العدد 683 صدر بتاريخ 28سبتمبر2020
الفضاءات المغلقة
لقد مر المكان المسرحي بالعديد من مراحل التطور عبر التاريخ المسرحي، حيث أضافت إليه كل مرحلة من تلك المراحل بعدًا جديدًا، بحيث تغيرت معماريته وتبدلت وفق متغيرات تاريخية، وظروف اجتماعية وثقافية.
إن الشكل الحالي للمسرح والذي يطلق عليه “ العلبة الإيطالية أو مسرح (البروسينيوم - The Proscenium – arch theater” ) هو الذي تسيَّد منصات التمثيل المسرحي منذ ظهوره في القرن السادس عشر في إيطاليا وحتى يومنا هذا، وأصبح المعمار الإيطالي في بناء المسارح هو الدارج، وبات تقليدًا متعارفًا، بحيث لا يخلو بلد من هذا النوع من المسارح، لتظل العروض المسرحية رهينة لهذا المكان المسرحي، أسيرة لجدرانه الأربعة، حبيسة كواليسه الخلفية.
غير أن الأمر لم يخل من تجارب مسرحية ـ خصوصا في القرن العشرين ـ تحمل مشعل التغيير والتنوير على طبيعة المكان المسرحي الإيطالي، تبنت هذه التجارب ـ على فترات متباعدة ـ الدعوة إلى مسرح بديل عن طريق الانفتاح على فضاءات مسرحية مغايرة تتسم بالتنوع ومحاولة تحقيق التواصل الحميم بين الممثل والجمهور تنظيرًا وبناءً وتشكيلاً ودلالة.
ولقد تمثلت الثورة على الفضاء المسرحي التقليدي الدعوي إلى ارتياد فضاءات تتجاوز بنايات المسرح المغلقة.. إلى ما يسمى بمسرح (الغرفة Black Box theater) بأشكاله المختلفة، والمسرح المفتوح حيث فضاءات متنوعة ربما هي مناط مناطق أثرية تاريخية، أو تراثية، أو حدائق، أو ساحات، ..... إلخ.
وكما يقول (أرنست فيشر – A . FISHER) “ إن الفن وليد عصره، فيمثل الإنسانية بقدر ما يتلاءم مع
مطامح هذا الوضع ومع حاجاته وآماله(1) .
ومن مظاهر الاهتمام بفن المسرح، انتشار المباني المسرحية التي خصصت في تقديم العروض المسرحية، وقد نالت هذه المباني المسرحية اهتمامًا مستمرًا وتطورت لتلبى قدرًا كبيرًا من تطور العناصر الفنية والمسرحية إلا أن هذه المباني بصفاتها المعمارية وتكلفتها المالية العالية لم تستطع أن تكفي لتقديم كافة الأفكار والمواضيع التي يحتاجها الجمهور، ولشدة هذا الاحتياج عادت العروض المسرحية تقدم في الأماكن المختلفة والبحث عن أماكن جديدة قليلة التكلفة حيث يمكنهم أن يقدموا عروضهم المسرحية ويشبعوا احتياجات الجمهور، فظهرت العروض التي تقدم في مختلف الفضاءات والأماكن التي تصلح بشرط أن يتوافر في تلك الأماكن إمكانية تحقيق عناصر العرض المسرحي المرئي والمسموع، ويلقى الممثل قدرًا من المرونة والحركة وتحقيق الرؤية الإخراجية، وذلك ساعد على الخروج إلى مختلف الفراغات غير التقليدية كما خصص عدد من القاعات الصغيرة والمتوسطة لتقديم عروض مسرحية مكتملة العناصر التشكيلية والفنية مثل الديكور المسرحي كعنصر تشكيلي هام مشارك في العروض المسرحية في كافة الأماكن المشار إليها سلفًا، ويقول (جوليان هلتون – Gulian Hilton) : “ إن النظرة الطبيعية إلى الديكور قد تولدت من رغبة لأي إصلاح لمسار المسرح وتحويله إلى مكان يدفع المتفرجين إلى تأمل الوضع الإنساني تأملا صادقا “(2).
أن هناك مجموعة من المختصين يعرفون الفضاء غير التقليدي بناءً على هوية ونشاط المعمار ذاته، فإذ قد بني خصيصا من أجل تقديم العروض المسرحية، فهو فضاء غير تقليدي، أيا كان نوعه وشكله من علبة إيطالي، أو غرفة، أو روماني، أو مغلق، أو في الهواء الطلق. والفضاء غير التقليدي هو تلك المباني التي هويتها المعمارية ونشاطها ليست من أجل تقديم العروض المسرحية مثل الكنائس والمداس والساحات والميادين العامة.
وهناك من يرى أن الفضاءات غير التقليدية هي كل ما يقدم من عروض مسرحية خارج مسرح العلبة الإيطالي. وهناك من يرى أن هناك فرق بين الفضاء المسرحي الذي يعنيه الباحثون والمختصون المسرحيون وبين فضاء المسرح من الناحية المعمارية. والفضاء غير التقليدي لا يحدد بناءً على نوع فضاء البناء نفسه.
ويرى الباحث في تعريفه للفضاءات غير التقليدية: أنها تلك الفضاءات التي يحدد ما هيتها المنظر المسرحي وأبعاده وعلاقته بالمتفرجين، أيا كان نوع الفضاء المستضيف للعرض، سواء كانت أبنية بنيت خصيصا من أجل المسرح، أو أماكن ومباني عامة مثل المقاهي، والكنائس، والشوارع، والساحات العامة. فالمناظر المسرحية غير تقليدية هي التي ترتبط بعلاقات تشكيلية مع أماكن جلوس المتفرجين ينتج عنها زوايا ورؤى مختلفة، وأشكال من الفرجة جديدة.
أن تعريف وتصنيف الفضاءات غير التقليدية بناءً على نشاط المبنى المستضيف غير دقيق؛ لأن التشكيل يكون في الفراغ المطلق بشكل عام، محدثًا التكامل الفراغي بين منطقة التمثيل وأماكن جلوس المتفرجين. وأن العرض خارج إطار البروسينيوم ضرورة فنية وجمالية. وعلى سبيل المثال إذا فرض أن هناك عرضًا مسرحيًا صمم على مسرح علبة إيطالي في وضع البروسينيوم، فبناءً على تعريف المكان الثابت أو المكان العام فهو منظر تقليدي، وإذا تم نقل العرض كما هو دون تغير إلى ساحة في ميدان أو في شارع، هل سيتحول المنظر إلى فضاء غير تقليدي تبعا لمعمار المكان؟ فالإجابة ستكون لا؛ لأن المنظر في الأساس تقليدي، ولم يحقق التكامل الفراغي والدمج بين المكانين، مكان التمثيل ومكان الجمهور، وهذا ما نسميه بوضع البروسينيوم.
فمحاولات إنشاء أماكن بديلة جاءت بناءً على ضرورة فنية لرغبة الفنانين وتمردهم على كل ما هو مقيد للحركة والتشكيل مثل العلبة الإيطالية. وإيجاد أماكن تسمح لهم بمرونة التشكيل في فضاءاتها.
“إن الفنان الحقيقي ينطلق في تنظيم خشبة المسرح من “الناس” , ومما يحدث فعلاً للناس ومن الناس , فهو لا يصنع “منظرًا” – ذا خلفية وإطار – بل يؤسس فضاءً “يعيش” الناس فيه بعضًا من حياة . فتتخذ كل الأدوات التي يضعها المخرج الفنان في يد الممثل، والتي تشكل مباشرة جزءًا من التمثيل شكلاً حقيقياً”(3).
ولا بد أن نفرق بين فضاء المعمار نفسه وبين فضاء العرض المسرحي الذي يخلق ويشكل بداخل فضاء المبنى من الناحية التخصصية. ومن الناحية التخصصية فيعنينا فضاء العرض المسرحي.
أما من الناحية التشكيلية فهما الاثنان مرتبطان ببعضها البعض، فكلما كان فضاء المعمار مرنًا كلما ساعد على إيجاد معادلات تشكيلية غير تقليدية، أيا كان نوع هذا الفضاء سواء بني من أجل المسرح أم لا، فإن الهدف الحقيقي هو المنتج المسرحي. وتأتي محددات الفضاء من أبعاده المكانية، والكتل، والفراغات، وشدة وضوح دلالاته المكانية، أو غموضها. وبناءً على ذلك يصنف الباحث فضاء المعمار المسرحي إلى نوعين هما:
فضاء غير مرن، ثابت، مثل مسرح العلبة الإيطالية بصالتي الجمهور والمسرح. وفضاء مرن، غير ثابت، مثل الساحات والأماكن البيئية. وتتباعد مرونة الأماكن المسرحية من كلا التصنيفين بناءً محددات الشكل والفراغ.
ومن نماذج الفضائات غير التقليدية المغلقة
مسرح الصندوق الأسود (black box theatre)
. وتعتمد هذه القاعات على فكرة الفراغ المسرحي غير المحدد (spaces uncommitted)، بمعنى أنه يسمح بإقامة عدد لا نهائي من الترتيبات والتعديلات المتوافقة مع كافة أنواع الدراما ، ويطلق على القاعة مسرح الصندوق الأسود أو الأستوديوهات التجريبية (experiment studios)، أو مسرح الإستوديو (studios theatre)، أو المسرح المرن (Flexible theater). وفي مصر تسمى بمسارح الغرفة، أو القاعة، أو مسرح الجيب. أنظر الشكل رقم 1
المسرح الجانبي (profil theatre)
وهو عبارة عن فراغ قاعة يحدد مكان الجمهور على جانبي منصة التمثيل، مثل معلب كرة السلة. ومن الممكن وجود جمهور قليل أو معدوم على طرفي منصة التمثيل ويقوم الممثلون بالحركة الجانبية أمام للجمهور. ويتم وضع المناظر على الجانبين اللذين
لا يحتويان على متفرجين، وفي بعض الأوقات يضع المصممون مناظرًا خلف المتفرجين.
ومن النماذج والأشكال المسرحية التي تتشابه في نفس الفكرة مع مسرح البروفايل هو مسرح Traverse stage أنظر شكل 2و 3
المسرح ذو المنصة الممتدة (thurst stage)
هذا النوع من المسارح? يجمع بين المسرح التقليدي? ?العلبة الإيطالي? ?ذي? ?الإطار? ?(proscenium stage)? ?ومسرح (الساحة? ?arena (stage وهو عبارة عن منصة تقتحم منطقة المتفرجين وتمتد إليه ليحيط بها من الثلاث جهات، ويكون الجزء الرابع خلفية المسرح، ومتصلة بمنطقة الكواليس، ويكون المسرح في كثير من الأحيان مربعًا أو مستطيل الشكل .أنظر الشكل (4و5)???????????????????????????
مسرح نهاية الخشبة (end stage)
تمثل أماكن جلوس المتفرجين ومنصة التمثيل الفضاء المعماري مع المسرح في مساحة واحدة. ويجلس الجمهور مواجها لمنصة التمثيل في الجزء الأمامي، ولا يمتد حوله. وسكون خلف منصة التمثيل جدار المسرح Backstage” وهو شبيه بمسرح البروسينيوم، ولكن هنا قد أزيل برواز تحديد المناظر، ومساحة التمثيل قريبة من المتفرجين. ومن الممكن إن تكون منصة التمثيل أعلى من الجمهور والعكس أيضًا. أنظر شكل (6و7 )
مسرح المحكمة أو الفناء (Courtyard Theatre)
مسرح الفناء أو المحكمة، وهو عبارة عن فناء أو ساحة بها كراسي متراصة في اتجاه منصة أو خشبة التمثيل، ويحوطها على شكل حرف U شرفات يجلس بها المتفرجون. ومن السمات التي تميز شكل مسرح الفناء أنه يجمع بين أكثر من شكل من أشكال الفراغات المسرحية في أن واحد مثل: المسرح المرن في حرية حركة الكراسي التي توضع في منتصف الفناء، وفي بعض الأحيان تكون ثابتة مثل مسرح البروسينيوم.
ومن الممكن أن تمتد منصة التمثيل مثل مسرح المنصة الممتدة. وفي نموذج معماري آخر تكون منتهية عن بداية الجمهور مثل مسرح نهاية الخشبة.
ويتميز هذا النوع عن غيره بوجود شرفات حول المنطقة الوسطى يجلس بها المتفرجون ويعتبر هذا النوع مسرحاً يجمع بين الأشكال المسرحية فى مكان واحد. أنظر شكل (8
المسرح الدائرى (THEATER IN THE ROUND)
من السمات الأساسية لهذا الشكل من المسرح أماكن جلوس المتفرجين التي تحيط بمكان التمثيل 360درجة، من جميع الجوانب. ويكون بين أماكن المتفرجين المحيطة ممرات لدخول وخروج الممثلين من وإلى منصة التمثيل، مما يسمح للجمهور بالتداخل والمشاركة مع الأداء. ويتم تكوين هذه المساحة مع المسرح على مستوى متساوٍ مع أو أسفل من الجمهور في شكل “حفرة” أو “ساحة”. هذا التكوين يصلح للإنتاج عالي الطاقة، وهو مفضل بشكل خاص من قبل منتجي المسرح الكلاسيكي.
والنموذج المستدير ليس هو النموذج الوحيد بل ممكن أن يلتف الجمهور على شكل مربع أو مستطيل من الجهات الأربعة لمنصة التمثيل سواء كانت هذه التوزيعات لأماكن الجمهور منتظمة أم لا. وأيضا قد تجده بمسميات أخرى مثل مسرح (الجزيرة ISLAND STAGE) أو (مسرح المنتصف STAGE CENTER).
أنظر الشكل (9و10)
- المسرح المتعدد الوظائف (The Multi Formed)
هذا النوع من المسارح تلبية لضرورات فنية مسرحية، تؤكد ضرورة وجود المسرح متعدد الأغراض وهو عبارة عن مبنى واحد بأداء مجموعة من الوظائف المختلفة في أحد فراغاته الوظيفية أو جميعها. وتنوعت أساليب معالجته والوظائف التي يؤديها مع مرور الزمن أنظر الشكل (12)
8 - المسرح البيئي (Environmental Theatre)
المسرح البيئي يكون مدلول فضائه الجامد الثابت دالا على المناظر المسرحية بشكل واقعي وبمدلول مكاني مباشر. وفي الأغلب لا يستخدم قطع من الديكور ويكون الاعتماد على الشكل البيئي للمكان، مثل تقديم عرض أوبرا عايدة بمنطقة أهرام الجيزة أو أي مكان أثري فرعوني. ولكن هناك من المصممين من يكون لديهم بعض التفسيرات والتأويلات وقد يستخدمون هذا الفضاء الثابت، بتشكيلات ودلائل رمزية وتعبيرية غير واقعية. وقد يستخدم البعض قطع من الديكور أو لا في علاقة تشكيلية مع بيئة المكان المستضيف للعرض.
ولابد أن نفرق بين عروض الفضاء البيئي التي تستفيد من شكل فضاء المكان كدلالات مكانية فقط أو تشكيلية سواء في أماكن مغلقة أو في الهواء الطلق، وبين العروض التي تقدم نفسها في فضاءات مختلفة كمكان عام مستضيف للعرض. مثال إذا كان لدينا شاطئ وعرضت عليه مسرحية تتحدث موضوعاتها عن الهجرة غير الشرعية يصبح الفضاء هنا فضاء مسرح بيئي. أما إذا عرض على نفس المكان ولتكن مسرحية عطيل لوليم شكسبير وتم بناء منظر مسرحي واقعي خاص بأحداث العرض المسرحي فسيكون فضاء العرض ليس بيئيًا، ويندرج فضاء النموذج المقترح بناء على شكل تصميم المسرح اذا كان هو مسرح مفتوح أو مسرح بروسينيوم إذا تم بناء جدران مثل العلبة له..... إلخ.
ومن الفضاءات البيئية المغلقة مثل مسرح المقهى او المنزل او أى مكان مغلق فى موقع اثرى نتبين من ملامحه شكله الأثرى.
الهوامش
- أرنست فيشر: ضرورة الفن، ترجمة: أسعد حليم، الهيئة المصرية العامة للكتاب،عام 1998، ص 45.
2 - جوليان هلتون: نظرية العرض المسرحي، ترجمة: نهاد صليحة، هلا للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى،عام 2000 ، ص 68.
3 - فاديم بازانوف، عمارة المسرح في القرن العشرين، المسرح فى القرن العشرين، 142ص