جماعة مسرح الشارع.. وخطاب الهوية

جماعة مسرح الشارع..  وخطاب الهوية

العدد 714 صدر بتاريخ 3مايو2021

ظهرت”جماعة مسرح الشارع” في الفترة ما بين 1976 و1980 على يد مجموعة من عشاق المسرح الذين بدأوا الفكرة بإرهاصات فنية على مسرح جامعة القاهرة عامي 1975 و1976 وكان منهم ناصر عبد المنعم وأحمد كمال ومنحة البطراوي وعبد العزيز مخيون وناجي جورج ومها عفت وأحمد فؤاد وخالد وشاحي ومحمد صفي الدين ومحمد العزاوي وهشام العطار وهاني الحسيني ومصطفى زكي وحسين أشرف ـ مني سعد الدين ـ محمد عصمت سيف الدولة ـ ومنى صادق سعد ـ عبلة قاسم  ـ وسميحة قاسم ومحمد الفرماوي وفاطمة الصياد وليلى سعد، وانضم إليهم بعد ذلك عبلة كامل وأحمد مختار وصلاح عبد الله.
وقد جاء ظهور الجماعة في ظل فترة السبعينيات التي عانى فيها المسرح المصري من تحول فني نتيجة لعوامل سياسية واجتماعية، فقد انتهج النظام الساداتي منهج الانفتاح الاقتصادي والردة على منجزات المشروع القومي في الحقبة الناصرية، مما جعل كثيرا من المسرحيين المحترفين يلجأون إلى الهجرة كبديل موضوعي عن غياب الهوية داخل الوطن، أما البعض الآخر فآثر الصمت مهاجرا إلى داخله ـ وهي هجرة أصعب بالتأكيد، أما البعض الثالث فقدم مسرحا ميتا على حد تعبير “بيتر بروك”.
فأصبحت الساحة خالية إلا من تجربة وحيدة هي تجربة سمير العصفوري داخل مسرح الطليعة فقد حول المكان إلى بؤرة ثقافية جعلت منه حائطا للصد والدفاع عن الهوية المسرحية في ذلك الوقت من خلال تقديمه لبعض العروض المتميزة منها “عنتر يا عنتر” و”أبو زيد الهلالي”، “مولد السيد معروف” بالتعاون مع شوقي عبد الحكيم ويسري الجندي.
ولكن بالضرورة لم يكن مكان واحد بقادر على المواجهة ـ على حد تعبير المخرج ناصر عبد المنعم ـ أو على استيعاب مئات الفنانين المحملين بالغضب وبالرغبة في طرح هموم قضايا الوطن.
إذن كانت الفكرة ثورية المنحى في محاولة لخلق حالة مسرحية جادة تتوازى مع ما أنجزه المسرح الستيني  الذي شهد التفافا جماهيريا كبيرا.
ومن ناحية أخرى الخروج من دائرة المصادرة التي فرضت على أعضاء المسرح الجامعي ـ في ذلك الوقت ـ الذي شهد عمليات كثيرة لقمع الحريات منها إلغاء عرضين بجامعة القاهرة هما “المهرج” تأليف محمد الماغوط وإخراج ناصر عبد المنعم، والثاني “البوتقة” أو”ساحرات ساليم” لأرثر ميلر وإخراج د. حسن عبد الحميد، هذا الجو المأساوي جعل مجموعة من شباب المسرحيين داخل الجامعة يلتقون ويفكرون في كيفية تجاوز هذه الأزمة وقد تزامن هذا مع تحول مجرى الحياة السياسية في مصر إلى التعددية الحزبية وتأسيس حزب التجمع خاصة الذي سيكون أحد المنابر الرئيسية في دعم “جماعة مسرح الشارع”.
وقد اعتمدت الجماعة على رافدين أساسيين الأول: عالمي ويتمثل في تجارب مسرح الشارع في أمريكا وفرنسا أو ما يسمى بـ”المسرح اليسار الجديد” وتجارب “أوجيستو بوال”.
ثانيا: الرافد المحلي ويتمثل في تجربة مسرح القرية لكل من تجارب د. هناء عبد الفتاح في “دنشواي” بالمنوفية 1969، وعبد العزيز مخيون في قرية “زكي أفندي” بأبو حمص بمحافظة البحيرة في بداية السبعينيات.
وفي هذا الإطار تم العمل مع اتحاد الشباب التقدمي في الجيزة وكان المسئول عنه في ذلك الوقت هاني الحسيني وأمين الحزب في المحافظة محمد خليل، وتم ترتيب جولة للجماعة داخل قري محافظة الجيزة وكان أول العروض “الكاتب” وقدم بقري مركز الصف ومنها “صول” و”البرمنبل” و”بيجام” بشبرا الخيمة، وكذلك تم تقديمه في “مولد السيدة زينب” عام 1976 داخل سرادق.
وقد فرضت هذه التجربة على “جماعة مسرح الشارع” كما يؤكد ناصر عبد المنعم ـ أن نفكر ـ جيدا ـ في تجديد النواحي التقنية ومنها:
1 ـ ضرورة تقديم العروض في مكان مفتوح.
2 ـ أن يكون هذا المكان واسعا.
3 ـ امتلاك تقنيات مختلفة في الصوت والحركة والأداء.
4 ـ تقديم عروض تنتمي إلى “الاسكتشات المسرحية” المتقطعة التي يربطها رابط درامي واحد.
وقد نتج عن هذه الأفكار وجود ما يمكن أن يسمى بـ”المشاهد المترجل” وهي تيمة أساسية في مسرح الشارع والذي يعتمد ـ في أفكاره الأساسية على تقديم اسكتشات قصيرة ومتلاحقة. وبالتالي بدأ التفكير في الكتابة خصيصا لمسرح الشارع فقام “أحمد فؤاد” بكتابة مسرحية “بنك الهموم” أو “الموت جوعا” تتضمن مشاهد قصيرة من حياة مواطن كادح محدود الدخل وتلاحق الأزمات عليه في ظل مؤسسات مختلفة وقد جاءت الفكرة على غرار مسرحية “بنك القلق” لتوفيق الحكيم، وقد عرضت المسرحية في محافظة السويس على أحد الأرصفة عدة مرات.
وقد واجهة الفرقة خلال هذه العروض خصومات سياسية من “حزب الوسط” الذي كان أعضاؤه بالقرى يقذفون أعضاء الفرقة بالحجارة، بالإضافة إلى اندماج الجمهور مع العرض الذي كاد يتسبب في كارثة، ففي أثناء العرض خاصة في مشهد غلاء الأسعار، يذهب البطل إلى الجزار ويدور بينهما حوار حول الغلاء فيصف البطل الجزار بأنه جشع.
وفي تلك الأثناء إذا بجزار القرية الحقيقي يقتحم المسرح ويتشاجر مع الممثل الذي يقوم بدور المواطن المطحون، مما جعل هناك حالة من المزج بين الفن والواقع، وقد قام ببطولته في فترات عرضه المختلفة كل من عبلة كامل وصلاح عبد الله وأحمد كمال وعزة الحسيني ومحمد جمال ومجدي الجلاد وبعد ذلك تم تقديم عرض “الفيل يا ملك الزمان” تأليف سعد الله ونوس وإخراج ناصر عبد المنعم وبطولة هشام العطار ومها عفت والطفل جاسر حسين عبد الرازق ومنى إبراهيم سعد الدين ومصطفى الحسيني، وقدم على خشبة مسرح حزب التجمع بالقاهرة، وذلك بعد أن نجحت الفكرة في محافظة الجيزة، مما جعل القيادة المركزية لحزب التجمع تلحق نشاط الجماعة بمكتب الأدباء والفنانين الذي كانت تشرف عليه ـ في ذلك الوقت ـ الناقدة فريدة النقاش، وكان يضم وقتها صلاح أبو سيف وجميل راتب وعبد الرحمن أبو زهرة ـ ويوسف شاهين وسيد عبد الكريم وغيرهم.
وفي هذا الإطار تم تقديم عدة عروض كان من أهمها “حكاية بلاد نمنم” تأليف وإخراج محمد عبد الهادي، وقد تم عرضها على أحد الأسطح بمدينة الإسكندرية، وفي أحد شوارع محافظة السويس، وقد قام ببطولتها هشام العطار ومصطفى زكي وأحمد كمال ومها عفت وخالد الوشاحي وفاطمة عفت.
أما آخر عروض “جماعة الشارع” فكان عرض “يحدث في مصر الآن” المأخوذ عن رواية يوسف القعيد المسماة بنفس الاسم إخراج أسامة أنور وعرض بالمقر المركزي لحزب التجمع بالقاهرة.


عيد عبد الحليم