تعدد الرؤي الإخراجية لدراما «مس جوليا» قراءة في كتاب لجمال ياقوت

تعدد الرؤي الإخراجية لدراما «مس جوليا» قراءة في كتاب لجمال ياقوت

العدد 679 صدر بتاريخ 31أغسطس2020

يقدم مؤلف هذا الكتاب الفنان(جمال ياقوت) الأستاذ المساعد بقسم المسرح بكلية الآداب جامعه الإسكندرية (كمرشد فى التحليل الفني لعناصر النص والعرض المسرحي )2018، في رسالة غير مسبوقه للماجستير في علم المسرح، حيث اضطر لاستكمالها  للسفر للدنمارك -  البلد الأصلي لكاتب النص “ مس جوليا”  1888 (أوجست سترندبرج)(1849 – 1812)، بحثاً عن التجارب الإخراجية التي تناولت هذا النص، وهي كثيرة بالطبع في بلدان العالم..
نتوقف عند أربعه تجارب أتيح له مشاهدتها لنص : “جوليا”  وهي من إخراج : السيد طلب – 1969-  لمسرح الطليعة بالقاهرة،و”مس جوليا”  إخراج كبير مخرجي الدنمارك  وأشهرهم في العالم (انجمار برجمان) الذي رحل عن دنيانا عام 2007، وقدمها بالمسرح الملكي السويدي عام 1985، و “مس جوليا” من إخراج الدنماركي (تومي بيرجرن) عام 2005، بالمسرح الملكي السويدي أيضا، ومن جنوب أفريقيا شاهد أيضا “ مس جوليا”التي عرضت في جنوب أفريقيا عام 1985  من إخراج (ميخائيل فالفوس)، وأخيرا استطاع د. جمال ياقوت أن يقدم عرضة “ مس جوليا” عام 2005 في قصر التدوق التابع لهيئة قصور الثقافة بالإسكندرية، وهي رحلة طويلة بدأها (المخرج الباحث) كما يطلق عليه (د. ابو الحسن سلام) فى مقدمة هذا الكتاب -  (بحكم كونه باحثا أكاديميا منخرطا في سلك التدريس الجامعي بقسم المسرح بجامعه الإسكندرية )، وقد عني (جمال ياقوت ) -  كما يشير (د. ابو الحسن) (بالمقارنة بين خطوط تجسيد الصورة المسرحية فى كل عرض من تلك العروض نفسها من حيث فهم كل مخرج منهم لطبيعة النمط الثقافي للشخصيات الثلاث (جوليا – جان – كريستين) ومن حيث سلوكها وأزياؤها، ومن حيث تفعيل كل منهم لمراحل إستمالة كل من (جوليا – جان ) للآخر، ومراحل الاستدراج المتبادل بينهما، ومقارنة طرائق التباين الأدائي بين ممثلي الدورين فى كل العروض موضوع الدراسة.. وصولاً الي نقطة السقوط الأخلاقي المدوى من سماوات الحلم إلي قعر الانحطاط على أرض الواقع، مروراً بمحطات البوح الذاتي،  وهو من نقد الذات وكشف عوراتها او جلدها، بعد كل صدمة درامية على طريق الانفلات من قيد الانتماء الطبقي الذي جاهدت كل شخصية منهما الي التخلص منه، ليكتشفا في النهاية أنهما وصلا إلي (حارة سد) بالمعني الشعبي المصري -  حيث استحالة التزاوج بين الطبقات، وهي الدلالة نفسها التي انتهي إليها خطاب (سترندبرج)، ويشير إلي (أن وجه الاستفادة بالتحليلات النقدية للأربعة عروض الذي سبقته والتي شُغلت (بجوليا) كانت بمثابة مواجهة مقارنة مع (العرض المسرحي التطبيقي للنص نفسه بإخراج المؤلف (جمال ياقوت) نفسه، وهو جهد نظري وتطبيقي حواه هذا الكتاب -  ذلك الجهد فى التحليل النظري  والتطبيقي -  مع المعارضات المسرحية بين رؤي الإخراج المسرحي العالمي ورؤي الإخراج المسرحي المصري ..)
ويقرر المؤلف أن نص (سترندبرج) هو درة النصوص المسرحية الطبيعية المشوبة ببعض السمات التعبيرية، لما ينطوي عليه من مصداقية التجربة الشخصية لمؤلفها، وان النص في تعقيدات علاقاته وتشابكها بما فيها من نوازع غرائزية ومراوغات استدراجية مدفوعة بتيار وعي في مقابل تيار شعوري منفلت، ولكونها صورة بشرية وجودية تتكرر على مر العصور، ويشير (المؤلف) أن الحدود الزمنية لدراسته إخراجيا على المسرح ما بين أعوام (1979 – 2005) -  بدأت بعرض مسرح الطليعة 1979 وانتهت بعرض المؤلف – 2005  على خشبة مسرح قصر التذوق -  أي على مدي (26) ستة وعشرون عاما، وانه وظف (20) عشرين مصطلحا علميا في بحثه هي : ( المعادل الموضوعي، الميتاتياتر، الرفيق الخيالي،أفق التوقعات، المباغتة، الصدمة الدرامية، الدراماتورجيا، المنظومة المعرفية، المنظومة الفنية، المنظومة الدرامية، الإستمالة، الإستدراج، المراوغة الدرامية، الرؤية الاخراجية، الاستعارية، الرؤية الاخراجية والايدولوجية، الرؤيا الاخراجية التفسيرية، الرؤية الاخراجية التأويلية، السينوغرافيا، الشكلانية، التخلص الدرامي، ويشير الي ان نص (“مس جوليا” هو الانتاج الاكثر طبيعيه من بين اعمال المؤلف، وان (جان) يتقنع (بقناعين) كلاهما زائف هما : طبيعته، وقناع تطلعاته أن يصبح مالكا لفندق .. ثم (كونتا) , ويوغل المؤلف في التحليل النفسي والايدولوجي للشخصيتين، كاشفاً عن التناقض في تطبيق المعايير للموقف الواحد، ونقاط التحول بين لعب (جوليا) الإسقاطي ولعب (جان) الايهامي، ولحظة الاكتشاف الدرامي بين البنية الكبري والبنيات الصغري، ويشير الي الازياء وملحقاتها، مثل : حذاء الكونت، وجرس الكونت، وتشبية الطبقة العليا بالصقور والنسور التي لا تكشف ظهورها – كناية  عن (وطيء)  جان لجوليا، والإشارة الي (العصفور) واغتيالة، والكلب الذي قتلته جوليا، وكذا الزهور، وتصوير حلم (جان) والاطار الزمني للسقوط، ودلالة اختراق جان للطبقة الاعلى عبر غشاء البكارة، وكيف يتغير وجه الحدث تمام بعد سقوط جوليا، وتوظيف السرد كمعادل موضوعي لاحداث الماضي وانه يشكل جانبا رئيسيا من نسيج الحوار الدرامي، ويسير المخرج المؤلف الي (القاموس اللغوي ) وتطور الاحداث الذي يشير المخرج المؤلف الي (القاموس اللغوى) وتطور الاحداث الذي يشير الي تكوين (جوليا وجان وكريستين)، والي دلالة (المكان) فى الحدث (المطبخ وما حولة)، ومحاولات كل من (جان وجوليا) فى انتحالات مفردات ثقافية من طبقة الاخر، وتتم كلها في مرحلة ما قبل السقوط .. ليكشف منابع الثقافة عند جان، واصداء الصفات الوراثية فى حياة جوليا أي انها من ام تنمني الي طبقة متواضعه وأب من الطبقة الارستقراطية ) وتناقض مظهرها مع موضعيتها الاجتماعيه التي تبدو في انتفاء اللياقة في السلوك، والجمع بين السادية والمازوخية، وينتهي هذا الفصل الاول مشيرا الي ان المنظومة الدرامية فى هذا النص تتخذ من الاسلوب الطبيعي أساساً لبناء خط صراعي صاعد يقوم على تعادل رد الفعل مع الفعل – بحيث ينسج الحدث الدرامي وفق دافعين .. أحدهما يتمثل فى البيئة، والاخر يتمثل فى الخارطة الوراثية لكل من (جوليا وجان).. حيث يري المؤلف أن احساس جوليا (بسقطتها)  هو اكبر بكثير من الموضوع نفسه -  اذ كان من الممكن ان تجد بديلا-  خاصة ان عقاب الاب لها مستبعد لتاريخ تفسخ الاسرة منذ ايام الجد والذي كانت تعلمة جوليا والخدم ايضا -  لذا فهو يري ان هذا النص لا يتحقق فية (المعادل الموضوعي ) أي عناصر احساس المبدع =  المؤلف بموضوع عملة الابداعي او عناصر احساس الشخصية الدرامية  بالموضوع ؟ وهي وجهة نظر جديرة بالاهتمام 
وينتقل المؤلف في (الفصل الثاني ) الي الإخراج المترجم لنص “ مس جوليا”  او عرض (جوليا) فى قاعه 79  بمسرح الطليعة -  وهو النص المترجم باللهجة العامية من اخراج (سيد طليب) يهدف تحقيق الحميمية بين العرض والجمهور، وبذا النص في اطار المحلية لكنه لم يوفق واثر ذلك تأثيرا سلبيا فى اداء الممثلين الذي تحول الي لهجه اقرب الي السوقية – خصوصا عند ممثل شخصية (جان) – ( فاللغة  هي الأكثر فعالية بين مقدمي العمل المسرحي أي (الممثلين) ومستقبلية (الجمهور)..  فهي تضيف اضافات فعالة فى تلوين الشخصية الانسانية واشاعه الجو العام السائد في المسرحية وإبراز المغزي، أو  الدلالة الخاصة التي تتوفر لمسرحية دون اخرى، وهو اللغة هي التي تساعد المخرج او الناقد في التقاط ملامح الشخصية وإدراك المفهوم العام لها ) كما يشير( د . محمد ذكي  العشماوي) فى كتابة “دراسات فى النقد المسرحي والآداب المقارن”  1983 -  دار النهضة العربية للطباعه والنشر- بيروت ) .. فقد تحولت احتفالات (ليلة منتصف الصيف)  في عرض سيد طليب الي احتفالات شم النسيم التي تتم أثناء النهار، والتي تختلف تماما عن احتفالات السويد بليلة منتصف الصيف حيث لا تظهر الشمس طول اليوم .. وقد تسبب (الإعداد) في افتقاد منطق الفعل في العديد من اللحظات الدرامية، واستمر العرض فى الاستغراق في السوقية المبتذلة ومستوى (الردح)، حيث تبدو حركة الشخصيات وقد خرجت عن منطق الشخصية في نصها الاصلي مما يجردها من عنصري الإمتاع والإقناع، وبدت الشخصيات بما لا يتناسب مع طبقاتهم كما صورهم المؤلف، كما يبدو عدم الفهم في مراحل الاستمالة والاستدراج فى صفعه جوليا لجان وفي ضحكة جان البلهاء، بما يتناسب مع طبيعة الشخصيتين ، وعن عنصر (الرقص) الذي اقتصر على الثنائي  أي راقصين فقط -  لذا فقد سقط مبرر تخويف (جان) (لجوليا) من الفضيحة، وقد تضافرت عشوائية  حركة الرقص مع عشوائية اختيار المقطوعه الموسيقية التي صاحبتها الي تحولها لمجرد دوران حول المائدة ذات اليمين وذات الشمال -  لذا فإن تعاكس المواقف بهذا الشكل قد ابعد الاحداث عن بعضها البعض، وعن سياقها المرسوم، وأربك تسلسل البناء النفسي للشخصيات وتطورها، واخل بالعلاقات الاجتماعيه التي تربط تلك الشخصيات بعضها ببعض، ويشير الي انه بالرغم من براعة المخرج فى مشهد تقبيل الحذاء كمرحلة مهمة نحو الاستدراج المتبادل -  إلا انه بدا مبتورا لانه لم يستمد بدايته من نهاية الموقف السابق، وأن مشهد (حلم جوليا وجان ) قد فقد فى مونولوج هذا الحلم الكثير من الجوانب الرومانتيكية  لمجرد تحويل الحوار اللى اللهجة العامية، كما فقدت اللحظة الكثير من دراميتها، وضاعت الصور الجمالية، التي تستمد قوتها من رصانة اللغة  .. وعلى مستوي (الاداء التمثليلي) عند الشخصيتين لم يتناسب مع حالة الحلم حين استخدم الممثلان أدواتهما الخارجية بشكل مبالغ فية بما اضفي المزيد من (الكرتونية ) على المشهد، ويقول المؤلف : ( ومن الغريب ان يغيب مخرج عرض الطليعة الدافع الي دخول (جوليا) الحتمي تابعة جان الي غرفته -  اذ يستبدل الخدم بفترة صمت طويلة ثم ضوضاء تنبعث من الخدم بالخارج،  وأن المخرج لم يحسب للدوافع الدرامية او النفسية حسابا، وأنه لا يمكن ان يكون شارحاً أو مفسراً او معلقاً فقط، وانما يجب وبالضرورة ان يكون مبدعا ايضا، فهو الذي (يغور) داخل الكاتب الدرامي وداخل  النص ليقدم عرضا مسرحيا بالصورة والصوت والحركة والضوء والبانتومايم والرقص والاكروبات احيانا، ومن هنا تعتبر ضرورة (التكثيف)  فى المسرح كما في الشعر . ولكن مخرج النص قد حذف من النص (اعتباطا) دون تحليل للبناء والشخصيات والحبكة والتطور الدرامي.. عندما حدث  في مشهد دخول الخدم الي المطبخ وهم في حالة سكر .. فالمخرج لم يعرف كيف ينتقل من حالة الي اخري، ولم يدرك أهمية تطوير الحدث او ما نسميه (التخلص الدرامي )، وانه لم يستطيع ان يجسد صدمات الاكتشاف عند شخصيات المسرحية الثلاث -  و(المؤلف) يرى ان لحظة الاكتشاف تشكل مفصلا اساسيا فى البناء الدرامي ، وانهما أي الممثلان قد لجأ الي الاداء التمثيلي الحاد مما افقد المتلقي حالة التعاطف، وانه لم يكشف عن فكرة الانتماء (الطبقي) بين شخصيات المسرحية الثلاث – بدليل انه لم يتعرف على قيمة وجود (العصفور) فى النص  المسرحي  بوصفة كائنا له دور في النسيج الدرامي وخط الصراع، ولم ينتبة الي التأثير الهام لوجود (الكونت) لتحريك الأحداث رغم غيابة، ولم يركز على حتمية اقناع (جوليا) بفكرة الانتحار كما جاءت عند(سترندبرج)- من أن جميع المنافذ قد أوصدت تمام في وجهيهما ... فجاء قرار الانتحار في عرضة ينقصه الكثير من اسباب القناعه والصعود المنطقي الواعي، وأنه قد أساء اختيار الممثلين، ولم يهتم بتحليل دوافعهم كشخصيات درامية، كما جاء تنفيذ مشهد لحظة قتل العصفور لا يعبر عن مشاعر (جوليا) بشكل جدي .. رغم انها تري انه الكائن الوحيد الذي كان يحبها!!
وفي (الفصل الثالث ) من هذا الكتاب الشيق الذي يحمل إبداع مؤلفة إلي جانب تحليلاته العميقة ورؤاه البعيدة الغور وعنوانه (إخراج “مس جوليا” بين الرؤية التفسيرية والرؤية التأويلية على المسرح السويدي ) حين قام بزيارته  الدراسية والاستطلاعية إلي هناك في الفترة من 19- إلي 26 مايو عام 2007، وذلك بهدف تجميع المادة البحثية والتعرف على النشاط المسرحي عامة في السويد قبل ان يناقش رسالته للماجستير بأداب الإسكندرية عام 2008، ويبدأ بتناول العرض الذي قدمه (انجمار برجمان) عام 1985  بالمسرح الملكي السويدي ونشير الي انه هذا المخرج الغربي قد قدم ثماني وثمانين عرضا مسرحيا وأربعه وأربعين فيلما سينمائيا، وهو من كبار مخرجي العالم، ويشير الي ان هذا المخرج  يقضي ما بين سنتين او ثلاث في دراسة النص الذي ينوي إخراجة، ويعمل بمفردة مع النص المسرحي كي يفهم وجهة نظر الكاتب بشكل دقيق، وأنه يهتم بتأكيد رؤيته من خلال الاهتمام بكافة عناصر العرض المسرحي من النص الي السينوغرافيا الخ  ... وبما ان العلاقة جدلية بين عناصر العمل الدرامي من أحداث وصراع وشخصيات وحوار حسب قوانين النقد الدرامي الموضوعي – فإن هذا يعني – حتما توحد هذه العناصر في المظاهر جدليا واشتراكها  في السمات والخصائص، ويشير المؤلف الي المنظر المسرحي الطبيعي في عرض (برجمان) ليحقق الدقة التاريخية..  ثم ينتقل الي المشهد الافتتاحي، ويشير الي التزام  المخرج بالنزعه الطبيعيه في العرض، خاصة فيما يتعلق بالوراثة والبيئة، والحد من نسج التفاصيل في الصورة المسرحية، والي رحلة استمالة (جوليا) والاستدراج المتبادل مع (جان)، ومراعاة المخرج للتفاصيل الحياتية للشخصيتين  بما يشيع جوا من الرومانتيكية فتشعر وكأنه قد احضر ريشة والوان وقام برسم هذه المشاعر، المتباينة بدقة عالية، ويتوقف (المؤلف) عند (حلم اليقظة كخطوة مرحلية على خط الاستدراج عند جوليا) وهي تقص  حلم يقظتها بلون صوتي واحد وبايقاع منتظم وبنبر صوت هادئ، ويتوقف ايضا عن (القذي الوهمي ) الذي ادعاه جان كخطوة متقدمة في سبيل تحقيق الاستدراج المادي ثم السقوط المدوي بين الحلم والواقع، وتصوير برجمان لهذه النزعات المتضاربة من خلال سلوكيات الخدم المختلفة والمتداخلة والمتباينة في آن واحد على خشبة المسرح، ويشير إلي صدمة (جوليا) وعلاقتها بإيقاع المشهد المسرحي من خلال الإيقاع كأهم مقومات الحوار في مشهد انقلاب الأوضاع (فجان) هو الأمر الناهي و(جوليا) هي المطيعة المستسلمة فيلجأ الي استعمال جمل اعتراضية حركية يمكن ان نطلق عليها (الاستدراك الحركي ) بصفته (مُخرجاً مفسراً ) خاصة وانه يقدس فكرة الإيقاع والدور المهم الذي يقوم به في تحقيق فعالية الأثر الدرامي، ويقصد إيقاع الكلمات وإيقاع الصورة -  لأن الحركة الداخلية للكلمات   هي أمر مهم للغايه، ويتوقف (د.جمال ياقوت) عند التجسيد الأدائي لصدمة (جوليا) الكبرى ويقظتها من غفوتها، فتحاملت على نفسها، وقررت ان تذكره بوضعيتها الاجتماعيه فى مقابل وضعه الطبقي، وفي صور عديدة متباينة متعاركة تتأرجح وتتصارع في ذهنها، في حين لا يتوقف (جان) عن معابثتها تارة من تحت ثوبها، وتارة من صدرها وهي تحتضنة في صورة معبرة عن مشاعر متضاربة تعتريها،ورسم (برجمان) خطوطا من الحركة، عبرت بشكل بليغ عن تلك الحالة النفسية المتخبطة التي تعيشها (جوليا)، وهو الجو الذي ابدعه المخرج وعبر بشكل جلي عن أهم  ملمح من ملامح النزعة الطبيعية، كذلك لا يهمل شخصية (كريستين) الخادمة وصراعها بين المثالية والواقعيه وهي التي تؤمن بحتمية وجود الفوارق بين البشر، وينتهي (الكاتب المؤلف) الي (المرآة) التي أضافها (برجمان) لكل من جوليا وجان التي هي من الامور الاكثر فاعلية فى تأكيد وجهة نظرة الاخراجية واعتمادة على رسم صورة تقوم على التناقض او التماثل غير التام، وأن اهتمام (برجمان)  بالتفاصيل ادي الي اشباع اللحظة الشعورية  ويقول المؤلف (اذا اضفنا الي ذلك قيام (برجمان) بمساعدة ممثلية على خلق الدافع لديهم بما ينتج الفعل الداخلي الذي يمثل مبررا الأفعال الخارجية، فإن الناتج حتما  سيكون هذا الصدق الطبيعي الذي غلف مشاهد برجمان، فتم الاتصال بين مقدمي العرض ومتلقية بفاعلية شديدة  أكدتها تلك الحالة الايقاعيه عالية الجودة التي قدمها فريق المسرحية ).
وينتقل المؤلف الي عرض تحليلي آخر لمسرحية (مس جوليا) اخراج السويدي (تومي بيرجن)، والتي قدمت في الخامس من اكتوبر عام 2005  على المسرح الملكي بالسويد .. تبدأ باستعراض (المعالجة النظرية واللوحة الافتتاحية للعرض)   فيشير الي التزام هذا العرض بمبدأ الدقة التاريخية الذي يرتبط بنقل التفاصيل الخاصة بشكل الديكور والتي ترتبط بطراز تاريخي معين، ويشير ايضا الي ان (الكوميديا) قد لعبت دورا فاعلا فى هذا العرض الذي اختلف عن كافة العروض التي تناولت النص فيما عدا عرض المؤلف الذي قدمة في الاسكندرية والذي تخلله  بعض اللقطات الكوميدية في (مرحلة قبل السقوط ) .. حين قدم شخصية (كريستين) بانها كانت مجردة من المشاعر منعزلة عما يحيط بها، ويتدارك المؤلف المخرج هذا العيب  فى عرضة بالاسكندرية عندما حرص على تشبيع مشهد الغزل والمداعبه بينها وبين (جان)، وفي مشهد الاستمالة والاستدراج بين جان وجوليا الذي يكشف المخرج (تومي بيرجرن) عن سلوك (جان) خافت الصوت منحني القامة امام سيدته -  رغم انه قد أزال حاجزا من الحواجز الطبقية بينهما، لكن عدم إهتمام هذا المخرج بتفاصيل مؤثرة في بناء نمط الشخصية، وهو الذي أدي الي الاحساس بلامنطقية  الافعال لانها لم تتأسس على افعال داخلية، وعلى العكس حرض المخرج(المؤلف) (جمال ياقوت) حين ركز  على (مشهد تقبيل جان لحذاء جولي) فى اشارة الي استخدام حذاء جوليا كمعادل موضوعي لجسدها في سبيل استدراجها وإثارتها جنسيا، كذلك اخطأ المخرج السويدي حين جسد (مشهد الحلم) بايقاع واحد فى الأداء التمثيلي..  كما ان الصفعه التي وجهتها الي وجه جان  افتقدت منطقيتها في (مشهد القذي ) الوهمي فى العين، وعلى العكس اهتم المخرج جمال ياقوت فى عرضة بهذا المشهد باعتبار الصفعه تعبيرا عن عاطفة بدأت تغزو مشاعرها -  لكنه هنا اورد رد فعل (جان) على الصفعه سلبيا غير عابئ، وأن جاء ذلك متناسقا مع فرضية (اللعب الطفولي) التي طرحها وحملها في شخصية (جوليا) منذ البداية،وجعلها تتصرف بدون خطة او وعي في لعبه طفولية . وفي القسم الثاني من العرض الذي تدور احداثة (بعد سقوط جوليا)، والتي تبدو هنا غير قادرة على دفع الاذي عن نفهسا الذي يوجهه اليها جان، فتبحث (جوليا) عن أمان واهم على صدر (جان)، ويتحول المشهد الي مواقعه جنسية صريحة بينهما بالفعل الايجابي من جوليا، وجان المتجاهل لها، وهي الصورة التي تختلف عن تلك التي بناها المخرج منذ بداية العرض والقائمة على اساس تعميق اللعب الطفولي عند جوليا، وهو ما يجعل المتلقي حائرا بين كلا التأويلين للشخصية ذاتها، كما يلاحظ الكاتب ان المخرج السويدي قد صدمة (كريستين) في خطيبها (جان) كانت باهته، بل وتذهب الي الكنسية، وينتقد د. جمال ياقوت هذا العرض بانه غير مهتم بالتفاصيل وبعدم اشباع اللحظة الشعورية، وأنه الغى التواجد الفاعل (للكونت ) في نهايه المسرحية، مع الكثير من التفاصيل الهامة في سياق العمل، ويتساءل عن الآلية التي بني بها ايقاع العرض -  اذ اختل الايقاع في كثير من اجزاء المسرحية بسبب نمطية اداء الممثلين، وبسبب الوثبات غير المنطقية التي اعتورت اجزاء العرض -  فإهمال التفاصيل جعل الشخصيات تبدو شاحبة وباهتة، وأنها تحولت الي اشباه كائنات وليست كائنات حية ( إلا في لحظات قليلة من لحظات العرض، ويشير الي ظهور (الطفلة) التي ظهرت  فى بداية العرض لتظهر ثانية في نهايته لتحنو على جوليا.. ليؤكد منهجة بأن جوليا كانت تلعب لعبة سقوطها بشكل طفولي برئ، وهو ما يراه. جمال ياقوت مجافيا للعمق الدرامي الذي بني به (سترنبرج ) شخصياته .
والعرض المسرحي الثالث الذي تم تقديمه  خارج مصر ويتناوله الكاتب بالنقد والتحليل هو (مس جوليا) من جنوب افريقيا من اخراج (مايكل والفورس) عام 1986 في (مسرح باكستر) بمدينة -  كيب تاون ) . ويبدأ قراءته للعرض بالتفرقة ما بين المسرح السياسي، والمسرح ذي الاسقاطات السياسية -  اذ أننا فى بلدنا نخلط بين هذا وذاك، إذ قدم المخرج شخصيتي (جان وكريسيتين) كممثل وممثلة من اصحاب البشرة السمراء السوداء- بينما مثلت دور (جوليا) فتاة بيضاء ..حيث ارتدت (كريستين) ثياب خادمة بسيطة التكوين من نفس الطراز السائد، بينما ترتدي (جوليا ) فستانا اسود قصير، وتضع رابطة على عنقها.. أما (جان) فيردتي قميصا وبنطلون، ويري (الكاتب) ان هذا المخرج قد تجاهل عنصر البيئة الذي يتلازم مع عنصر الوراثة في تشكيل سلوك الشخصية، حيث  قسم المخرج العرض إلي أجزاء (الاستمالة، والاستدراج) مُشيرا الي رفض هذا المجتمع لوجود ايه علاقة بين رجل اسود وامرأة بيضاء، ويعترض على سلوك كريستين في هذا العرض بأنه لا يتحري المنطقية فيما يتعلق بحق كريستين في ان تشك او تغار على خطيبها، ويشير الي انه في مشهد (الحلم) سيطرت حالة من حالات التناغم في الأداء فيما بين طريقة أداء (جوليا وجان) حيث كان (النبر ) هادئا حالما عند جوليا – عريضا رصينا عند جان، وبالرغم من الاختلاف البين للحلمين إلا انه كان هناك انسجام وتوافق بين أداء الممثلين، ويرى أيضا إن حذف صفعه جوليا لجان في مشهد (القذي) قد اخل كثيرا بمنطقية التصاعد المتدرج للأحداث، وفي مشهد (بعد السقوط) فإن  جوليا ترفض ان يقبلها جان، وهو ما يناقض العرضين السابق تقديمهما للمخرجين السويديين اللذين جعلاها تنخرط مع جان في فعل جنسي مستغرق، وفي مشهد (مقتل الطائر) يجعلنا نشعر أن جوليا تصدق أنها ستسافر وتحقق حلمها، وهو ما يتعارض مع واقع النص، ومع منطق الأحداث، وينتهي الكاتب إلي أن هذا العرض قد تم تقديمه برؤية واضحة تتمثل أساسا في مناقشة قضية التفرقة العنصرية – مُعتمدا على مواد البيئة فى تأثيث المطبخ وملابس الشخصيات وبدل-  الكونت (بالسيد) والكونتسية (بالسيدة) وان التليفزيون هو واحد من أهم منابع الثقافة عند (جان) وان (الرقص) قد جاء بطريقة تتماشي مع مجتمع جنوب أفريقيا، حيث حول الخدم إلي عمال، والشيء الأهم  هو أن جان وكريستين من ذوي البشرة السوداء بينما جوليا من ذوي البشرة البيضاء، وان هذا العرض يمثل تفسيرا مغايرا لكل التفسيرات التي سبقته في عروض “مس جوليا”  على مسارح أخرى . بما يؤكد ان النص صالح كتناول قضية سياسية وصالح لكل زمان ومكان.
وفي (الفصل الرابع) والأخير وعنوانه (إخراج “مس جوليا بين العرض والعرض الموازي) وفية يتحدث المؤلف عن تجربته في إخراج هذا العرض على مسرح قصر التدوق) بالإسكندرية بميزانية 25000 جنية من إنتاج الهيئة الهامة لقصور الثقافة في أغسطس عام 2006، وان ما كان يشغله فى البداية حول (زمن الأحداث وتأثيرها في بناء الجو العام لافتتاحية العرض ) وهو (ليلة منتصف الصيف) في الدنمارك، وطقوس هذا الاحتفال، والعادات  وتصوير هذه الأجواء، وكذا (مكونات المنظر المسرحي) وأقسامه وسيطرة الألوان الزرقاء الكئيبة على المكان، والتوظيف الدرامي للمقاعد، وتصور جوليا وفكرة الرفيق الخيالي في المشهد الافتتاحي، وحالة الشعور لديها بالفقد والتعويض عنه، ودلاله التوحد ووحدة المصيرين جوليا والعصفور، وقيام خطة الإخراج أن يرى من في الداخل  ومن في الخارج بعضهما بعضا، وقيام الخدم بلعبه تبادل الأدوار فيما بينهم ، والقيام بعمليات تنبؤية للاحداث المستقبلية، والتناقض بين حركية الخدم والترهل والذبول فى حركة (جان)، ورقصة جولية الهيستيرية ، وصورة الترفع والجدية عند (كريستين)، وسلوك جان مع كريستين في نطاق الكشف عن حلمة المقنع، وظهور ازدواج الفعل بين حالتي التوافق والمباغته، وحرص الاخراج على تأكيد العلاقة الطبقية وارتباطها بالخمر، والتوقف عند لحظة دخول جوليا المباغت على جان وكريستين لتحدث شرخا نفسيا عند (كريستين)، ومراعاة التأكيد على جغرافية الحركة والتحريك في تجسيد الفعل ورد الفعل تجسيدا دراميا، ومسيرة ادعاء جان الذي ينتقل من منهج الادعاء الذي ينهجة فى سلوكة مع كريستين الي سلوكه مع جوليا، ووضع حجر الاساس لخطة اخترق (جوليا) التي قصدت التباسط مع خدمها لتبرير اختيارها (جان) على وجه الخصوص، وتردد رقصة جوليا وجان بين الحركة و(التحريك) .. عند كل من جوليا فى الرقصة التي تمثل لها المعادل الموضوعي من ـ أسر طبقتها بينما تنتاب (جان) مشاعر حلمة بأن يكون السيد وانها لخدمة الخطبة التي وضعها للايقاع بفريسته (جوليا)، وتوظيفة (المباغته )  للانقضاض على جوليا، واهتمام المخرج (بالنظرة والايماءة فى فعل الاستدارج، وكذا اهتمامة بعلامات الانفلات من قيد الطبقة واثارة الدرامية، ودور حذاء الكونت،كمعادل موضوعي لجسد جوليا في فعل الاستثارة، وحرصة على المسكوت عنه فى الصورة المسرحية مثل حركة تسلل جوليا في اتجاه كريستين المسترخية في  نعاسها، وانقلاب جوليا من الحالة  الرومانسية الناعمة أي (اللاوعي ) الي حالة الشراسة الواعيه المدركة لمنزلتها الطبقية كونها (السيدة).
ويتحدث المخرج المؤلف عن توظيفه  (للميتاتياتر ) أي المشاهد الكاشفة وتقنية المسرح داخل المسرح ) ويقرر ( اعتمدت الرؤية الاخراجية فى تناولي الاخراجي  لنص “مس جوليا” بشكل اساسي على تقنية (الميتاتياتر) لبناء الرؤية التفسيرية للعرض متوازية مع البنية الدرامية التي صورها النص عن طريق تقديم صورة مرئية باداء مشهد تشخيص مسرحي راقص لما يتم بعيداً عن عيون الجمهور بحيث يتم تقديم معادلات موضوعيه لما يمر بشخصيات المسرحية من أحداث، وقد اعتمدت على جميع مشاهد (الميتاتياتر) على لغات غير كلامية، وذلك لعدم التدخل فى النص بالاضافة، والايمان بأهمية لغة الايماءة فى تصوير المشاهد التعبيرية، وقد تكونت شخصيات الميتاتياتر من الخدم المتواجدين بالقصر ليلة العيد وادائهم التلقائي الذي سرعان ما ينقلب الي العكس وبالنميمة والسب اغتيابا  حال مغادرة السادة، وجعلهم خمس فتيات وخمسة فتيان فى عمر متوسط، وتقديم مشاهدهم اساسا على (التعبير الحركي، أما في مشهد (الحلم) عند جوليا وجان فقد قام بتجزئة مونولوجي جان وجوليا وتقسيمهما الي جمل قصيرة متداخلة معا – بينه وبينها فيما يشبة (الحوار الثنائي.. بما يشكف البعد الطبقي في الصراع مُعتمدا على الاداء الحركي التعبيري للمشهد، وجعل الاداء الحركي التعبيري للمشهد على اربعه مراحل وهم : (تجسيد  الوضع الحالي )، و( الفعل الايجابي للحلم )، (جان وجوليا) بين الاتفاق )، (النهاية، واستحسان جمهور الخدم )، ويشير  الي المشهد لثاني ولحظة السقوط بين الفعل الالي ورد الفعل المستسلم، وتوظيف ( الاضاءة) توظيفا دراميا قائما على تحدد الالوان في المرقص عندما يعاد تصوير الصراع .. مع توظيف (الموسيقي)، وتناول في المشهد الثالث الفندق وسيادة الخدم، ودور ( الصمت) بين الاثر الدرامي والاثر الجمالي، وتتغير  الاضاءة لتحديد الفارق ما بين الحدث الواقعي في المستوى الامامي والحدث الكاشف في الخلفية، كما تم توظيف الاضاءة لتأكيد عزلة كل شخصية عن الاخرى في حالة حلم يقظتها، ويشير الي تجميد التكوين بين جان وجوليا في حين يتهاوي تكوين الممثلين (الخدم)، ويشير الي تناولة لصورة المراوغة بين النص والعرض وتصنع وجود (القذي) -  حيث تم تأسيس الموقف على جدلية المرواغة بالتمنع تارة، والاقتراب تارة اخرى . وعن مظاهرة التحول الدرامي  في موقف الشخصيات يقدم دراسته فى العرض في مرحلتين : مرحلة ما بعد السقوط، ومرحلة النهاية الحتمية.. طارحا ًبعض التساؤلات حول رد فعل كل من الشخصيتين ليس بوصف كل منهما ذاتا تعبر عن نفسها فحسب، بل بوصف كل منهما يخرج عن طبيعته، لانه يستهدف منذ البداية الانخراط فى طبقة نقيضه للطبقة التي ينتمي اليها بما يؤدي الي محاولة تطبيعه لمظاهر سلوكة بحيث تتوافق او تتقارب مع مظاهر ثقافة الطبقة الاخري التي يأمل في الرحيل اليها-  بعد اكتشاف جان لإفلاس جوليا، واكتشافها لخديعته لها، وكذا التأكيد  على وضع الإذلال الذي آلت إليه حالة جوليا -  فوجهها الإخراج نحو الزحف على الارض وصولا الي ساق جان الذي يقف بالقرب منها، وتباين خطوط  الحركة في هذا الموقف الذي ينحو نحو الحدة والعنف فى الأداء الصوتي أو الأداء الحركي عند كل منهما فى حالة ارتداده إلي طبيعته الطبقية ما بين اللين والضعف – أحيانا -  فى حالة التعبير عن انكسار جوليا وشعورها بالإذلال، أو في حالة جان قي تصنعه الإمتثال الذي يعقبه انقلاب  سريع نحو الحدة، ويتناول (تحقيق الإخراج لمراحله النهاية الحتمية ) ما بين انسحاب (جوليا) بدون خطة فى حالة إقدام (جان) محاولا تحقيق خطته ؟ واهتم كذلك بصدمات جوليا وتجسيدها على المسرح  مثل : الشتائم والتحريض على سرقة اموال أبيها، وتركيز الضوء عليها لتكثيف حالة الاغتراب  التي تعيشها ، والصدمة الاخيرة المتبادلة بين جوليا وكريستين عندما تتلاشي آمال جوليا التي لم تصبح ببيدها ورقة واحدة رابحة، وفي (تحليلة لفن الاداء التمثيلي) يري المؤلف المخرج ان قرار (كريستين) بعدم خروج  الخيل هو السبب الأخير والحاسم في سبيل دفع جوليا للإنتحار  من قِبل جان -  لأن هذا القرار يعني قطع الأمل الأخير للنجاة  بالفرار  من انقسام مجتمعها المتمثل في أبيها، واستنجادها وسعيها اللاهث بحثا عن مخرج من ورطتها -  بينما يصبح (جان) -  بعد ان كان الآمر الناهي المخطط المدبر والعالم ببواطن الأمور الي مجرد خادم ينتظر عقابا قاسيا من سيده وولي نعمته، حيث يسيطر على الأداء التمثيلي لكل من الشخصيتين حالة طقسية تعمها الموسيقي التي تسمع نغماتها فى الخلفية، هذه الحالة تتلخص في جو التنويم المغناطيسي الذي بدأ يلوح في أفق المكان، ووجه الممثل والممثلة نحو التمركز في منتصف مقدمة المسرح مع عزلهما ببقعة ضوئية شديدة التكثيف.. بحيث تقف جوليا في مواجهة الجمهور، ويقف جان خلفها موعزا لها،ويتحول ممثل دور جان بين حالات مسلوب الإرادة – هذا الإحساس الذي يستمده من المعادلات الرمزية للكونت، وبين رغبته الجامحة فى الفرار من اسر هذا الاحساس .
ويقول المؤلف والمخرج الفنان جمال ياقوت : (وتأكيداً للفرض الذي افترضت في تمهيد الفصل الأول حول عدم حتميه النهاية التي تمثلت فى انتحار جوليا وان تواصل حياتها مع ايجاد مخارج متعددة الي ان يدخل (الخدم ) يستكملون لعبتهم التشخيصة مع سيدتهم ويرون ( الموسى ) في يدها -  فينتزع كل منهم سكنيا او أداة من أدوات المطبخ، ويدورون حولها بشكل راقص وهم يلوحون بالأدوات التي في أيديهم دلاله على استمرار على استمرار الحياة بكل ما فيها من ايجابيات وسلبيات.. لكنه رفض تلك الرؤية  ورأي فى رحلة سقوط جوليا -  كما اخرجها مرتكزا على (خمس ركائز)  تشكلت على هيئة صدمات متتابعه تأسس عليها البناء الدرامي للنهاية التي رسمها (سترندبرج) نفسة في نصة : الصدمة الاولي تمثلت في اكتشاف  (جان) لعدم كفاية الاموال التي سرقتها جوليا من خزانة والدها الكونت، والثانية في صدمة جوليا لذبح جان لعصفورها، والثالثة : فشل جوليا في محاولة استمالة كريستين الي صفها من منطلقات نسوية، والرابعه : صدمة جان وجوليا لعزم كريستين على تنبية حارس الاسطبل بعدم اخراج الخيل قبل مجئ الكونت، والخامسة : في سماع جان وجوليا لرنين الجرس اعلانا عن وصول الكونت بعد حالة ترقبهما لإبتلاج ضوء الصباح . ويقدم (د. جمال ياقوت) نموذجا لدور المخرج فى خلق الدافع لدي الممثل ونموذج اخر مقترح من المؤلف ونموذج رسم قلب الشخصية  وهو نموذج اخر مقترح من المؤلف -  إذ يري :ـ (  أن أهم وظيفة يقوم بها المخرج المسرحي هو تدريب الممثلين  على أداء أدوارهم، والتخطيط المسبق للعرض فى مجال السينوغرافيا والموسيقي وباقي عناصر العرض، وان أداء الممثلين لابد ان ينبع من الرؤية التفسيرية أو التأويلية أو التفكيكية للنص المسرحي -  فالجملة الحوارية يمكن ان تؤدي بأكثر من طريقة، وان تحليل الشخصية يساعد فى تحديد الطريقة المثلي للأداء، ويقول :- ( أن النموذج الذي اتبتعته يمثل تعظيما للمعارف المسرحية المتعلقة بطرق الأداء وتسخيرها فى سبيل خلق منظومة متكاملة مطابقة لطرق أداء الممثلين فى عرض “مس جوليا”  ) وقد قام في نهاية كتابة بعمل جداول لتدريب الممثلين على كل موقف بما يحمل من تفسيرات متباينة، وان تطلب الأمر أحيانا قيام فريق العمل بتعديل تفسير موقف ما وفقا لما تقتضيه الضرورة الدرامية.. خاصة فيما يتعلق بارتباط الموقف الدرامي بالمواقف الاخري، ويقدم نموذجا لجداول أهم النتائج التي توصل اليها لكل عرض مقارنة بالعروض الاخري .
وينهي المؤلف المخرج المبدع كتابة بنتائج هذه الدراسة التي قامت على أساس دراسة تحليلية ومقارنة للعروض  الخمسة التي تناولها هذا الكتاب لنص “مس جوليا” لاوجست سترندبرج، وانه قام بعملية التحليل والمقارنة على :- 
1 - المعالجة المنظرية والملابس وتوازن الضوء مقابل الظلام ، وتناقض الأشكال الرأسية والأفقية، ووضع الأشكال المتداخلة، والاستخدام الحصيف للون -  وكأنها عناصر مساوية فى التركيب للحبكة في النص المسرحي. 2 -  وعلى المشهد الافتتاحي وما يرتبط به من تمهيد للجو العام للعرض ليدخل المتلقي في جو العرض، 3 - وعلى التفاصيل والإشباع حيث تباينت العروض من ناحية اهتمام مخرجيها بتفاصيل اللحظة الشعورية، وأن المخرج قد يترجم المؤلف للممثل، أو  قد يحمل وجهة نظر تفسيرية او تأويلية، او حتي تفكيكة 4 - وعلى التجسيد الدرامي لمراحل الاستمالة والاستدراج، وحلم جان وجوليا كخطوة مهمة فى خط الاستدراج، ثم القذي الوهمي كخطوة متقدمة على خط الاستدراج، واخبرا دورة الاستدراج والسقوط المدوي فى حجرة جان، 5 -  وعلى نقاط التحول وصدمات ما بعد السقوط وتحديدا أهم نقاط التحول، 6 -  وعلى الأداء التمثيلي وهو العنصر الأكثر أهمية أي هو بناء  الصورة التي يرسمها المخرج تجسيدا لرؤيته الخاصة  لأفكار النص وشخصياته – أي  أنهما المادة الخام لكنها متوارية مختفية، وانها تكمن تحت سطح الأدوار في شكل بالغ التكثيف، ولابد من اكتشافها على أيدي الممثلين -  قبل ان يمكن إظهارها على السطح وجعلها واضحة جلية بصورة مسرحية .
والكتاب كما نرى تجربة ممتعه ورائدة فى عالم المسرح فى مصر بذل  فيها مؤلفها المبدع د. جمال ياقوت -  جهدا مضنيا استغرق السنوات .. غارقاً في عشقه للمسرح ولحبيبته خشبة المسرح .. ليدرك محترفوا المسرح وهواته ان الإبداع لا يأتي من فراغ، ويلزمة بحث ودراسة وعشق لهذا الفن الذي لا يأتي بالفهلوة أو التقليد الاعمي، والسطو على إبداعات الآخرين .. فهو رحلة صعبه يكشف عنها هذا الكتاب البديع...


عبد الغنى داوود