فرقة ومضة عودة خيال الظل والأراجوز

فرقة ومضة عودة خيال الظل والأراجوز

العدد 705 صدر بتاريخ 1مارس2021

تكونت فرقة ومضة المسرحية في بداية عام (2004) تقريبا، وهي تعتمد في عروضها على فنون الأداء الشعبي “الأراجوز ـ خيال الظل ـ الراوي” في محاولة لمواجهة هيمنة المجتمع الاستهلاكي التي تؤسس لها العديد من الشركات عابرة القارات والتي ربطت برامجها التسويقية بما يقدم للمتلقي من برامج إعلامية موجهة، وهي لا تختلف في منطقها العام عن تلك التي تربط المنتجات الغذائية والاستهلاكية بالغرائز الأساسية لتضمن استمرار العملية التسويقية  وذلك بخلق وعي تشرف علي على تشكيله وبدا ذلك واضحا في برامج الأطفال التي ارتبطت بتسويق منتجات ترفيهية.
وهذه المحاولة من جانب الفرقة تعد تدعيما لقيم العطاء فالعروض تقدم للمتلقي دون مقابل مادي.
تنطلق الفرق من معطيات التراث للتأكيد على أن لدينا ما نستطيع أن نعبر به عن أنفسنا بشكل يحررنا من مفاهيم العجز الذي يفرضها علينا شكل التلقي للنموذج الغربي.

ÇáæÚí ÇáãÚÑÝí
تطرح الفرقة في أسلوبها ومضمون ما تقدمه منهجا يمكن أن نطلق عليه “فنون الضد” أي ضد الهيمنة الوحيدة على العالم وضد صياغته بشكل يتفق مع مصالح المهيمن الوحيد في العالم الذي يفرض نفسه سعيا لإلغاء التعددية الثقافية والتي هي الضمان الوحيد للاستمرار والتي هي خلاص الوعي المعرفي الإنساني وتعتمد لتحقيق ذلك على اللامركزية باستخدام العديد من الوسائل “خيال الظل ـ الأراجوز ـ الراوي” ورفض مفاهيم الاحتكار على جميع مستوياته بداية من رفض فكرة البطولة المطلقة للممثلين داخل العمل الفني، امتدادا إلى رفض الأفكار التي يطرحها النظام الاستهلاكي، وتعتمد على مداخل إنسانية، فموضوعاتها تهتم بمشاكل الإنسان في المقام الأول وتعتمد أيضا على النظام الشبكي وترفض البنية الهرمية فهناك مجموعة من الوحدات الدرامية داخل السياق.
وهي لا تتقيد بمكان عرض محدد بل تسعى في عروضها إلى الناس حيث يكونون فأقامت الفرقة عددا من العروض في الأحياء الفقيرة والمنتزهات والمعارض الدولية والمراكز الثقافية والمراكز المسرحية المتخصصة، وتحاول أن تستوعب المكان الذي تقدم فيه عروضها ليتشكل في بنيتها مهما اتسع أو ضاق.

خبرات فنية
وفرقة ومضة تتكون من مجموعة من الفنانين الشباب المستقلين ممن يرغبون  التأكيد على الاستقلال الثقافي والمعرفي، تلك الرغبة التي نبتت لديهم من قناعتهم التامة بأن لدينا ما يستحق الوجود من خلال خبراتهم وترحالهم، فمدير الفرقة ومؤلف عروضها هو الناقد “د. نبيل بهجت”، و كان معهم في البداية مخرجة العرض “إيزيس سرتال” وهي فنانة مصرية اغتربت عن وطنها وعملت في العديد من مسارح العالم وتعد من أبرز المخرجين الشبان في نيويورك، وأبرز أعضاء الفرقة هو الممثل والمخرج الشاب “محمد كريم عبد الغني” الذي يعد لنيل درجة الدكتوراه في مسرح الشرق الأقصى بجامعة كوريا في سيول بكوريا الجنوبية.

خللوا بالكم
بمعرض القاهرة الدولي الثاني عشر لكتب الأطفال قدمت العرض المسرحي “خللوا بالكم” تحت رعاية المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية برئاسة “سامح مهران”.
وهذا العرض الذي يعتمد على فنون الأراجوز، قائم على التواجد اللحظي والتفاعل بين الجمهور وأداء الفرجة الشعبية بمفهومها التراثي، وبين الممثل الذي يعد وسيطا وفاعلا بين الجمهور والأداة التراثية، وهو لا يعتمد على نص ثابت وإنما يعتمد على خط درامي يقوم أساسا على أسلوب الارتجال والتكيف التعايشي بين الممثل والمكان الذي يقام فيه العرض.
ويفترض العرض بداية قيام صلة إيجابية بين الأداة الشعبية والمتلقين يبني على أساسها الممثل حالة مستمدة من الفرجة الشعبية تعتمد على إشراك المتفرج في العرض بطريقة تختلف كثيرا عن الأسلوب “البريختي” لأن هدفها الأساسي ليس التمرد والثورة وإنما إعادة إبداع الذات لدى المتفرج ليصبح قادرا على اتخاذ القرار ومن ثم تمهده للمفاهيم الأيديولوجية التي تتبنى فكرا مغايرا للرؤى التصالحية التي تكرس لقيم العجز بمستوياته والتي تجعل من المتفرج متلقيا سلبيا، وهذه الحالة التي يطرحها العرض هي أحد أهداف فرقة “ومضة” التي تسعى من خلال فنون الأداء الشعبي كالأراجوز وخيال الظل والراوي، لمواجهة ومقاومة هيمنة الشركات التي تصنع مجتمعا استهلاكيا يقوم على قيم الاستهلاك في جميع المناحي، إضافة إلى أن هذه الحالة في حد ذاتها هي تثبيت لقيم العطاء التي تكاد أن يفتقد لدى المتلقي الصغير “الطفل” عندما تربط الشركات الكبرى سلعها بما يقدم له من برامج مواجهة له وهي لا تختلف في نمطها العام مع تلك التي تربط المنتج الغذائي بالجنس مثلا وغيرها من النماذج التي نعلمها ولسنا بحاجة إلى تفصيلها.
كما أن هذه العروض هي احتفالية بالذات والهوية لأنها تثبت عمليا أن لدينا ما يمكن أن نعبر به عن أنفسنا وثقافتنا وهويتنا دون الحاجة إلى الاستيراد من النموذج الغربي الذي يريد أن يثبت أنه الأفضل وأنه النموذج الذي يجب أن يحتذى.
وظلت الفرقة بعد ذلك تقدم عروضها أسبوعيا في “بيت السحيمي” بشارع المعز لدين الله الفاطمي، وزاد جمهورها من مختلف الأعمال حيث زادت خبرات العاملين بها، من تقنيات فنية، وتأليف نصوص جديدة تعتني بقضايا الواقع المعاصر، وإن جاء مغلفا بأقنعة تراثية.


عيد عبد الحليم