مخرجو الفرق الحرة: المسرح الحر في مهب الريح وهناك ضرورة لتقديم الدعم له

مخرجو الفرق الحرة:  المسرح الحر في مهب الريح وهناك ضرورة لتقديم الدعم له

العدد 705 صدر بتاريخ 1مارس2021

يمثل المسرح الحر رافدا هاما من ورافد المسرح المصري ويضم العديد من الطاقات الشابة التي عشقت المسرح بحب وتفانى وتكبدت الصعوبات من اجل تحقيق حلم الوقوف على خشبة المسرح وتصفيق الجماهير وعرض إبداعها الخاص. المسرح بالنسبة لهم هو الرئة التي يتنفسون منها ، ولكن لازالت الفرق الحرة  تواجه تحديات كبيرة وصعوبات بالغه قد تؤثر على بعضها، بالإخفاق أو بالانسحاب من المسرح، علاوة على تقلص عدد المهرجانات المسرحية الخاصة بالفرق الحرة و تقلص الهامش الذي يسمح به  مسرح الدولة أمام المبدعين الشباب                                                           
كان علينا نرصد آراء فناني المسرح الحر والتعرف على ما يواجهونه من تحديات ومقترحاتهم .

المخرج هشام السنباطى مؤسس مشروع آفاق مسرحية أثار عدة نقاط فقال “ لابد أن أشير إلى أن إقامة اى مهرجان يوازيه زخم مسرحي وأنشطة مختلفة ، ومؤخرا أصبح هناك زخم كبير من المهرجانات، ولكن لا أحد يهتم بإقامة ليالي عروض للفرق الحرة أو أن يجعلها تقوم بجولات في المحافظات و أنصب الاهتمام على إقامة مهرجان لبضعه أيام وعقب  انتهاء فعالياته تتوقف الفرق ولا تجد متنفسا لعرض إبداعاتها المختلفة،
أضاف “عالجنا هذا الأمر في مهرجان آفاق مسرحية من خلال عمل مراحل مختلفة للعرض تتمكن من خلاله الفرق من تقديم العرض لأكثر من ليلة، و أنا أتساءل:  أين عروض مراكز الشباب التى تقوم بعمل جولات في المحافظات بميزانيات وزارة الشباب والرياضة أين النشاط المسرحى والفنى طوال العام، بعيدا عن المهرجانات؟
كما تحدث السنباطى عما سماه الهشاشة الفنية الحالية وعدم وعى المخرجين الشباب بأهمية الاستفادة من خبرات الأجيال السابقة .

المؤسسات الخاصة
فيما  أشار  أحمد رمزي مدير النشاط المسرحى بساقية الصاوي إلى أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات الرسمية فقال “إن كنا بصدد الحديث عن الأماكن أو الدور الثقافية الخاصة فهي لا يمكن مقارنتها بالمؤسسة الرسمية بأي شكل من الأشكال، حتى وإن كان لنا السبق في بعض المهرجانات التي كان هدفنا الرئيسي منها المشاركة ولو بقدر ضئيل فى دفع الحركة المسرحية للأمام، ولكن يبقى فى النهاية الدور الرئيسي للمؤسسة الرسمية، ولا يمكن أن نلقى باللوم على المؤسسات الخاصة فى احتضان وتشجيع الفرق الحرة، وبالطبع كلنا يعرف معاناة هذه الفرق العاشقة للمسرح وأنا هنا أتحدث عن الفرق الحرة وليس الفرق المستقلة، وهذه المعاناة تتلخص فى قاعة عرض ونص مرقب وقاعة لعمل التدريبات أو البروفات وتجهيزات عرض على رأسها ديكور بأبسط الإمكانيات وجمهور... هذه العناصر السابقة أصبحت تترجم في كلمة واحدة “ المال “، حتى الجمهور فإن لم تستطع عمل دعاية مدفوعة فلن يعرف أحد ولن يكون هناك جمهور... إذاً ما هو الحل ؟!
وتابع: من الأبواب الرئيسية المفتوحة في المؤسسة الرسمية الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي كيان عريق و يمكننا كفرق حرة طرق هذا الباب، وإن كان هناك إيجابيات فيجب تعزيزها حتى يستفيد الجميع أقصى استفادة وإن كانت هناك سلبيات فيجب مواجهتها، وهناك بالطبع منافذ وأبواب أخرى للفرق الحرة ولكنها ليست جهات منتجة بل جهات تجارية خاصة هدفها تحقيق الاستفادة المادية ، وأعني غالبيتها وليس كلها... ومع ذلك يجب أن لا نلقى باللوم على هذه الجهات، ولكن يجب أن يتكاتف كل القائمين المستنيرين فى المؤسسة الرسمية للوقوف بجانب هؤلاء الشباب، ولنتخيل سوياً: ماذا لو قدمت المؤسسة الرسمية لهؤلاء الشباب قاعات بروفات ودور عرض بنصف المبالغ المادية التى ينفقونها فى الخارج، سيعود ذلك بالطبع بالنفع المادي والمعنوي، أعود وأكرر: كم من عرض رائع من عروض الهواة مر مرور الكرام على الرغم من تقيمه من أساتذة أكاديميين بأنه عرض جيد، كم من ممثل هاوي حصد العديد من شهادات التقدير من أساتذة أكاديميين وهو إلى الآن لا يستطيع ممارسة المهنة؟ أضاف: نريد إحياء المشروع الذي بدأه الدكتور أشرف زكى قبل ثورة يناير الذي يتضمن فتح أبواب مسارح البيت الفني للهواة المبدعين حتى وإن كان في إطار الاستضافة بشكل مبدأي ، ومن وجهة نظري الشخصية أقيمت مسارحنا الحكومية للفن والإبداع وليس للتوظيف، وكلنا أمل فى الأساتذة القائمين على الأمر، المهرجانات ليست هى المنتج المطلوب، ولكن إن كنا نتحدث عن منتج يجب ان يخرج في أبهى صوره لجذب الجمهور فنحن إذا نتحدث عن العرض المسرحى، هذا هو المنتج المطلوب خدمته وتطويره، قاعات عرض ، خشبات مسرح، إضاءة ، صوت ، ديكور، ثم نتحدث بكل ثقة بعد ذلك عن المهرجانات التى ستتنافس فيها هذه العروض،  أما إن كنا نتحدث عن مهرجانات فقط فهو من نوع من العبث، سأعود وأكرر جملة آدم سميث التى استخدمها فى كتابه “ ثروة الأمم “ : “ دعه يعمل دعه يمر،  بل وقدم له يد المساعدة.
 
الاستقلال المادي و الفكري
فيما رأى المخرج مايكل تادرس مخرج فرقة شمعه وملاحة أن الفرق الحرة والمستقلة كانت وستظل اكبر مشكلاتها هو الحصول على التمويل و الدعم اللوجيستى، وهو ما يكفل الاستقلال الفكري والعمل بدون أجندة تفرض و شروط. فجمال و قوة و عنفوان المسرح الحر والمستقل ينبع من استقلاليته وليس من فقر و ضعف إمكانياته. بأن يكون صوت مغاير عن صوت مسرح المؤسسة، المسابقات الرسمية تسمح بالمشاركة الشرفية دائما للفرق المستقلة كأنها تعترف بوجودهم و تمنحهم شرعية، بينما تنعدم تماما أوجه الدعم و النشاط خارج الفعاليات.

وقال المخرج أحمد رسمي مخرج فرقة الصومعة : “ مسرح الهواة هو متنفس عاشقي المسرح الذين يبذلون لإنتاج العرض من أموالهم الخاصة، بدون منتج او جهة إنتاج، وهم فنانين في مهب الريح ؛ لعدم وجود تعويض مادي لفنهم أو دعم من الجهات المعنية لهم، و لكنهم يتحدون الصعوبات من اجل تقديم العرض، لإيمانهم بفكرة فنية وجب أن يناقشوها في عروضهم، على الرغم من معاناتهم في إحياء ليالي عروضهم ،
وتابع قائلا:  “ سيظل مسرح الهواة حاضرا أبدا ؛ لانه لا يتطلب شروطا خاصة او اختبارات معينه للالتحاق به،  وإنما هو وليد حب وإيمان تتوارثه الأجيال،  وهناك ضرورة كبيرة لتطويره وأن تكون هناك جهات مسئولة عن اكتشاف وتقديم مخرجي فرق الهواة وملتزمة  بتوفير أماكن  عرض بالإضافة لإتاحة وزارة الثقافة اختبارات فنية وإعطاء تصاريح عمل  للهواة تكون بمثابة بوابه لعالم الاحتراف.

كيان يستوعب الفرق
فيما أشار محمد حافظ مخرج فرقة يوتوبيا إلى أن المهرجانات المسرحية تلعب دورا كبيرا فى إتاحة الفرص للفرق في التنافس فيما بينها، و أن تنوع العروض يؤدى إلى التنافسية المطلوبة، مندهشا من قلة  المهرجانات المسرحية التي تقام للفرق الحرة والتي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ويرى أنه لا يوجد سبب لهذا الأمر، بعكس مهرجانات السينما المتعددة، مشددا على أهمية المهرجانات للفرق الحرة؛ لما لها من بالغ الأثر عليها حيث  تستفيد من توصيات اللجان ، و أشار إلى ضرورة وجود كيان يضم هذه الفرق ويوفر لها الدعم اللوجيستى أسوة برعاية الشباب فى الجامعات .
وتمنى أن يكون هناك هذا الكيان القادر على دعم هذه الفرق فيتم الإشراف على أعمالها ورعاية العرض المسرحى ، مثلما يحدث مع فرق مسرح الدولة.
تابع “ من المهم تفريغ طاقات هؤلاء الشباب وتوجيهها في المسار الصحيح والاستفادة منها في الارتقاء بالمجتمع، والشباب جزء لا يتجزأ منه  .
بينما وصف المخرج جوزيف بهاء مخرج فرقة ألفا أوميجا  مسرح الهواة بأنه غير تقليدي و مصدر للإبداع الحر، مشيرا إلى ان  مخرجي عروض الهواة تقابلهم عوائق لا حصر لها، وأهمها تكاليف إنتاج العرض والتزام طاقم الممثلين. أضاف: الهواة حينما يقدمون مسرحا يقدمون أوقاتهم وحياتهم قبل كل شي،ء وهنا تكمن المشكلة حيث توجد مسئوليات أخرى أمامهم لابد ان ينجزوها غير المسرح، وذلك يهدد مسرح الهواة بشكل كبير جدا فلولا ظهور أعضاء جدد ذو مواهب كبرى؛لاضمحل مسرح الهواة منذ زمن، وان كنا نريد أن يستمر علينا أن نوفر له المناخ المناسب للعمل. تفتح شركات الإنتاج ذراعيها وتحتضن المواهب الشابة وتنميها، وتجعل لها مستقبلاً جيدا على خشبه المسرح، وترعى وزارة الثقافة عروض الهواة و أن تتم تحت إشرافها وان يتم مراجعتها من لجان أكاديمية لتصحيح المسار، وليس لاستبعاد العروض.

نقابة للفرق الحرة
وقال المخرج احمد قاسم: فكرت في  تأسيس إتحاد يضم الفرق المسرحية الحرة منذ عام 2009 ،عندما واجهت بعض الصعوبات في عملي كمخرج وممثل وأحبطت تماماً فكانت البداية تأسيس صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تضم كل المشتغلين في المسرح الحر؛ حتى  نتمكن من مساعدة بعضنا البعض سواء بالنصيحة أو الدعم الذاتي
أضاف:  “و بعد مدة  تطور الأمر عقب  قراءتى للدستور و فهمى ان من حق إى مواطن ممارسة الفن وعلى الدولة مساعدته، وبدأت فى البحث عن المحاولات القديمة ،ومنها محاولات الفنان خالد الصاوي فى الثمانينات، وبالفعل بدأت فى عمل مقابلات وعقد جلسات مع مجموعة من المحامين حتى قررت إنشاء اتحاد للفرق الحرة ويضم فرقا عربية، وقمنا بعمل الجمعية العمومية بمشاركة 100 فرقة تقريبا و حوالي 11 فرقة عربية من السعودية والمغرب وتونس، وتم إعلان تأسيس الإتحاد، وبعدها بدأت فى  السعي لعمل نقابة حرة ،ومكثت فترة للبحث  والتجهيز  ولكن كان الأمر شديد الصعوبة وذلك لأن إنشاء نقابة يبعدنا عن فكرة الاستقلال.
تابع قائلا “ عدت  مرة  أخرى للإتحاد وحاولت بشكل قانوني الحصول على دعم من وزارة الثقافة مع محاولة أن يكون للإتحاد مقر ومهرجان يقيمه بشكل سنوي، ولكن كل المحاولات كان يحاربها الروتين ويحاربها أشخاص كانوا ضد فكرة الإتحاد وفكرة الفن الحر المستقل ، ولم نوفق فى جلساتنا مع وزير الثقافة الأسبق جابر عصفور ومحمد صابر عرب ولم نصل لأى حلول ولكن استطعنا من خلال الإتحاد إقامة ثلاثة مهرجانات و ست ليالي عروض متخصصة .                                           
مستقبل مسرح الهواة جيد جدا
وعلى عكس ما سبق من آراء قال المخرج أندرو سمير مخرج فرقة خشبة وستارة إن  مستقبل مسرح الهواة جيد جدا، خاصة وأنها كثيرة في مصر ولديها طاقات وخبرات ومواهب متميزة، ولكن ينقص بعضها عامل الخبرة. مشددا على أهمية دعم الدولة لهذه الفرق و أن يقام مهرجانا لفرق الهواة يضم ورش تدريبية لصقل المواهب الشابة ورفع مستوى الفرق. تابع : “نستطيع استثمار طاقات الفرق الحرة من خلال توفير مسارح بأسعار مناسبة ؛ لأن عروضها قائمة على الدعم والإنتاج الذاتي، وهو ما يشكل عبء كبيرا في تسويق العرض لتغطية تكاليف الإنتاج، وأتمنى فى الفترة المقبلة مساندة الدولة لفرق الهواة ودعمها بشكل أكبر .

عروض المهرجانات وعروض الجماهير
المخرج محمد جلال عسكر مخرج فرقة الملحمة قال “علينا الفصل بين شيئين هامين: عروض المهرجانات والعروض الخاصة بالجمهور، فلا تتحقق استفادة كبيرة للفرق سوى بحصولها على جائزة عند مشاركتها في المهرجان، أما باقي الفرق فلا تحقق اي استفادة تذكر، كما أن الحصول على جوائز لا يفى حق الفرق فيما تكبدوه من مشاق ومتاعب .
وأما الشق الثاني الخاص بالعروض الجماهيرية فكما نعلم تنجذب الجماهير للعروض التي بها إبهار بصري واستعراضات، وهو أمر يمثل صعوبة لفرق الهواة ؛لأن تكاليف مثل هذه العروض كبيرة ، خاصة أن الفرق الحرة تعتمد بشكل كبير على الدعم الذاتي، فالمادة أحد أصعب العوائق التي تواجه هذه الفرق لذا تقدم عروضا متواضعة العناصر ،
ويتسبب العائق المادي فى عزوف الكثير من مخرجي الفرق الذين يمتلكون أفكارا مبدعة وخلاقة عن تقديم عروضا لخوفهم من خروجها بشكل متواضع، وحذر جلال من بعض الفرق الحرة التي توهم الهواة بإقامة عروض لهم وتبيع لهم وهم الشهرة،  وتقوم بجمع مبالغ منهم وفى النهاية لا تقدم عروضا ، وهى إحدى الظواهر السلبية التي تحدث من بعض الفرق الحرة .      


رنا رأفت