التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (23) الطالب عباس يونس يكتب من لندن أيضا

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (23) الطالب عباس يونس يكتب من لندن أيضا

العدد 673 صدر بتاريخ 20يوليو2020

قرأنا جميعاً ما سجله الطالب محمد توفيق، أثناء وجوده في لندن عن بعثته ضمن طلاب معهد الفرقة القومية المٌلحق بكلية الآداب في الجامعة المصرية! وما كتبه محمد توفيق، يُعد وثيقة تاريخية لطلاب هذه البعثة! وبالرغم من أن الطلاب كانوا ستة، إلا أن محمد توفيق كان الأنشط، بناء على ما سجله بنفسه، ونشرته الصحف في ذلك الوقت!! هكذا كنت أظن، حتى وجدت طالباً آخر، أرسل للصحف أموراً لم يتحدث عن تفاصيلها محمد توفيق، بل أشار إليها فقط!! وهذا الطالب هو «عباس يونس» أحد الطلاب الستة في البعثة الأولى لمعهد فن التمثيل!! وهذا الطالب، سيكون له شأن آخر مستقبلاً، عندما يتزوج من الفنانة «نجمة إبراهيم»، ويكوّن معها فرقة مسرحية في الخمسينيات!!
مسرح الهواء الطلق
أول رسالة أرسلها «عباس يونس»، نشرتها مجلة «الصباح»، وكانت عن «مسرح الخلاء» في لندن!! والمقصود به «مسرح الهواء الطلق»! وما كتبه عباس يونس عن هذا المسرح – في ذلك الوقت – يُعدّ شيئاً متطوراً في الأنواع المسرحية، الأمر الذي يلقى اهتماماً كبيراً في البلدان العربية الآن، من حيث المناداة بإقامة العروض المسرحية خارج المباني المسرحية، المعروفة بالعلبة الإيطالية! تلك المناداة التي أخرجت لنا أفكاراً متنوعة، مثل: مسرح الشارع، ومسرح الشاطئ، والمسرح الصحراوي .. إلخ هذه الأشكال والأنواع!! وعن مسرح الخلاء أو مسرح الهواء الطلق، قال عباس يونس:
لئن تميزت دولة ما بثرائها الموسيقي، فلقد تميزت إنجلترا بثرائها المسرحي ففي لندن وحدها 53 مسرحاً، آخذة في النمو والازدياد، إذ ستصبح هذا العام باكتمال بناء المسرح الإنجليزي القومي، 54 مسرحاً. ويظهر أن الفن المسرحي قد ضاقت به الدور على رحبها، فراح يستعمر الفضاء أيضاً. هناك في حديقة من أكبر حدائق لندن، وأبدعها تنسيقاً، وأجملها طبيعة، قد احتل الفن المسرحي مركزاً من مراكز الجمال، ومهبطاً من مهابط الوحي. دخل عليه العلم فهذبه، حيث أنقص المهندس وزاد حسبما أتى في رسم الرسام، فخلق مسرحاً فسيحاً يميل إلى الاستدارة، تحف بجانبيه أشجار متراصة بشكل هندسي طبيعي جميل. ولهذا المسرح الخلائي صدر رحب، بديع الصورة، حسن التنسيق، منسجم التركيب، تتوسطه طريق ملتوية، هي أيضاً للمسرح مدخل إليه، ومخرج منه، إذا دعا الأمر. ولقد روعي في أرض هذا المسرح أن تكون منحدرة نحو النظارة ومرتفعة ارتفاعاً يقرب من ارتفاع المسارح الداخلية إن لم يكن مساوياً له، كما روعي في الأرض التي امتلأت بمقاعد النظارة، تسطحها وانحدارها كذلك نحو المسرح. وهي أرض فسيحة رحبة اتسعت لأكثر من ألفي كرسي رصت في صفوف دائرية، وكلها كبيرة مريحة، بل إن بعضها من مقاعد الدرجة الأولى الأمامية، من طراز كراسي الحدائق، و«الفرندات» المعروفة بمساندها القماشية، وإمكان فتح أرجلها بحيث يميل ذلك المسند إلى الخلف، فيكون الجلوس عليه عندئذ أشبه شيء بالاستلقاء على الظهر طلباً للراحة. أما من حيث معدات الإدارة المسرحية ومستلزماتها، فإنه لم يترك شيئاً جُهز به مسرح ضخم، إلا واختص ببناء خاص في الأغلب من الخشب أو القماش، فتجد خلف ذلك المسرح قسماً للإضاءة. وهناك مصابيح قوية قد علقت على أشجار على جانبي الصالة، كما انتشرت «المصابيح القدمية» في مقدمة المسرح، تحجبها عن أنظار النظارة شجيرات متلاصقة، كونت لذلك المسرح حافة خضراء جميلة، كذلك وجدت خلف المسرح من هذه العاكسات، ما ينشر الضوء من الداخل باللون المطلوب، على قمم الأشجار والشجيرات، ومن خلال أغصانها، حتى أنك لتتمثل الفجر أو تحسبك فيه إن أظهر تمثيلاً. وهناك قسم خاص بفريق العازفين «الأوركسترا» وبه أيضاً حاك كهربائي يدار عند الطلب، ويقف في هذا المكان ميكروفون دقيق حساس، ينقل ما يعزفه الموسيقيون، أو ما يصدره الحاكي من موسيقى إلى الجمهور أثناء التمثيل أو في فترات الاستراحات بين الفصول، عن طريق مستقبلات للصوت مجلوة سليمة، علقت مختبئة في بعض الأشجار، كأنها أفنان تنبعث منها موسيقى الطبيعة من غناء أطيار إلى قصف رعود. كذلك تستقبل هذه المستقبلات أصوات الممثلين على المسرح، وقد نقلت إليها بواسطة أجهزة «ميكروفونات» وضعت مختبئة في مراكز من دائرة المسرح على أبعاد هندسية مخصوصة. وهناك إلى أحد جوانب هذا المسرح من الداخل صف طويل من حُجر الممثلين، وقسم خاص بالمهمات «إكسسوار» وقسم للإدارة، والإدارة المسرحية، والإدارة الفنية. لقد دفع حب الخلاء الإنجليز وهم سكان هذا الصقع البارد من الدنيا، إلى الإقبال على ذلك المسرح، على الرغم من تقلب الجو وغدره، وهم آمنون إذ قد اتخذ مديروه الحيطة، فوفروا مع موزعي البرامج «بطاطين» تغطي بها السيقان إن أحس البعض ببرد مفاجئ، كذلك أعد بجانب هذا المسرح، آخر شبيه به كل الشبه، يقوم إلى جواره تحت خيمات محكمة، حتى إذا انقلب الجو فجأة، وأمطرت السماء في ليلة من ليالي العرض الصيفية لا يتوقف العرض؛ بل بأسرع من البرق، يهرول النظارة إلى المسرح المغطى من أبواب خصصت لذلك فيعرف كل مكانه بغير خلط، ولا يكاد ذلك الجمهور المحتشد ينتظم في مقاعده، حتى يجد نفسه أمام مسرح، كأنه المسرح الذي كانوا أمامه من قبل، وعليه يستمر الممثلون بالقصة كل في الموضع الذي كان فيه عندما أمطرت السماء! وبهذا المسرح المغطى من المعدات مثلما هي بالآخر الخلائي، فلا يشعر أحد بنقص ما، مما كفل لهذا المسرح استمرار النجاح واطراد التقدم. زرنا ذلك المسرح تواقين، في ليلة هادئة صافية، فتمتعنا بمشاهدة رواية «الليلة الثانية عشرة» لشكسبير، وزرناه في ليلة أخرى فتمتعنا بمشاهدة رواية «قصة الشتاء» لشكسبير أيضاً، فشهدنا عجباً. صالة تغص بالمتفرجين، ودقة نظام في الخدمة والاستقبال، وإخراج رائع، وتمثيل متقن. ومن أروع ما اختص به هذا المسرح، إنه على حالته التي وصفتها، قد اضطر المخرج فيه إلى أن يتوسل في إخراجه بوسائل أخرى غير التي يتوسل بها مخرجو المسارح المغطاة. ففي هذا المسرح لا تستعمل المناظر البتة، ولهذا يقتصر الإخراج فيه على طريقة التعبير بالرموز، ويعتني بفن التحرك «الميزانسين» اعتناء فوق المألوف مترابطين في ذلك بأوضاع «الميكروفونات»، حتى لا يضيع على الجمهور حرف واحد من كلمات الممثلين. عجبنا لما رأينا، وشعرنا برغبة شديدة في الوقوف على هذه الأسرار الفنية الدقيقة، فأظهرنا هذه الرغبة إلى الأستاذ «بنت» الذي كان يرافقنا في مثل هذه الحفلات، فمهد لنا، وارتبطنا بموعد حددته الإدارة. وفي ذلك الموعد المضروب، زرنا ذلك المسرح نهاراً، فإذا بالمخرج يستقبلنا هاشاَ باشاً، ولم نعجب لهذه الحماسة، عندما رأينا أن المستر «إتكنز»، الذي سبق أن زار مصر على رأس فرقة له منذ سنين مرتين أو يزيد، قال: أهلاً بالمصريين الأصدقاء، واصطحبنا إلى داخل المسرح، فشرح لنا الكثير في خارج المسرح، ثم أسلمنا إلى ابنه ووكيله المدير، فدخل معنا إلى الداخل، ولم يبخل بجهده في اطلاعنا على كل الأقسام، وشرح كل ما حوته شرحاً وافياً شكرناه وشكرنا إياه عليه. رجعنا إلى الصالة فشهدنا منها عملية التدريب «البروفا» فشعرنا بلذة كبيرة، وأعجبنا كثيراً بطريقة المستر «إتكنز» في الإخراج. والمستر «إتكنز» معروف عند الإنجليز بأنه يكاد يكون المخرج الوحيد الذي يملي إرادته، ولا يترك الممثل ينتقل من جملة أو موقف إلى آخر، إلا إذا عمل بكل ما يشير به، فهو الدكتاتور الإنجليزي الوحيد بين سائر المخرجين، على إنه موفق كل التوفيق، لم يبد لأحد ما يوماً، ما نقص فيما يخرجه للناس من درر وتحف. ولقد حدث أن تلطف المخرج وأفراد فرقته، فدعونا إلى «شاي» مؤنس في «بوفيه» المسرح، وهو «بوفيه» جميل نثرت طاولاته على أبعاد منتظمة تحت مظلات ملونة بألوان جميلة، مؤلفة في مجموعها شكلاً زخرفياً خلاباً. هذا هو الحال مع شعب صقع من الأصقاع الباردة كما ذكرت، يفكرون في استغلال حدة الشتاء، فيطلقون على فترتها صيفاً، ويروحون يعملون على أن ينعموا بكل ما في الصيف من لذائذ، فيقيمون مسرح الخلاء، ويلبسون لباس الصيف، ويهرعون إلى السواحل. فإذا كانت هذه حال سكان الشمال الغربي من أوروبا، فكيف بنا وقد وهبنا الله أجمل جو في العالم؟ ما لنا لا نستغله، ونفكر في غير حركات «البلاج» وما إليها من ضروب المحدثات، التي لا تُجدينا نفعاً، ولا تتفق وشعائر ديننا، وتقاليد قوميتنا؟ لِمَ لا يفكر أحد من أصحاب رءوس الأموال أو الشركات في مصر ذلك المشروع، الذي قد تعينه الحكومة عليه، فيعقد النية، ويجمع العزم، ويسارع بإحداث ذلك الأثر الجليل، ويكون له الفضل الأسبق في تقديم هذه الخدمة للوطن والمواطنين. حبذا لو فكرت الفرقة القومية في هذا المشروع النافع، الذي إن تم لها، كسبت وأكسبت خيراً، لأن اشتغالها مدة الصيف مثلاً ينمي مواهب أفرادها أولاً، وماليتها ثانياً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنها توفر للجمهور المصطاف طريقاً خيراً، ووسيلة نافعة تجمع بين الجد والترويح.
هملت لشكسبير
بعد شهر تقريباً، نشرت مجلة «الصباح» رسالة أخرى لعباس يونس، تحدث فيها عن أستاذه «سكيف»، وعن عرض مسرحية «هملت»، التي شاهدها طلاب البعثة في الأيام الأولى من وصولهم إلى لندن!! والحق يُقال: إن عباس يونس كتب مقالته بأسلوب مشوق، تجعل القارئ يتابع سطورها ومعلوماتها بشغف شديد؛ لأنه تحدث عن تفاصيل لم يذكرها محمد توفيق، ولم يشر إليها!
قال عباس يونس: أعلنت الفرقة القومية عن رغبتها في تكوين نواة للمعهد من خمسة يتفوقون على سائر المتقدمين وكنا ضمن المئات من هؤلاء، فإذا ممتحننا في اللغة الإنجليزية تحريرياً وشفوياً .. هو المستر «سكيف»! تفوقنا في الامتحان، وتقابلنا بعدئذ باستمرار في كلية الآداب، ثم سبقنا إلى لندن. ولحقناه إليها فلما وصلنا دعانا إلى مسرح «وستمنستر» لحضور مسرحية «هملت». وذهبنا .. ورفع الستار .. وبدأنا نتابع تمثيل «هملت» ومواقفها .. وإذا بنا نرى مستر «سكيف» أستاذنا الجامعي رجلاً من كبار ممثلي إنجلترا؟ هو نفسه الذي يمثل دور «هملت»!! وأين؟ .. في عاصمة بلاد شكسبير! .. وعلى مسرح من مسارح الدرجة الأولى في إنجلترا .. فلمسنا قدرته من جديد .. وعلمنا قدره عند الإنجليز كلما قوبل بعواصف الهتاف والتصفيق. سألنا بعدئذ عن سبب كتمانه ذلك عنا، فقال: لم أكتم! فسألناه: إنك لم تذكر لنا إنك ممثل؟ فقال: لم تكن هناك مناسبة لذلك!! وفي هذا الرد درس خلقي ثمين، وعظة أدبية بالغة. وكان نجاح الرواية بفضل الممثلين وبفضل المخرج أيضاً .. وكان رأيه الظاهر في إنتاجه تجريد العرض من كل ما يستلفت نظر المتفرجين، أو يسترعى شيئاً من اهتمامهم، أو يشغل جزءاً من بالهم من مناظر وما إليها .. فاستعاض عن المناظر بجدار ستائري ذي لون خاص، يكفل الانسجام مع ألوان ملابس الممثلين. أما «الإضاءة» فقد استرعى انتباهنا أن المخرج في محاولته هذه، عمد إلى عدم استقلال النور. فلم يغيره طوال الرواية، بل تركه ثابتاً على حال واحدة، مما أثبت إنه كان مصمماً على إخراج هملت في نور يشبه وضح النهار، الذي كان يعتمد عليه شكسبير نفسه في إخراج مسرحياته. كما أن مستر سكيف ممثل دور «هملت»، تحدث إلينا عن طريقته في تمثيل الدور فقال: “إن الجمهور يجب ألا يركز نظره واهتمامه على لاعب هملت لأن ذلك يضعف الشخصية التي تتغذى من الباقين، والتي تغذي الباقين أيضاً”. ولا يفوتني قبل أن أختتم مقالي هذه أن أذكر بلسان الاغتباط والإعجاب تلك الممثلة الفذة، التي لعبت دور الملكة «أم هملت». فهي أخت أستاذنا الجليل المستر سكيف، وهي ممثلة مجيدة ذات تاريخ أبيض ناصع، خدمت الفن منذ خمس وعشرين سنة، واسمها «جلين سكيف» ولها فخر سجلته في روايات: «شهر في الريف» من تأليف «تورجنيف» الروسي، و«مملكة الله» من تأليف «سيارا» الأسباني.
مشاهدات أخرى
خلافاً لما قام به طلاب البعثة من مشاهدات مسرحية، تتعلق بدراستهم، هناك بعض الرسائل التي تحمل مشاهدات وأخبار أخرى، لا تتعلق بالبعثة والدراسة المسرحية بصورة مباشرة!! فعلى سبيل المثال أرسل الطالب «حسن حلمي» بمعلومة مهمة، نشرتها جريدة «البلاغ»، جاء فيها: “إن أعضاء البعثة أقاموا في النادي المصري حفلة شائقة، حضرها سفير مصر في إنجلترا بمناسبة تتويج صاحب الجلالة الملك فاروق. وقد اشترك في هذه الحفلة جميع الطلبة المصريين في لندن”، وهي الحفلة التي أُشير إليها في تقرير البعثة الجماعي، الذي نشرناه في المقالة قبل السابقة.
وفي أغسطس 1937، نشرت جريدة «الجهاد» بعض المشاهدات، التي أرسلها «محمد توفيق»، قال فيها: زرت – في أوقات فراغي طبعاً – البرلمان الإنجليزي، وبعض القصور الملكية التاريخية، والمتحف البريطاني الكبير، ومتحف فكتوريا والبرت، والمتحف التاريخي، ومتحف العلوم. كما زرت برج لندن، والبرج الدموي، وأبراج الأسلحة، وقصر ويندسور، وقصر هامبتون، حيث قضى هنري الثامن حياته، وحيث حدثت مآسيه. كما زرت كنيسة «سان بول» وغيرها من كنائس لندن. ولست في حاجة، بل لا أستطيع مطلقاً أن أذكر لك كل ما رأيت، أو أصف لك بعض ما رأيت. ولعمري أن رفقة واحدة في متحف فني، أو أي قصر ملكي تاريخي أمام لوحة هائلة من لوحات «فان ديك» أو «روفائيلو»، أو غيرهما من مئات الأفذاذ المصورين، أو النحاتين، لتكفي لتغذية الروح وإشباع الخيال مدى أجيال وأجيال. لقد رأيت صورة في قصر «هامبتون» لكيوبيد إله الغرام وهو يهاجم المرأة، وصورة أخرى بجانبها لكيوبيد بعد انتصاره عليها وسلبه أعز ما لديها! لم أشعر إلا وقد مضت ساعة ونصف ساعة وأنا واقف، لا أعي مطلقاً! ولما صحوت لنفسي انهمرت الدموع من عيني .. فما بالك بآلاف التماثيل وآلاف الصور، التي توحي كل واحدة منها بموضوع خاص، وفكرة خاصة، ومشهد تاريخي خاص، وربما بكوميديا أو مأساة خاصة.
والجدير بالذكر إن «عباس يونس» أرسل رسائل عديدة عن مشاهداته في لندن، تفوق في عددها وحجمها، ما أرسله بخصوص البعثة، ونشرناه في هذه المقالة! ومثال على ذلك، رسالته عن «عجائب حديقة هايد بارك»، التي نشرتها مجلة «الصباح»، وفيها تحدث عن هذه الحديقة الشهيرة، وشبهها بحديقة الأزبكية في القاهرة! ووصف ما رآه فيها، عندما اجتاز المدخل الرائع ببواباته الحديدية الضخمة، فإذا به أمام ميدان فسيح جداً مزدحم بالناس المتشعبين، وكل شعبة في مكان ملتفين حول شخص يخطب فيهم، فاستمع إلى أحدهم ووجده يتحدث عن الشيوعية، فانتقل إلى غيره فوجده يهاجم الشيوعية! ثم انتقل إلى خطيب ثالث فوجده ينادي بالمساواة، وبجواره خطيب آخر يرفض المساواة .. إلخ، فأدرك يومها بقيمة حرية الرأي، التي تشتهر بها الأمة الإنجليزية!! وفي رسالة أخرى، وجدناه يتحدث عن أهمية المرأة الإنجليزية وحريتها، ومدى احترام المجتمع الإنجليزي لها! لدرجة أن القضاء يستمع إليها أولاً قبل أن يستمع إلى الرجل، ويكون كلامها مصدقاً عن كلام الرجل!! وفي رسالة ثالثة – نشرتها أيضاً مجلة الصباح – وجدناه يتحدث عن الأخلاق والعادات والتقاليد في إنجلترا، مع مقارنتها بمثيلاتها في مصر!!


سيد علي إسماعيل