العدد 702 صدر بتاريخ 8فبراير2021
عزيزي الباحث الجاد الذي يسعى إلى البحث عن حقيقة يعقوب صنوع وريادته المسرحية، يجب أن تضع في اعتبارك إننا – حتى الآن - لم نجد خبراً واحداً أو نشاطاً واحداً عن مسرح «يعقوب صنوع – جيمس سنوا» حتى يوليو 1871. ولكن هذا لا يعني أن صنوعاً شخصاً وهمياً لا وجود له، كما يروج البعض بأنني صاحب هذا القول، لأن كل من قال بذلك لم يقرأ كتاباتي الخالية «تماماً» من هذا القول! وبناء عليه، أقول: إن النشاط الوحيد الموثق والمنشور باسم «جيمس سنوا» يتمثل في أمرين: الأول «شهادة ماسونية صنوع الرسمية» عام 1868. والآخر، كتاب صنوع «العربي العجوز» المنشور عام 1869.
وبالنسبة للأمر الأول .. فالحق يُقال: بأن الفضل فيه يعود إلى الباحثة «ريهام عبده إبراهيم» التي نشرت – في رسالتها للماجستير – صورة شهادة ماسونية صنوع، مع ترجمتها وتحليلها وشرحها، وتفسير رموزها ومصطلحاتها وأرقامها وفقاً للمفاهيم الماسونية، موضحة أن جيمس سنوا حصل على هذه الشهادة من «المحفل الأكبر الإنجليزي»، عندما انضم إلى المحافل الماسونية بداية من عام 1868. فقد انضم إلى محفل «كونكورد» بالقاهرة التابع للمحفل الأكبر الإنجليزي في لندن. وقد مُنح صنوع خلاله على درجة «ماهر». وتم تنصيبه لهذه الدرجة في القاعة السرية العلمية للحطابين وفني البناء، وتدرج بعد ذلك في الترتيب الماسوني إلى أن وصل إلى المرتبة التاسعة عشر في السلم الماسوني! ويُطلق على هذه المرتبة درجة «الأستاذ»، وتم تنصيب صنوع في تلك الدرجة من خلال المحفل الأكبر الإنجليزي في إنجلترا. أما الأمر الآخر، فهو كتاب «العربي العجوز L’arabo anziano» تأليف «James Sanua» المنشور في مصر باللغة الإيطالية عام 1869، والتي اكتشفته الدكتورة «وفاء رؤوف» بجامعة حلوان، وأعادت نشره في إيطاليا منذ عامين.
وأتمنى أن أجد باحثاً متخصصاً في «الماسونية»، يحاول أن يكتب بحثاً عن صنوع من منظور ماسوني، ويفكر جيداً في كل ما كتبه صنوع عن نفسه وكل ما كُتب عن صنوع؛ بناء على أن صنوعاً بدأ حياته عام 1868 بوصفه قائداً ماسونياً برتبة «ماهر»، وأول كتاب منشور له «ربما» يحمل أفكار الماسونية، و«ربما» أيضاً يكتشف الباحث أن النصوص المسرحية المنسوبة إلى صنوع، والمكتوبة في فرنسا، والمنشورة بعد وفاة صنوع بخمسين سنة، هي مسرحيات تحمل أفكار الماسونية!! وأتمنى أن أكون مخطئاً في هذا التفكير، وأن يثبت الباحث أن صنوعاً لم يكن ماسونياً وأن الشهادة المنشورة «مزورة»، وأن رتبة «ماهر ماسوني» أو«رتبة أستاذ ماسوني» هي من الرتب البسيطة، التي لا يُعد صاحبها ماسونياً!!
والعقبة الوحيدة التي ستقف أمام الباحث في هذه النقطة، أن الباحثة «ريهام عبده» أثبتت بمئات الأدلة ماسونية صنوع بوصفه صحافياً، حيث جاءت بأدلة دامغة من كتابات صنوع نفسه في صحفه الساخرة – طوال ثلاثين سنة تقريباً – وأدلة ماسونية صنوع قوية في رسالة الباحثة البالغ عدد صفحاتها أكثر من سبعمائة صفحة! وبالرغم من ذلك لا أريد أن أحبط الباحث، ربما ينجح في إثبات أن صنوعاً ماسوني في الصحافة فقط، وغير ماسوني في المسرح!!
مشروع الحكومة المصرية
قلت سابقاً إنني لم أجد أي نشاط مسرحي لصنوع حتى يوليو 1870 رغم أن مصر كانت مهيئة مسرحياً لفكرة إنشاء وظهور المسرح العربي، كما أوضحت سابقاً! وهذه التهيئة أسفرت عن ظهور مشروع للحكومة المصرية بإنشاء المسرح العربي في مصر، وهذا المشروع كان حبيس وثيقة ما زالت محفوظة في «دار الوثائق القومية»، اكتشفتها الباحثة «إيمان النمر» ونشرتها في رسالتها للماجستير عام 2012. وهذه الوثيقة قمت بنشرها وتحليلها وشرح ما فيها في سلسلة مقالات بعنوان «حقائق تنشر لأول مرة منذ 150 سنة: دور الحكومة المصرية في نشأة المسرح العربي»، ونشرت هذه المقالات في جريدة «القاهرة» الأسبوعية ابتداء من العدد 989 إلى العدد 993 طوال شهر يوليو 2019. وأعدت نشر هذه المقالات مجمعة في كتاب يحمل عنوان «الجديد في نشأة المسرح العربي في مصر»، الصادر عام 2020.
وحتى لا أعيد ما نشرته عن هذا المشروع، سألخصه، وأقول: جاء في التقرير الرسمي الذي قدمه العميل «زد Z»، إلى السيد «ناردي Nardi» مفتش بوليس القاهرة بتاريخ 27/1/1871، أن بعض رجال من الحكومة المصرية مع بعض المهتمين بالمسرح، اجتمعوا في أحد الفنادق المصرية وقرروا إنشاء المسرح المصري، عندما تمّ التأكد بأن البيئة المسرحية في مصر تهيأت تماماً لهذه النشأة. ورشح المجتمعون لتنفيذ هذه المهمة فرقة مسرحية تأتي من «بيروت» لخبرة فنانيها الكبيرة في تأليف وتمثيل المسرحيات العربية، وبالأخص ترشيح نصوص مسرحيات «مارون النقاش» المنشورة والمطبوعة في كتاب «أرزة لبنان» والموجود مع الباعة في مصر منذ صدوره عام 1869، هذا هو ملخص مشروع الحكومة.
وفي مارس 1871 تقدم مراسل مجلة «الجنان» البيروتية بمقترح إلى الحكومة المصرية لتنفيذ مشروعها في إنشاء المسرح العربي، وذلك باستقدام فرقة مسرحية تضم «راقصين وراقصات» فرفضت الحكومة مشروعه بسبب وجود الرقص، التي تريد الحكومة محاربته بالفرقة المسرحية التي تحقق مشروعها! وبعد خمسة أشهر بدأت جريدة «الجوائب» في نشر خمسة أخبار تتعلق بالمسرح العربي؛ وكأن مشروع الحكومة بدأت خطواته تُنفد!! والجدير بالذكر إن الأخبار الخمسة هذه، تُعدّ أهم أخبار تتعلق بمشروع «المسرح المصري» وبنشاط صنوع للمسرح، وكان لي شرف اكتشافها ونشرها «كلها» لأول مرة في يوليو 2019 بجريدة «القاهرة»، قبل أن ينقلها مني آخرون دون الإشارة إلى جهودي في اكتشافها ونشرها!! مع ملاحظة أنني لم أكتفِ بنشرها فقط، بل قمت بشرحها وتحليلها وتفسريها وتبرير ما فيها من معلومات، لذلك لن أعيد هنا ما كتبته سابقاً، بل سأتناول أخبار الجوائب من خلال فكر جديد، لعلني أسهم في توسيع دائرة البحث، وإكساب الباحثين مهارات أكثر في التفكير وتبادل وجهات النظر حول حقيقة صنوع وريادته للمسرح!!
الخبر الأول
نشرته جريدة «الجوائب» - التي تصدر في الأستانة - يوم 16/8/1871، وفيه قالت: «وقد سرنا ما بلغنا من أخبارها [تقصد مصر] أنه أنشئ فيها تياترو ينشد فيه الألعاب العربية. وللطفه قد حضر فيه في الليلة الأولى نحو ألف نفس. ثم أنه وإن كان قد أرسل إلى مصر عدة روايات من جهات مختلفة، خصوصاً من «بيروت»، إلا أنه انتخب له رواية يقال لها القواس ألفها «أحد الإنكليز»»!!
من المؤكد أن هذا الخبر سيثير فضول الباحثين! وربما يسألون قائلين: طوال عامين ومجلة «وادي النيل» التي تصدر في القاهرة، تتمنى ظهور المسرح العربي وتنادي بإنشائه، والحكومة المصرية نفسها هي صاحبة المشروع، ورغم ذلك نقرأ خبر ظهور المسرح العربي بالقاهرة لأول مرة في جريدة «الجوائب» التي تصدر في الأستانة، ولا نقرأ هذا الخبر «نهائياً» في الدوريات المصرية، مثل مجلة «وادي النيل» أو جريدة «الوقائع المصرية»؛ لأن الخبر يتعلق بمشروع الحكومة؟!! والأغرب من ذلك أن هذا الخبر لم نجد له «وثيقة» واحدة تؤكده، أو تؤكد ظهور المسرح العربي في القاهرة في أغسطس 1871!! وبالتالي فجهود الباحثين في هذه النقطة مهمة جداً جداً داخل «دار الوثائق القومية» وداخل «دار المحفوظات العمومية بالقلعة».
وأرجو من الباحثين عدم الانتباه إلى بداية الخبر المنشور، والوقوف عند عبارة «سرنا ما بلغنا»!! لأنها تعني أن صاحب الجريدة «أحمد فارس الشدياق» لم يشاهد هذا المسرح، ولا يعرف عنه أي شيء، وأن الخبر جاءه من مراسله في القاهرة، والعهدة تقع عليه!! وأخشى كل الخشية أن يسألني باحث عن اسم «مراسل الجوائب في القاهرة»، لأنني سأضطر إلى البوح باسمه وهو «أصلان كاستلي» كما ذكرت ذلك جريدة «الأهرام» بعد عشر سنوات تقريباً!! ويعلم الله إن كان هو «مسيو كاستلي» مدرس اللغة الفرنسية في المهندسخانة أم لا!! المهم إنه من أسرة «كاستلي» صاحبة المطابع والمكتبات، وأهم راعية لصنوع ونشاطه، كما سيتضح لنا فيما بعد!!
وأنا واثق من ذكاء الباحث الجاد، لأنه سيلتفت إلى عدد الجمهور الذي شاهد أول عرض للمسرح العربي في مصر - على يد رجل إنجليزي - وعدده «ألف» مشاهد، شاهدوا أول تمثيل عربي في مصر، وهو التمثيل العربي الذي يتفق مع مشروع الحكومة، وهو أيضاً التمثيل العربي الذي دعت إليه مجلة «وادي النيل» وتمنت رؤيته في مصر!! والآن يتوقع الباحث أن أُشبع فضوله وأقول: إن صاحب هذا المشروع – الذي لم يُذكر اسمه في الخبر، ولا نعرف شيئاً عنه سوى إنه رجل إنجليزي – تم تكريمه بالأوسمة والنياشين المتنوعة، وأن الوزراء ورجال الحكومة افتتحوا التمثيل العربي في احتفال مهيب حضرة الخديوي ورجال الدولة. ومحمد أنسي كتب في مجلته «وادي النيل» مقالات مطولة حول هذا الإنجاز، وكذلك جريدة «الوقائع المصرية» .. إلخ!!
للأسف يا عزيزي .. لم يحدث أي شيء من هذا!! بل وأزيدك – من الشعر بيتاً - وأقول: «دار الوثائق القومية» و«دار المحفوظات العمومية» لا يوجد بهما «وثيقة واحدة» بخصوص هذا الأمر، رغم أنه يتعلق بمشروع حكومي!! ولم نجد حتى الآن خبراً بخصوص هذا المسرح في «جميع» الدوريات المتاحة في هذه الفترة، سوى جريدة «الجوائب» التي تصدر في الأستانة، والتي نشرت الخبر عن طريق وسيطها ومراسلها «كاستلي»؛ لأنه الوحيد الذي رأى المسرح العربي وأحصى جمهوره!! لذلك يجب أن يجتهد الباحثون للوصول إلى أي فرد من «الألف» مشاهد، ربما كان منهم صحفي كتب مقالة عن أول مسرح عربي في مصر، أو متشدد استنكر هذا المسرح واستهجنه! ولا مانع من البحث في الصحف الإنجليزية، لأنها من المؤكد كتبت ونشرت تفاصيل هذا الحدث العظيم، كون صاحب مشروع المسرح العربي في مصر، وصاحب أول عرض عربي في تاريخ المسرح المصري «إنجليزياً»!!
وأخيراً لا أريد من الباحثين الاهتمام بالعبارة الموجودة في الخبر، والتي تقول: «كان قد أرسل إلى مصر عدة روايات من جهات مختلفة، خصوصاً من «بيروت»»، لأن هذه العبارة تعني أن الحكومة «ربما» كانت قد بدأت بالفعل في تنفيذ مقترحها بالاستعانة بفناني بيروت لإنشاء المسرح العربي في مصر؛ ولكنها أرجأت الأمر بسبب ظهور «الإنجليزي» فجأة، والذي لا يعرفه أحد، ولم يتحدث عنه أحد غير مراسل الجوائب «كاستلي»!!
الخبر الثاني
نشرته الجوائب بعد عشرة أيام من الخبر الأول، وقالت في بدايته: «قد ذكرنا سابقاً إنه أنشئ بمصر تياترو تجري فيه الألعاب والروايات العربية، وهذا تفصيل محاسنه على ما ذُكر في وادي النيل»!! وهذا يعني أن الشدياق سينشر الخبر بواسطة مراسله «كاستلي»، الذي نقله من «وادي النيل»!! والحق يُقال: إنني لم أجد خبراً واحداً عن هذا الأمر منشوراً في مجلة «وادي النيل»، ولعل السبب راجع إلى عدم وجود أعدادها كاملة – كما ذكرت من قبل – وهذا مجال بحث آخر أمام الباحثين!!
وبالعودة إلى الخبر الثاني المنشور، يستطيع الباحث العودة إليه في دراساتي السابقة لعدم التكرار؛ ويهمني منه الآن هذا الجزء: «.. صار إجراء اللعب بالثلاث قطع التياترية العربية، التي صار لعبها مراراً بتياتروا القنسير داخل حديقة الأزبكية. وذلك بسراي قصر النيل العامرة، أمام الحضرة الخديوية. وكان على جميع الحاضرين علامات السرور .... وقد ابتدئ بهذه القطع الوجيزة باللغة العربية الدارجة، لقصد تسهيل التمرين على الشبان المتشبثين بإجراء تلك الألعاب؛ وحيث ظهر عليهم علامات النجاح في هذه القطع الصغيرة السهلة، تأليف الخواجه جمس».
في هذا الخبر ذكر مراسل الجوائب «كاستلي» اسم صاحب هذه العروض وهو «الخواجة جيمس»، الذي قال عنه في الخبر الأول إنه «رجل إنجليزي»!! مما يعني إنه غير مصري كما أوضحنا من قبل! والخبر يقول إن «الخواجة جيمس الإنجليزي» عرض ثلاث قطع تياترية وجيزة باللهجة العامية مراراً في تياترو بحديقة الأزبكية! وهنا نسأل: إذا كان «الألف» مشاهد الذين شاهدوا عرضه الأول صمتوا جميعاً، ولم نصل إلى أي مشاهد منهم يحكي لنا عما شاهده، ولم نجد صحافياً واحداً اهتم بهذا الحدث، فعلى الأقل سيتغير الموقف الآن؛ لأن الخبر يؤكد أن «الخواجة جيمس الإنجليزي» عرض ثلاثة أعمال «مراراً» على أحد مسارح حديقة الأزبكية، مما يعني أن «آلافاً» شاهدوا هذه العروض التي تكرر عرضها «مراراً» .. فهل تجرأ أحد المشاهدين من هذه «الآلاف» وذكر ما شاهده؟؟ وهل كتب صحافي واحد «خبراً» عن هذه العروض الثلاثة المتكررة، والتي كانت مصر طوال عام ونصف تنادي بها وتأمل مشاهدتها؟!! للأسف كلهم «صمتوا» ولم يشاهد هذه العروض المتكررة، ولم بشاهدها ولم يكتب عنها سوى شخص واحد هو مراسل الجوائب «كاستلي»!!
وكم أتمنى ألا يُعيد الباحث قراءة الخبر السابق مرة أخرى، حتى لا ينتبه إلى العبارة التي تقول إن الأعمال الثلاثة التي قدمها «الخواجة جيمس الإنجليزي» أمام الناس مراراً، قدمها أيضاً في «سراي قصر النيل العامرة، أمام الحضرة الخديوية. وكان على جميع الحاضرين علامات السرور»!! فلو قرأت عزيزي الباحث هذه العبارة، وقلت إنها دليل كبير على صدق الحدث، وأن «الخواجة جيمس الإنجليزي» قدم بالفعل عروضاً مسرحية أمام الخديوي!! سأقول لك: هل يُعقل أن ثلاثة عروض مسرحية – مهما كانت سهلة وبسيطة وقصيرة وعامية – تُعرض أمام الخديوي إسماعيل وحاشيته ووزرائه ورجال دولته المسرورين بمشاهدة التمثيل العربي، ولا نجد «وثيقة» أو «خبراً» يؤكد هذه الحادثة إلا كلام مراسل الجوائب «كاستلي»؟!! أليست هذه العروض هي مشروع الحكومة؟ ألم تُعرض داخل قصر الخديوي؟! ألم يشاهدها الخديوي بنفسه مع وزرائه؟! أيعقل حدوث كل هذا ولا نقرأ عنها «خبراً» واحداً في أي جريدة عربية أو أجنبية في مصر كلها؟! أيعقل ألا نجد «وثيقة» واحدة تُشير إلى هذا الحدث وإلى تنفيذه بوصفه مشروع الحكومة؟! عموماً: أنا أطرح هذه الأسئلة أمام الباحثين الجادين لعلهم يجدوا الإجابات المنطقية لهاـ أو يجدوا أخباراً لم أجدها، ووثائق لم أكتشفها!
آخر ما يهمني في هذا الخبر وصف الممثلين بهذه العبارة: «الشبان المتشبثين بإجراء تلك الألعاب»!! مما يعني أنهم «هواة» وصغار في السن - في العشرينيات مثلاً - مما يعني أنهم عاشوا عشرات السنين بعد ذلك، فهل سمع أحدنا أو قرأ عن «ممثل» واحد كان في فرقة «الخواجة جيمس الإنجليزي»؟! ألم يعش «ممثل» واحد ليحكي لنا عن هذه الفرقة وصاحبها «الخواجة جيمس الإنجليزي»؟! الحقيقة لم أسمع ولم أقرأ شيئاً عن أي فرد من أفراد فرقة الخواجة، ولا عن الخواجة نفسه!! لذلك أقول: إن الاحتمال المنطقي أن فرقة الخواجة جيمس، هي مجموعة هواة من شباب الجاليات الأجنبية المقيمة في مصر، ويتحدثون العامية المصرية بصورة «مكسرة»، مثل أي أجنبي مقيم في مصر، وبالتالي لم يستمروا في التمثيل، ولم يهتم بهم أحد!
إنه احتمال منطقي بالتأكيد، ولكن يناقضه كل مؤمن بريادة يعقوب صنوع المسرحية – لأننا سنكتشف فيما بعد أن الخواجة جيمس الإنجليزي هو يعقوب صنوع – الذي ذكر أسماء فرقته في مسرحيته «موليير مصر وما يقاسه» بأنهم: متري، حبيب، أسطفان، عبد الخالق، حنين، إلياس، بطرس، حسن، ماتيلدة، ليزة!! وبكل أسف هذه الأسماء فردية، وسنجد عشرات منها في تاريخ الفرق المسرحية في مصر! ولكن هناك أملاً واحداً وهو وجود اسم لفتاتين «ماتيلدة وليزة»!! وأظن ظهور فتاتين في أول عروض مسرحية عربية في مصر، سيكون مادة إعلامية ثرية تكتب عنها الصحف العربية والأجنبية عشرات المقالات!! وبكل أسف لم أجد «خبراً» واحداً عن ظهور فتاتين على خشبة المسرح، ولم أجد خبراً واحداً عن أي شيء مما نقله مراسل الجوائب «كاستلي»!!
وحتى لا أغلق باب الاجتهاد أمام الباحثين، سأطرح عليهم فكرة، وهي البحث عن اسم «ماتيلدة» فقط، لأن اسم «ليزة» لم أجده نهائياً ضمن الممثلات في تاريخ الفرق المسرحية، ولكن «ماتيلدة» وجدته، فهل هي: «ماتيلدة ركاح» ممثلة جمعية نور الهدى الوطنية عام 1901، أم هي «الآنسة ماتيلدة» ابنة ناظرة المدرسة القبطية بأسيوط التي مثلت مسرحية «إستير» عام 1911، أم هي «ماتيلدة نجار» الممثلة الشهيرة في عدة فرق مسرحية، منها فرقة أحمد الشامي عام 1924، وفرقة الشيح محمد عطية؟!