التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (28 والأخيرة) فرقة الطليعة ونهاية أول معهد مسرحي في مصر

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (28 والأخيرة) فرقة الطليعة ونهاية أول معهد مسرحي في مصر

العدد 678 صدر بتاريخ 24أغسطس2020

أوضحنا في المقالة السابقة أن معهد التمثيل بالفرقة القومية، أصبح في مهب الريح، بعد أن عادت بعثته بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وهي الحرب التي ما زالت مندلعة!! كما أوضحنا مأساة طلاب المعهد ممن لم يسافروا في البعثة، حيث ضاعت آمالهم، وانقطعت أرزاقهم، فلا هم طلاب بعثة، ولا هم طلاب معهد، ولا هم ممثلون في الفرقة، ولا هم مدربون فيها!! هؤلاء الطلبة، انضم إليهم بقية الطلاب المهمشين، ممن لم يسافروا في البعثة، ولم يستمروا طلاباً في المعهد، وارتضوا بأدوار الكمبارس في بعض عروض الفرقة القومية، دون أن تتوفر لهم أية فرصة لأخذ أدوار مهمة في أية مسرحية!! كل هؤلاء اجتمعوا على رأي واحد، ورفعوا به مذكرة إلى خليل مطران، نشرتها جريدة «أبو الهول» وقالوا فيها:
«والدنا البار حضرة صاحب العزة مدير الفرقة القومية .. نحن أبناؤك خريجو معهد فن التمثيل، الذين نشدتم فيهم نواة النهضة المسرحية، التي تستنفذون في سبيل تحقيقها جهدكم الجبار، وترهقون من أجلها صحتكم الغالية. إننا لنشعر بفخر إذ أثبتنا صدق نظرتكم فينا، بأن قطعنا بتوفيق الله أول وأشق مراحل الفن الإعدادية والاستكمالية، بفضل رعايتكم وحسن توجيهكم. لقد تعهدتم النبت فارتوى، ونما فاستوى. ولم يبق للمسرحة إلا أن تثمر. وقد حان وقت الجني والقطاف ولكن .. وقد التحقنا بالفرقة القومية، وطبيعة الحال فيها أن يقوم مخصوصون من ذوي الأسماء المعروفة بالأدوار الأولى، فلم نجد في الميدان متسعاً لنا ولن نجده أبداً. ولما كنا حريصين كل الحرص على ألا يُصدئ الركود حماستنا، ويُذبل يانع استعدادنا، لم نر بُداً من التقدم لعزتكم بالرجاء أن تتكرموا بمنحنا فرصاً بين آونة وأخرى، نقوم فيها بتمثيل بعض روايات مختارة، بالاشتراك مع عنصر الشباب بالفرقة، فتصيبون بنا أبعد مراميكم، وتهيئون للشعب فرصة التمتع بثمار ما غرست يداكم. وتفضلوا عزتكم بقبول فائق احترامنا».
وافق خليل مطران على الفكرة، وتم إطلاق اسم «فرقة الطليعة» على طلاب المعهد وخريجيه ومبتعثيه، وعلى شباب الفرقة القومية ممن يقوموا بأدوار الكمبارس، وأعلنت ذلك مجلة «الصباح» في مارس 1940، قائلة تحت عنوان «فرقة الطليعة بالفرقة القومية»: « تكونت من الفرقة القومية شعبة فنية جديدة تحت اسم «فرقة الطليعة» .. وأفراد هذه الفرقة من ممثلي الفرقة القومية وممثلاتها، الذين لم تتهيأ لهم فرصة للظهور من قبل في الروايات، التي قدمتها الفرقة القومية في مواسمها السابقة. ومهمة هذه الفرقة تمثيل عدة روايات من ذات الفصل الواحد، حتى يمكن أن تكشف هذه الروايات عن المواهب والمزايا الفنية المتوفرة في أفرادها، فتسنح لهم بذلك فرص الظهور شيئاً فشيئاً. ولا شك في أن هذه الفكرة – فكرة فرقة الطليعة – جديرة بكل تقدير وتمجيد، فهي الوسيلة المثلى لتقديم الوجوه الجديدة الصالحة لخدمة المسرح المصري».
وبذلك تكونت «فرقة الطليعة» من رحم معهد التمثيل التابع للفرقة القومية، ومن بعض شباب الفرقة!! وحسب اللوائح والقوانين، يجب أن توافق لجنة ترقية التمثيل على ذلك، قبل أن تعرض الفرقة أعمالها على الجمهور! وهذا الأمر تابعته مجلة «الصباح»، وكتبت عنه كلمة وافية في مايو 1940، تحت عنوان «الحفلة التمثيلية العائلية لفرقة الطليعة بالفرقة القومية»، قالت فيها: إن الفرقة القومية نظراً لضيق الوقت، ربما اضطرت إلى أن تقدم فرقة الطليعة إلى لجنة ترقية المسرح في حفلة خاصة، بدلاً من تقديمها للجمهور في عدة حفلات. وقد أقيمت الحفلة العائلية لفرقة الطليعة مساء الخميس الماضي على مسرح الأوبرا الملكية .. وقد حضرها أعضاء لجنة ترقية المسرح، وأعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما، وبعض مخرجي أستديو مصر، وجميع ممثلي وممثلات الفرقة القومية؛ وذلك للحكم على أبناء مسرح الطليعة، ومعرفة مدى صلاحيتهم للتمثيل واستعدادهم الفني. وقد بدأت الحفلة بتمثيل رواية «الأول والأخير» تأليف جون جالزورثي وتعريب الأستاذ أحمد علام، وقام بأهم الأدوار فيها الآنسة سامية فهمي «واندا»، ويحيى شاهين «كيت»، وحسن سالم «لادي». وتلتها رواية «توت عنخ آمون» التي ألفها بالفرنسية الأستاذ حسن مظهر، وترجمها الأستاذ سليمان نجيب، وقام بتمثيل الأدوار فيها حسن حلمي «توت عنخ آمون»، وزوزو نبيل «الملكة»، وحسن إسماعيل «شلدوا»، وشفيق نور الدين «الكاهن»، ويحيى شاهين «سامجاه»، ونادية وفيق «منداس» وحسن سالم «كارتر». ثم مثلت رواية «خروف» وهي كوميديا تأليف الكاتب الفرنسي «إسكندر بيسون» وترجمة الأستاذ فتوح نشاطي. وقام بأدوارها الآنسة سميرة كمال «سيسيل»، وعباس يونس «فلورستان»، ومحمد توفيق «أدمون الخروف»، وشفيق نور الدين «بوكار»، وثريا فخري «مدام بوكار».
والجدير بالذكر إنني لا أستطيع الحكم على نجاح هذه العروض أو فشلها!! فالصحافة صمتت عن ذلك تماماً – حسب ما بين يدي من معلومات - لأن إدارة الفرقة القومية لم توجه إليها أية دعوة للحضور!! ومن الواضح أن خليل مطران، وربما لجنة ترقية المسرح أرادت ترضية الشباب، وإخماد شعلة نشاطهم، فوافقوا على تشكيل «فرقة الطليعة»، ثم نسيانها تماما!! فبعد عرض هذه المسرحيات القصيرة، استمر صمت الصحف عن تتبع هذه الفرقة لأكثر من عامين، حتى أشارت مجلة «الصباح» إلى الموضوع في يناير 1943، وكتبت عنه تحت عنوان «فرقة الطليعة»، قائلة: كانت الفرقة القومية قد قدمت منذ عامين على مسرح دار الأوبرا فرقة الطليعة، المكونة من شبابها الهواة، الذين أوفدتهم لدراسة التمثيل في لندن، وقد نجحت الحفلة حينئذ، وينتظر هؤلاء الشباب أن تهيئ الفرقة لهم فرصة أخرى للظهور! ولكن لم تتحقق فكرتهم، فتسرب اليأس إلى نفوس بعضهم، ومنهم: حسن حلمي، ومحمود السباع، ومحمد توفيق .. فاستقالوا من الفرقة، وكونوا من ثلاثتهم «فرقة الطليعة»، وضموا إليهم بعض الممثلين والممثلات وسيبدأون عملهم برحلة إلى الوجه القبلي من منتصف شهر فبراير. وقد قال «حسن حلمي»، وهو واحد من الثلاثة لأحد مندوبينا ما يلي: «إننا لم نخرج من الفرقة المصرية إلا لأننا نريد أن نشيد مستقبلنا على نفس النظام، الذي درسناه في بعثتنا إلى لندن .. وفرقة الطليعة إذا كان نوعها جديداً في مصر .. فنحن نريد أن نتشبه بفرقة «الفودفيل» في لندن، فهذه الفرقة بدأت عملها على مسرح صغير استأجرته، وظلت تعمل فيه بالإيجار إلى أن اشترته، ولم يكن لهذه الفرقة رأس مال .. بل كان عملها بأسهم للممثلين .. ولما كان من الصعب أن تبدأ فرقة بهذا الشكل في مصر، فسنبدأ عملنا في العواصم والأقاليم. وقد عهد إليّ بالتنظيم والدعاية، كما عهد إلى زميلي «محمد توفيق» بإعداد الروايات، وعهد إلى زميلي «محمود السباع» بإخراجها».
وهكذا تكونت «فرقة الطليعة» من طلاب وخريجي ومبتعثي معهد التمثيل لأول مرة!! ونجحت الفرقة نجاحاً كبيراً في أولى رحلاتها الإقليمية إلى الوجه القبلي، عندما عرضت مسرحيتي «كلمة الحق» و«إكسبريس قبلي» بقلم سليمان نجيب، في الفيوم، والمنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وكوم إمبو، في أول أسبوعين من مارس 1943، كما نشرت مجلة «المصري أفندي» بعد شهرين خبراً، يفيد بأن الفرقة قدمت عروضها في الوجه البحري في بور سعيد، والإسكندرية، وأضافت مسرحية جديدة إلى عروضها، وهي «جينفا».
إلى هنا يجب ألا أتابع الحديث عن «فرقة الطليعة»؛ لأنها انتشرت ونجحت، وتبدلت وتغيرت، واستمرت سنوات طويلة، تحتاج إلى كتاب مستقل!! ولكني سأشير إلى ما وصلت إليه بعد عامين من بدايتها – أي في عام 1945 – حيث ضمت إليها كلاً من: زوزو ماضي، ومديحة يسري، ووداد حمدي، وأمينة نور الدين، وقدمت موسماً على مسرح حديقة الأزبكية، مثلت فيه مسرحيتي «مرتفعات وذرنج»، و«فاوست». وفي هذا العام، نجحت الفرقة في عروضها الخارجية في الأقطار العربية، مثل: فلسطين، وسوريا، ولبنان، والعراق.
نهاية المعهد
حاولت أن أجد خبراً صريحاً – أو مستنداً – يخبرني بمصير معهد التمثيل التابع للفرقة القومية، الذي كان مقره كلية الآداب بالجامعة المصرية – فلم أجد شيئاً!! بل ولم أجد صحيفة واحدة تتحدث عن نهاية هذا المعهد!! ولم أعرف مصير آخر طلاب تم قبولهم في السنة الثالثة للمعهد، وهم الطلاب الثلاثة بالفرقة الثالثة بقسمي اللغتين الإنجليزية والفرنسية بكلية الآداب بالجامعة المصرية!! فالمعهد كأنه تبخر وضاع وسط مشاكل الفرقة القومية، والصراع على إدارتها، وعلى تمثيل الأدوار الأولى فيها!! ناهيك عن الصراع الأبدي بين يوسف وهبي وزكي طليمات، وأيهما الأجدر في إدارة الفرقة القومية!! كذلك ضاع المعهد أثناء تغيير الوزارة التي تشرف عليه - أو على الفرقة القومية – هل هي وزارة المعارف أم وزارة الشئون الاجتماعية!! هذا بالإضافة إلى ضياع المعهد وحقه في الوجود، كونه تابعاً للفرقة القومية، التي انتهت وتوقفت، وأعيد تشكيلها تحت اسم جديدة وهو «الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى»!!
الغريب أن الجميع اقتنع تماماً بعدم وجود هذا المعهد، وكأنه تبخر في الهواء!! ففي عامه الثالث، وبعد اختيار الطلاب الثلاثة الجدد له، وجدنا جريدة «أبو الهول» تنشر خبراً في أبريل 1939، تحت عنوان «معهد تمثيل جديد»، قالت فيه: اجتمعت لجنة المسرح المدرسي في هذا الأسبوع برياسة سعادة محمد بك العشماوي وكيل وزارة المعارف، وقررت إنشاء معهد تمثيل جديد لتخريج المدربين الأكفاء، لتدريس فن التمثيل في المدارس الثانوية. وذلك رغبة في النهوض بمستوى المدربين من الناحيتين الثقافية والفنية، ويتكون طلبة هذا المعهد الجديد من: أساتذة المدارس الثانوية، والمدربين الحاليين الذين يرغبون في تحسين حالهم، وحملة البكالوريا، وستكون هناك شروط للقبول، وامتحان يجري عمله حين الالتحاق للاستيثاق في استعداد الطلاب لدراسة التمثيل. وستكون الدراسة في الصيف للمدربين المقيمين في الأقاليم. أما المدرسون والمدربون بالقاهرة فتبدأ دراستهم من أوائل سبتمبر. والمواد التي ستدرس في هذا المعهد هي: فن الإلقاء من الناحية الفقهية والتعبيرية والبيانية، وتاريخ الأدب المسرحي المصري والفرعوني والإغريقي والأوروبي الحديث، وفنون الإخراج المسرحي، وسيقوم الأستاذ زكي طليمات بتدريس الإخراج والإلقاء، كما سيقوم الأستاذ عبد الرحمن رشدي بتدريس الأدب المسرحي.
هذا الخبر الغريب، الذي يشير إلى معهد جديد سوف يُنشأ، يعكس لنا قناعة أغلب المتخصصين بعدم جدوى معهد التمثيل التابع للفرقة القومية، ورغبتهم في وجود معهد تمثيلي حقيقي!! لذلك نشرت مجلة «الصباح» في مارس 1943، خبراً تحت عنوان «إنشاء معهد للتمثيل والموسيقى»، قالت فيه: قررت لجنة ترقية التمثيل العربي والموسيقى والسينما إنشاء معهد لفن التمثيل والموسيقى، ابتداء من العام الدراسي المقبل. على أن تؤخذ تكاليفه من ميزانية إعانة التمثيل، ومن وزارة الشئون الاجتماعية. وسيعنى قسم الموسيقى في المعهد بتعليم أصول الموسيقى الغربية، وجعلها صالحة لأن تكون أساساً للموسيقى الشرقية وأصولها وقواعدها .. وقد عهدت اللجنة إلى الأستاذ زكي طليمات في وضع مشروع نظام التدريس والالتحاق.
وبعد شهر تابعت مجلة «الصباح» الموضوع، وقالت «إن اللجنة المالية بمجلس النواب وافقت على مذكرة وزارة الشئون الاجتماعية الخاصة باعتماد مبلغ خمسة آلاف جنيه، تُخصص لإنشاء معهد للتمثيل والموسيقى المسرحية. وقد علمنا أن المعهد سيعمل على نشر ثقافة فن التمثيل على نطاق واسع، وتزويد المسارح العامة بممثلين وممثلات جدد، لهم حظ موفور من حسن الاستعداد وفي ثقافة فنون التمثيل، وخلق تقاليد لهذا الفن في مصر.
الخاتمة
لقد توقفنا عند عام 1943، وهو آخر الأعوام المتعلقة بالمعهد أو بفرقة الطليعة المتكونة من أعضاء هذا المعهد!! ولو عدنا إلى أول مقالة في هذه السلسلة، سنجد أننا بدأنا بعام 1930، وهو أول عام ظهر فيه «معهد فن التمثيل»، والذي أتمّ عامة الأول، وشكلّ جورج أبيض من طلابه أول فرقة مسرحية محترفة، عرضت في الأوبرا مسرحيتي «لويس الحادي عشر، وعطيل»، ثم تحول المعهد إلى «قاعة محاضرات فن التمثيل» بالمدرسة الإبراهيمية، وهي القاعة التي أخرجت مجموعة من طلاب المعهد القديم، الذين استكملوا دراستهم في هذه القاعة. ثم أغلقت القاعة، لنجد أنفسنا نتحدث عن معهد للتمثيل تابع للفرقة القومية، ومقره كلية الآداب في الجامعة المصرية، وهو المعهد الذي أرسل طلابه لأول مرة في تاريخ المسرح المصري إلى إنجلترا في بعثة صيفية في عامة الأول، ثم أرسل مجموعة أخرى في عامه الثاني إلى إنجلترا أيضاً! واستمر هذا المعهد لمدة ثلاث سنوات، استقبل فيها مجموعة من الطلاب أصبحوا نجوماً – فيما بعد – وممثلين في الفرقة القومية، وشكل بعضهم فرقة تابعة للفرقة القومية، وهي «فرقة الطليعة»، التي استقلت بنفسها ونجحت عام 1943!! 
مما سبق يتضح لنا أن سلسلة هذه المقالات غطت حوالي ثلاث عشرة سنة في عمر معاهد التمثيل في مصر! لأن قبل هذه المقالات، كان الجميع يقرأ عن «معهد فن التمثيل» بأنه معهد افتتح لمدة عام وتم إغلاقه بسبب التقاليد!! هكذا فقط كنا نقرأ .. مجرد عدة أسطر قليلة نقرأها ونقتنع بما فيها، لذلك اجتهدت في توثيق وتأريخ هذه الفترة، لأنها حق تاريخي يجب أن يعرفه الجميع وعلى مر الأجيال!! فالطلاب الذين درسوا في «معهد فن التمثيل»، وفي «قاعة محاضرات فن التمثيل»، وفي «معهد التمثيل التابع للفرقة القومية» لهم حق تاريخي يجب الحفاظ عليه، كونهم أول من خاض التجربة، وضحى بعضهم بمستقبله، واجتهد البعض الآخر من أجل الوصول إلى هدفه. وكل ما قاموا به كان تعبيداً لطريق إقامة المعهد المسرحي الذي أقيم في مصر في العام التالي 1944، وظل مستمراً حتى وقتنا هذا، وهو المعهد الذي افتتح باسم «المعهد العالي لفن التمثيل العربي»، وهو المعهد الذي أتمنى أن أتحدث عنه مستقبلاً - أو يتحدث عنه غيري - في مجموعة مقالات!! لأنه المعهد الذي نادى بإنشائه زكي طليمات في مقالة نشرها في مجلة «الرسالة» بتاريخ يونية 1943، تحت عنوان «إنشاء معهد لفنون التمثيل ضرورة لا غنى عنها»، قال في ختامها: «..... سبق لوزارة المعارف العمومية أن أخذت بوجهة نظري، التي سجلتها في تقريري الذي قدمته عام 1929، عقب عودتي من البعثة الفنية في مسارح أوروبا ومعاهدها، فكان أن أنشأت معهداً حكومياً للتمثيل عام 1930، ولكن هذا المعهد لم يقطع من سني حياته غير العام الأول، ثم ذهب ضحية المنازعات الشخصية التي كان يختلج بها صدر الوزارة في ذلك الوقت، فأغلقت أبوابه بدعوى أنه مخالف للتقاليد الشرقية. وكان من جراء هذا أن انهار ركن كبير من سياسة إنشائية مرسومة، وحُرم المسرح العربي من أن تعمل فيه وجوه جديدة، لها مستواها الثقافي العالي ومواهبها الممتازة، فكان ذلك القصور المشهود في فنون المسرح، وكانت هذه المعناة في سبيل إصلاحه. وها قد مرت اثنتا عشرة سنة منذ أن أغلق المعهد الحكومي أبوابه، بذلت أثناءها جهوداً مختلفة للارتقاء بمستوى المسرح، ولم تسفر عن شيء في سبيل تحقيق هذه الغاية، وبقيت الفرق العاملة، تشكو ما كانت تكابده من ضعف في وسائل الأداء، وما تعانيه من افتقار إلى وجوه جديدة تحمل المشعل بأيدٍ فتية، وتواصل الجهاد إلى جانب ذلك النفر العزيز من الممثلين والممثلات المقتدرين، وهم نفر قليل عددهم قد برزوا في فنهم بخصب مواهبهم وفيض مؤهلاتهم. وإنني أتساءل ماذا يحل بالمسرح المصري في ناحية فن الممثل، لو أن هذا النفر العزيز تنحى عن خدمة المسرح مختاراً بدافع الشبع والزهد، أو مجبراً بعامل المرض أو الوفاة؟ إن إنشاء معهد للتمثيل أصبح ضرورة لا مندوحة عن مواجهتها لوزارة الشئون الاجتماعية، التي آل إليها أمر الفرقة المصرية وإعانات التمثيل والموسيقى. وما دامت الوزارة قد أولت المسرح المصري هذه العناية المأثورة، إذ تتعهد الآن بنفسها أمر توجيهه وتقويمه ورعاية القائمين بأمره، فما أظن أن رعايتها تقصر عن إنشاء معهد للتمثيل يكون حجر الزاوية لمرحلة جديدة ينتقل إليها المسرح، وقد رسخت له قدم ثابتة فيها هي جوهر له وأساس».
وبالفعل تم افتتاح المعهد، وتم تخريج أول دفعة له عام 1947، وها هي أسماؤهم للتاريخ: خليل الرحيمي، زكريا سليمان، سعيد أبو بكر، شكري سرحان، صلاح منصور، عبد الرحيم الزرقاني، عمر الحريرى، فريد شوقي، كمال حسين، لطفي عبد الحميد سماحة، محمد فريد السبع، محمد نهاد الفرو، محمود حمدي غيث، محمود رشاد، نبيل الألفي، نعيمة وصفي.


سيد علي إسماعيل