محمود السعدني ..وكُتاب مسرح الستينيات

محمود السعدني ..وكُتاب مسرح الستينيات

العدد 666 صدر بتاريخ 1يونيو2020

فى  مايو 1958 ظهرت أولى مسرحيات (محمود عثمان السعدنى) (28 نوفمبر 1927 – 4 مايو 2010 ) “ فيضان النبع “ (مايو 1958 – هـ (1) قدمها المسرح الحر من إخراج : أحمد سعيد ، ويصور فيها الكفاح البطولى لشعب الجزائر من أجل الإستقلال ، ومُشاركاً بها فى حركة تضامن الشعب العربى لنضال السعب الجزائرى ضد الإستعمار الفرنسى ، ويُعد هذا النص مبادرة فورية مبكرة  من الكاتب اليسارى  الشاب محمود السعدنى للمشاركة فى دعم نضال هذا الشعب ، وقد كتبت باللغة العربية الفصحى ولم يمتد عرضها سوى ست (6) ليال فقط .. وكان قبلها قد عمل بالصحافة من عام (1944) فى صحف مثل ( نداء الوطن ، والكتلة )، وأصدر مجموعته القصصية الأولى “ جنة رضوان” فى أوائل  الخمسينيات ، وبعد ذلك بأربع سنوات يقدم المسرح القومى أولى مسرحيات الشاعر عبد الرحمن الشرقاوى “ مأساة جميلة” 1962عن نفس الموضوع . وكان (المسرح الحر ) قد قرر  -عندما توقف نشاطه الذى إمتد من يناير 1953 حتى مايو 1962- أنه : ( وأن كان المسرح الحر لم يحقق بتقديمها “أى مسرحية فيضان النبع” ما أعتاده  من نجاح ، إذ لم يمتد عرضها سوى لست ليال فقط – كما سبق أن ذكرنا .. فقد كسب للمسرح المصرى نصا جيدا وكاتبا ناجحا ) .. هذا الكاتب الذى بدأ فى عشرينياته صحفيا فى صحيفتى “ نداء الوطن “ و “الكتلة” – مُنضماً إلى  جماعات التحرر الوطنى وأدب المقاومة  التى تنادى بالعدال الإجتماعى  .. إلى أن يقدم بعد ذلك مجموعته القصصية المتميزة “ السماء السوداء “ التى يدور أغلب قصصها حول النضال فى منطقة قناة السويس ضد الإحتلال الإنجليزى والسماء المبلدة بدخان البارود و القنابل – حيث إكتسبت هذه المجموعة شهرة كبيرة بمناخها الخاص ، وكان قد إنضم فى الخمسينيات إلى كتاب صحف النظام الجديد فى مصر مثل جريدة “ الجمهورية” ثم ينتقل إلى مجلة “ روزاليوسف” ، ورغم ذلك يتم إعتقاله عام 1959 بتهمة عدم الإنتماء (للشرعية الثورية) التى كان ينادى بها النظام الحاكم والتى تعنى الإيمان بترديد شعارات هذا النظام وذلك إبان فترة إقامة مشروع الوحدَة القصيرة العمر ما بين سوريا ومصر ... ولم تمتد إقامته طويلا بالمعتقل ، وخرج إلى الحياة العامة مرة أخرى ، ويلتقى عام (1961) بعبد الرحمن الخميسى – الفتان والأديب الشامل ، والذى كان قد أسس فرقة مسرحية حرة سماها (فرقة عبد الرحمن الخميسى) عام 1960 ، وتوقفت بعد تقديم مسرحية – السعدنى “ عزبة بنايوتى “ 1961 من إخراج (الخميسى) وتمثيله مع مجموعة جديدة من الممثلين والممثلات أبرزهم _محسنة توفيق)  ، وهى الفرقة التى قدمت (6) مسرحيات على (8) مسارح  ، وطاف بها فى (7) محافظات ، وتدور أحداث مسرحية “ عزبة بنايوتى” عندما إلغت حكومة الوفد أى حكومة الأغلبية (معاهدة 1936) ، والكفاح المسلح ضد الوجود العسكرى البريطانى فى منطقة القتال فى أكتوبر 1951 – وإنسياقا مع النغمة السائدة فى المناخ  السياسى أنذاك – صور الحياة السياسية والكفاح ضد الإنجليز – قبل حركة  الجيش فى 23 يوليو 1952 -  بصورة قاتمة ، وعرض فى سخرية – لهؤلاء الذين كانوا يقودون الكفاح ضد الإنجليز وكأن هؤلاء – هم فى الوقت نفسه هم أساس النكبة التى أصابت الكفاح ذاته حين جعل الأب (حسنين) رجل الأعمال وعضو البرلمان وواجهة هيئة الكفاح فى البلدة هو متعهد توريد البيض والمواد الغذائية للإنجليز ، وفى نفس الوقت هو قائد عصابة لسرقة معدات الإنجليز – بينما إبنه الطالب الجامعى (ممدوح) الذى جاء إلى القنال مع رفاقه يردد على لسان (السعدنى) بشأن إلغاء معاهدة 1936 بقوله (حكومة مين يا عم اللى لغت المعاهدة ، اللى لغى المعاهدة الشعب (ص “35” – الأعمال المسرحية الكاملة) .. حتى ينفى عن حزب الأغلبية أو أى حزب أخر أى ملمح ثورى أو نضالى .. كما تجد المناضل القديم (إسماعيل) شقيق (حسنين) رجل الأعمال والنائب البرلمانى – دائما فى حاله سُكر وغيبوبة ، وفى  حالة إحباط ، وذلك لأنه قضى (15) سنه فى السجِن بسبب مبادئه ونشاطه السياسى خلال ثورة 1919 ، ويجعل البشرى والأمل فى المستقبل يأتى على لسانه فى النهاية – بينما نجد الشاب الجامعى (ممدوح) يردد طوال النص أمام الأب  العميل كلمات خطابية  من مثل (على كل حال طلبه الجامعة كانوا همه الطليعة دايما يا بابا ، ولازم نكون فى أول الصف) (ص “36” – الأعمال المسرحية الكاملة) ، ويذكرنا هذا الموقف الدرامى – ولو من بعيد – بين الأب حسنين المقاول عضو مجلس النواب الذى يتاجر بمصير البلد ومصير أبنائها وامامه الإبن (ممدوح) – بمسرحية (أرثر ميللر) “ كلهم أبنائى” الذى  ورد قطع غيار صالحه للطائرات اثناء الحرب وأدت إلى مقتل إبنه الأكبر الطيار .. (فحسنين) يدير عصابة لسرقة مواسير الإنجليز وبيعها والتكسب منها بمعاونة (القلش) ، ويضرب صفحا عن كفاح إبنه وكفاح الشباب فى ذلك الوقت ، إلا أن صراعا ينشأ بينه وبين إبنه – إذ يكشف الإبن سر أبيه ، ويسير كل منهما فى طريقة : (الكفاح الشريف فى ناحية ، والكفاح غير الشريف فى ناحية أخرى ، والتى يتمحور حول إنتهازية (حسنين) وإستيلائه على (عزبة بنايوتى) التى نهبها الأجنبى “ بنايوتى” ) من قبل ، ويريد هو بدوره أن ينهبها منه لحسابه  الخاص . وبالطبع تنتصر فى النهايه روح المقاومة – بينما ينهار (حسنين) ويأخذ فى التلاشى مُستنجدا بشقيقه (إسماعيل) الثورى المحبط – أمام ثورة الشباب التى كانت بذورا صالحة لثورة قادمة .. أما من الناحية الفنية فنجد أن النص يحفل بالكثير من الحشو الذى لا ضرورة له ،  وبالحوار الذى يعتمد على النكت والمفارقات اللفظية والإيحاءات الجنسية والشخوص المسطحة .. خاصة شخصية (إسماعيل) المكافح القديم – لكن نسيج الحوار يتميز بخفة ظل يجيد صياغته الكاتب ..
وبعد خمس سنوات يعود (السعدنى) إلى المسرح ، ولكن فى هذه المرة إلى مسرح الدولة أى مسرح الحكيم حين يقدم له مسرحيته الثالثة “ النصابين” عام 1966 من إخراج : سعد أردش ، وبطولة  من سيشاركه مسرحياته التالية فيما بعد (محمد رضا) وعقيلة راتب وسعيد أبو بكر وغيرهم ، ويتحدث (السعدنى) عن مسرحيته هذه قائلاً : (بينت كيف أن المصالح الشخصية والأفكار الشخصية يمكن أن تقف فى سبيل مصالح الناس والمجموع – فالصحفى الذى كان يدافع عن حى (البلاقسة) كان يدافع عن المكاسب والفلوس وجلسات الحشيش ، والأستاذ عالم الأثار .. كان يتحدث عن الديمقراطية ، وفى سبيل إكتشافه (المزعوم يستعين بالبوليس لضرب الشعب ، والفنان الذى يتغنى بالشعب جرى وراء فتاة من الزمالك ونسى الشعب ونسى نفسه ، وهكذا – إنها محاربة للإستغلال فى أى صورة) مجلة “ المسرح” العدد (31) يولية – 1966 – ص (32) بينما يقول عنها مخرجها (سعد أردش) .. هى من وجهة نظرى (إمكانية مسرحية) فيها كثير من مقومات العمل المسرحى ، وإن كانت تفتقر إلى البناء العلمى ، وأنا أطمع أن يقدم لنا (السعدنى) فكاهاته وشخصياته المرحة الطبيعية فى قالب من البناء الدرامى السليم  - (مجلة “ المسرح” العدد (31) يولية 1966 – ص “49”) ونشير إلى أن هذه المسرحية قد عرُضت فى فترة ما أطلقوا عليه (أزمة المثقفين) والتى قاد حملتها الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل موضع ثقة عبد الناصر .. إذ شعرت سلطة يوليو أنها تقف عارية دون غطاء من المثقفين ، فحاولت أن تجذبهم نحوها وتجعل منهم عنصرا إكثر إلتحاما بها .. لذا  يعود المؤلف بأحداث مسرحيته إلى ما قبل 23 يوليو 1952 بفترة قصيرة ، وإلى قرار هدم حى (البلاقسه) الشعبى الملاصق لميدان عابدين كى يُقام فيه تمثال الملك فؤاد .. أى الفترة من مايو إلى يوليو 1952 ، ومن خلال رد فعل أهل الحى لهذا القرار قدم (السعدنى) عددا من (الشخوص) أو الأنماط أو الدمى لتنطلق بلسان المؤلف ليسلخ بعضها بعضا أو تسلخ نفسها بالتريقة والسخرية والتجريح و (النأوره) أو (النقوره) .. دون نظر إلى تطور شخصياته أو حبكة درامية ، وتتوالى الشخوص .. (المعلم رضوان) الجاهل الطيب القلب الذى يخدعه مدير الأمن بأنه سيجث أمر هدم حى البلاقسه وهو سعيد بهذا التصريح ، و(جلال) الصحفى الذى يتشدق بالكلمات الكبيرة التى لا يعرف معناها ، وهو منضم إلى جمعية سرية تتصور أنها المسئولة عن مصير الشعب ، ورغم كلماته الشعارية مثل (النظرة العميقة بتقول إن الملك وحكومته بيمثلوا الشواشى العليا لتحالف البرجوازية والإقطاع ..) فإنه لا يستنكف أن يقبض الأموال  من أهل الحى حتى يثير المشكلة فى الجريدة التى يعمل بها ، كما لا يستنكف أن يدخن الحشيش مع “ المعلم رصوان “  و(عزب) وفى، نفس الوقت يتمنى له أن يلقى مزيدا من التعذيب فى السجن حتى يموت – فيكسب حزبة الصغير دعاية . وهناك أستاذ الفنون الشعبية أو مخترع الفولكلور فى مصر – كما يدعى لنفسه والذى (ينصب) على (أم عنان) المطربة الشعبية بالحى – حتى يأتى على أموالها – إلى أن يتشعلق بإبنة حى الزمالك (شوشو) كى يستولى على ما تملك ، ولا يكف طوال الوقت عن التشدق بالشعب وفنَ الشعب . و(د . عزيز) أستاذ الآثار . الذى لا يهمه من حى البلاقسه سوى (اسمه) الذى حُرف اسمه بعد الإحتلال البريطانى .. ويستيعن بالبوليس كى يحمى كشفا أثريا مزيفا يدعيه لنفسه .. أما (شوشو) فهى نصابة أريستقراطية وعضوة و(جمعية ترقية الفقراء) بالزمالك ومهمتها ترقية الفقراء عن طريق الإرتفاع بمستواهم الفكرى والوجدانى ، وتبدأ فى رعاية (كباره) الشاب الفقير العاطل الذى لا يعى شيئا مما تقول . وهناك نماذج بشرية  أخرى فى الحى مثل : (كاملة) نموذج بنت البلد سليطة اللسان والخائفة على هدم بيتها الذى تعتبره (سرايه) ، و العابرين فى الحى مثل (أبو سريع) و(الشاويش عبد الرحيم) ، والذين يلتفون حول (المعلم رضوان) المنبهر بالسلطة والذين لا يشغلهم سوى موضوع (الهدد) أى هدم الحى ، ويظل (رضوان) مُنبهراً بالسلطة رغم دخوله السجن ، ورغم (الضرب) الذى تعرض له هناك ظل يردد كلملت مدير الأمن بإعجاب ، وهناك نموذج هامشى هو (المرجوشى) المصور الذى يظهر فى الفصل الثالث ، والذى يتحول فجأة إلى زعيم وإبن وفى للشعب.
يري الناقد د . فاروق عبد الوهاب (مجلة “ المسرح” العدد (31) يونيه 1966) ص “75”) أن المؤلف فى مسرحية “ النصابين” كان  من الممكن يكون مُوفقاً من الناحية الدرامية ، لو أنه إستطاع أن يخلق تفاعلا بين تلك الأنماط واللحظة التاريخية (أى قبل يوليو 52) على مستوى أعمق من مجرد رد الفعل المؤقت ، لمؤثرات هى الأخرى مؤقته ، وأنه بإستخدامه أنماط ونماذج لم يخلق شخصيات بالمعنى الدرامى ، ولذلك إستحال خلق التفاعل المذكور ، فإن النماذج لكونها كذلك ، تظل منفصلة عن بعضها الآخر ، يدور كل منها فى حلقه خاصة ، وحتى حين تجى فرصة (التفاعل) فى النهاية، فإننا نجدها لا تزال حيسة علاقاتها  المنفصلة ، بحيث يجئ الإنطباع النهائى أو الأثر الكلى للمسرحية مفككا ممزقا ، وإن تحقق فى النهاية ما يمكن أن نسميه (وحدة الجو) ، وربما كانت هذه هى أهم مميزات مسرحية السعدنى) .. لكن تظل (العلاقات المنفصلة) فى المسرحية تصنع – كل فى ذاتها حدوتة فرعية لا تصب فى تيار رئيسى ولا يجمعها إلا تلك الوحدة الظاهرية المفروضة – ومن ثم الميكانيكية – وهى التشابه العام بين الأنماط وكلية (النصَب) وعموميته ..
وكان من الضرورى أن يصل النص إلى نهاية درامية ما – طالما لم يتم تطوير الأحداث والشخصيات – إذ تقوم حركة الجيش فى ليلة الثالث والعشرين من يوليو 1952 ، وتتوجه الدبابات لحصار قصر عابدين بدلا من هدم حى البلاقسه الشعبى .. ولذلك يرى .. د . فاروق عبد الوهاب (المرجع السابق) أن ضعف البناء المسرحى لهذا النص يرجع إلى كثرة الخناقات بين الشخوص ، والخناقات الفرعية الكثيرة بين (كاملة) و(كبارة) وأم عنان ، والشاويش ) وبعضها صورها المؤلف دون أن يكون لها وظيفة فى تطور الحدث الذى إفتقدنا وجوده مسرحيا ، ويرجع أيضا – إلى أن النص توسل بكثير من النكت اللفظية وباللعب بالكلمات) .. لكنه يقرر فى النهاية .. (ولكن الذى لا يختلف عليه إثنان هو أن المسرحية – رغم ذلك – تُتيح للإنسان – قضاء سهرة لطيفة ضاحكة ، ومن أهم عوامل الإضحاك فى السهرة خفة دم السعدنى ، وطول لسانه ، وسخريته اللاذعة ) .. كما يتميز تناول (السعدنى) للموضوع بسخريته (المعهودة) ، وبالمواقف الذكية التى تنتج بين المستويات المختلفة للشخوص وردود أفعالها للأحداث التى تجرى من حولها ، وبالتصوير الكاريكاتورى لبعض المواقف ذات السمات الإنسانية ..
لكن (السعدنى) لم يُغفل فى نصه الترويج للشعارات المطروحة فى تلك الفترة – بعد إثنى عشر عاما من تولى النظام العسكرى الجديد الحكم ، وما أطلقوا عليه (بأزمة المثقفين) فى تلك الفترة – حتى ولو كان قد صور المثقفين قبل يوليو52 – رغم أن نماذجهم كانت ما تزال مطروحة فى الساحة الثقافية والسياسية .. إذ تتردد فى النص بعض تلك الشعارات التى كانت ما تزال تتردد على الألسنة من مثل .. قول المعلم رضوان عندما بدأ ثورته .. (اللى باقوله أنا هو اللى صح – فاهم .. ما حدش جاب للبلاد دى الكافية غير إبن الهِرمه الملك واللى حوالية) ص (185) “ الأعمال المسرحية الكاملة – الجزء الأول ، ومن مثل قول المصور (المرجوشى) – الذى أصبح ثوريا فجأة .. (مصر مش ناقصها النهارده غير راجل جِدع واحد – شارب من مية البلد دى .. واحد بس يضحى بحياته عشان ينقذ الأمة ، والبلد دى ولاده .. وياما جابت جدعان على طوال التاريخ ) ص “186” ) المرجع السابق ، وهو بهذا يبشر بظهور الزعيم المخلص الفرد – الذى من المفروض أنه ظهر بالفعل بعد فترة قصيرة ، والذى يشير بشكل واضح إلى عبد الناصر .  وفى نهاية النص يظهر الصاغ حمدى (القومندان) النموذج العسكرى المثالى وهو يبشر أهل حى البلاقسه قائلا .. (اللى هاينهد بيوت تانيه ) يقصد قصر الملك  - ص “ 188” ) المرجع السابق) ، ويردد (الصاغ) فى نفس الصفحة ..(عايزين نشتغل يا معلم عشان نبنى مصر) الذى يردد شعار (الاتحاد والنظام والعمل) والذى رفعته حركة الجيش فى البداية ، وتنتهى المسرحية بتعانق الصاغ حمدى والمعلم رضوان ، وكأنها إشارة مبكرة إلى تحالف قوى الشعب العاملة فى (الإتحاد الإشتراكى) ..
وبعد ثلاث سنوات يعود (السعدنى) إلى المسرح – ولكن بعيدا عن مسرح الدولة – رغم أنه كان قد أصبح رئيسا لتحرير مجِلة “ صباح الخير” – إذ يشارك فى تأسيس فرقة مسرحية جديدة باسم (فرقة ابن البلد) أو(فرقة المعلم) عام 1966 ، وتعتمد على شخصية الممثل الكوميدى (محمد رضا) (21 /12/1921 – 21 /3/1995 ) الذى إشتهر بأداء دور المعلم ، وتقدم الفرقة مسرحيته “ الأورنس” 1969 من إخراج : سعد أردش ، وتمثيل (محمد رضا ، عبد السلام محمد ، على الغندور ، سناء مظهر ، أمال زايد) وتدور أحداثها أثناء الحرب العالمية الثانية ، وتتناول أثر التعامل مع قوات الإنجليز فى إفساد الأخلاق وفى سبيل الإثراء السريع بسخرية لاذعة ، وهى مكونة من ثلاثة فصول ، وتدور أحداثها بشارع فى حى شعبى حيث يعيش مجموعة من الكادحين بجوار أحد المخابئ أثناء قصف القاهرة بالقنابل الألمانية أبرزهم (عبده المكوجى) الذى يعمل فى إغواء بنات البلد للعمل مومسات للترفية عن الجنود الإنجليز ، و(سمير) العامل الشاب العاطل عن العمل والذى تحاول الفتاة (هدية) والتى تكن له حبا عميقا – أن يعمل فى (الأرونس) ليكسب عيشه ما دام لا يجد عملا يتكسب منه ، أو أن يعمل معها فى الترفية عن الجنود الإنجليز – فيرفض ، وهناك (عم شنودة) البقال الفقير الذى أفلست الحرب دكانه ، ولا يكف عن تعاطى أردا أنواع الخمور ، وكذا (قطب) البقال الفقير أيضا وصاحب الأسرة الكبيرة المعتز بكرامته والمحافظة على شرفه . وهناك نماذج اخرى مثل الصعيدى  العاطل (الجارحى) . وتتركز الأحداث حول (أسرة قطب) الذى يستطيع (عبده المكوجى) خداع إبنته (بكرية) لتعمل فى الترفيه عن الجنود الإنجليز فى المخبأ – كما سبق أن فعل مع (هدية) , ويوهمها بأنه يحبها رغم فارق السن بينمها ، ويشجع (أم بكرية) بإغراء المال .. بينما (قطب) لا يدرى شيئا بما يحدث وراء ظهره . أما (الجارحى) فهو صعيدى هارب بعد أن قتل شقيقته عندما إنحرفت وفر هارباً ، ويكتشف (شنوده) حقيقة أن (عبده) قواد لحساب الجنود الإنجليز – بينما (قطب) لا يدرى شيئا ، ويأتى (عبده) بأحد أثرياء الحرب (الحاج فهمى) ليشترى بيوت الشارع ودكان قطب وشنوده – لكنهما يرفضان ، ويحاول (عبده) و(فهمى) إغرائها بالمال – لكن (عبده) ينجح فى إيقاع (بكرية) إبنه قطب فى حبائله ، و فى نفس الوقت يعاود الحاحه على قطب ليبيع دكانه ، وتحاول (أم بكرية) مساعدته . وينجح (عبده) أيضا فى أن يجعل (الجارحى) خفيرا على المخبأ المشبوه الذى يمارس فيه الجنود الإنجليز الرزيلة مع الفتيات المصريات – وهو لا يدرى بحقيقة ما يقوم به بعد أن إرتدى جلبابا جديدا من (السكروته)  . وتعود (هدية) إلى الإلحاح على (سمير) للعمل معها فيرفَض غاضبا هذه المرة .. فتسبه وتنصرف ، ويتربص بها (سمير) ويواجهها فلا تهتم به ، وينصحه (شنوده) أن يبتعد عنها ، ونجد أن (قطب) قد بدأ يشك فى سلوك إبنته (بكريه) عندما كشف سرها (الجارحى) بِسذاجة ، وتحاول (أم بكرية) إستغفال زوجها ، ويأتى (الحاج فهمى) ليغوى الجميع بالبيع .. بل وينفرد (بأم بكرية) فى دكان شنوده ، وأخيرا يكتشف (قطب) خداع عبده و(الحاج فهمى) – الذى أغدق عليه ببضاعة (البولوبيف)  من مخزنه السرى ، وذلك عندما يضبط زوجته مع (فهمى) داخل دكان شنوده ، فيطاردهما بسكين ولا يلحق بهما ، وفى نفس الوقت يلتقى (سمير) و(هدية) التى كانت  بصحبة جندى إنجليزى فيتعارك معه ، ويكاد الجندى أن يقتله فتسرع (هديه) بإصابه الجندى الإنجليزى الذى يفر مذعورا –وهكذا وببساطة يقتنع (سمير) بحب (هدية) !! ، ويقدم عم شنوده – الذى قرر هجران المدينة والعودة إلى بلدته – دكانه ليقيما فيه كزوجين بلا مأوى – بينما يطارد الجنود الإنجليز – الذين عادوا للإنتقام لزميلهم – (قطب) الممسك بالسكين ويقتلونه ، وعندما تجد (بكرية) أن أباها قد قُتل، وهروب أمها .. تعرض على (عبده) الهروب إلى الإسكندرية – لكنه يرفض – فتقرر أن تهرب (بتحويشة عمر) (عبده) التى إستولت عليها مع (الجارحى) الذى يتمنى زواجها – إلى الإسكندرية . وتنتهى المسرحية بعودة (شنوده) إلى بلدته ، وإلتقاء (هدية) و(سمير) [كى يُنظفا الشارع ... ]
وفى هذا النص نجد أصداء شصية (حميدة) نجيب محفوظ فى “ زقاق المدق” لدى (هدية) و(بكرية) بشكل ما ، وكذا بعض ملامح (فرج) القواد فى “ رفاق المدق “ لدى (عبده المكوجى) ، وملامح (عباس الحلو) فى الزقاق لدى (سمير) فى “ الأورنس” – فالصورة فى النص عموما بشعة وجهنمية ، وتجسد أقصى مراحل السقوط فى أى مجتمع غاب عنه الوعى ، وكأن مجتمع القاهرة ما قبل 1952 كان غابة وحشية – لكن (السعدنى) القادر على تصوير هذا الحضبض بسخريته اللاذعة ، وأسلوب (البارودى) – أى (النقوره) وبلغه الشارع البسيطة المرحة والمرنة وبشكل تلقائى .. تصل إلى أن يغفر (سمير)(لهدية) كل خطاياها لأنها أصابت الجندى الإنجليزى لكى لا يعتدى عليه ! ...
وفى العام التالى تقدم (فرقة ابن البلد) مسرحية (بين النهدين) 1970 من إخراج : سعد أردش ، وبطولة المعلم محمد رضا ، وسناء جميل ، عبد السلام محمد ، سعيد أبو بكر ، سناء مظهر ، أمال زايد ، أنور محمد ، على الغندور ، محمد شوقى ) ، وتتناول موضوع الخروج من مصر للعمل بالخارج والبلاد العربية قبل زيادة معدل هذا الخروج بعد ذلك وإلحاحها على الجميع . وتدور أحداث النص بميدان فى حى شعبى يتصدره  مقهى بلدى ، وهو الجو الشعبى المحبب ( للسعدنى ) - حيث يتناول مجموعة من المهمشين من سكان  المكان وحديثهم حول عودة (توكل أفندى) من بلاد ما بين النهدين ، وهم (جريولى) صبى المقهى و(عنتر) ، وزبون أخر من زبائن المقهى ، و(فواكه) بائعة اليانصيب .. حول ثراء بلاد ما بين النهدين ، ويتخيلون الثروة التى حصل عليها (توكل أفندى) وينضم إليهم العجوز المتصابى ( معشوق) – صديق توكَل والذى يحاول إستدراج (فواكه) إلى شقته .. فترفض . وتظهر (نبوية) فى النافذة تنادى زوجها (المعلم عزوز) النائم على الدكة فى المقهى ، وتعنفه – بينما تسخر (فواكه) من رجولة (عزوز) وسيطرة (نبوية) صاحبة المقهى عليه ، ويظهر (رجب) بائع السلع المستوردة المهربة والأدوية المقوية للجنس ، وكذلك (زينهم) الذى قرر السفر إلى بلاد بين النهدين ليصبح من الأثرياء .. فيطلب منه (جربولى) أن يساعده فى السفر معه ، بينما تطارد (نبوية) زوجها المعلم ليصعد إليها فيتهرب – فتغضب  منه وتقرر إغلاق المقهى وتسخر منه – إلى أن يصل (توكل أفندى) مع أسرته حاملين الأجهزة  الحديثة ، وتأتى إشاعة موت (معشوق) على لسان (فواكة) فيترك المعلم فراشة مع نبوية ويسرع ليتبين أمر معشوق – فتلقى نبوية بملابسه من النافذة وهو يهرول .. لكننا نجده يعود إلى المقهى مع صبيه جربولى ، فتطرده نبوية من المقهى فيقرر أن يفتتح مقهى فى الشارع بمشورة (توكل) الذى قرر الإنتقال إلى الزمالك – بينما يبدى (جبر) بائع المهربات إستعداده أن يحل محل المعلم عزوز فى المقهى ، ويتواصل الصراع بين مقهى نبوية الأساسى والمقهى المصطنع للمعلم فى الشارع حيث يشير عليه (توكل) تطويره بشكل كاريكاتورى تقليدا للمقاهى فى الخارج ، ويتنازع المقهيان على (زينهم) كزبون وقد أمسك بحقيبة سفرة إلى ما بين النهدين ، وتعود (فواكة) لتعلن أن إشاعة وفاة (معشوق) غير صحيحة ، وهنا يستطيع (جبر) أن يقنع (فواكه) بأن تسافر معه إلى بيروت للعمل فى تجارة البضائع المهربة ، ويقرر (معشوق) السفر إلى الخارج للعلاج بالخارج – فيلح عليه (توكل) أن يرافقه ، وكذلك (المعلم عزوز) – الذى يلح على مرافقته ، ولا يعترف بأنه لا يصلح لهذه المهمة فهو لا يعرف معنى (الكوندشن) = التكييف ، ويتصور أنه الإباحية والفحش والفجور – لكنه رغم ذلك يصمم على السفر – فتقرر (نبوية) أن تكلف (جربولى) بان يكون معلم مقهى  بديلا عن عزوز ، عندما تجد (المعلم) مُصرا على السفر وتنهال عليه ضرباً (بالشبشب) ..
وفى الفصل الثالث والأخير نجد (جربولى) قد أصبح معلم المقهى بعد إختفاء المعلم عزوز، ويظهر (توكل أفندى) ليكشف أن (معشوق ، والمعلم عزوز ، وزينهم ، وجبر ، وفواكه)  قد سافروا ولم يعودوا ، وأن (توكل) قد أفلس بعد أن حول سيارته المرسيدس تاكسيا .. ثم تحولت إلى (خردة) بعد حادث فى الطريق ، وأنه تورط مع مسئول فى مملكة بين النهدين فخدعه ونصب عليه . ويبدأ المسافرون فى العودة وأولهم (جبر) – الذى أصبح منتجا ومخرجا سينمائيا وجعل من (فواكه) نجمة – فيتشبث به المفلس (توكل) ، ويغريه كى (يكتشف) إبنته (سمرة) بل ويعرض عليه أن يزوجه إياها .. ثم (معشوق) الذى تزوج من أجنبية ، ويحكى كيف أنه قد تم القبض على المعلم عزوز فى ميناء الإسكندرية ويحكم عليه بالسجن ، وتغضب (نبوية) من أجل زوجها الهارب .. ثم يعود (زينهم) غنيا ويصبح موضع حسد الجميع ، وأخيرا يعود (المعلم عزوز) بملابس الخواجات ، ويدعى – كذباً – أنه قد ذهب إلى لندن وقام بمغامراته هناك – لكنه يفُجَع عندما يدرك أن الجميع يعرفون قصة سجنه ،  ونعلم على لسان (حكمت) زوجة توكل أن الزوج قد أحضر زينهم ليقيم معهم إلى أن يستولى توكل على ما يملكه فيُصاب (زينهم) بالجِنون – بينما يصاب (توكل) (بالدروشة) وأخيرا يلتقى (المعلم عزوز) بزوجته ( نبوية) التى تعايره – فى البداية .. لكنهما يتصالحان فى النهاية بعد لومها له على هروبه ، وتشير إلى المصير المؤسف الذى جرى (لأسرة توكل) بسبب السفر إلى الخارج ، ويردد المعلم عزوز .. (خلاص يا نبوية – أنا لا عاوز خلاط ولا مرشيدس ، ولاخواجايه – أنت عندى بالدنيا يا نبوية .. ومصر عندى بالدنيا .. أصلها هفه وطلعت فى دماغى .. حرمت خلاص .. ماعدتش منقول من هنا .. وحطلع كل يوم .. تعالى وصلى على النبى .. ياللا نطلع (فوق) أى الصعود إلى فراش الزوجية ، ويحتضنها ويسير بها نحو المنزل).
ورغم أن هذا  العرض قد تم تقديمه عام 1970 – إلا أن (الصورة) المبكية الهازلة التى يصورها النص للمجتمع المصرى فى ذلك الوقت ، والتى يتناول فيها الآثار السيئة على المجتمع بسبب إغتراب المصريين للعمل بالخارج – قد تضخمت وتحولت إلى وباء تفشى فى مجتمعنا الأن – بعد أربعين عاما ! والذى من أبرز مظاهره (الهجرة غير الشرعية) لمئات الشباب المصريين الذين يهلكون فى عرض البحر أو فى متاهات مدن الغربة ، وكأن النص – رغم إعتماده على شكل (الفارس) الهزلى ، وعلى التلميحات الجنسية المكشوفة وغير المكشوفة – يخاطب واقعنا الأن خطابا جدليا يستدعى إعادة  النظر فى الأمور .. فهو هنا راصد جيد للتغيرات الإجتماعية المعاصرة ، فى لوحة تعددت فيها ألوان الشخوص وأشكالها فى مناخ حافل بالحوارات الخشنة والتى تتسم بروح الفكاهة ، والهزلية ، مما يجعلنا نتقبل تلك (المباشرة) المحببة – أحيانا – فى كلمات (المعلم عزوز) الأخيرة لزوجته .. (إنت عندى بالدنيا يا نبوية .. ومصر عندى بالدنيا) ..
ويواصل(السعدنى) مشواره مع (فرقة ابن البلد) التى شارك فى تأسيسها فتقدم له (الفرقة) فى العام التالى عرضا بعنوان “ البولوبيف” عام 1971 من إخراج : سعد أردش – أيضا ، وبذلك يكون (أردش) قد قام بإخراج أربعة عروض مسرحية من تأليف (السعدنى) ، وعلى رأس ممثليها (محمد رضا ، وعبد السلام محمد ، وسناء مظهر ، وأمال زايد ، وعلى الغندور) وأعضاء الفرقة الأخرين .. ويبدوا أن نص هذا العرض (الذى لم يتسنى الحصول عليه) – يشير إلى أن أحداثه – التى تدور أثناء الحرب العالمية الثانية تشبه أحداث نص “الأورنس” المنشور ، والذى يتناول أثر التعامل مع قوات الإنجليز من إفساد للأخلاق فى سبيل الإثراء السريع – كما يشير (د . عمرو دواره) فى مقاله (محمود السعدنى ووجهه المسرحى) جريدة “ مسرحنا” العدد (149) – 17 مايو 2010 – ص (26) ، ويبدو أن العنوان “ البولوبيف” وهو عنوان إحدى قصص مجموعته “ السماء السوداء”1955 ، وقد يكون إشارة إلى محاولة تاجر الحرب الحاج فهمى إفساد (قطب) البقال الشريف – عندما يجعله ينقل كميات كبيرة  من البولوبيف المخبأ فى مخزنه السرى كى يتاجر بها فى دكان بقالته الفقير .. ولربما إستطاع (السعدنى) أن يضيف بعض لقطاته الساخرة فى هذه النسخة الجديدة  من النص.
وفى نفس العام (1971) يقوم (محمود السعدنى) (بنشر) مسرحيته الأخيرة “ 4-2-4 “ فى مجلة “ صباح الخير” التى كان يرأس تحريرها فى مسلسل أسبوعى أى “ حلقات” (والتى لم يتيسر الإطلاع عليها بعد) وتم تُقدم بعد على خشبة المسرح- وتدور – كما يشير (د . عمرو دواره) (المرجع السابق) فى كواليس الملاعب الرياضية كمثال لما يحدث فى المؤسسات والمشروعات الكبرى فى إستحواذ (الكبار) على أكبر قدر من (المكاسب) ولا يتبقى للصغار سوى الفتات . وهذا النص  كما اشرنا – هو النص الوحيد الذى لم يقُدم على خشبة المسرح – رغم أن نصوصه السابقة – عادة – ما كانت تولد فوق خشبة المسرح ، وأن هذا النص فى حاجة إلى تقديمه على خشبة المسرح كما حدث لنصوصه الأربعة السابقة ، والتى كانت تعتمد – فيما عدا “ فيضان النبع” على التعليقات الفورية ، واللقطات الكاريكاتورية الأنية ، و (النقوره) – البارودى ، ويعتمد على تناول التحولات الإجتماعية والسياسية فى مصر القرن العشرين .. فهو نفسه قد إكتوى بنار السياسة ولم يسلم  من شرور لعبتها (الخَسيسة) فى بعض الأحيان .. فصوره واقعية موغلة فى طبيعيتها وواقعيتها ...
وفى نهاية رحلة (السعدنى) مع المسرح – نجده قد قدم (6) (ستة) نصوص مسرحية فى الفترة  من عام 1958 حتى عام 1971 – أى على مدى ثلاثة عشر (13عاما) . وعندما نتوقف عند حديثه عن المسرح (فى مجلة” المسرح” العدد (31) – يوليه 1966) أى بعد مسرحيته الثالثة “ النصابين” نجده يقرر أن أعمالة الثلاثة ..(كلهم عال العال وكلها تجارب موفقة) ومعنى ذلك أن مسرحياته خرجت بالصورة التى يريدها ، ولم يعترض على شئ . أما أقرب المسرحيات إلى نفسه فيجيب – بعد إلحاح – بأنها “ عزبة بنايوتى” 1961 ، وبسؤاله عن مدى تأثره (بالمفاهيم الثورية) وبأحداث المجتمع الذى يعيش فيه ؟ يجيب .. (كل فنان يتأثر بالجو الذى يعيش فيه) وهى إجابه محايدة لا تعنى الكثير- رغم أن نقاد عصره قد أشاروا إلى أنه عالج مضامين سياسية (ثورية) فى مسرحياته .. لكننى أتصور أن (السعدنى) كان أكثر صدقاً وشفافية فى قوله (المصدر السابق) .. (إن الفنان أو بمعنى أصح – الكاتب – لكى يصبح فنانا يجب أن يعيش فى أذهان الجماهير .. ولكى يعيش فى أذهانهم يجب أن يتجاوب معهم .. ولا ينتظر (توجيها) لذلك .. إذن فقد كان منتبهاً إلى ما يسمى (توجيها)  من سلطة ما أو من جهة ما ، وأتصور أن تلك شهادة لا ينقصها الصدق والشفافية .. رغم إضطراره للمشاركه أو المعايشة فى جحور ثعابين السياسة و(الخساسة) .. وسواءا  أكان رافضاً أو راضخاً لتوجيهات سلطة ما أو جهة ما ..
وفى النهاية فإن أعماله المسرحية عموما تنتمى إلى (الدراما الهجائية) التى تسخر من المعايب والأخطاء الإجتماعية ، والسلوك المعوج ، والتى تعلق فى سخرية وهجو على نقاط الضعف فى الفرد والمجتمع كبعض مسرحيات (الريحانى) ، وهى أقرب أيضا إلى التمثيليات الشعبية الملهوية الهجائية – (الساتورا) حيث تتوفر بساطة تأليف الحبكة ، وخشونة الفكاهة ، ووجود الشخصيات النمطية (كالمعلم) و(صبى المعلم) ، كما أن هذه النصوص (الأربعة على الأقل “ عزبة بنايوتى” ، النصابين ، الأورنس ، بين  النهدين) بها سمات (المسرحية الساتيرية) – (ولكنها ليست قصيرة ولا يعتمد مثلها – على الرقص الصاخب) ، ومن خصائصها الحركة الوقحة ، والجِرأة ، والنزق ، والبذاءة فى التعبير الجسمى والكلامى ... حيث تذكرنا بعض ملامح مسرحية “الأورنس” بفيلم “ ساتيريكونى فيللينى” 1969 للإيطالى فيدير يكوفيللينى ... على سبيل المثال ..
نشير إلى أنه بعد نهاية رحلته مع المسرح عام (1971) كان قد قدم – حتى رحيله أكثر من أربعون كتابا ما بين مجموعات قصصية وكتابا ساخرة مثل( مذكرات ، الولد الشقى ) [4 أجزاء] ، (والظرفاء) (المضحكون) ، و(الطريق إلى زمش)  وغيرها من الكتابات الساخرة حول فترات أعتقاله وغربته عن الوطن لعشر سنوات وتجاربه الضاحكة والمريرة .. 


عبد الغنى داوود