأدائية . فمن خلال تأمله لتفسير النصوص، يقدم ( سولتز ) اقتراحا مفيدا بأن نفكر في النصوص باعتبارها « سجلات للفعل Scores for action”، ويجادل بأنه، إذا كانت لدينا فكرة ملائمة عن الفعل، فنستطيع أن نرى كيف أن الأداء والممارسة النقدية التي تعالج النصوص بهذه الطريقة يمكن أن يكونا مثمرين . ويذكرنا ( سولتز ) أن الفعل مفهوم متعدد الأبعاد، وأننا عندما نأتي إلى الفعل المسرحي، تكون له صورتان حاسمتان هما : كيف نعرف الأفعال وكيف يجب أن نصف قوتها . وكما يجادل كل من ( أوستن) و(سولتز ) ، فان كل منهما يحتاج مشاهدة ما تم فعله في ظل صورة أو مجموعة من الصور داخل سياق بعينه . وباستخدام تحليل ( أوستن ) المحكم بدقة، يقدم ( سولتز) مثالا دالا للجماليات النصية الملائمة للتحليل الأدبي للنص ولكنه غير مفيد تماما في تقديم رؤية للأفعال التي يمكن أن يقوم بها المؤدي . وبالمقارنة، يمكنه أن يقدم قصة مفيدة عن كيفية توظيف الإطار المنسوب إلى ( أوستن ) لكي يضع النصوص في سياق مشهد أداءها .
 لقد وظف ( سولتز ) هذه المفاهيم بتأثير جيد في اتجاه مختلف أيضا، ولاسيما كترياق لادعاء ( جون سيرل John Searl) (وادعاء أوستن بالمناسبة أيضا) بأن الممثلين لا يمكنهم أن يفعلوا شيئا غير « محاكاة « الأفعال، وأنهم لا يستطيعون أداء أفعال حقيقية، علي الأقل عندما يؤدون أدوارهم . ومن المفيد أن نرى كيف يستخدم (سولتز) تفاصيل تحليل الفعل المنسوب إلى (أوستن) و( سيرل) ولاسيما الفعل الأدائي، لإظهار أن زعم (سيرل) عن المؤدين زائف . واذا كنا نفكر في الأداء باعتباره عرضا لنص، فيمكننا أن نرغب في متابعة هذا الخط من التفكير بشكل أكمل ولكننا لا نفعل ذلك .
 باختصار، أغلب نظريات الأداء والأدائية ليست مقيدة بما يمكن أن يعرفه المشاهدون، وأولئك الذين يركزون علي التقاليد السردية التي ترتكز علي النص، وبالتالي فهي ليست عامة بالقدر الكافي .
 توضح عمومية نموذج الملامح البارزة، المبالغ فيها بهذه الطريقة لدرجة أنها تلقي الضوء علي مسائل تتعلق بالمادية في الأداء، أن المسائل المثارة في أغلب أدبيات الأداء الخاصة بتقليد مسرحي واحد ولا تهتم بممارسات الأداء المسرحي لذاته. علاوة علي ذلك، علي الرغم من أن نموذج الملامح البارزة للفهم المسرحي الأساسي يهتم بكيف يفهم المتلقون العروض، فانه يفعل ذلك بالإشارة إلى أي متلقين يشاهدون الملامح التي يقدمها لهم المؤدون . وهذا يوحي بأن نصف ما الذي يفعله المؤدون بطريقة تستجيب لوصفنا لما يفعله المتلقون . ولذلك، أقترح قيدا ثانيا علي وصف ما يفعله المؤدون .
وصف ما يفعله المؤدون يكون ملائما فقط اذا كان يوضح كيف يرتب المؤدون تقديم الملامح في مكانهــا لكي تٌبــرز خصائص الشيء الذي يطورونه علي مدار الأداء .
 ملامح المؤدين واختياراتهم :
لتطوير وصف ملائم لما يفعله المؤدون، تأمل ثلاث حالات محفزة، كل منها طريقة لعرض احتراق مخطوطة (لوفبورج) . وهذا هو حدث الذروة في أغلب العروض التي وظفت الاستخدام التقليدي لنص (ابسن ) « هيدا جابلر”، وبشار إليه غالبا بأنه مشهد قتل الطفل . وها هو وصف للمشهد من نسخة تمثيل معيارية للنص:
(يخرج لوفبورج بالقرب من باب الصالة . تصغي هيدا للحظة إلى الباب .
ثم تتجه إلى طاولة الكتابة، تخرج المخطوطة، تلمح ما تحـت الغـلاف، تسحب بضعة أوراق إلى الخارج الى منتصفها، وتنظــر إليها . ثم تمــرعليها وتجلس علي كرسي ذي مسندين بجانب المدفأة، ولفة الأوراق فــي حجرها . تفتح باب الموقد فورا، ثم تفتح اللفة )
هيدا: (تلقي إحدى الملازم في النار وهي تهمس لنفسها) الآن أحرق طفلك يا ثيا ! – أحرقه، خصلات شعرمجعدة ! (تلقي ملزمة أو اثنين في الموقد) طفلك و وطفل «ايليرت لوفبورج” . تلقي الباقي) إني أحرقه – أحرق طفلك .
فلتكن حالة التحفيز الأولي طريقة لعرض المشهد في أي أداء لعرض من نوع (هيدا الي هيدا)، ودعونا نشترط فقط أنه إذا أظهر المشاهد أي رد فعل علني تجاه الحدث، فقد درّب المؤدون أنفسهم علي عدم الاستجابة . ولتكن حالة التحفيز الثانية طريقة عرض متوافقة مع عرض (جابلر من مسافة )، بشرط أنه إذا أظهر المشاهد أي رد فعل صريح تجاه الحدث، فسوف ينظر المؤدون مباشرة في اتجاه المشاهدين، ويهزون رؤوسهم وكأنهم يشيرون بأنه ليس لهم خيار، ويستمرون في حدث المشهد . أخيرا، لتكن حالة التحفيز الثالثة تكون طريقة لعرض المشهد في أي أداء لعرض من نوع (الجمال التلقائي)، بشرط أنه إذا أظهر المشاهدين أي رد فعل علني تجاه الحدث، فان المؤدون قد درّبوا أنفسهم علي التوقف لمدة ثلاث ثوان بالضبط وهم ينظرون بثبات في داخل المسافة الوسطى، ثم يستمرون في الأداء .
توضح هذه الحالات مجموعة واضحة ومهمة من الأشياء التي يفعلها المؤدون في الظروف العادية في إعداد وأداء ما يجهزونه : يحددون اختيارات ما ينطقونه وما يفعلونه . ويختار المؤدون أيضا ما يقال وكيف يفعلون ما يفعلونه . ويحدد المؤدون ما يفعلونه وكيف يفعلونه في كل لحظة من الأداء . واتخاذ هذه القرارات عبارة عن تسلسل الملامح المحددة بواسطة المؤدين المستقلين ( حتى لو كانت نادرا ما تتخذ بمعزل عن غيرهم ) .
 ولكن هناك صورة أخرى لمستوى القرارات الأساسية التي تتطلب جهدا مشتركا . تحتاج أي فرقة مسرحية أن تقرر أين تود أن توجه الانتباه إلى كل لحظة وكيف ستفعل ذلك . وتتعلق بعض هذه القرارات بتأمل أشياء مثل كيف يوضع المؤدين في علاقة مع كل منهم الآخر ومع المشاهدين في مكان الأداء . وتحديد كيفية توجيه الانتباه تتعلق بتحديد أسلوب وتوقيت نطق المؤدي بالنسبة لمضمون، وأسلوب نطق المؤدين الآخرين . وبالمثل، لتنظيم انتباه المشاهدين، تفكر الفرق المسرحية في كيف أن ما يفعله كل مؤدي يرتبط بما يفعله المؤدون الآخرون . ولسوف يكون اتخاذ هذه القرارات غالبا ملمح المؤدين في علاقاتهم بكل منهم الآخر.
ويمكن أن نختصر هذه الملاحظات باقتراح وصف أساسي لما يفعله المؤدون وسوف أشير إلى هذا بأنه « الاقتراح البسيط the simple suggestion” .
 ملامح المؤدين التي يشاهدها المتلقين هي نتيجة لمجموعة من الاختيارات القابلة للوصف التي تصنعها فرقة المؤدين. وتهتم الاختيارات بثلاثة أمور عامة :
(1) مَن يقــول مـاذا ( بما في الكلمات والإيماءات .. الخ) وكيـف يبـدو كل نطــق وصوته،
(2) ما يفعله كل مؤدي في كل لحظة في الأداء وكيف يفعله،
(3) أين يتوجه الانتباه في كل لحظة، وكيف ينبغي انجازه .
 يفي الاقتراح البسيط بمعياري الكفاءة اللذين تبنيناهما . فهو يصف نتائج الاختيارات التي تدخل في إعداد وتقديم العروض المسرحية باعتبارها مجموعة ملامح مقصود أن تكون بارزة لخصائص أو عناصر الشيء الذي يطورنه علي مدار الأداء . ويصف ما يفعله المؤدون بالعمومية الكافية التي يمكن انجازها بواسطة طرق متنوعة . علاوة علي أنه، يستجيب إلى الفكرة البديهية بأن أي أداء هو إجابة علي هذه الأسئلة، « ما هي التعبيرات والعلامات السلوكية التي يخطط هؤلاء المؤدون لعرضها ( بالنظر إلى موقف تمييز محدد) ؟ . كيف يخطط هؤلاء المؤدون لإدارة ردود أفعالهم لكي تكون مرئية ؟ .
 ولكن الاقتراح البسيط لا يصف حتى الآن ما يفعله المؤدون بطريقة توضح لنا كيف يشكل المؤدون السياق الذي يفهم فيه المتلقون الأشياء المطورة في الأداء بالحضور أمام تلك المجموعة من الملامح . هذا لأن كل من الحالات المحفزة قد حذفت شيئا مهما فيما يتعلق بظروف التي يتم بها عرض الحدث . إذ كان المفقود في كل حالة هو الإشارة إلى موقف مميز بعينه يرتبط بما هو متوقع من المشاهدين ويفسره وما تم اختياره للتقديم بواسطة المؤدين . وهذا يوحي بقيد ثالث، مكمل للوصف الكامل لما يفعله المؤدون .
 الوصف الكامل لما يفعله المؤدون يكون ملائما فقط إذا كان استجابة المتلقي إلى حقيقـة أن المـؤدين يشكـلون البيئـة التي يفهم فيها الأشياء المطورة في الأداء .
الاقتراح البسيط غير مكتمل في اتجاه آخر، حتى لو كان ذا صلة . فالاختيارات الموصوفة في الحالات المحفزة لا تُصنع كتعبيرات عن نزوة شخصية أو جماعية . وبالتالي نحتاج قيدا رابعا علي الوصف الكامل لما يفعله المؤدون .
 الوصف الكامل لما يفعله المؤدون يكون ملائما فقط إذا كانت اختيارات المؤدين نتيجة لممارســات تداوليــة تربــط بالتالي الخيارات لغايات يتم تأملها لكي تخدمهم .
 الوصول إلى الوصف الكامل لما يفعله المؤدون والذي يفي بهذه القيود سوف يستجيب إلى الفكرة البديهية بأنه، بالنسبة لأي أداء، يجب أن نجيب علي أسئلة، «ما هو الموقف المميز لهؤلاء المشاهدين والمؤدين ؟، ما هي مجموعة الأشياء التي ينبغي أن ينتبه لها المشاهدين عند الحضور أمام هؤلاء المؤدين، بالنظر إلى الموقف المحدد، وما هي استجابات هؤلاء المشاهدين الملائمة لما يشاهدونه عندما يظهر .
 التقاليد المسرحية باعتبارها تسلسلا لملامح ذات ثقل محدد :
تأمل ما يمكن أن يحدث في أي حالة محفزة يفشل أن يخرج فيها المؤدي من خشبة المسرح في اللحظة المحددة . وإذا خططت الفرقة المسرحية أن يكون الخروج كوميديا، وإذا حدثت لحظة اضطراب بسبب نسيان الممثل أن مفتاح الخروج هو أن تأتيه ضحكة، عندئذ فان التغير غير المتوقع في الأداء يمكن أن ينجح في حصول الفرقة علي ما تريد . ولكنه لن يغير كل اتجاه أو حركة الأداء ولا أي مؤثرات أخرى تتوقعها الفرقة من الاختيارات التي فضلتها . ويجب أن يستمر المؤدون الآخرون بدون توقع لمزيد من التغيرات المفاجئة في النطق أو الفعل من زملائهم .
 ما يوضحه هذا، وهو ذلك المفقود من الطريقة المجردة التي وصفنا بها الحالات الثلاث، هو أن تتابع الملامح في أي أداء حقيقي ينتج عن سلسلة من الاختيارات التي تشكل السياق الذي يتابع فيه المتلقون الموضوع المطوّر في العرض . ولكي نأخذ في اعتبارنا هذه الحقيقة، أقترح أن نبني هذا علي الاقتراح البسيط : (4) عند الإجابة علي أسئلة المؤدين، تسعى الفرق إلى الوصول إلى مجموعة وسائل مترابطة بشكل ضعيف من أجل عرض الملامح في تتابع مرتب ينشئ طريقة واحدة، من بين طرق أخرى محتملة ومرجحة، وتستطيع الفرق أن تخلق خصائص الشيء المطور في الأداء . وأقترح أيضا أن نحدد التقاليد المسرحية باعتبار أنها مجموعة من الملامح .
 التقاليد المسرحية عبارة عن تتابعات متماسكة بشكل ضعيـف  من الملامح المختارة للعرض والتي تُرجح بشكل مختلف من  من البدائل التي تم وزنها والتي يمكن تصـورها والتي تعتبر بارزة لخصائص الشيء المطور في الأداء .
 الملامح المجمعة بالطريقة التي ذكرناها مترابطة بشكل متماسك مع بعضها البعض . ولكن لا داعي لأن نعتقد أن هناك ترابط قوي داخل أي تجميع للملامح في هذه الحالات . فلا يوجد شيء هنا يلزمنا أن نفكر، مثلا، أن بعض الملامح المفصلة المقدمة للمشاهدين في عرض من نوع « هيدا الي هيدا « يمكن أن تظهر معا في الاختيار المميز لعرض من نوع « الجمال التلقائي «، من ضمن ما نفعله استجابة لردود فعل الجمهور العلنية . فيمكن أن نتخيل عرضا مختلفا لتدمير مخطوطة ( لوفبورج) التي يمكن أن تقدم ذلك المزيج الجديد من الملامح .
 نوع التماسك الذي يوجد هنا هو أمر بمقتضى الواقع . ولا ينبغي أن يندهش لذلك أحد اعتاد علي ممارسة التدريبات . فمقدار كبير من التجريب يحدث في عملية التدريبات : يتم تجربة مختلف الحركات والأصوات، ويُستبعد الكثير منها، وتلك المختارة هي التي تعتقد الفرقة أن لها التأثير المرغوب فيه. وبالتفكير في تأثيرات مجموعة الملامح المختارة للعرض تتم تسوية تسلسل الملامح.
 والوجه الآخر لتتابع التقاليد هو أن هناك شيء يتم انجازه بها يمكن انجازه بأكثر من واحدة منها . وحالات التحفيز، بمعنى مهم، هي ثلاثة طرق لفعل نفس الشيء، وهو تحديدا عرض تدمير مخطوطة (لوفبورج) . وحقيقة أن هناك طريقة أخرى لفعل نفس الشيء ترتبط بحقيقة أن التقاليد متماسكة بشكل ضعيف . وضعف التماسك داخل تتابع الملامح في كل حالة من هذه الحالات هو نتيجة لحقيقة أن النتائج محددة خارجيا، بالإشارة إلى ما يُعتقد أنه مؤثراتها الفعلية، فضلا عن أي شيء أخر كامن في الملامح نفسها . فلا شيء كامن في أي إجابة علي أي من أسئلة المؤدين التي تحدد أنه ينبغي أن يكون لها تأثير من نوع واحد علي المتلقين . ولهذا السبب يمكن أن يكون هناك أكثر من طريقة لعرض حرق مخطوطة لوفبورج، ولهذا السبب فان العلاقة بين أي تتابع معين للملامح التي يجدها الشاهدين بارزة لخصائص تطور شيء معين في الأداء وأن هذا الشيء المتطور نفسه هو علاقة طارئة ( علاقة مشروطة) .
 الصورة الثالثة للتقاليد الموضحة في حالات التحفيز الثلاث هي أنه، حتى لو كان كل منها طريقة مختلفة لتدمير مخطوطة (لوفبورج)، فهناك شيء مهم في الفروق بينها . فان لم توجد طريقة، فلن يكلف أحد نفسه عناء المحاولة مع طرق مختلفة لعرض حرق مخطوطة ( لوفبورج) . فكل منهم يجعل مجموعة مختلفة من ردود أفعال المشاهدين ممكنة أو مرجحة علي الأقل . وكل منها يؤكد شيئا مختلفا فيما يتعلق بالحدث، ولذلك، فان كل منها ليس مجرد طريقة أخرى لفعل نفس الشيء . وبسبب الفروق في ردود الفعل التي يحفزونها، فان بدائل تتابع الملامح يوزن بشكل مختلف . بمعنى أن المؤثرات التي لدى كل منهم، تُفهم كمجموعة ردود أفعال يجعلها كل منهم ممكنة، وتعطي فكرة لمداولات المؤدين عند تأمل البدائل .
 ما الذي تقتضيه الإشارة إلى التقاليد :
 لقد اقتربنا في تعريف التقاليد المسرحية من استيفاء القيدين الثالث والربع في اتجاه الوصف الكامل والملائم لما يفعله المؤدون . ولكن لازال الاقتراح البسيط المكمل لتعريف التقاليد هو الذي يحدد شكل العروض . ولاستكمال التفسير، أقترح أن نبني عنصرا آخر في الاقتراح البسيط : (5) عند الاختيار، تسعى الفرق المسرحية للوصول إلى تقاليد مماثلة علي مدار الأداء، تقاليد محكومة بمفهوم أو أهداف للأداء ككل، ومرتبطة به . ويمكن اعتبار هذه المفاهيم أو الأهداف بمثابة خطط لعروض أخرى . وأقترح أن نحدد الأساليب المسرحية علي أنها مجرد مجموعة من التقاليد .
 الأساليب المسرحية هي مجموعات من التقاليد المسرحية التي  يٌعتقد أنها تخدم مفهوما أو مجموعة أهـداف يمكنهـا أن تحكـم أداءً واحداً أو أكثر .
 وتستخدم عروض من نوع «جابلر علي مسافة« تنويعة من الممارسات تهدف لتحقيق مسافة بين المتلقين والأحداث والعواطف المصورة في الأداء . والحقيقة المثيرة حول هذه الممارسات هو أنه يمكنها أن تعمل بقدر متساو لتقديم صيغة كوميدية بشكل محض أو انعكاسية لاحتراق مخطوطة « لوفبورج” . وقد وظف (بريخت) أساليب متوافقة مع « جابلر علي مسافة» لتحقيق رد فعل سياسي من مسافة. ولكن الأساليب التي استخدمها (بريخت) كانت أيضا ضمن الأساليب التي استخدمها «سيرك مونت يبيتون الطائر» لانجاز نوع مختلف من المسافة . ويتضمن الفرق جزئيا الأساليب الدقيقة التي يرتبط بها عرض تدمير مخطوطة « لوفبورج” بالأحداث المقدمة قبلها وبعدها .
...................................................................................
جيمس هاملتون يعمل استاذا لعلم الجمال بجامعة كنساس في أوستن بالولايات المتحدة الأمريكية . وله العديد من الدراسات في علم الجمال وفن المسرح .. وقد سبق أن قدمنا له عددا من الدراسات في جريدة مسرحنا في الأعداد السابقة .
وهذه الدراسة هي الفصل التاسع من كتابه «فن المسرح The Art of Theater “ الصادر عن مطبوعات Balckwell 2007 .


ترجمة أحمد عبد الفتاح