العدد 669 صدر بتاريخ 22يونيو2020
توقفنا في الحلقة السابقة عند إغلاق «قاعة محاضرات فن التمثيل»، ونيّة وزارة المعارف إنشاء – أو إعادة افتتاح - «معهد فن التمثيل» مرة أخرى!! والحقيقة أن الوزارة لم تهتم بهذا الموضوع، بقدر اهتمامها بتشكيل أول فرقة مسرحية حكومية مصرية، وهي «الفرقة القومية» التي تكونت، وظهرت للجمهور في أول عرض لها، وهو مسرحية «أهل الكهف» في ديسمبر 1935. وبعد أن اطمأنت الوزارة على هذه الفرقة، وشاهد الجمهور بعض عروضها، بدأ التفكير الجديّ في موضوع «معهد التمثيل»، وهذا التفكير استغرق حوالي عشرة أشهر!!
في فبراير 1936، نشرت مجلة «الصاعقة» خبراً، قالت فيه: “ علمنا أن الأستاذ زكي طليمات يسعى بجهوده الجبارة، لدى وزير المعارف الذي عُرف بتقديره للجهود النافعة، وتشجيعه للفنون، فانتهز الأستاذ طليمات هذه الفرصة وراح يُعدّ المذكرات، التي تختص بافتتاح المعهد، وقدمها فعلاً .. وقريباً جداً يوافق عليها سعادة الوزير. وفي أكتوبر المقبل سيفتح المعهد على مصراعيه للطلبة النظاميين والمنتسبين .. فإلى هواة ذلك الفن أسوق ذلك الخبر ليأخذوا أهبتهم .. وأعلم أنهم ينتظرونه بفارغ الصبر”.
حقيقة .. لا أعلم ماذا فعل الوزير بما قدمه طليمات بخصوص نشأة المعهد الجديد!! ولكنني أعلم جيداً أن الوزير لم يهتم بأي مقترح قدمه طليمات – وقتذاك - لعدة أسباب، منها: أن زكي طليمات كان المدير الفني الأهم – أي المخرج – بالنسبة للفرقة القومية في هذه الفترة، وكما يُقال «صاحب بالين كذاب»!! كما أن طليمات انشغل كثيراً بمؤتمرات المسرح المدرسي، الذي حضرها في باريس، لا سيما وأنه أصبح – بعد أن ترك الفرقة القومية – المفتش العام للمسرح المدرسي في مصر. كل هذه المشاغل، أبعدت طليمات عن المعهد الجديد!! وربما أن زكي طليمات أبعد نفسه بنفسه، عندما عرف بأن المعهد سيكون تابعاً للفرقة الحكومية، ولن يكون مستقلاً كما كان سابقاً.
وفي مارس 1936، نشرت جريدة «الجهاد» حواراً مع مدير الفرقة القومية «خليل مطران»، علمنا منه أن المعهد سيكون تابعاً للفرقة القومية، والغرض منه تغذية الفرقة بالممثلين والممثلات، هذا بالإضافة إلى إرسال المتفوقين في بعثات إلى أوروبا في تخصصي التمثيل والإخراج، ليكونوا النواة الأولى للأساتذة الذين سيحملون شعلة تثقيف وتعليم الناشئين. وهذا التفكير رفضته جريدة «الجهاد»، وأبانت عن وجهة نظرها، بأن المعهد لا يجب افتتاحه قبل أن نخصص له الأساتذة المناسبين المؤهلين للتدريس فيه، مقترحة إرسال بعض الموهوبين أولاً في بعثات خارجية، ليتأهلوا للتدريس، ويعودوا أساتذة لهذا المعهد، الذي يجب أن يُفتتح بعد عودة المبعوثين، وليس العكس كما قرر خليل مطران!!
صمتت الصحف عن الحديث حول المعهد، وعادت إلى الاهتمام بأخبار الفرقة القومية طوال ستة أشهر!! وفي سبتمبر 1936، نشرت مجلة «المصور» حواراً مع وكيل الوزارة محمد العشماوي بك، علمنا منه سبب هذا الصمت، وهو أن الوزارة قررت استدعاء خبير أجنبي لمدة ثلاثة أشهر – وهو المخرج الفرنسي «أميل فابر» - حتى يُسهم بأفكاره وخبرته في تنظيم الفرقة القومية، وإدخال بعض التعديلات على المسرح المصري، ليواكب التطور الحديث في الإخراج!! “ وسيؤخذ رأيه أيضاً في تنظيم معهد التمثيل، الذي سوف يكون ملحقاً بالفرقة من حيث شروط القبول فيه، ومنهج الدراسة، ونوع الأساتذة، وفي البعوث التي قررت اللجنة إيفادها إلى أوربا لتلقي فن التمثيل والإخراج، ليشير بنوع العنصر الذي يُوفد، ومنهجه ودراسته، والبلاد التي يوفد إليها، ولذلك أرجأت اللجنة إنشاء معهد التمثيل، وإيفاد البعوث التي اعتمدت لها ألفي جنيه في ميزانية الفرقة انتظاراً للوقوف على رأى هذا المخرج”.
وبعد أيام قليلة، نشر محمد رشاد غريب في جريدة «الأهرام»، خلاصة التقرير الذي قدمه الدكتور حافظ عفيفي باشا - رئيس لجنة ترقية المسرح المصري إلى وزارة المعارف العمومية لترقية المسرح المحلي، فيما يخص موضوع المعهد، مع تعليقات لكاتب المقال - قائلاً: إن الباشا أكد في تقريره “ بضرورة إنشاء معهد حكومي للتمثيل على شاكلة المعاهد الأوروبية، لتخريج ممثلين أكفاء من ذوي الثقافات العالية في فن التمثيل، ليكونوا تُكأة للمسرح وعماده في المستقبل. وقد رأت لجنة ترقية المسرح المصري أن تبدأ في تنفيذ هذه الفكرة هذا العام، وفعلاً شرعت في إعداد المعدات اللازمة حتى يكون المعهد على نمط أحدث المعاهد الأوروبية، ليثمر الثمرة المرجوة ويأتي بالنتيجة المنشودة. وستجتمع اللجنة في أواخر شهر سبتمبر الجاري للنظر في شروط قبول الطلبة والطالبات بالمعهد، وإقرار كل ما يختص به من جميع النظم والشئون. ونحن نؤكد استناداً إلى أوثق المصادر، بأن أبواب المعهد ستفتح للدراسة في أول شهر نوفمبر القادم، عقب حضور الخبير الفني من فرنسا للإشراف على الافتتاح وتنظيم سير العمل والدراسة فيه. وسيوزع طلبة وطالبات المعهد بعد قبولهم على ثلاثة أقسام بحسب أنواع التمثيل الرئيسية كالآتي: أولاً، قسم التراجيدي والدرام. ثانياً، قسم الكوميدي. ثالثاً، قسم الأوبريت «الغنائي». وتوخت اللجنة كل الوسائل الممكنة لتدريب الطلبة والطالبات تدريباً يؤهلهم، لأن يكونوا خير نواة لبناء صرح المسرح المصري والنهوض به، فقررت إلحاقهم في نفس الوقت بصفة هواة وهاويات بالفرقة القومية المصرية، حتى يتسنى لهم دراسة الفن دراسة عملية بجانب دراستهم العلمية وتطبيق العلم على العمل. ولقد أحسنت اللجنة صنعاً في انتهاج هذه الطريقة الحكيمة، إذ المفروض أن التمثيل دراسة عملية أكثر منها علمية، ومع توافر الاثنين معاً يكون النجاح أكيداً. ولن تقتصر لجنة ترقية المسرح المصري على ذلك، بل ستعمل على إيفاد البعوث إلى الخارج من المتقدمين والنابغين من خريجي المعهد، للتخصص في التمثيل والإضاءة والإخراج. وهذه في الواقع خطوة حسنة جديرة بالاعتبار، نرجو أن يلازمها كل توفيق ونجاح، حتى يتسنى لنا أن نرى قريباً شبيبة مثقفة، تخطو على خشبة مسرحنا المحلي، حاملة لواء التمثيل الصحيح، عاملة على رفعته دائماً”.
شروط الالتحاق بالمعهد
بعد شهرين، أعلن خليل مطران شروط الالتحاق بالمعهد ليكون المتقدم طالباً في المعهد وملحقاً بالفرقة القومية في الوقت نفسه!! وهذه الشروط نشرتها مجلة الصباح، ومنها: أن يكون الطالب أو الطالبة عارفاً حق المعرفة لأصول اللغة العربية، مُلماً جيداً بلغة أجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية)، صحيح البدن، فصيح النطق، ذا استعداد طبيعي حسن للتمثيل. وللقبول في المعهد يجب أن يجتاز للطالب أو الطالبة الامتحانات التالية: 1- امتحان تحريري في اللغتين العربية والأجنبية. 2- امتحان شفوي في اللغة العربية واللغة الأجنبية التي يحسنها. 3- كشف طبي يثبت صحة جسمه وصلاحه للعمل التمثيلي. 4- امتحان خاص في الإلقاء ... وعدد الذين سيقبلون في المعهد خمس فتيات وخمسة فتيان. وقد جُعل راتب شهري لكل طالبة وطالب قدره خمسة جنيهات مصرية! ومن العشرة الناجحين سيختار المتقدمين ليرسلوا في بعثة إلى مختلف البلدان الأوروبية، التي يتقرر استكمال تخريجهم فيها.
بناءً على هذا الإعلان، تلقت الفرقة القومية 350 طلباً للالتحاق بالمعهد، وتم عرض أصحاب هذه الطلبات على لجنة - لإجراء الكشف الطبي وكشف الهيئة – متكونة من: الدكتور محمد بك حلمي صالح «طبيب الفرقة القومية»، والأستاذ عيسى علوي «مفتش الألعاب الرياضية»، وأحمد عسكر «عن إدارة الفرقة القومية»، وأحمد نصار «سكرتيراً للجنة». وقد فاز من بين الـ350 شخصاً 47، هم: إبراهيم أبو العينين، إبراهيم السيد العشري أبو فريحة، أبو العلا علي، أحمد بهاء الدين، أحمد حرب، إدوارد نسيم، إسماعيل نظمي أمين، حسن الجبيلي، حسن حلمي، حسن خضر سليمان، حسن علي سالم، زكي أحمد السيد، زكي محمد يوسف، سعيد عاشور، سليم سلوم، سليمان درويش سيد، السيد عبود حسن، شحاتة أحمد بيومي، عبد البديع العربي [الفنان المعروف]، عبد العليم خطاب [الفنان المعروف]، عبد الكريم محمد سليمان، عبد الله أحمد المنياوي، عبد الله عبد الحليم صبري، عبد المجيد مصطفى، عبد الملك برسوم، عرفة عبد اللطيف خطاب، عز الدين إسلام، فاخر محمد فاخر [الفنان المعروف]، فؤاد خياط، محمد أحمد الغزاوي، محمد أحمد الكردي، محمد الملا، محمد بكير، محمد صادق إبراهيم، محمد عبد الحميد شبل، محمد عزت بيومي، محمد علي منصور، محمود سعيد السباع [الفنان المعروف]، مرزوق يوسف مرزوق، ميخائيل سعد نيروز، نبيه مصطفى. واصف أنطون واصف، يوسف تادرس، يوسف جمال الدين كامل.
وقد شرح الطالب «حسن علي سالم» تجربته في اختبارات القبول بالمعهد، شرحاً تفصيلياً، ونشره في مجلة الصباح - رداً على من قلّل من شأن هذه الاختبارات - قائلاً: إن طلبة المعهد يمرون في عدة مراحل قبل أن تتيح لهم الفرصة للقبول في المعهد. فالمرحلة الأولى هي مرحلة الكشف الطبي، ويقوم به طبيب من لدن وزارة المعارف، والمرحلة الثانية هي كشف الهيئة ويقوم به طبيب من الوزارة ومفتش للألعاب الرياضية بها، وأحد ممثلي الفرقة المبرزين، وأعني به الأستاذ جورج أبيض. وهاتان المرحلتان تغربلان الطلبة من الناحيتين الصحية والشكلية. ثم تأتي بعد هذا مرحلة الامتحان العلمي أو الثقافي، فيمتحن المتقدمون تحريرياً وشفوياً في اللغتين العربية والإنجليزية أو الفرنسية أمام هيئة موقرة من أساتذة كلية الآداب. وهنا يجدر بي أن أذكر إن الامتحان الذي أديته، والذي أداه زملائي طلبة الدفعة الأولى بالمعهد، كان فوق متوسط امتحان البكالوريا. وهذه المرحلة تغربل الطلبة من الناحية العقلية. ثم تأتي بعد هذا آخر المراحل وأصعبها وأدقها، تأتي المصفاة ذات العيون الدقيقة لتصفي، أعني مرحلة فن الإلقاء. ويقوم بامتحان الطلبة في هذا الفن أستاذ جليل وممثل نابغة، هو البروفسير «كريستوف سكيف Christopher Skiff» أستاذ اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، فيطلب من الطلبة – كل منهم على حدة – أن يلقوا أمامه قطعة معينة يناولهم إياها، وأن يعبروا بخلجات أصواتهم وحركات ملامحهم عن كل عاطفة تقابلهم وهم يلقون، ثم يسألهم: هل استحسن كل منهم قطعته؟ ولماذا؟ ولماذا يفضل أن يكون ممثلاً؟ ثم ما هو ماضيه الفني، إن كان له ماض؟ وبانتهاء هذه المرحلة، يتم امتحان القبول لطلبة المعهد، ثم يلتحقون به على أساس ترتيبهم في الامتحان الأخير.
انتهت امتحانات القبول، وظل الجميع في شغف لمعرفة الناجحين، ممن سيصبحون طلاباً، لا سيما وأن خليل مطران قرر أن تكون الدفعة الأولى متكونة من عشرة: خمسة طلاب، وخمس طالبات!! ولأن امتحانات قبول الطلاب كانت الأسبق - من امتحانات الطالبات – فقد ظهرت نتيجتها، ونشرتها جريدة المقطم في يناير 1937، قائلة: “ أعلنت نتيجة الناجحين في الامتحان الذي عُقد لراغبي الالتحاق بمعهد فن التمثيل، الذي أعادت وزارة المعارف إنشاءه. وقد نجح في هذا الامتحان محمد الغزاوي، ومحمد توفيق، وعباس يونس، وحسن حلمي، وعبد العليم خطاب. والأول موظف بالمعارف، والثاني بوزارة التجارة، وهما من طلبة المعهد القديم، الذي أُلغي! والثالث موسيقى، والرابع من هواة التمثيل، والخامس من محترفي التمثيل”.
أما نتيجة امتحانات قبول الطالبات، فجاءت مخيبة للآمال؛ حيث تقدم سبع عشرة طالبة، بينهن كثيرات من حاملات شهادة الكفاءة والبكالوريا!! وبالرغم من ذلك لم يتم قبول العدد المتفق عليه، وهو خمس طالبات!! بل تم قبول طالبة واحدة، هي «سامية فهمي»!! وأمام هذه النتيجة الصادمة، قررت الفرقة القومية إلحاق الممثلة «راقية إبراهيم» بالمعهد، لتكون طالبة فيه، وفي الوقت نفسه ممثلة بالفرقة القومية!!
بداية الدراسة
بدأت الدراسة في «معهد فن التمثيل» التابع للفرقة القومية بوزارة المعارف في أواخر يناير 1937، وقد انتدبت الفرقة القومية بعض المدرسين الإنجليز بالجامعة المصرية للتدريس في هذا المعهد - الموجود داخل كلية الآداب بالجامعة المصرية - وهم: المستر « كريستوف سكيف» لتدريس حرفية الرواية المسرحية. والمستر «فيدن» لتدريس فن الإلقاء. والمستر «بكستن» لتدريس الإلقاء. والمستر «أرفن» لتدريس الإنشاء. والأستاذ «حمودة» لتدريس الأدب المسرحي.
بدأت الدراسة، وبدأت معها الشائعات كالعادة، فقد نشرت مجلة «الجامعة» خبراً طريفاً، قالت فيه: “ استولى الهلع على نفوس طلبة المعهد الجديد على أثر إشاعة كاذبة، بأن المعهد سيُلغى على أثر عرض الميزانية على البرلمان. وأهم الأسباب أن الشيخ المحترم الدكتور عبد العزيز العجيزي سيثور لاختلاط الجنسين! فعُقد مؤتمر من طلبة المعهد الخمسة، وقرروا ألا يختلطوا بالطالبات! مع العلم أنها طالبة واحدة «الآنسة سامية»! فإذا جلست هي في الجهة اليمنى من المدرج .. جلسوا هم في الجهة اليسرى .. وإذا جلست في مقدمة الصفوف جلسوا في الخلف، وهكذا حتى لا يكون ذلك سبباً في انهيار المعهد”.
ولأن الطالبة «سامية فهمي» الطالبة الوحيدة لأول دفعة في المعهد الجديد، خصصت لها مجلة «المصور» موضوعاً، نشرته في مارس 1937، أوضحت فيه أن هذه الطالبة، تُعدّ أول نواة للعنصر النسائي في معهد التمثيل الجديد، وفي الوقت نفسه ستكون أول مرشحة للبعثة النسائية المسرحية، التي تقرر إيفادها في العام المقبل إلى أوروبا. وقد وصفتها المجلة، قائلة: “طالبة «خام» بمعنى الكلمة. صغيرة السن، بسيطة في كل شيء، ذوق سليم في الهندام والمظهر، لا أثر للتواليت في وجهها الصغير الجميل، «أسبور» من الدرجة الأولى كما يدل تناسق أعضاء جسمها، فهي تجيد لعب التنس والتجديف. وتتكلم الفرنسية والإنجليزية بطلاقة وبلهجة سليمة. طالبة «آداب» تكثر من ترديد الكلمات العربية الفصيحة «الرقيقة» في حديثها. أعجبت بروحها الفنية، وميولها الغريزية إلى الدراسة المسرحية. فهي تعلق آمالاً واسعة على مستقبلها الجديد في أسرة الفن. وتؤهل نفسها للسفر إلى لندن في البعثة المسرحية، التي قررت لجنة ترقية المسرح المحلى إيفادها إلى إنجلترا في العام المقبل، لدراسة التمثيل والإخراج المسرحي الحديث. وهي تعطي اللغة الإنجليزية عناية خاصة لتضمن الاستفادة من البعثة”.
بدأت الدراسة في المعهد بصورة قوية - شأنها شأن كل البدايات – وكان التخطيط السليم أهم ملمح في الدراسة!! فعلى سبيل المثال، كان بروجرام الأوبرا الملكية معروفاً ومدروساً من قبل، لا سيما وأن الفرقة القومية تعرض على الأوبرا أعمالها، ومدير الفرقة القومية «خليل مطران» وهو نفسه مدير المعهد التمثيلي بحكم منصبه!! كل هذه العوامل، تكاتفت من أجل إفادة طلاب المعهد!! حيث زارت مصر في هذه الفترة الفرقة المسرحية الإيرلندية «دبلن جيت Dublin Gate»، فقرر مدير المعهد أن يقوم طلاب المعهد بمشاهدة جميع مسرحيات الفرقة، التي ستعرضها على دار الأوبرا، وأن ذهابهم يكون بمصاحبة “بعض أساتذتهم في كلية الآداب، وعلى رأسهم الأستاذان «سكيف» أستاذ اللغة الإنجليزية، و«حمودة» أستاذ اللغة العربية في هذه الكلية. وذلك لشرح ما يتعذر فهمه على الطلبة والطالبات أثناء تتبع حوار ومشاهد هذه المسرحيات”. والمسرحيات التي عرضتها الفرقة، وشاهدها طلاب المعهد، هي: «ملاك الموت في أجازة»، «عطيل»، «مدرسة الفضيحة»، «الليلة الثانية عشرة»، «أهمية الجد»، «صورة في الرخام»، «الأربعة على مقربة».
والجدير بالذكر إن محرر جريدة «البلاغ»، نشر حواراً للمستر «والتر همفريس» - مدير فرقة دبلن جيت – نصح فيه المسرحيين المصريين، بقوله: “إنكم تميلون إلى تقليد الأوروبيين عموماً، وخصوصاً الإنجليز والفرنسيين. ونصيحتي لكم أن تجعلوا مسرحكم قومياً مستقلاً، فلا يتمادى مخرجو الروايات ومؤلفوها في التقليد. وإني واثق أن الرواية المسرحية التي تُقتبس من صميم الحياة المصرية، تفوق كثيراً الروايات المقلدة للروايات الأوروبية. وتاريخ مصر الحافل وحوادثها الوطنية الكثيرة، كفيلة بمدّ المخرجين بالروايات المصرية الصميمة، التي تمثل حياتكم حق تمثيل”.
هذه هي أهم الأحداث، التي مرّت على هذا المعهد الوليد في أول أعوامه الدراسية!! فهو معهد تابع للفرقة القومية، وتشرف عليه وزارة المعارف، وأساتذته أغلبهم من الأجانب المنتدبين، ومقره داخل كلية الآداب بالجامعة المصرية!! أما طلابه فسنتحدث عنهم في المقالة القادمة!!