المخرج مراد منير: هدفى مخاطبة الوجدان الشعبي والتماس مع الجمهور

المخرج مراد منير: هدفى مخاطبة الوجدان الشعبي والتماس مع الجمهور

العدد 677 صدر بتاريخ 17أغسطس2020

يتميز المخرج القدير/ مراد منير بأسلوب خاص ومذاق مختلف لأعماله المسرحية حيث يمتزج فيها عبق التراث بواقع المتلقي مما يقترب به كثيرا من مشاعره ووجدانه بل وأعماق شخصيته, مما أكسب مسرحيات «مراد منير» جمهورا يعرفه. بينه وبين الجمهور عشق خفي حيث يذهب إليه الجمهور المحب للمسرح في أي مكان منذ أن بدأ بعرض مسرحية “منين أجيب ناس” بمسرح السلام وبعدها بمسرحية “الملك هو الملك” والتي شكلت مفترقا كبيرا في شهرته ومعرفة الجمهور به مما لاقى من نجاح عشقه وأحبه الجمهور من خلاله. والمخرج/ مراد منير خريج كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية. أخرج عددا كبيرا من المسرحيات لمسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص وللثقافة الجماهيرية وللجامعات أيضا. من أهم أعماله: “منين أجيب ناس”, “زيارة سعيدة جدا”, “الدخان”, “الملك هو الملك”, “الأيام المخمورة”, “لولي”, “سي علي وتابعه- قفة اثنين في قفة”, “ملك الشحاتين”, “زيارة سعيدة جدا”, وغيرها عشرات الأعمال. يشارك المخرج الكبير مراد منير في مبادرة وزارة الثقافة (اضحك- فكر – اعرف) بمسرحية “فرحة” عن قصة قصيرة لتشيكوف. وبهذه المناسبة كان لقاؤنا به له أهمية حيوية  للتعرف على عالمه الفني الخاص والاقتراب من مساره الإبداعي  الذي بدأه في ثمانينيات القرن العشرين. وقد أتاح لنا فرصة الغوص في أفكاره وحياته وإبداعاته التي عشقها جمهور المسرح المصري والمسرح العربي.
لماذا اخترت قصة «فرحة» بالتحديد من قصص «تشيكوف» لتقديمها على المسرح؟
   يطرح تشيكوف في هذا النص فكرة إن البشر يعانون  من ضيق الأفق, سواء أكان صديق أو قريب أو جار أو مدير في العمل وهكذا, وهذه سمة موجودة في كل المجتمعات وقد أعجبتني تلك الحالة لهذا الشخص ضيق الأفق, فهو شاب بسيط تحدث له حادثة مروعة حيث يصطدم به حصان, ويحمله الناس إلى المستشفى. ولكنه بعد الكشف عليه يتضح أنه لم يصب بأذى. وهذا الشاب لم يهتم بكل ذلك لكن سعادته انصبت على أن صورته نشرت بالصفحة الأولى بالجريدة وأنه بهذا قد أصبح شخصا مشهورا. وقد ابتكرت له نهاية مفاجأة تختلف عن القصة الأصلية.
إذا عدنا للبدايات, كيف انجذبت للمسرح؟
حدث هذا الانجذاب منذ أن كان عمري ثماني سنوات. حيث كنا أطفالا مجتمعين في نادي بأحد الجمعيات. والتقينا بالمخرج/ سمير العصفوري. وسألنا عن من منا يحب التمثيل؟ فتحمست جدا واشتركت معه. وبدأ في تدريبنا على منهج ستانسلافسكى. ثم تطور الموضوع والتحقت بفرقة الطليعة التي أسسها الفنان/ محمود ياسين في بورسعيد. وفي المرحلة الثانوية كنت رئيسا لفريق التمثيل. وأخرج لنا المخرج/ عباس أحمد. وبعد هجرة محمود ياسين للقاهرة تم حل فرقة الطليعة. وانضممنا لفرقة قصور الثقافة. وارتبطنا بالفرقة القومية لبورسعيد وقدمنا فيها عروضا كثيرة مهمة مثل «الزوبعة» لمحمود دياب و»القضية» للطفي الخولي ونصوص بريخت ونعمان عاشور, وأخيرا «الحصاد» لأبير كامي واشتركنا بها في مهرجان بالإسكندرية، وفزنا بالمركز الثاني على كل فرق الثقافة على مستوى الجمهورية. وكان في ذلك الحين مخرجو الثقافة من كبار المخرجين مثل الأساتذة/ عبد الرحيم الزرقاني وسعد أردش وعبد الغفار عودة وغيرهم من العمالقة وكانوا يخرجون أيضا في الجامعة.
ثم تقدمت  للالتحاق بالمعهد وكان يدربني الفنان/ محمود ياسين ولم يقبلوني رغم أني كنت ممثلا ماهرا جدا. وذهبت بعدها إلى محمود ياسين في «المسرح القومي» وكان يجلس معه الفنانون/ سميحة أيوب وتوفيق الدقن. وتعجب أمامهم من رسوبي في الاختبارات ونصحوني كلهم بإعادة التقديم, لكني كنت قد عزمت الأمر ولم أعُد الكرّة.
في فترة الجامعة بمدينة «الإسكندرية» كنت أذهب إلى المركز الثقافي السوفييتي وكان به غرفة للموسيقى يمكنك الجلوس فيها والاستماع إلى أي موسيقى تفضلها: بيتهوفن أو تشايكوفسكي أو موزارت أو غيره من الموسيقى الكلاسيكية, فكنت أجلس بالساعات للاستماع, وشاهدني مدير المركز وتعرف علي وأبدى رغبته في إنشاء فرقة مسرحية بالمركز فقمت بذلك, وبعد شهرين اكتشفت إمكانياتي في الإخراج.
من الذي تأثرت به من المخرجين والأساتذة الكبار؟
أوضح  أولا أنني ليس لي أساتذة فقد علمت نفسي بنفسي. لكن يمكنني القول إني قد تأثرت مبدئيا بسمير العصفوري لأنه هو الذي رباني فنيا وكرم مطاوع لأنه يملك عقلية إبداعية مبتكرة لا تقف عند حدود السير بجوار النص وكانت له تفسيرات خاصة به تسحرني.
فأنا قد درست المسرح بنفسي وثقفت نفسي بنفسي من خلال دراسة كل ما أستطيع من كتب المسرح. وقد كونت فرقة وأخذت أنقل معرفتي  لأعضاء فرقتي من خلال محاضرات وأدرس لهم ما درسته مثل إعداد الممثل وأدب المسرح  وتاريخ المسرح. فحينما كنت في بورسعيد كان المخرج/ عباس أحمد يقوم معنا بنفس المهمة. وكنت في الإسكندرية أذهب بالممثلين أعضاء الفرقة إلى حديقة أنطونيادس لإجراء البروفات هناك. حيث كانت لدي مشكلة وهي أنني مشاغب ولم يكن أي مكان يتحمل مشاغبتي فاضطررت لإجراء بروفات بالحديقة. وفي الحديقة أصبح لدي جمهور شبه يومي يشاهد البروفات. لكني لم أقدم أي عرض في الحديقة لصعوبة تحقيق ذلك. وكنت أدربهم على مسرحيات قصيرة مثل الخطوبة لتشيكوف ومسرحية الراجل اللي أكل الوزة وأشعار المقاومة الفلسطينية وكيف أحول جسم الإنسان إلى قصيدة وكيفية التعامل مع الأجسام الجماعية العامة. فأنا منذ كان عمري تسعة عشر عاما  أشعر بالتقدمية في تفكيري وميولي للإخراج  فلم أعد أهتم بالتمثيل. وبدأت أكتشف نفسي كمخرج وأستزيد من قراءاتي واطلاعي على كل جديد في العالم عن المسرح مثل بيتر بروك وغيره. وكنت قبل إشهار إسلامي أخرج عروضا بالمسرح الكنسي وكان جمهوره كبير لأنه يرتبط بالوجدان الجمعي الديني.
ماذا عن تجربتك المسرحية بالإسكندرية؟
قدمت مسرحا للجامعة في الإسكندرية عندما كنت طالبا بكلية الحقوق. ثم أنشأت “جماعة المسرح التجريبي” وظلت مستمرة فترة طويلة, وكنت أقدم عروضا مصرية وعالمية وتنقلت بها في عدة أماكن فبدأت في المركز الثقافي السوفييتي. ثم أنشأت ثلاثة فرق بقصر ثقافة الحرية في هذا التوقيت كانت توجد عدة فرق منها “مجموعة الاجتياز” للسيد حافظ. وفي ذلك الوقت كنت متأثرا بالمسرح العالمي فكان معظم المسرحيات التي أخرجتها هناك من المسرح العالمي. كما أخرجت مسرحيات للكنائس بالإسكندرية. أردت أن أقدم مسرحا مختلفا فكنت أقدم رؤية جمالية مختلفة عن المسرح السائد لمقاومة الكوميديا السائدة، حتى اعتقلت في الإسكندرية في ذلك الوقت في أوائل السبعينيات بسبب سؤالي عن الحرب في مجلة حائط!
ما العرض الذي أخرجته وتعتبره علامة فارقة في حياتك؟
بلا جدال هو عرض مسرحية «منين أجيب ناس» على مسرح السلام عام 1984 بطولة الفنانين/ محسنة توفيق وعلي الحجار. فكان أول عرض لي على مستوى الاحتراف وأحدث دويا ضخما. في يوم الافتتاح حاصر الأمن المركزي المسرح لشدة الزحام. حيث حضر حوالي خمسة آلاف شخص في حين أن الصالة لا تسع سوى سبعمائة متفرج فقط. لدرجة أنه كان هناك تخوف من سقوط البلكون بالمتفرجين. وذلك لأن الجمهور يحب نجيب سرور ومحسنة توفيق وعلي الحجار في حين أني لم أكن معروفا بعد واستمر العرض لفترة طويلة. 
لماذا اخترت العمل على الحكايات التراثية بالذات؟ وهل ترى تقديم التراث غاية أم وسيلة؟
إن قضية التراث قضية خاصة. وأنا لم أعمل بالتراث وإنما عملي هو أعمق من التراث. فمثلا موضوع «الملك هو الملك» مستمد من ألف ليلة وليلة. فإذا تساءلنا عن اليونانيين لماذا كانوا يتأثرون بالمسرح حتى يحدث لهم ما يسمى بعملية التطهير؟ الإجابة لأن الموضوعات المطروحة تمس حسهم الديني. فهوميروس وما كتبه في الإلياذة والأوديسا كان كامنا في وجدان الناس. لهذا كانت التراجيديا الإغريقية تجعل الناس تتطهر. مثل حالة «أوديب» من زواجه من أمه وتبعات ذلك. فوجدت أني كي أصل إلى قلب الناس وأقدم عروضا تسمى عروضا حية فعلي أن ألجأ لما هو كامن في الوجدان الشعبي وعميق في هذا الوجدان. فعندما تخاطبه فإنك تمسه مباشرة. فالمسرح العادي لا يوجد صلة بينه وبين جمهوره. فأي عرض عادي موجود على خشبة المسرح فإنك كمشاهد تشاهد حالة دون أي اشتراك لا بروحك ولا ذهنك ولا قلبك. فأنت مجرد مشاهد تضع نفسك أحيانا مكان البطل وتنفعل معه لكنك بمجرد خروجك من باب المسرح انتهى كل شيء. فماذا لو اشتغلنا على  الوجدان الشعبي؟ وقد نبهني إلى ذلك ثلاثة أساتذة كبار هم: د. علي الراعي في كتبه الثلاث عن الكوميديا المرتجلة والميلودراما. ثم د يوسف إدريس في مقالاته الهامة جدا التي كتبها في أواخر الستينيات عن علاقة المسرح بالوجدان الشعبي وكيف أن المسرح عندما بدأ من يعقوب صنوع كيف كان ذو قالب غربي وكيف يمكن أن نجد قالبا مصريا. وتحدث عن السامر الشعبي وعن الأراجوز وعن الأشكال الشعبية التي يمكن تطويرها. والثالث هو توفيق الحكيم في كتاب قالبنا المسرحي. هؤلاء الثلاثة أثروا في بشكل كبير فصرت أميل كثيرا إلى أن أعمل في هذه المناطق حتى أصنع تماسا مع الجمهور. والقضية هي كيف يصبح العرض حيا والجمهور نفسه حيا يشارك بشكل أو بآخر وأن يشارك بشكل وجداني عنيف؟ فمثلا في «الملك هو الملك» كان محمد منير عندما يغني يلهب الحماس, وذلك بأغنيات شعبية من كلمات/ أحمد فؤاد نجم وألحان حمدي رؤوف. ومثلا طلبت من نجم كتابة أغنية «علي عليوة» وهي أغنية شعبية في الشوارع. فكل شيء مرتب ومدروس بحيث يُحدث تماسا مع الجمهور. إنما التراث يمكن أن يذهب  بي بعيدا في منطقة أخرى. فأنا أعمل من خلال التراث الشعبي وليس من مجمل التراث. حتى في مسرحية «لولي» عملت مع أحمد فؤاد نجم على نفس المنطقة.
كيف تبحث النص؟ هل تشغلك القضية فتبحث لها عن نص أم أن النص الجيد هو الذي يناديك؟
بصراحة شديدة أنا باتخطف, بتندهني النداهة, فأنا أقرأ كثيرا من المسرحيات. وقد عرض علي الكثير من المسرحيات من مؤلفين كبار ورفضتها. فإذا لم يناديني النص فلا أقترب منه. فمثلا عن اختيار نص مسرحية «الملك هو الملك» كنت أسير بالشارع فقابلت صديقا ما توقف بجانبي بسيارته في مصر الجديدة, وسألني هل قرأت مسرحية سعد الله ونوس الجديدة فأجبت بالنفي فدعاني لقراءتها معه. وعنده في منزله قرأتها بسرعة وبمجرد قراءتها شاهدتها أمام عيني كأنها تعرض على المسرح فأخذت النص وقدمت العرض.
حدثني عن تجربتك مع مسرحية «الملك هو الملك» كتجربة فريدة نجحت فنيا وجماهيريا .
الملك هو الملك قدمتها ثلاث مرات في ثلاثة أماكن. المرة الأولى في «قصر ثقافة الريحاني». ثم كان لي صديق هو رمزي العدل شقيق سامي ومدحت ومحمد العدل, طلب مني أن أخرج عرضا بكلية العلوم وقد حدث وقدمت «الملك هو الملك» في الجامعة حيث تعرفت على الدكتور/ توفيق عبد اللطيف الذي كان عضوا في لجنة التحكيم وأعجب بالعرض وصفق لي كثيرا وأصبحنا أصدقاء طيلة العمر بعدها وقد حصلت على درع الجامعات بها. المرة الثالثة  أرسل لي المخرج/ فهمي الخولي وكنت قد حققت نجاحا بمسرحية «منين أجيب ناس», وطلب مني إخراج عرض للمسرح الحديث فتقدمت بمسرحية «الملك هو الملك» التي كان يرفضها فهمي في البداية حتى اقتنع بالضغط عليه بمعاونة الملحن/ حمدي رؤوف، وأحضرنا محمد منير وفايزة كمال وصلاح السعدني ولطفي لبيب وحسين الشربيني. ولأن هذا العرض تعد هذه المرة له في مجال احتراف فكان لابد أن يشهد تطورا عما سبق. وذهبت لسعد الله ونوس إلى قبرص مع أحمد فؤاد نجم ثم تابعناه إلى دمشق حيث كتب نجم الأغاني في خلال أربعين يوم في دمشق. وبعد عودتنا جاءني حمدي رؤوف حيث أنجز الألحان كلها في منزلي. وحققت المسرحية نجاحا كبيرا.
كيف حققت «الملك هو الملك» كل هذا الاقتراب من الجمهور والانفعال مع الأبطال؟ وما سر مشهد السبوع؟
لقد استخدمت في رؤيتي فكرة الجوقة والتي كانت موجودة لدى اليونانيين القدماء وهي التي تقوم بالتعليق على الحدث وتعمقه وقد تسخر منه وأحيانا توقفه لتعطى المتفرج نوعا من اليقظة وهذا موجود عند بريخت . وفي الأصل إن المبدع/ سعد الله ونوس تعمد في كتابته ملامسة بريخت. وقد استبدلت بعض حكاياته بالأغاني. فمثلا كان يقول في النص الأصلي: إنهم سيأكلون الملك ثم يتقيؤوه فتصح جسومهم .. إلخ. ولعدم ملائمة هذا للذوق العام - في مصر- استبدلته بأغنية: «ياما مويل الهوا ياما مواليا طعم الخناجر ولا حكم الخسيس فيا, شرط المحبة الجسارة شرع القلوب الوفية».
 أما بخصوص مشهد السبوع, فسر سحر مشهد السبوع يتلخص في جملة: كيف تفكر بشكل إبداعي في المسرح؟ فسعد الله ونوس في النص الأصلي يقول (خلق جديد يعاد ميلاده من جديد). فكيف يتم الاحتفال بالمولود الجديد؟ فلابد أن يحتفل به الحاشية والحراس. فصممت هذا عن طريق السبوع. ثم جعلت أداء صلاح السعدني يتطور أثناء المشهد نفسه من (هل أنا مسحور أم أصاب عقلي أمر من الأمور) إلى في نهاية المشهد (يبدو أني مُخلّق أو وُلدت). فأخذت كلمة وُلدت وصنعت طقس الميلاد وهو مأخوذ من كلمة الكاتب (ولدت). وهذا الطقس مثلا موجود في المسيحية, حيث التقطت جزء من المسيحية في طقس التعميد فيقال (أنت تولد غير مسيحي, حينما تعمد بالماء المقدس تصبح مسيحيا), في هذا المشهد كانوا يركعون ثم يلقي هو عليهم الماء ويشهقون, وهكذا. فالموضوع مدروس تماما. وقد استخدمت هنا الطقوس الشعبية من خلال السبوع وطقس إعادة الميلاد في المسيحية فمزجت بين الطقس الديني والطقس الشعبي لذا كان  المشهد رائعا وتميز بألحان/ حمدي رؤوف الرائعة. وكانت المسألة مفاجأة للجمهور وأحدثت تماسا معه. وفي الألحان أدرك حمدي رؤوف أني أريد موتيفات شعبية يتم إعادة صياغتها. وحصل بها حمدي رؤوف على جائزة أفضل موسيقى.
عرض من عروضك ترى أنه كان رائعا لكنه لم يأخذ حقه أو ظلم.
عرض مسرحية «ملك الشحاتين» في القطاع الخاص دمره نجاح الموجي، وعند التصوير أجهز عليه سعيد صالح. أما العمل الذي ظُلِم فهو آخر عمل لي  عرض»زيارة سعيدة جدا» بمسرح الهناجر, فلم يلق أي دعاية نهائيا أو مجرد خبر في جريدة للإعلان عن العرض. وقد تم عرضه عشرة أيام فقط ثم توقف أسبوعين من أجل المهرجان السينمائي ثم عاد لمدة خمسة أيام سرا. وكان من بطولة محمد محمود وانتصار وعزة بلبع وغيرهم من فنانين مبدعين.
هل لدينا تطور حقيقي في الحركة المسرحية, أم إنها تتخبط دون طريق واضح؟
مشكلة مسرح الدولة أنه يدار بشكل مركزي. بمعنى أن أي مخرج يرغب في العمل في مسرح الدولة إذا لم يوافق رأس المكان عليه فلن يعمل شيئا. إذن الإدارة مركزية وهذا هو العيب. فجوهر مسرح الدولة يكمن في إدارته. لو توجد إدارة جيدة مثل الفنان الراحل/ عبد الغفار عودة سنرى نتائج مدهشة ومبهرة. أو قيادة واعية وحاسمة مثل محمود ياسين في «المسرح القومي» سنرى عروضا مرعبة وهذا حدث من قبل. فإذا لم تكن الإدارة صالحة يفسد المسرح.  لأن المسرح اختيار نصوص ومخرجين مما يُنتج حركة مسرحية تفرز مواهب جديدة وشباب جدد مع الاستفادة بالخبرات القديمة. فالمجاملات تسود ونتيجة هذا هي هبوط المستوى. كما أن مسرح الدولة يزدهر حين وجود نوع من الأهداف الوطنية في البلد كلها وهذا ينتج عنه انتعاش ثقافي ينتعش بالتبعية معه المسرح. وتلك نقطة في منتهى الحساسية. فمراحل العزة الوطنية ارتبطت بنهضة المسرح في الستينيات, كم أفرزت من المؤلفين مثل نعمان عاشور ونجيب سرور وغيرهما وكذلك المخرجين وكلهم سافروا وعادوا وأنتجوا نهضة مسرحية وهذا التفكير لم يعد واردا في الأذهان.
هل مقارنة النهضة المسرحية قديما بالوضع الحالي ظالمة للأجيال الحالية؟
طبعا هي ظلم فادح للممثلين والمخرجين والممثلين بالذات الغير نجوم. لأنهم لا يأخذون فرص نهائيا. كانت قديما المعطيات كلها والمقومات المحيطة تساعد على النجاح وكان هناك حس وطني قوي. أتمنى أن ينصلح الحال وتعود النهضة مرة أخرى. والآن لا توجد عروض متميزة تصنع نهضة لأن من يقف في المكان المناسب هو الذي يستطيع السباحة. لكن الشباب الآن لا يستفيدون من الكبار لأن الكبار لا يعملون. سواء «جلال الشرقاوي» منذ سنتين لم يخرج عرضه بالقومي للنور. «العصفوري» يجلس في المنزل. وكل الكبار كذلك حتى عصام السيد وجيله لا يعملون. فماذا قدم الشباب في السنوات الأخيرة؟ فعرض واحد جيد لا يصنع نهضة ولا اثنين أو ثلاثة. قديما كنت تجد في العام الواحد عدة عروض ممتازة تتنافس في وقت واحد وبالتالي الحركة النقدية تتابع وتنهض بجوار الحركة المسرحية, ولكن الحركة النقدية خمدت تماما الآن.
هل حققنا سمات خاصة مميزة للمسرح  المصري؟
توجد محاولات جيدة جدا سواء على  مستوى الكتابة أو على مستوى الإبداع الإخراجي.  إن المسرح المصري تراثه قوي جدا. وهذا هو ما يحقق لنا الثبات حتى الآن بغض النظر عن المهازل التي تحدث, وهذا البناء لا يُهدم أبدا وهو من أيام عزيز عيد حتى الآن. ومن أيام صنوع وما بعده مثل فرق الكسار والريحاني وفرقة رمسيس فقد كوّنوا بناء قويا وتوجد محاولات لدفعه للانهيار لكنها لا تنجح. فالمسرح المصري هو الذي عرّف العالم العربي ماذا يعني المسرح. معهد التمثيل بالكويت كان يُدرّس به المصريون مثل كرم مطاوع وسعد أردش وغيرهما ولما مات المسرح المصري, أو أنه في مراحل طريقه للموت مات المسرح في العالم العربي. هل تسمع الآن عن مسرحيات في أي بلد عربي. فمصر قائمة وإذا انهار فيها المسرح تحدث عدوى عامة في الوطن العربي كله.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏