تأملات في نظرية المعرفة السيميوطيقية في تحليل الأداء (3)

   تأملات في نظرية المعرفة السيميوطيقية في تحليل الأداء (3)

العدد 710 صدر بتاريخ 5أبريل2021

 وفي سرده للفن الدرامي عند باربا، يلقي واطسون الضوء علي نوعين من السرد ويجب أن يفهم الجمهور في كل لحظة من لحظات حدث مسرح أودين المسرحي : (1) السرد المستمر أوالخطي (المسلسل) أو السرد النثري للقصص المختلفة التي تشكل قصة العرض الوحيدة ؛ (2) يتكشف خطاب الدراماتورجيا في نفس الوقت – تروى القصة بالحركة والصوت والاضاءة والأشياء والملابس والمكياج الذين يسجلهم المتلقي في ادراكه البصري . وكلا النوعين من السرد هما للتعبير عن تيار الوعي الذي تقدمه ارتجالات الممثلين في المسرحية . يرتكز سر الدراماتورجيا عند باربا علي منهجه في دمج ارتجالات الممثلين في سرده الأدائي . وتجعل عروضه مماثلة لروايات ديستوفسكي، متعددة الأنغام ومتعددة الأصوات . وكما هو الحال في نثر ديستوفسكي، يسمع المتلقى الصوت المتمركز، يتردد صوت باربا مع أصوات فرقته . يوضح عرض « حلم اندرسن» هذا المبدأ جيدا عندما يقدم صوتا موحدا لراويي قصة أندرسن، صوت خالق الكون، وصوت شهرزاد : والصوت النسائي لمريديه المرافقين، المصورة بشكل مجسد في دميتين.
 شهر زاد : كيف ينهي النساجان الخفيان قصتك ؟
 اندرسن : ليس لديهم نهاية . بمرور الوقت، يدرك الجميع أن القماش السحري
 غير موجود وأن الامبراطور يقود موكب ملابسه الداخلية، وقد رحل شابان سرا بالفعل . اختفيا ولم يعرف عنهما شيئا أحد .
شهر زاد : فكرة ممتازة . نحن النساجان .
أندرسن : احفظي لسانك ياصديقتي .
يسعى انفصال الصوتين الى حل . ويتم التحكم فيهما من خلال صراع قوى الجاذبية، مما يجعل الراوية ممزقة بين الرغبة في أن تصبح غير مرئية علي هوامش قصتها والرغبة في الظهور في مركزها . فدراماتورجيا باربا المركبة في في مسرحياته لها ميول مماثلة . اذ يحاول أن ينقل الرسائل المفهومة عموما من خلال السجل البدني وليس السرد الشفاهي، معتمدا علي نماذج يوتوبية عابرة للثقافة، ويبتكر أقنعة المجتمعات الخيالية ويخلق تجربة مركزة جدا علي نفسها .
المجال المسرحي السيموطيقي واللا تناسق :
تشكل عدم القدرة علي التنبؤ بالتواصل اليومي والأدائي عدم تناسقها، التي يجد تعبيره في الترجمات الداخلية الجارية والتي يتم من خلالها تقديم كثافة المجال السيميوطيقي بكامله . وفي نموذج لوتمان، يأتي عدم التناسق تاليا لتغاير الاتصال . اذ يصف عدم التناسق البنية الداخلية للمجال السيميوطيقي، بما في ذلك فعالياته المترجمة التي تحدث في مختلف مستويات نقل المعلومات . ولن يتم وضع مركز الاتصال في مكانه، مما يجعل عدد المجموعات التواصلية غير متوقع . وهنا لا تُحدد علاقات المركز/المحيط بشكل كامل لأن نقطة المجال السيموطيقي قد تصبح مهيمنة في أي لحظة من الاتصال المسرحي .
 نقل العناصر الجمالية والدلالية المهيمنة من أحد عناصر نص أدائي الى آخر، والتركيز مؤقتا اما علي الصوت أو الصورة أول جسم الممثل، ينقل الحدث المسرحي بعد الدرامي العناصر الاتصالية والجمالية المهيمنة الي مساحة تواصل خشبة المسرح/الجمهور . وسعيا الى نقل الهيمنة الجمالية لنص الأداء الى محور الاتصال في المشهد الداخلي بين المسرح ومكان المشاهدين المنفصل، ورفض التمثيل المحاكي من أجل التقديم المسرحي / اللوحة لمختلف لمساحات ( مشهد الصوت ومشهد الصورة ومشهد الأفعال البدنية وما الى ذلك)، يقدم حدث المسرح بعد الدرامي تصادما بين قوى متساوية الأهمية ومحددة جيدا : قوى نص خشبة المسرح ونص المشاهدين مسياق خشبة المسرح /الجمهور . ويخلق تفاعل هذ القوى تناسقا في المجال المسرحي السيميوطيقي . وتستخدم تقنيات التغريب (بداية من الكلام الكوميدي الجانبي وصولا الي الصيغ المسرحية الشارحة عند شكسبير وصيغ بريخت الملحمية) باعتبارها ناقلات للعناصر الجمالية والتواصلية المهيمنة .
 وفي مشهد مصيدة الفئران الشهير في مسرحية «هاملت» – وهو أحد الأمثلة لحدث المسرح بعد الدرامي الموجودة في النصوص الكلاسيكية – الجمهور، في شخصية هاملت، يعلق بغزارة علي العمل المسرحي في الوقت الذي يتكشف فيه هذا العمل أمام عيونهم . وبالتالي لا يؤثر التعليق فقط علي الأحداث علي خشبة المسرح، ولكنه يؤثر علي أفعال المشاهدين . يتعرف كلوديوس علي نفسه في الشرير لوسيانوس فيتوقف الأداء . يشارك الجمهور وهاملت ومن بعده كلاوديوس في أداء خلاق « أنت كورس جيد ياسيدي « . تخبر أوفيليا هاملت ردا علي تعليقاته علي المشهد الذي يتكشف أمام أعينهم . في هذا المثال، يسجل شكسبير عدم التناسق الدينامي للتواصل المسرحي الذي يعمل كموبد للمعلومات . يصور هذا المشهد فكرة لوتمان التي تقول « لأنه في أغلب الحالات تكون اللغات المختلفة للمجال السيميوطيقي غير متناسقة دلاليا، بمعنى أنها لا تملك تطابقات دلالية متبادلة، عندئذ يمكن اعتبار المجال السيميوطيقي ككل كمولد للمعلومات . ان اللقاء الفريد للفعل علي خشبة المنصوص عليه وفعل الجمهور غير المنصوص عليه، العابران والجديدان في كل مرة يتم فيها تقديم المسرحية هو حاوية ذلك الذي يقدمه الصوتان. وبالتالي فان عدم التناسق المسرحي الذي يمكن تقديمه باعتباره عاطفي وفكري، يستدعي الاستجابات الادراكية والنفسية في كل من المؤدي والمتلقي علي حد سواء. فاستجابة كلاوديوس النفسية مهمة – يجعله وعيه المذنب يستجيب بعنف للآحداث المقدمة .
 وفي مسرحية تشيكوف « طائر البحر «، يصور تقديم مسرحية كونستانتين تريبليف، كما هو الحال في مثال مسرحية شكسبير السابق، حدث الاتصال الذي يميز علاقات المرسل/المستقبل غير المتناسقة الغريبة التي تنشأ فقط داخل الحدث المسرحي . وكمثال للسخرية الدرامية، يصور المشهد استحالة فهم علاقة خشبة المسرح/الجمهور، وانتشار فعل رفض نص الجمهور في اللقاء مع الجمهور، ومع الأشكال المسرحية الجديدة . والمسرحية تصور شرط عدم التناسق مع المجال المسرحي السيميوطيقي، عندما يطفو نموذج مركز الاتصال، ومركز الثقل، وبالتالي تتحرك من محور المجال الى محيطه .
 وعرض انريك دياز لرائعة تشيكوف، تحت عنوان «مسرحية طائر البحر» هو مثال لعدم التناسق المتأصل داخل المجال المسرحي السيميوطيقي . ويصور العرض احباط دياز من غموض نص تشيكوف . فمن ناحية تتناول المسرحية العديد من التفسيرات ذات المناظر الخلابة التي مرت بها هذه المسرحية خلال عمرها المسرحي لأكثر من قرن . ومن الناحية الأخرى، كما يوضح عرض دياز، يواجه كل جيل جديد من صناع المسرح معضلات مماثلة : لايجاد جماليات مسرح ملائمة لذلك الموجود في النص الأصلي، وأن يكون قادرا علي خلق سخرية أدائية ورقة يمكن أن تعبر بشكل ملائم عن مسرحية تشيكوف . يوضح عرض «مسرحية طائر البحر»، وهي تفسير جماعي حر من الفرقة لنص تشيكوف، مقولة لوتمان بأن عدم التناسق واضح في العلاقة بين مركز المجال السيميوطيقي والمحيط . ففي مركز المجال السيميوطيقي تتشكل أكثر اللغات تطورا وتنظيما بنيويا، وفي المقام الأول اللغة الطبيعية للثقافة . وفي عرض دياز يقع الحدث في المكان الذي تؤدي فيه الفرقة التدريبات . ويستخدم العمل أضواء خشبة المسرح ويصر علي الايهام بأن الجمهور يشاهد تدريبا أو عرضا غير مكتمل، أو عرض قيد التنفيذ . ويجعل دياز الجمهور يتابع المعضلات الفنية الخاصة بالفرقة ويضللهم بحيث يدفعهم الى التفكير في أن الأمر يتعلق بهم وبسلوكياتهم الغريبة – وليس عن تشيكوف . ولذلك يقدم العرض مزيجا من « الضوضاء « في موسكو عبر ريودي جانيرو ويتم عرضه بغمغمات برتغالية وفرنسية وانجليزية مصحوبة بالترجمة .
 وفي تقنيات الاقتباس لم تستخدم الفرقة فقط مسرحية تشيكوف « طائر البحر»، ولكنها استخدمت أيضا مسرحياته الأخرى وقصصه القصيرة . وبحثت عددا من اشارات التناص الموجودة في نص تشيكوف الأصلي وجسدتها . فمثلا، تضمنت «طائر البحر « مشهدا بين «أركادينا» وأخيها «سورين»، يجسد الممثلة وهي تتذكر تجربتها المسرحية السابقة في دور «مارجريت جوتييه» من رواية ألكسندر دوماس «غادة الكاميليا» . واذا كانت أركادينا في مسرحية تشيكوف قد ألمحت الى هذه التجربة في العرض الذي قدمه دياز، فانها تجسد في الواقع المونولوج الأخير لبطلة دوماس التي تحتضر . وفي هذه اللحظة، يتعرض جمهور دياز الى عدم النتاسق المسرحي : يختار المخرج أن ينقل تركيز المجال السيميوطيقي الى المحيط والى الاحالة المسرحية الأصلية وبالتالي ينقل تركيز عرضه من مشاكل تجسيد نص تشيكوف الملائم لمسائل تقديم اشارات التناص الموجودة في النص . وكما يقترح دياز، فان هذا العرض هو لعبة مرآوية أو نص تشعبي حيث يدخل ويخرج الممثلين من أدوارهم ونقل الشخصيات الى نقطة الذروة .
 علاوة علي ذلك، يهتم دياز بجماليات مسرح العبث الموجودة كدلالة علي المرجع، ان لم تكن دلالة علي نص تشيكوف ( الذي يتم اعتباره أحد أسلاف مسرح العبث) فهي في تقاليد عرضه الغنية . يتوائم الممثلون مع الشخصيات التي تتكاثر مع تطور العرض – يؤدي كل ممثل شخصيتين أو أكثر من شخصيات تشيكوف ويجسدهم . ويعلق الممثلون علي أفعال الشخصيات وعواطفهم ويرتجلون العلاقات الواقعية والخيالية بينهم . ولا تخدم الأشياء وديكورات العرض أي وظيفة تمثيلية . وهنا يستخدم القرنبيك باعتباره :
 بديلا لطائر النورس الميت الذي يرسم المشهد الأخير بين  الكاتب الشاب المعذب تريبليف و نينا، الممثلة الموهوبــة  التي يحبها . ويستخدم الجزر والطماطم كأدوات . ويصبح مجفف الشعر الكهربائي بندقية انتحــار . وتتحـول القهــوة المسكوبة الى بحيرة . وفجأة تظهرامرأة عارية في منتصـف المسرح تضع علي رأسها سماعات . وتحوم مروحية مزودة
 بجهاز تحكم عن بعد حول الغرفة . وتمسكها بيــدها . مثــل طائر النورس .
وبالتالي، يعمل عدم التناسق المسرحي هنا علي مستويين : علي مستوى انغماس المشاهدين في نص تشيكوف الملائم، وعلي مستوى معرفة الجمهور ( الفردية والجماعية) بتقاليد التفسير المسرحي .
 المجال المسرحي السيميوطيقي والحدود :
تنشأ اللغة الطبيعية للمجال المسرحي السميوطيقي في احتفالات الطقوس الدينية، حيث تستخدم مفردات الايقاعات وسرعاتها والجرس و النغمات وتعبيرات الوجه التي تبدأ بين اجسام الممثلين واجسام المتلقين . ويمكن أن يحدد نبض الاتصال المسرحي، وتنوع الموجات الايقاعية التي تنطلق من المسرح الى الجمهور ومن الجمهور الى المسرح، اللغة الطبيعية للمجال المسرحي السيميوطيقي وحدودها . تتكون اللغة الثانوية أو لغة التواصل المسرحي المحيطية، وفقا لرأي لوتمان، من التعبيرات اللفظية المستخدمة في الاتصال المسرحي . والحقيقة هي أن المجال السيميوطيقي بالاضافة الى اللغة المرتبة بنيويا، مزدحم بلغات جزئية، اللغات التي يمكن أن تستخدم فقط وظائف ثقافية معينة، علاوة علي ما يشبه اللغة، الأنساق نصف المكونة التي يمكن أن تكون حوامل الدلالة اذا كانت متضمنة في السياق السيميوطيقي .
 وقد كان عدم تناسق لغات الاتصال الثانوية والحاجة الى عرض مسرحي للهروب من أولوية الحوار علي السرد المرئي هو بؤرة تركيز عدد من التجارب، منذ بداية القرن العشرين حتى الآن . وتعتمد مسرحية ايفان فيربيف، وهو أحد أبرز مخرجي المسرح الروسي، « النشأة الثانية Genese N. 2 “، بكثافة علي المسرح المسرح الروسي والطليعة الروسية وتشير اليهما . وفي ميزانسين عام 2006 الذي قدمه جالين ستوف، يتحول العرض الى مونتاج للحقيقي والزائف، والواقعي والخيالي، وعرض سحري لمسرح تفكيكي من قلب الكتلة الشرقية السابقة، ورؤية للناجين الذين تزورهم صور توراتية وذكريات كابوسية للماضي عن سنوات الديكتاتورية . وتقدم المسرحية، التي تقوم علي مسرحية أنطونينا فيليكانوفا الأقرب الى اليوميات شبه القصصية ( عالمة الرياضيات الروسية الفصامية التي تقضي أيامها في جناح الطب النفسي ) استكشافا دراميا لمقابلة خيالية بين الرب ( التي يلعبها طبيب فيلكانوفا) وزوجة لوط ( التي تؤديها فيلكانوفا ) في حضور شخصية قصصية الكاتب المسرحي في موسكو (ايفان فيريبليف) . وتبدا المسرحية بمونولوج فيريبليف يشرح فيه خلفية العمل وبنيته لتقديمهما . وتظهر المسرحية كسلسلة من المشاهد المنفصلة بثلاثة ممثلين يمثلون بشكل تبادلي شخصيات هذه المسرحية : المريض والطبيب والاله والمؤلف وزوجة لوط .. الخ . يتم تضخيم أصوات الممثلين وتمثيل الممثلين/الراقصات علي الأرضية المعدنية المنعكسة في المرايا المعلقة قطريا . وتصاحب الحدث موسيقى تتكون من تنويعات ساخرة علي بعض الأغاني الروسية الشهيرة واسقاطات آنية سابقة التسجيل تخلق جميعها ايهاما بوقت معلق، وهو شيء يجد ستوف أنه علامة علي مرض فيلكانوفا العقلي . وبالتالي، فان عرض « النشأة الثانية» يقدم سيرك ميتافيزيقي مهتم  بالشعوذة المبالغ فيها مع معنى الحياة والموت ونشأة العالم
 تخيل سارة كين الشقراء في تنورة واسعــة مصنوعة مــن  التــول الوردي وهي تهتـز كالريشــة، وصامويل بيكيـت  اللطيف وهو يرتدي بفخر أنف مهرج أحمر ويـوزع علي الجميع بالونات ملونة وحلوى من الشعر اللزج، ويـمرح أنطونين آرتــو في المــرج الأخضر، قد تـرك فقاعــات تطير من فمه المبتسم، ثم نلمح عرض «النشأة الثانيـة« كما عايشه وتخيله واقترحه جالين ستوف .
ومع ذلك، بالنسبة للمشاهد، حتى لو كان خبيرا مثل عالم، وليس من الصعب فقط حل شفرة جميع المراجع الثقافية والفنية التي يوفرها سرد خشبة المسرح، بل من الصعب متابعة الاخراج الى حيث يتكشف السردي . ولا يقتصر الأمر فقط علي أن هذه المسرحية بعينها تتبع منطق شخص شبه خيالي يكتب مسرحيته في الملجأ، بل ان تعقيد طريقة ستوف نفسها هي الذي يُدعى الجمهور الى حلها . وهنا يسود منطق الأنماط الأدائية والتجليات الترابطية علي منطق السياق الدرامي . فالعرض يقدم مثالا للمسرح الدرامي الذي تتجاور فيه الشخصية القصصية مع واقع المؤدي، ناهيك عن سياق الأداء (كما هو في عرض «ملك الموت» ) ثم في سياق الاشارات الثقافية والمسرحية التي يبنيها .
 علاوة علي ذلك، يرفض عرض ستوف الحاجة الى مؤدي لبناء حوار مع الشخصية القصصية لكي يخلق عالمه القصصي . ويتم استخدام منطق اللاتمثيل – عدم التطابق والتعرض لعالم المؤلف . ومثل الرقص الحديث يعتمد عرض « النشأة الثانية « علي لغة الاتصال الطبيعية ( الأولية) وفقا لمصطلحات لوتمان . فهو يقدم عالم خشبة المسرح المحتمل بشكل أقرب الى عالم الجمهور الحقيقي . فالعرض يجعل العالمين متطابقين تقريبا، ويجعل سؤال ماهو العادي سؤالا لا علاقة له – ما هو الفرق بين العالم الواقعي والعالم المحتمل؟ . وبالتالي، من خلال التلاعب بالمبادئ الأساسية للمسرح بخلق ظاهرة علامة العلامة، يؤسس عرض « النشأة الثانية « حدود المجال السيميوطيقي المسرحي .
 المجال المسرحي السيميوطيقي للثنائية :
يوسع كالفي كول رؤية لوتمان للمجال السيميوطيقي باعتاره مجال الروابط الدلالية لفكرة البيئة المولّدة من جديد، المبتكرة كلية بواسطة كائنات بيئية . كائنات تبتكر العلامات التي تصبح الأجزاء المكونة للمجال السيميوطيقي . ويعمل المجال السيميوطيقي، الذي يتميز بمبدأ الثنائية، كمولد للبيئة الجديدة، التي لا تحتاج فقط مظهر الأشكل اليومية الجديدة والاتصال الفني، ولكن أيضا انساق الكناية الجديدة، ومن بينها أنساق الأدب والفن، كما يقول لوتمان .
 كل ثقافة حية لها آلية مدمجة لمضاعفة اللغات .....  فمثلا، نشهد باستمرار زيادة كمــية في لغات الفـن .  وهذا صحيح ولاسيما في ثقافة القرن العشرين ......  وفي العصور التي يـأتي فيهـا النشــاط الابداعـي من  القراء، فان الشعار القائل بأن الفن هو كل ما نعتبره حلقات فنية حقيقية ... وفي الوقــت الحاضر يصبــح أكثر ضيقا في الوقــت الذي تزداد فيــه مجمــوعات لغات الفن : بعض الفنون في حالة ممارسة التسرب من الصورة .
ولذلك، فان انساق الكناية الجديدة – الأشكال الفنية الجديدة أو اللغات المكتشفة حديثا ذات الشكل الراسخ – تسمح بالتعرف علي البيئة المكتشفة حديثا ووصفها . والنوع الفعلي Verbatim هو المثال علي العملية الموضحة أعلاه . ويتضمن تقديم خشبة المسرح للنص الوثائقي مقابلات وشهادات وتصريحات ومقالات علمية . والوثائقي هو مصطلح عام لمجموعة متنوعة من من المسرح الوثائقي بما فيها لدراما التسجيلية ومسرح الشهادات، وكلاهما معنيان بالتلاعب بفكرة العوالم القصصية والعوالم المحتملة . فالمسرح الوثائقي، في أنقى صوره، يفُهم علي أنه المسرح الذي يمكن أن يوفر مصادر مقابلة لحواره، بالأسلوب الذي يوجب علي الصحفي، وفقا لأخلاقيات المهنة، أن تكون لديه مصادر للقصة . يدرس مسرح الفعلي توقعات المشاهدين المعتادة ورؤية ما يمكن أن يكون قصصيا أو حقيقيا علي خشبة المسرح . وهو يستخدم بعض آليات الاشارة المختلفة لما يستخدم في أنواع المسرح الأخرى .
 ...........................................................................................
يانا ميرزون تعمل استاذا بقسم المسرح بجامعة أوتاوه بكندا
نشرت هذه المقالة في مجلة  Semiotica  184-1/4 (2011)


ترجمة أحمد عبد الفتاح