العدد 664 صدر بتاريخ 18مايو2020
الممثل الكوميدي المتميز إبراهيم نصر - الذي رحل عن عالمنا يوم الثلاثاء الموافق 12 مايو (2020) - ممثل مصري قدير نجح في حفر مكانة خاصة له بقلوب جمهوره الكبير سواء بمصر أو بمختلف الأقطار العربية الشقيقة، وأيضا بمختلف فئاته وأعماره، ويكفي أن نذكر له مدى ارتباط جمهوره به على مدى أكثر من عشرين عاما متصلة وببرنامجه الشهير “الكاميرا الخفية”، وشخصياته التنكرية التي برع في تقديمها ومن أهمها: “زكية زكريا”، “غباشي النقراشي”.
واسمه طبقا لشهادة الميلاد: إبراهيم نصر النخيلي (وذلك نسبة إلى “مركز النخيلة” من محافظة أسيوط)، ولكنه من مواليد 18 أغسطس عام 1946 بحي شبرا بمدينة “القاهرة”، نظرا لأن والده جاء من الصعيد للعمل بالقاهرة حيث كان يعمل مقاولا معماريا. عندما صار عمره في حدود العشر سنوات بدأ في تقليد أقرباه، وأصبح المقلد والكوميديان الذي يضحك العائلة، خاصة بعدما برع في تقليد جميع الشخصيات والأنماط التي يقابلها. ثم بدأت هوايته لفن التمثيل من خلال المسرح المدرسي والجامعي، كانت البداية في المدرسة حينما شارك في أول عمل مسرحي حقيقي وهو مسرحية نهاية العام بمدرسة “عثمان بن عفان” بحي شبرا، وأهله نجاحه إلى تحمل مسؤولية رئاسة فريق التمثيل.
وخلال فترة دراسته الجامعية التحق بكلية الآداب “جامعة القاهرة”، وحصل على عدد من الكؤوس والميداليات بفضل مشاركاته في فريق التمثيل بالجامعة، ثم نجح في الحصول على على درجة “ليسانس” اللغة الإنجليزية عام 1972. بدأ حياته الفنية كمونولوجست موظفا موهبته وخبراته في تقليد الفنانين. كانت بدايته بمجال الإحتراف عندما التقى صدفة في أحد الأيام بالشاعر والمؤلف/ بخيت بيومي الذي أقنعنه بالذهاب معه إلى “التليفزيون الصري” لكي يلعب دورا دراميا في برنامج “عزيزي المشاهد” الذي كانت تقدمه المذيعة اللامعة/ أماني ناشد، وكان البرنامج على الهواء مباشرة فحقق له شهرة وميلادا حقيقيا لم يكن يتوقعه أبدا. ثم عمل بعده خلال مشواره الفني في عدد كبير من الأدوار المساعدة بين المسرح والسينما والتليفزيون، لكن شهرته الكبرى كانت من خلال برنامج “الكاميرا الخفية” الذي اعتاد تقديمه في “شهر رمضان” لعدة سنوات، خاصة مع شخصية “زكية زكريا” التي حققت نجاحا مدويا، حتى أصبح “إبراهيم نصر” هو عنوان بهجة وضحكة “شهر رمضان” الذي تتجمع حوله الأسرة المصرية، صار أيقونة مميزة للطقوس مثل المسحراتى وكوب الخشاف وصنية الكنافة وطبق الطرشى، ومنذ إطلالته فى برنامج “ الكاميرا الخفية” خلال تسعينيات القرن الماضي ظل فى صدارة المشهد حتى ولو اتهمه البعض أحيانا بالفبركة واصطناع المواقف. ويكفي أن نذكر انتشار عباراته الشهيرة (“الإيفيهات”) التى بتكرار ترديدها تحولت إلى “عبارات مأثورة (تريند)، ومن بينها على سبيل المثال: “كشكشها ما تعرضهاش”، “يا ناجاتى أنفخ البلالين علشان عيد الميلاد”، و”لما أقولك بخ تبخ”، “إرقصي يا بلوظة” .. وغيرها، ولتصبح أيضا دمية “زكية زكريا” هى الشخصية الأشهر فى الشارع المصري، فصارت الأيقونة التى يضعها الناس فى بيوتهم ليعتدل مزاجهم ويبتسمون للحياة، وبالتالي أصبح إبراهيم نصر هو الفنان الثاني مباشرة بعد الراحل/ محمود شكوكو الذي يصنع له التماثيل.
وجدير بالذكر أنه كان يعيش حياة عائلية هادئة، فهو متزوج ووهبه الله كل من الإبن/ عماد والإبنة/ دينا.
ويمكن تصنيف مجموعة أعماله الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية (المسرح/ السينما/ التلفزيون) وطبقا للتسلسل الزمني كما يلي:
أولا - أعماله المسرحية:
ظل المسرح لسنوات طويلة هو المجال المحبب للفنان/ إبراهيم نصر ومجال إبداعه الأساسي، وهو الذي قضى في العمل به كممثل محترف أكثر من خمسة وعشرين عاما. هذا ويمكن تصنيف مجموعة المسرحيات التي شارك في بطولتها طبقا لاختلاف الفرق وأيضا للتتابع الزمني كما يلي:
1 - فرق “مسارح الدولة”:
- “أنغام الشباب”: عطشان يا صبايا (1976)، بسمة (1980).
- “الغنائية الإستعراضية”: نوار الخير (1979)، بالوظة في البالون (1996)، زكية زكريا والعصابة المفترية (2000).
1- فرق “القطاع الخاص”:
- “ثلاثي أضواء المسرح”: فندق الثلاث ورقات (1974)، أهلا يا دكتور (1980).
- “الصقر” (إبراهيم حافظ): شفت إللي حصل (1988).
- “كوميك تياترو” (يسري الإبياري): وراك وراك يا بلوظة (1998).
- “أستديو 2000”: أسرار الكاميرا الخفية (1999).
- “محمد فوزي”: زكية زكريا تتحدى شارون (2001).
- مسرحيات مصورة: عريس طنط جلاجل (1970)، الراجل يخاف من خياله (1977)، في إنتظار مغاوري، درويش يتألق فرحا (1983)، كلام خواجات (1984)، جواز مع الإشتراك في الأرباح (1984)، جوازة البنزهيري (1985)، ألوان (1986)، عروسة تحير (1987)، ناس لها بخت (1988)، مطلوب مجرمين فورا (1989)، عائلة عصرية جدا (1991)، اللعبة (1992)، مشوار طويل (1994).
وقد تعاون من خلال المسرحيات السابقة مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة: نور الدمرداش، حسن عبد السلام، إبراهيم بغدادي، عبد الغني زكي، عصام السيد، رزيق البهنساوي، محمد رجائي، فوزي عرفة، كمال نعيم، رائد لبيب.
ثانيا - أعماله السينمائية:
شارك الفنان القدير/ إبراهيم نصر بأداء بعض الأدوار الثانوية المؤثرة في عدد كبير من الأفلام السينمائية التي قد يقارب عددها خمسة وثلاثين فيلما، وتضم قائمة أعماله الأفلام التالية: المراية (1970)، البيوت أسرار (1971)، ليل وقضبان (1973)، المهم الحب، امرأة عاشقة (1974)، قمر الزمان، بيت بلا حنان (1976)، من أجل الحياة، (1977)، ولا عزاء للسيدات (1979)، وقيدت ضد مجهول، قهوة المواردي (1981)، الإحتياط واجب (1983)، الثمن غالي، محطة الأنس (1985)، حد السيف، التفاحة والجمجمة (1986)، أحلام العبيط (1989)، امرأة واحدة لا تكفي (1990)، ليل وليالي، شمس الزناتي، نساء ضد القانون (1991)، جحيم امرأة، الستات (1992)، غراميات سايس، مستر كاراتيه، لهيب الإنتقام، الثعالب، ديسكو ديسكو (1993)، درب العوالم (1994)، وداعا للعزوبية (1995)، حسن اللول (1997)، أولى ثانوي، زكية زكريا في البرلمان (2001)، إكس لارج (2011)، الكهف (2018)، صاحب المقام (2020). وذلك بالإضافة إلى بعض الأفلام الأخرى ومن بينها: ليل وغوازي، الدنيا ماشية كده.
وقد تعاون من خلال مجموعة الأفلام السابقة مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة:: هنري بركات، حسن الإمام، عاطف سالم، السيد زيادة، أحمد ضياء الدين، نادر جلال، أشرف فهمي، محمد خان، أحمد فؤاد، علي عبد الخالق، سمير سيف، أحمد ثروت، مدحت السباعي، هشام أبو النصر، أحمد السبعاوي، نادية حمزة، إيناس الدغيدي، شريف عرفة، ناصر حسين، نبيل زكي، حسن إبرهيم، محمد أبو سيف، طارق النهري، سمير حافظ، إسماعيل جمال، رائد لبيب، أمير شوقي، ماندو العدل.
ثالثا - أعماله التلفزيونية:
شارك الفنان القدير/ إبراهيم نصر بأداء بعض الأدوار الرئيسة في عدد من المسلسلات التمثيليات والسهرات التلفزيونية، ولكن للأسف يصعب حصرها، وتضم قائمة أعماله المسلسلات التالية على سبيل المثال فقط: ولكنه الحب، مهلا أيها العمر، قلوب فقدت الحب، حكم الزمن، رحلة هادئة، سحابة من الماضي، بلاد السعادة، بوجي وطمطم في رمضان، الظلال، الرجل والقطار، الخطة، على باب زويلة، مارد الجبل، الفندق، مليون في العسل، الرجل والحصان، الإمتحان، وتاه الطريق، دعوني أعيش، ألف ليلة وليلة، حارة الشرفا، بلاغ للنائب العام، حادي بادي، الكابتن جودة، سكة الصابرين، يحكى أن، الهروب إلى السجن، رحلة في نفوس البشر، أولادي، ناس وناس (ج1)،أحلام في الظهيرة، رأفت الهجان (ج2)، زغلول يلمظ شقوب، ماما نور، رحلة أبو الوفا، علي عليوة، المنزل الخلفي، إمرأة وثلاثة وجوه، في المرآة، العرضحالجي، الشراقي، صور ملونة، حواء والتفاحة، ساكن قصادي (ج2)، حكايات أيوب ومسز عنايات، حارة المحروسة، التخطيط الحلزوني، كلام في كلام، ومنين أجيب ناس، فوق السحاب، وذلك بالإضافة إلى تألقه بالمشاركة في تقديم بعض الفوزاير ومن بينها: فوازير المناسبات، فوازير عمو فؤاد وكنوز الأرض، ، فوازير عمو فؤاد رئيس تحرير، ، فوازير عمو فؤاد راجل أعمال، فوازير عجائب صندوق الدنيا.
وذلك بالإضافة إلى مشاركاته أيضا ببعض التمثيليات والسهرات التلفزيونية ومن بينها: مين فينا ماما ؟، قلوب خضراء، قلوب مؤمنة، سلام يا أحلام، البريء والصورة،
ومما سبق يتضح أن الفنان/ إبراهيم نصر يعد فنانا من أهم نجوم الكوميديا بالنصف الثاني من القرن العشرين الذين قدموا أعمالا جماهيرية ومتميزة ومؤثرة بجميع القنوات الفنية (سواء بالمسرح أو السينما أو التلفزيون)، وذلك بالرغم من حصوله على عدد قليل جدا من الأدوار الرئيسة والبطولات وفي فترة متأخرة نسبيا، وهذا يؤكد - وبما لايدع مجالا للشك - موهبته الحقيقة وانتمائه إلى فئة الممثلين الكبار الذين يستطيعون وضع بصمة مميزة في كل دور يشاركون في تقديمه حتى ولو كان دورا صغيرا جدا. فقد كان - رحمه الله - صاحب حضور محبب و”كاريزما” خاصة، وكان يتمتع بخفة الظل والقدرة على إشاعة البهجة والسرور وكذلك القدرة على الإرتجال الفوري، كما كان بارعا وبحرفية في التقاط التفاصيل الصغيرة، ويجيد فن التنكر ومعايشة الشخصيات التي يقوم بتجسيدها، لذلك حرص طوال مشواره الفني على عدم تكرار أدواره، وعلى تقديم عدد كبير من الأنماط والنماذج البشرية المتناقضة، فنجح في تجسيد شخصيات الفلاح والصعيدي والعامل الأجير والموظف المطحون والقيادي والمسؤول الكبير ورجل الأعمال الثري وزعيم العصابة، كما نجح وتفوق في تجسيد الشخصيات الميلودرامية والتراجيدية بنفس درجة إجادته وتميزه في تقديم الشخصيات الكوميدية.
وللأسف الشديد برغم تميزه وشعبيته الكبيرة فإن المحصلة النهائية لمجموعة أعماله تعد حصيلة ضئيلة جدا ولا تتناسب أبدا مع عمق واتساع وتنوع موهبته الكبيرة، ويكفي أن نرصد له بعض أدواره المهمة في سنوات النضج، فبخلاف أعماله بالبطولات المطلقة وفق في تقديم عدة أدوارا متميزة ولعل من أهمها: التمرجي بعيادة د.نادر (سمير غانم) بمسرحية أهلا يا دكتور، شخصية “جعيدي” بفيلم “شمس الزناتي”، شخصية “عزمي” خال مجدي (أحمد حلمي) بفيلم “إكس لارج”، وشخصية “الدب” والد ماندو (هاني سلامة) بمسلسل “فوق السحاب”.
كذلك يجب التنويه إلى نجاحه وتميزه الكبير بالمسرح، حيث حققت مسرحيته “زكية زكريا والعصابة المفترية” أثناء عرضها بالقاهرة أكبر الإيرادات في تاريخ مسرح الدولة منذ انشائه وحتى الآن، فتجاوزت الإيرادات مبلغ مليون جنيه في شهر واحد، حتى أطلق على الفنان/ إبراهيم نصر لقب “بطل مسرحية المليون”، وذلك بخلاف الإيرادات الكبيرة التي حققتها بعض مسرحياته الأخرى من خلال تنظيم بعض الجولات المسرحية الناجحة لها ببعض الدول العربية ومن بينها جولات بكل من دولتي الكويت والإمارات وذلك بخلاف تنظيم جولات أخرى للعرض أمام الجاليات العربية في أمريكا.
وأخيرا إذا كنا قد افتقدنا جميعا برحيله فنانا متميزا عاشقا لفنه فإنني قد افتقدت أيضا على المستوى الشخصي صديقا رائعا متواضعا مخلصا لأصدقائه ومحبا للحياة وقادرا على إشاعة البهجة والسرور، ويكفي أن أذكر أن صداقتي معه قد استمرت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وبالتحديد من خلال العرض الرائع “عطشان يا صبايا” للراحلين/ حسام حازم، حسن عبد السلام، عادل عثمان وعبد الله حفني، وقد شاركهم أيضا البطولة الفنانين القديرين والصديقين العزيزين/ سامح السريطي وسعيد الصالح أطال الله عمرهما.