نصوص المسرح المؤلفة خصيصا للمسابقات.. لها أم عليها وكيف يحسبها المسرحيون؟

نصوص المسرح المؤلفة خصيصا للمسابقات.. لها أم عليها وكيف يحسبها المسرحيون؟

العدد 660 صدر بتاريخ 20أبريل2020

  • معظم النصوص العربية كتابة على مداميك الآخر

  • المسابقات تجمد النصوص أحياناولا يخدمها الفوز بالجوائز

  • مغريات المشاركة في المسابقات الخاصة بالكتابة أكثر جذبا للكاتب

  • المشكلة ليست في المؤلفين, إنما في حجم المتغيرات الكونية الهائلة والمتسارعة

  • ليست النصوص وحدها التي سلمت نفسها  للمسابقات إنما المسرح كله أريد له أن يكون “مناسباتياً”

  • إغراء الفوز بالمسابقات أنتج طبقة جديدة من كتاب المسرح وهم الشعراء

  • نصوص المسابقات جيدة على مستوى اللغة والخيال ولكنها لا تصلح للعرض

  • الخشبة هي هدف الكاتب الأسمى ولا تعادلها ارفع الجوائز

  • الكتابة للمسابقات تحول بين الكاتب والواقع المعيش

  • انعدام الرؤية والاسترتيجية هي المشكلة الحقيقية التي تواجه التأليف المسرحي

مع انتشار المسابقات وفرضها شروطا محددة للمشاركة، سواء باشتراط اللغة العربية الفصحى أو بتحديد موضوعات معينة للكتابة، أو غير ذلك من اشتراطات.. هل بات الكتاب يصممون نصوصهم المسرحية، في الآونة الأخيرة، على مقاس المسابقات، ومن أجل المشاركة فيها؟ وهل بات يشكل ذلك مشكلة في التأليف المسرحي ؟ ولماذا لا نرى معظم النصوص الفائزة في المسابقات على خشبات المسارح؟! عن ذلك، وعمما ينقص المؤلفين الجدد ليقدموا نصوصا جيدة على غرار ما قدمه الرواد من المؤلفين في منتصف ستينيات القرن الماضي كصلاح عبد الصبور وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي وسعد الله ونوس و محمود دياب وغيرهم في مصر والوطن العربي التقت مسرحنا مع مجموعة من المسرحيين المصريين والعرب .
قال المؤلف محمد أبو العلا السلاموني إن هناك أزمة مناخ مسرحي كامل، وإن التأليف المسرحي جزء من هذه الأزمة الكبرى، لأنه لا يزدهر إلا في مناخ مسرحي كامل،  وللأسف الشديد المناخ المسرحي الآن ليس على ما يرام،  حيث يفتقد الإستراتجية العامة . أضاف: في فترة العشرينيات والثلاثينيات كانت الإستراتيجية هي دعم الفن المسرحي  باعتباره فنا جديدا، فكنا نستورد نصوصا أجنبية ونترجمها ونقدمها، ونقدم المسرح الغنائي الذي يتشابه ومسرح الأوبرا الذي تعلمناه أيام الخديوي إسماعيل، في هذه الفترة كانت هناك رؤية ، ثم في فترة الستينيات كانت هناك رؤية قومية تدفع المسرحيين للكتابة عن القضايا القومية و الوطنية والاجتماعية ومشاكل الواقع، وبالتالي دفعت الكتاب إلى التأليف المسرحي بالشكل الناضج الذي عرفناه ، أما في المرحلة الثالثة فيما ما بعد الستينيات، مرحلة الجيل الثالث الذي أنتمي إليه شخصيا كانت القضية الرئيسية لدينا هي تأصيل الفن المسرحي والعودة إلى التراث وإلى استغلال الظواهر المسرحية الشعبية وتقديمها على خشبة المسرح وهذا ما يميز جيلنا.
تابع “السلاموني “: جيلنا كانت قضيته التأصيل والعودة للتراث والاستخدام الجيد لتكنولوجيا المسرح الحديث لتدعيم الاتجاه الشعبي في المسرح، وحينما ظهرت التجارب الحديثة فيما عرف بالمسرح التجريبي حدث ما يشبه الارتباك لدى المسرحيين، فأصبح الأمر مختلطا، لا يدري الكاتب هل يكتب بطريقة المسرح الحديث التجريبي الذي يعتمد على الحركة والإيماءة والسينوغرافيا أكثر من اعتماده على النص المسرحي، أم يعود إلى تراثه ويكتب عنه ثم يعالج الواقع بناءا على رؤيته التراثية ، فحدثت هذه الإرتباكة التي أدت إلى عدة اتجاهات، منها اتجاه للورشة المسرحية و اتجاه للتمصير و اتجاه للنصوص الأجنبية والتجريبية، ولم تعد هناك رؤية واضحة يتجه إليها المسرح ،ومن هنا ضاع المؤلف المسرحي ولم يعد يستطيع أن يحدد هدفه وكيف يكتب ولمن يكتب ولماذا يكتب؟!
وأشار السلاموني إلى أن الحل الوحيد أمام الكاتب المسرحي هو أن يكتب نصا من خلال المسابقة وهذا حقه لأنه ليس لديه طريق أخر، نصوصه التي يقدمها لا تقدم على خشبة المسرح ، وبالتالي ليس أمامه سوى أن يلجأ للمسابقات التي تقوم بها بعض الهيئات، كهيئة قصور الثقافة أو هيئة الكتاب أو المجلس الأعلى للثقافة أو إتحاد الكتاب والمؤسسات الأخرى ،هو يسعى لهذا الأسلوب وهو ليس لديه أمل في العرض المسرحي ، وللأسف الشديد مخرجي هذا الزمان معظمهم يعتمد على الكتابة والإخراج معا، ما أدى إلى إقصاء المؤلف. أضاف: أعتقد أن السبب في عدم ظهور معظم النصوص الفائزة هو افتقاد الرؤية  لكيفية استغلال هذه النصوص، ليس هناك من يهتم بها ،لا يلجأ إليها البيت الفني أو الفرق المسرحية.. المخرج يأتي بالنص إما من تأليفه أو تمصيره أو يأتي بنص أجنبي ولا يبحث عن المؤلف المصري، أو حتى عن النص  الذي فاز في المسابقات.. لم يحدث أن لجأ أحد من المخرجين إلى النصوص التي شاركت في المسابقات أو حتى نشرت في السلاسل.. هناك سلسلة نصوص مسرحية صدرت شهريا على مدار عشر سنوات ، أي مائة وعشرون نصا مسرحيا وفرتهم  سلسلة نصوص مسرحية التابعة لهيئة قصور الثقافة ولم يلجا إليها البيت الفني، أو أي من الفرق، وهناك أيضا السلسلة التي يرأسها د.محمود نسيم في هيئة الكتاب.
أما د.نوال عبد العزيز من  المغرب فقالت  إن الحركة الفنية بالعموم والمسرحية على وجه الخصوص تخضع بالضرورة كما كل القطاعات في أي دولة إلى الوضع الاقتصادي ،لذلك فإن المؤلف حين يشرع في كتابة نص مسرحي يطمح إلى رؤيته على خشبة المسرح ،ولأن الأزمات الاقتصادية في الآونة الأخيرة تتوالى فإن عجلة الإنتاج المسرحي أخذت بالانكماش ،ولذلك فإن المؤلف يعرف مسبقا أن نصه إن كان سيكتبه للجمهور فلن يجد من يشتريه لينتجه، لهذا فهو يلجأ إلى “الربح المضمون” بتوجيه نصه إلى المهرجانات التي تضع جوائز أو مكافآت لأصحاب النصوص الأفضل ،وبذلك يضرب “عصفورين بحجر واحد “ أولا الربح المادي بدون جهد تسويقي، وثانيا يطرح اسمه على الساحة بقوة كأحد المؤلفين الذين لا يشق لهم غبار.
أغلب المهرجانات والهيئات التي تقدم جوائز على النصوص الفائزة لفئة التأليف تضع شرطا بعدم أحقية المؤلف بالتصرف بنصه إلا بعد العودة والموافقة من إدارة المهرجان أو الهيئة، ولأن هذه الجهات غالبا ما تكون رسمية فإنها تخضع لمعايير وشروط الجهة الثقافية المسؤولة عن المهرجان كوزارة الثقافة مثلا ،وفي بعض الأحيان تكتفي هذه المهرجانات أو الهيئات بإعطاء المؤلف الجائزة ،وتنتهي أهمية هذا النص بالنسبة لها بانتهاء أيام المهرجان وتقع على عاتق المؤلف تسويق نصه من جديد للمنتجين متسلحا بالجائزة التي فاز بها .
أضافت : من وجهة نظري هنالك مؤلفين ممتازين في هذا العصر ولديهم نصوص راقية جدا وتكاد في بعضها أن تتفوق على بعض النصوص القديمة،غير أن ما تواجهه هذه النصوص في هذا العصر من عدم قراءة ومتابعة لها جراء ما يحاصرنا من تكنولوجيا وتقنيات يجعلها غائبة عن أعيننا وبعيدة عن متناول اليد ،هذا بالإضافة إلى أن اهتمام الكتاب قديما بالكتابة المسرحية أكثر من غيرها من الكتابات كالكتابة السينمائية أو التليفزيونية أو الإذاعية ناجم عن الحضور القوي للمسرح في تلك الفترة على حساب بقية الفنون المرئية أو المسموعة، لذلك إذا إردنا إن نقدم المؤلفين الجدد ونضعهم في المكان الصحيح على الساحة الفنية لابد أولا من إخضاع نصوصهم للنقد من خلال نقاد محترفين ومعروفين ثم إخراج هذه النصوص على خشبة المسرح لإظهار البعد المرئي لهذه النصوص.
الأستاذ الأكاديمي الدكتور مصطفى سليم قال:  أصبح داء أو إدمانا لدى بعض الكتاب أن يوجهوا طاقاتهم للمشاركة في مسابقات التأليف، وهو ما يعزلهم عن الواقع المعاش وعن المجتمع ، لأن أعظم النصوص في التاريخ كتبت على خشبة المسرح مع فريق العمل وبين الناس ولذلك ظلت باقية ، وأذكر أنني قرأت في أحد الكتب القديمة أن موليير كاتب الكوميديا العظيم كان يكتب وهو يتحرك على خشبة المسرح ، فكان يؤدي الجملة أولاً ثم يدونها إذا شعر أنها جيدة في الفضاء المسرحي الذي يتخيله ، كان يتحرك ويقوم ويجلس وينفعل كأنه ممثل ومؤلف ومخرج، يتخيل كافة جوانب العمل أثناء الكتابة لذا كانت كتابته حيه، وكان اهتمامه الأول والأخير هو قضايا العصر، فعالج قضية العالم ورجل الدين المنافق وزير النساء والشخص الملتزم التزاما مميتا في الحياة عدو البشر ، انشغل بالأنماط المحيطة ومشكلات المجتمع ،ومع ذلك عاشت نصوصه بعد القرن السابع عشر حتى اليوم،  أما أن تكتب من أجل الحصول على جائزة فإن هذا يجعل نصك الذي ربما يكون مميزا كلغة كتابة ، وكبناء درامي ، لا يتفاعل مع الواقع المعاش ولا مع العصر الذي نعيشه، أو المجتمع الموجهة له هذه الرسالة ، ومن ثم لا يتم إنتاجها. أضاف : أذكر أنني كتبت آخر مسرحية  لي وقد استمرت خمس سنوات تعرض على المسارح في كافة المحافظات “ولاد البلد” و شاهدها عدد لا نستطع حصره الآن، لم أفكر في التقدم بها لأي مسابقة أو نشرها في كتاب، وإنما كتبتها في حيز العمل الجماعي مع المخرج محمد الشرقاوي وفريق العمل ، وكنا نختبر كل جملة وكل أغنية وكل قضية نطرحها، إلى أن وصلنا لمجموعة محاور تواجه المجتمع بمشاكله وتصنع حوارا بين الجمهور وما يشاهده ، و أعتقد ان هذا هو الذي يضمن للنص أن يكون تجربة مسرحية حقيقية. تابع:  أما  عدم العرض بعد الحصول على الجائزة فذلك لأن تلك النصوص لا تمس الوجدان الجمعي ومشكلات المجتمع، ومن ثم لا تقدم ،وحين أشرتم لجيل الرواد فمن الخمسينيات نعمان عاشور وتوفيق الحكيم  قدما نصوصا هامة ،هذه الفترة التي كانت تعالج قضايا العصر: الهوية العربية ،مشكلات الفقر والجهل والتخلف ،أنماط المجتمع. وتساءل: لماذا عاشت “سكة السلامة”؟ وأجاب:  لأن بها أنماط تشعر أنها من دم ولحم مثل سوسو وقرني والعمدة وغيرها من الأنماط ،هذا ما يضمن للنص البقاء والاستمرار؛ أن يجسد مجتمعه وعصره و يتعمق في فهم هذا الواقع ومواجهته، فتكون النتيجة عملا إنسانيا يتحاور مع كل الأزمنة وكل الأمكنة،  يتعمق في فهم الواقع ليرصد مشكلاته الحقيقية التي هي في النهاية مشكلة الإنسانية منذ الخليقة إلى اليوم، ولكن في ثوب العصر،  لأن لكل عصر ثوبه ومشكلاته ، وبالتالي يظل النص على قيد الحياة، نصوص شكسبير عاشت وقد كان يكتب المونولوجات لأبطال الفرقة تحديدا لإرضائهم ، يكتب وهو على خشبة المسرح وبين الناس وبين خلجات التجربة المسرحية ، عاشت مسرحياته لأنه شاهد العصر وفهمه وفهم مشكلات المجتمع الإليزابيثي واستطاع أن يستمد من التاريخ ما يعكس مشكلات هذا العصر، فحينما تعمق اكتشف جوهر الإنسانية وعاشت نصوصه.
فيما قال الكاتب المسرحي السعودي ياسر مدخلي إنه علينا أن نعترف بأن الحركة المسرحية ككل أصبحت قائمة على الانتفاع ،وذلك بسبب النمط السائد الآن في العالم العربي بالذات، حيث يقوم الإنتاج على المهرجانات أو المقاولات، ونادرا ما نرى مشروعا مسرحيا يقوده مفكر مبدع ويتجاوز به العقبات ، لذلك نجد أن الكتابة – وهي جوهر هذه الصناعة- تعتمد على المسابقات أو العرض والطلب المتاح في السوق.
وعن سبب عدم حضور نصوص المسابقات على خشبات المسارح قال: لأن المسابقات تحتكر النصوص ولا تنتجها، وهذه إشكالية تجعل من النصوص الجيدة مجمدة ولا يخدمها الفوز ولا يسوق لها ، أما عن رواد المسرح العربي فترة الخمسينيات والستينيات فكل هؤلاء جاؤوا في أزمنة مختلفة وأماكن متفرقة لذلك هي سنة الحياة أن يتفرد عدد قليل من المؤلفين في كل قطر عربي لفترة من الزمن، ولدينا أسماء مهمة عربيا في أقطارها ،وتمكنت من التحرك والتنقل بين المسارح العربية. المهم أن يتاح للمسرحيين فرصة لإعادة بناء هذه الصناعة لتضج الخشبات بالأحداث وينشط المسرحيون في كل مكان ويتمكن الجيد من فرض نفسه.
و قال المؤلف والمخرج المسرحي محمد محروس إنه إلى حد ما أصبح الأمر حقيقي، خاصة وأن المسابقات جوائزها مربحة و عالية القيمة،  ولا أرى ما يمنع كاتبا مسرحي موهوبا من تقديم نصه الجيد لمسابقة تمنحه جائزة قيمة تعينه على الحياة، ذلك  أفضل من مؤسسة تابعة للدولة تقدم له عرضا مسرحيا ثم تمنحه قدرا قليل من المال لا يلبي احتياجاته، فضلا عن الخضوع  للرقابة التي يمكن أن تقوض فكر الكاتب، و تدفعه لاتجاهات من الجائز أن تكون متعارضة مع أفكاره ورؤاه ، هذا إذا لم يمنع النص من الأساس، وتلك قد تكون من أسباب عدم ظهور بعض النصوص الفائزة على المسرح، بالإضافة لغياب الحركة المسرحية التي تسهل للمخرجين والمنتجين اتصالا مناسبا بالكتاب المسرحيين أصحاب الجوائز –خاصة غير المعروفين- وتفتح آفاق جديدة للإنتاج المسرحي. أضاف: هناك نصوص قدمت بالفعل قبل أن تحصل على جوائز مثل سينما 30 لمحمود الحديني .
تابع  “محروس” : ما ينقص المؤلفين لتقديم نصوص جيدة على غرار ما كتبه الرواد ، هذه المسألة مثيرة للجدل بشكل كبير، وإن كنت أعتقد إن ذلك بسبب انعدام وجود تعريف مناسب لماهية النص الجيد ، بمعنى أن الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بالحركة النقدية التي هي في الأساس في منتهى السوء. قصة نجاح النص المسرحي حاليا مرتبطة بعرضه على الخشبة و تحقيقه لإيرادات و الدعاية على الفيس بوك، بصرف النظر عن مستواه الفني أو مستوى النص نفسه، و كلما زادت الدعاية كلما خاف الناقد الواعي أن يكتب عنه ما يدينه، و بالتالي يقف في طابور المهللين و المصفقين حتى لا يقال أنه يشعر بالغيرة و الحقد، لكني أرى أن الذي ينقص أي كاتب مسرحي لينتج نصوصا جيدة هو المعرفة، المعرفة عبر القراءة، وعبر المشاهدة، اكتساب الخبرة من خلال الاحتكاك بالناس، و محاولة فهمهم بشكل واعٍ، و فهم حياتهم و تحليل ظروفهم و مشاكلهم و دوافعهم لممارسة أي سلوك، الالتحام معهم و البدء في قص الحكايات عنهم، ثم التعبير عن رؤيته لهم، كيف يراهم و كيف يشعر بهم.
و قال المؤلف ميسرة صلاح الدين: في البداية يجب ان نعترف أن المسرح في الحقبة الأخيرة دخل مرحلة جديدة يطلق عليها “ مسرح المخرج “ حيث أصبح النص المسرحي أحد عناصر العملية المسرحية، وليس حجر الأساس الذي تبنى عليه ،وقد أخذ تيار “ مسرح المخرج “ في التنامي في مرحلة ما بعد الحداثة، وأصبحت كل الأشكال المسرحية الجديدة مثل مسرح العبث ومسرح القسوة ومسرح المضطهدين وغيرها تقوم في الأساس على التمثيل والإخراج ولا تكتفى فقط بتهميش النص ،بل إنها تهمش اللغة في حد ذاتها وتستخدم وسائط بصرية وحركية وتكنولوجية لتحل محل النص والحبكة التي تلاشت وتراجع دورها ، وأصبح اللامنطقي وغير المترابط وغير الدال في مجمله هو النمط السائد في تيارات المسرح الحديث ،وأصبحت الوسائط البصرية وحيل الإضاءة  والتقنيات الرقمية بجانب لغة الجسد وأشكال جديدة من الفنون مثل الفيديو مونتاج والسينما هي محور المسرح الجديد وقلبه النابض،في عصر أصبح المخرج هو الصانع الأول، والممثل وجسده مركز العمل وبؤرته المحورية، والنص مجرد عامل مكمل يمكن الاستغناء عنه، أوضح: بالطبع لا ينفى وجود الأشكال الجديدة من المسرح وجود واستمرار الأشكال القديمة، فالفن لا ينفى نفسه ولا ينبذ مراحله السابقة ، بل تبقى كل التيارات والأشكال متجاورة ومستفيدة من بعضها البعض.
تابع “ميسرة”:  لعل ما أفاد جيل الرواد كما يطلق عليهم أنهم كانوا في لحظة زمنية فارقة في تاريخ الوطن العربي ونضاله، وفارقة في تاريخ المسرح العربي الذي لم يكن قد استوعب بعد التغيرات العالمية للمسرح ،وكان متعطشا لأقلام أبناءه في التعبير عن مشاكله وقضاياه التي تميل للتحرر وتنادى بالتخلص من التبعية والمقاومة في ظل تنامي الشعور بالقوميات العربية، وقد تغيرت كل تلك المفاهيم في العصر الحالي مع ارتفاع وتيرة العولمة والتداخل الفكري والثقافي، كما ان الظروف العصيبة التي مرت بها العديد من الدول العربية منذ عام 2011 وحتى الآن ، قد أدت لتدخل الرقابة بشكل أوسع في اختيار وتحديد وإجازة ما يقدم للجمهور طبقا للأوضاع والظروف السياسية لكل دولة ،مما أدى لهروب الكثيرين لأشكال المسرح التجاري أو لاجترار المسرحيات العالمية القديمة التي لا تلائم الواقع ولا تشتبك معه، وقد قاد كل هذا إلى أزمة في النصوص الحديثة ، وهى بالتأكيد ليست أزمة كتابية، فالعديد من الكتاب الشبان والمخضرمين في أرجاء الوطن العربي لديهم الكثير من النصوص القوية الرشيقة حداثية الطابع ، ولكنها أزمة عرض وتسويق للنص المسرحي الجديد في ظل تغيرات سياسية تفرض عليه رقابة قوية وتغيرات فنية، نزعت المسرح من أحضان المؤلفين وقدمته للمخرجين كتطور جديد للحركة الفنية،  لذلك أعتقد أن فكرة المسابقات التي انتشرت في الآونة الأخيرة كان الهدف الأساسي منها هو اكتشاف النصوص الجيدة ودعم الكتاب المسرحين حتى يتم تجاوز تلك الأزمة والسماح لهم بالبقاء والعمل ،وتجاوز  الظروف العامة  الضاغطة ، فإن كان ذلك لا يغير المعادلة العامة شديدة التعقيد ،فإنه  يوجد متنفسا لكتاب المسرح ،ويطرح نافذة للأمل ، وقد دفعت هذه المسابقات مرتفعة الجوائز المادية العديد من المؤلفين من الروائيين والشعراء والقصاصين إلى  الخوض في تجربة الكتابة المسرحية، وقد أنتجوا نصوصا جيدة على مستوى اللغة والخيال، منضبطة على مستوى الشكل والمضمون ،وقريبة من شروط وعقليات القائمين على المسابقات ولجان تحكيمهم ، ولكنها لا تصلح في الحقيقة للعرض على خشبة المسرح، ولا تضيف الكثير لذلك الفن العظيم  حتى وإن حصدت الجوائز ، وهو ما يسبب أزمة أخرى، و في المجمل فان هذه المسابقات لا شك أنها لصالح الحركة المسرحية على المدى القريب.
أما المؤلف الكبير كرم النجار فقال إن هناك فقرا في النصوص المسرحية لعدم وجود أدوات للعرض المسرحي تشجع المؤلف أن يؤلف أو يُبدع نص مسرحي ليقدمه، فالمسارح كلها في حالة غفلة لأن رؤسائها ومديريها لا يعملون وفقا للخطة أو يقدموا نصوصا جيدة ،و نسبة كبيرة جدا تسير “بالبركة والاتكال” هذا بخلاف غياب خطة مسرحية حقيقية تقول ما الذي نطمح إليه في المسرح،  وهيئة المسرح وحتى المجلس الأعلى للثقافة لافتات موجودة بدون مضمون حقيقي.
وأضاف “النجار” : كنت عضوا في لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة لثلاثة دورات ولم أعرف يوما ما المسرحيات التي تعرض أو لماذا تعرض أو ما هي خطتنا لمواجهتها أو لماذا توجد هذه اللجنة من الأساس، هناك قصور شديد جداً في الفكر المسرحي في وزارة الثقافة. أضاف: أما مسألة عدم عرض النصوص الفائزة فهي كارثة أخرى، وأذكر أنه في إحدى دورات مسابقة ساويرس وكنت عضوا بلجنة التحكيم ،أن قُدمت مسرحية عن الحالة الفرعونية، وحدث صراع رهيب على هذه الجائزة، البعض معها والبعض الأخر ضدها، وبعد اقتتال كبير حصلت على الجائزة الأولى، وكان حلم عمري أن تقدم هذه المسرحية على خشبة المسرح .
تابع: المسابقات ليست للجوائز المادية القيمة فقط ، لا أظن أن هناك كاتب مسرحي أقصى أمنياته أن يحصل على الجائزة لينفقها،  إذن فهناك خلل في فهم دور المسرح في الحركة الفنية في مصر، أما ما ينقص المؤلفين  فهو الإحساس بقيمة العرض المسرحي ،المؤلف مهما حصل من جوائز مادية –جيدة في حينها – يشعر أنها لا تعادل قيمة عرض مسرحي قوي، لا تعادل تنافس المسارح على عرض نصك، ولا تساوي أجور المخرج المهم الذي يتصدى لعرض المسرحية ، لا تعادل وجود مسرح قوي مثل المسرح القومي يقدم نصك .. هناك حوافز أدبية حقيقية ، والمسرح بناء لا يمكن أن يقدم على أساس انه سلعة تجارية،  المسرح بناء آخر داخل المؤلف والمخرج والجهة التي تقدمه كل ذلك مفتقد وغائب، لذلك أشعر أننا في حالة غيبوبة مسرحية.
فيما  رأي الناقد محمد النجار أن الفعل الإبداعي ينطلق من قناعات المبدع ، وأن لكل مبدع توجه، من يسعي للجمهور فهو ساع للجمهور بلا أدني أطماع  مغايرة، ومن يسعي للربح سواء مادي أو معنوي فهو يسعى لهدفه فقط،  وعليه تحدث الفجوة بين أنماط المبدعين وأهدافهم وتوجهاتهم ورؤاهم، أضاف : المؤلف كنمط  يسعي لربح الجائزة لا يسعي لغير ذلك في الأغلب مع وجود استثناءات ، ولأن نصوص الجوائز في الأغلب منفصلة عن الواقع الإبداعي الفرجوي ومهتمة بالشق الأدبي أكثر من اهتمامها بفنيات وتقنيات العرض ، فإخراجها علي المسرح يواجه صعوبة ، فضلا عن المشكلة الأهم التي تواجه النصوص المؤلفة الجديدة، وهو أن ليس لها حظ في النشر، بمعني عدم وجود آليات واضحة لنشر النص المسرحي، بدليل أن إدارة المسرح في هيئة قصور الثقافة تجيز مئات النصوص سنويا ، ولكن لا ينشر منها إلا النصوص التي تم إنتاجها كعروض مسرحية ، أما النصوص التي لا تنتج فلا تنشر، وبالتالي لا يعرف أغلب المخرجين شيئا عن النصوص الجديدة، اللهم إلا نصوص أصدقاء المخرجين من المؤلفين و أهل الثقة منهم.
شعلة وحطب
فيما قال الكاتب والناقد المسرحي الكبير عبيد باشا من لبنان: عند البعض المسرح شعلة تحتاج إلى حطب ،عند البعض النص حطب المسرح ، لا علاقة للأمر بالتوجيه ولا بالتربية. هذا كلام إطلاق، والعرب مشهورون بالإطلاق، أي أنهم يحبذون الجمع، ثمة فرق بين جوهر الجمع والروح الجمعية ، كلام الجمع كلام رسمي، كلام مديريات ثقافية ، لا تربية في هذا المجال، تربية لا تعليم، لأن الأخير لا يلبث يردد كل ما نظمته السلطات، يكرر كل ما هو أيديولوجي ،لا فائدة للأيديولوجيا، لا فائدة للتربية، لأن الأيديولوجيا لم تعد تمتلك قواها العضلية وقواها الروحية ، حين أن العرب لم يعملوا على التربية ، التربية إعادة بناء للشعلات الثقافية على قاعدة الخيال والتخيل أو السماح بإقامة نظام لا دوري للكتابة المسرحية ،لن تصبح الكتابة عملاً اجتماعيا ، أكثر التزاما باللحمة الحية للمشاهدين إلا حين تذهب بالكتابة إلى معرفة الذات لا إلى إعادة التعريف بالآخر.
أضاف “باشا” أن “المسرحيين العرب قد مروا  بثلاثة مراحل:  الترجمة و الاقتباس والتأليف، لا فرق عندي بين كتابة وتأليف، الكتابة للجماعة والتأليف للنخب، إيحاء لا يخدم الاتصال بعمليات الكتابة على مبادئ التطوير، ذلك أن الكتابة للمسرح، لا الكتابة المسرحية لا تزل عند الحواجز الأولى ،عزلة لا ترتقي إلى قراءة الواقع والوجود من الخوف من الكتابة ومن عدم القدرة على المراكمة على مساحة التأسيس، لا كتابة إذن تدعم النشاط المسرحي ولا كتابة للجمهور، لو حدث أن كتب المؤلفون للجمهور ، جمهور النشاط المسرحي والجمهور ، هذا معناه أن ثمة احتراف يسمح بالسكن في المناطق المتقدمة على صعيد التأليف المسرحي ،لا نزال نكتب بروح من الهواية ، هذا جيد، أعترف بأن ثمة كُتاب كرسوا حضورهم عند جوانب المسرح الحية والحيوية ،غير أن الأمر لم يقد المسرحيين إلى اختبار فن الكتابة بشجاعة من أحدث فرقاً حين قفز من الترجمة إلى الاقتباس إلى التأليف .
وتابع: المؤلفون نادرون، لأن الآخرين ممن يكتبون للمسرح أو جمهور المسرح لا يزالون عند مرحلة الاقتباس بعد أن بنى آخرون فوائد التأليف،وضع الأخيرون معاييرهم وموازينهم ، لمٍّا أن الآخرين لم يجدوا مستقبلهم بالتأليف من خوفهم من التأليف و من عدم قدرتهم على بناء نصوص استطاعوا تخيلها من دون القدرة على كتابتها أو ترجمتها بالكتابة الخاصة، قفزوا إلى الوراء بدل أن يقفزوا خطوتين إلى الأمام، فوق خطوة المؤلفين وخطوتهم ما بعد خطوة المؤلفين، الأمر المطمئن عندهم لا اللافت أنهم ما زالوا يحتاجون إلى النصوص العالمية واعتبارها الجهات المسؤولة على كتاباتهم ،أي أنهم يكتبون على كتابة الآخرين ،أي أنهم كلما وجدوا بالنص العالمي مأواهم أكدوا ندوة شجاعتهم بتنظيم الكتابة الخاصة على الشروط الخاصة.
أضاف باشا أيضا: لايزال شكسبير أحد “ الكتاب العرب “، من التزام العرب قواعده بالكتابة ونصوصه،لا يزالون يجدون فائدتهم الكبرى بنصوص بريشت ويونسكو وبيرانديللو وآربال ودورنمات وفايس وغيرهم من كتاب جهات استخرجت كل إمكانياتها في نصوصها القديمة ، هكذا ، تؤسس معظم النصوص العربية على المؤسس، كتابة على الكتابة ، كتابة على واقع الآخر ومشكلات الآخر وتقنيات الآخر، كتابات على مداميك الآخر، إقتباس ، يستجمع به الكاتب شجاعته ليكتب ما يعتبر أنه سنده ، حتى إذا تفاعل النقد معه بطريقة سلبية عزاه إلى كتاب الغرب لا إلى التجربة العربية، التجربة المشرقية، لا فائدة كبيرة من الاقتباس ، خصوصاً لأن الإقتباس لا يبقي غالباً إلا الموضوع أو الحكاية ، ما يقيم الكتابة على القواعد العصبية، لأن المواضيع على قارعة الطريق على مايقول الجاحظ ، يبقى العمل على المواضيع، العمل على الموضوع هو مدرسة الكتابة ، منهج الكتابة ، هو الأسلوب. لم يعد التغريب مجدياً ولا التبعيد ولا العبث ولا الواقعية القديمة ولا الواقعية السحرية ولا السريالية ولا التكعيب، مع قوة وقدرة المرحلة الماضية وانتهاء المرحلة على تقديم الروابط ، ثم بوضع نقطة على آخر سطور الروابط هذه  ثمة مرحلة أخرى ، بعد مرحلة التنمية ونشر الثقافة والوعي من خلال المسرح ، هي مرحلة التطور،لا تطور إلا بالقفز فوق الشروط القديمة، سوى بالقفز فوق الخوف من إعتبار تمكن رواد الكتابة من الكتابة مرحلة “ وجب” القفز فوقها بشجاعة مشهودة إلى كتابة لا تخضع لا للقديم ولا للتدريبات الأكاديمية القديمة  آخر الإنجازات على هذا الصعيد مقدمات للتمكن، تمكن كُتاب القرن الواحد والعشرين من الكتابة على شروط التجاوز، ثمة ثورة تكنولوجيا ، ثمة ثورة إجتماعية ، ثمة نظام جديد لاعلاقة له بالدوريات القديمة ،ثمة عالم جديد لم يعد يحترم إلا الشجعان،إلا أبطال المغامرة القادرة على طرح الحالات المعرفية على بساط النقد،يجرب المخرجون حين لا نجد نصوصاً تجريبية، لا يحتاج الأمر إلى تخطيط بعد أن رسم الكتاب القدامى (الكلاسيكيون) مخططات الكتابة القديمة، لايحتاج الأمر إلا إلى وقوع الكتابة بالروح المخبرية بشجاعة لا تخشى الفشل وهي تصبو إلى النجاح، نسيان يوجينيو باربا ضرورة وكريغ وبريشت ومايرخولد وماياكوفسكي والآخرين، نسيان صلاح عبد الصبور وسعد الله ونوس ويوسف إدريس وغيرهم من الكتاب العرب.
وتابع: النسيان ضرورة وراء النص الجديد والروح الجديدة والممثل الجديد، ضرورة لكي لا يبقى المخرج يكتب نصين ، نص ما قبل الخشبة ونص الخشبة ، لكي يستعيد المخرجون الأمل بالآخر، لا لكي يراوحوا أمام وعيهم وسلوكهم الإنساني على خشبات هي بالأساس خشبات الجماعة، أفضل كتاب النصوص هم المخرجون كتاب نصوصهم  لأنهم ينظرون إلى أعمال الكتاب بوصفها نصوصاً سهلة ، لأنها نصوص جبانة ، هكذا يؤلف الفاضل الجعايبي نصوصه ، كذلك روجيه عساف والفاضل الجزيري وزهير بن عمار ويعقوب الشدراوي و رئيف كرم وريمون جبارة وأنطوان ملتقى ومحمد شرشال . المسرح عمل جماعة، عمل جماعي ، أضعف حلقاته كتاب النصوص ، ثمة كتاب خلقوا إيقاعاتهم لأنهم رفضوا الإنضواء بتجارب الآخرين، ثمة جيل قديم أنهى نصوصه حين انتهى من كتابة نصوصه، ثمة جيل جديد وظفوا ما استخلصوه من الكتاب القدامى وعطف الأمر على كل طرح حديث، هكذا امتلكوا نصوصهم الخاصة ،هؤلاء قلة، ليتهم يتعددون، يكثرون، ينتشرون كما ينتشر وباء، ليتهم لا يعتبرون أن الكتابة خلاصة، أن يعتبروا أن الكتابة حياة كفؤة في حياة سادرة . ليتهم يمتلكون القدرة على كتابة نص للمسرح ونص للجمهور،لأن هذا لا يعني سوى أن الكتابة المسرحية حياة لا حنين، رص الأطياف قدرة لا تمتكلها التجربة العربية بعد.
الشاعر والمؤلف المسرحي بكري عبد الحميد قال : أرى أن معظم من يشاركون في المسابقات ،خاصة المسابقات العربية يكتبون نصوصا على مقاس تلك المسابقات ، خاصة أنها تعتمد اعتمادا كاملا على اللغة العربية الفصحى، لذلك نجد أن معظم المشاركين ليسوا من كُتاب المسرح المعتمد على العامية ولكنهم  شعراء الفصحى، و معظم الحاصلين على الجوائز في مصر و الوطن العربي ستجدهم من شعراء الفصحى،لأنها شرطا أساسيا  للتسابق ، فيما عدا ذلك فالكثير منهم لا يشارك في الكتابة المسرحية بشكل حقيقي، ليس مهموما بالكتابة المسرحية بقدر ما هو مهموما بالمشاركة في المسابقات والرغبة في الفوز ، وفي حال نجح أو لم ينجح فإنه لا يعيد التجربة مرة أخرى إلا إذا ظهرت مسابقة أخرى، أو رغب في المشاركة بنفس المسابقة مرة أخرى.. كثيرون منهم غير مهمومين بالكتابة المسرحية بشكل خاص بقدر همهم بالفوز. أضاف عبد الحميد: و لأن تلك النصوص في عزلة تامة عن الحياة المسرحية نفسها، وحيث أن في مصر تحديدا الممثلون لديهم فقر شديد في اللغة العربية الفصحى لذا يصعب اختيار أحد نصوص الفصحى إلا في حالات نادرة جدا،  من بين هذا النادر أن نجد عدد من الممثلين يتقنون اللغة العربية، وتلك مشكلة تواجه المخرجين والفرق، و على مستوى الطرح فما  تطرحه هذه النصوص يكاد يكون بعيدا عن الواقع المعاش، الذي يهتم به الناس، والذي هو الواقع نفسه الذي يهتم به الكاتب المسرحي المهموم بالكتابة المسرحية ،لا بفكرة طرحها للفوز.تابع : لدينا كتاب يكتبون بشكل جيد جدا يكاد يكون قريبا من مستوى كتابة الرواد من أمثال نعمان عاشور وصلاح عبد الصبور وسعد الله ونوس ونجيب سرور وغيرهم،  والتي كانت كتابة فارقة في زمانها تعلمنا منها،وسرنا على نهجها، ولكن كتاب اليوم يكتبون بما يتناسب مع الواقع المعاش ، مهمومين بفكرة الكتابة المسرحية وفكرة التجديد في الكتابة وطرح فكر مغاير، والحركة المسرحية بها عدد كبير من الكتاب،  إلا أن المخلصين للكتابة  والمجددين أقل بكثير ، ويمكن القول إن الأزمة أزمة عرض،  لأنه ليس  كل ما يكتب يتم عرضه ،  هناك الكثير من النصوص غير مطروحة لا على مستوى العرض ولا على مستوى النقد ، أيضا الحركة النقدية تمر بأزمة شديدة جدا ، وهي التي من شأنها أن تساهم في إظهار الكتاب والنصوص المسرحية الجيدة.
الفنان والمخرج المسرحي العماني د.طالب بن محمد البلوشي قال:  أعتقد أن وجود بعض المسابقات المسرحية عالية الدفع هي التي تتسارع فيها وتيرة الكتابة بشروط محكومة ،وهذه النصوص بالكاد لا تصلح للجمهور لأن مواصفاتها تنتهي عند تقديمها لتقييمها مؤسسيا لينجح نصا واحدا أو ثلاثة فقط ، ويكون ضمن الشروط أن تلك المؤسسة الوحيدة لها حق إنتاجها (ممكن) أو لا، قد أجهل هذه الشرط، ولكن بالشرط المؤسسي لا أعتقد أن هذا النص يندرج في حساب أن يكون جماهيريا، خصوصا والله أعلم أن هذه النصوص كتكلفة إنتاجية تكون عالية، ومنها للأسف نصوص للأطفال، لذلك فأنا أرى هذه النصوص خلقت للمسابقة فقط ، مع أن هناك نصوص بعيدة عن المسابقات لازالت طباعتها مستمرة من كتاب مجتهدين نستطيع أن ننتقيها ونسخرها للجمهور وقيمة إنتاجها جماهيريا سواء في المحتوى الأدبي أو التقني ،هناك كاتب مثل عبد الفتاح قلعجي رغم ظروف الحرب في سوريا ومصائب حلب لازال ينتج ونصوصه للأسف لا ترى النور ،وغيره في الخليج وتونس والمغرب والجزائر والأردن والكويت وحتى مصر ولبنان وكل أصقاع الوطن العربي لا أحد يبحث عنهم وإلا فإن النصوص الجماهيرية ستغطي عين الشمس، ناهيكم عن أن أغلب هذه النصوص تكتب من رحم الحياة التي نعيشها وقد تكون أيضا رقابات المؤسسات عدو لدود لها .
وأضاف طالب:  أما يحتاج إليه المؤلفون فمن خلال متابعتي وقراءتي، فالمسرحيين أصدقائي في الوطن العربي والمغتربين أيضا اقرأ عنهم وعن نشاطهم في التأليف، هؤلاء يحتاجون إلى من يهتم بهم لترى إبداعاتهم النور، نحن تنقصنا المؤسسات الأدبية في وطننا العربي للأسف وإن وجدت فكل يعمل بمنأى عن الآخر،وعندما نقول نص مصري ونص عماني ونص تونسي فذاك شيء من الفروقات الأدبية مع أنها كلها مكتوبة بالعربية لا تحتاج إلى تراجم مثل الإنجليزي والفرنسي رغم إن نصوص شكسبير وموليير لا وطن لها، وقد اشتغل على توطينها كل العالم من المسرحيين، المشكلة ليست في كم النصوص وإنما في البحث عن النصوص وإنتاجها.
وتابع: هناك مشكلة أخرى في وطننا العربي وهي أهلية الفرد أو المسرحي، يراهم يفتخرون بالنص الأجنبي والاشتغال عليه ومدارسه ، ويقللون من النص العربي وصورته ، ققدنا عروبتنا ففقدنا آدابنا ، لايجب أن ننسى إعلامنا في كل الوطن ولكن هل من مؤسسة عربية تهتم وتبحث وتفتش لتصنع مكتبة بعيدا عن المسابقات التي لم نر نصوصا و فائزيها على خشبة المسرح الجماهيري والقليل المستمر،هناك الهيئة العربية على موقعها نصوص كثيرة ولكن لا أحد يفتح الموقع ليشتغل على النصوص.
بينما قال الناقد العراقي د.رياض موسى سكران: مغريات المشاركة في المسابقات الخاصة بالكتابة, أكثر جذباً بالنسبة للكاتب المسرحي لأسباب نرجعها إلى جانبين, الجانب الأول وهو جانب معنوي، حيث إن الكاتب سيحظى بفرصة الاحتفاء به ضمن احتفالية تتويج الفائزين، والتي عادة ما تجري ضمن طقوس افتتاح أو ختام مهرجان ما وبحضور رسمي وجماهيري كبير, وسيحظى بتغطية إعلامية تسلط الضوء على حضوره ككاتب مسرحي, فضلاً عن طباعة وتوزيع النصوص المسرحية الفائزة بشكل يسهل على الكاتب فرصة النشر، أما الجانب الثاني فهو يتعلق بالمردود المالي, فيما لو تحصل نص الكاتب على إحدى جوائز المسابقة ،ويضاف إلى هذين الجانبين إن النص فيما لو حصل على أحدى الجوائز, فإن هذه الجائزة جاءت كشهادة على تميزه وإبداعه المنضبط وفق ضوابط الكتابة وشروطها المعرفية, كونه خضع إلى معايير إبداعية وتقييمية,حيث إن ترشيحه للجائزة جاء من قبل لجنة تشكلت من مؤلفين كبار ونقاد وأكاديميين من ذوي الخبرة والتجربة الكبيرة, وبالنتيجة فإنها عملية تسويق وترويج طالما بحث عنها الكاتب المسرحي, خصوصاً وإن نسبة كبيرة من المشاركين هم من جيل الشباب الذين يبحثون عن فرصة لإثبات قدراتهم، وهذا ما يدفع إلى التنافس في مثل هذه المسابقات.
وأضاف: أما عن سبب اختفاء النصوص الفائزة فلا شك في إن لكل مخرج مسرحي رؤيته الخاصة ومقارباته الفنية وصياغاته الجمالية التي تتشكل وفق مجساته الإبداعية,وهذه المجسات ربما لامست جوهر هذا النص أو ذاك, وتشابكت وتعالقت مع تشكلاته الأسلوبية وتفصيلاته الجمالية, بوصفه نصا يتوافق مع إيقاع الحياة والواقع الراهن من وجهة نظر المخرج, والذي سينتج عنه تفاعل الجمهور، وهذه هي رؤية المخرج الخاصة, ولا يمكن لأحد أن يفرض على المخرج قناعات غير التي آمن بها, وبالتالي فإن جميع النصوص ستكون مهيأة لتداخل واشتباك مع رؤية أي مخرج مسرحي, ربما الآن أو ربما مستقبلاً, ومنها النصوص الفائزة في المسابقات, ولا يوجد ما يحول دون دخولها الى فضاءات العرض المسرحي.
وتابع: النص المسرحي انعكاس لما يحدث في الواقع, بكل متغيراته وانعطافاته وتأثيراته المتباينة على المجتمع والفرد, وبالتالي فإن المؤلف المسرحي يسعى جاهداً لمحاكاة هذا الواقع وإعادة تشكيله, على وفق رؤية ناتجة عن قناعات خاصة،من هنا فإن طبيعة الأحداث ومتغيرات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية سيكون لها صدى في صوت الكاتب المسرحي المتمثل هنا في نصه, فضلاً عن ذلك فإن طبيعة تطور التكنولوجيا ونظم الاتصال في عالم متسارع, جعل نظرة المجتمع وطبيعة تعامله مع مجمل حقول الثقافة والفنون, ومنها فن المسرح, تعاملاً هامشياً أو كمالياً وترويحياً في أفضل حالاته, فبعد أن كان جمهور المسرح في السنوات الماضية متفاعلاً مع مجمل الحركات الفنية والتيارات الطليعية والمتغيرات الآيدولوجية, التي كانت تشكل إحدى أهم موجّهات الحياة ومتغيرات الواقع, فإنه اليوم لم يعد ينظر إلى المسرح تلك النظرة التي تجعله حاجة أساسية في بناء المنظومة الأيديولوجية والاجتماعية والذوقية للمجتمع والفرد، فمثلاً ظهور كاتب مثل (توفيق الحكيم) في مطلع القرن العشرين جاء متزامناً مع مرحلة نهوض المجتمع المصري والثورة المصرية سنة 1919 التي ألهبت مشاعر الشعب وعواطفه, وبدأ بالخروج من حالة الركود والاستسلام الى مواجهة الظلم والإستعباد, فتولدت لدى الحكيم تلك الروح الوطنية الجديدة والحس القومي الذي نتج عنه دعوة الحكيم, من خلال مجمل نصوصه المسرحية, إلى حرية الفكر والانفتاح على الآخر, وإن الدين لا يتقاطع مع الانفتاح الإنساني, وهو يؤكد على إن الدين والفن يرفعان الإنسان إلى العالم العلوي, فالأنبياء والفنانون رسُل الحقيقة في الوجود، ومثل هذه الدعوات وجدت تفاعلاً من قبل أغلب طبقات المجتمع المتعطش لذلك الانفتاح, فالموضوعات التي كان يتصدى لها الكاتب المسرحي كانت جزءاً أساسياً من حاجة المجتمع الباحث عن وجوده،  أما اليوم فالعالم أصبح قرية صغيرة وسلب  كل خصوصيات المجتمعات, فضلاً عن الشعور الجمعي لأغلب المجتمعات واصابها باللاجدوى واليأس من هذا العالم الذي فقد قيمه الروحية, وصار الإنسان مجرد رقماً في معادلات الاقتصاد العالمي وسوق المال, وتضاءل أمام عجلة التكنولوجيا التي سحقت كيانه ووجوده الذي كان مؤسساً على قيم روحية, وهو يرى ويلمس إن هذه القيم قد اضمحلت وتلاشت, ومع هذا الشعور الذي تولد لدى الفرد, لا يمكن للكاتب المسرحي بعد ذلك أن يقنعه المتلقي بسهولة بأن (اللعبة) المسرحية ستؤثر في هذا الواقع أو تعيد إنتاجه أو تصحح أخطاءه, فالمشكلة لا تكمن في نقص أو خلل في قدرة المؤلفين, وإنما في حجم المتغيرات الكونية الهائلة والمتسارعة التي أربكت قناعات المجتمع وثقافة التلقي التي تستلزم منا مراجعة وصياغة جديدة ، ووفقاً لذلك فإن الكاتب المسرحي اليوم, بوصفه شاهد عصره, فإنه يقرأ الواقع ويتفاعل فيه ومعه, ويتحسس إشكالياته وقضاياه, ويعيد صياغتها بإمكانات وقدرات وقناعات تتفاوت من كاتب إلى آخر, وهذه القناعات تختلف وتتباين حتماً عن ثقافة مجتمع الستينيات أو إشكاليات السبعينيات أو تحولات التسعينيات أو أزمات الألفية الجديدة، فالكتابة اليوم هي استمرار لحقيقة كونها انعكاسا للواقع الراهن,وهي تحاول جاهدة توجيه بوصلة الحياة الاجتماعية,أو على الأقل اللحاق بحاجات المجتمع المتسارعة وإشكالياته المستمرة وقناعاته المتحولة وثقافته المتجددة, ومتغيراته التي لن تتوقف عند نقطة محددة.
أما الكاتب والمخرج المسرحي الأردني حكيم حرب فأشار إلى أن ليست النصوص المسرحية هي التي لا تقدم للجمهور بل للمسابقات فحسب، إنما المسرح كله كفن أصبح لا يراد له إلا أن يكون فناً “مناسباتياً” يقتصر على العاملين فيه فحسب،وعلى المسابقات والجوائز، وذلك لأنه وللأسف الشديد لم يعد المطلوب من المسرح في زمننا إلا أن يكون ظاهرة كرنفالية غير مؤثرة في ثقافة الناس وطرق تفكيرهم ولا تساهم في الارتقاء بوعيهم المعرفي وذائقتهم الجمالية، بل مجرد وسيلة ترفيهية وظاهرة سياحية وفرصة لالتقاط الصور وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والآن وبعد الكورونا سيتعزز ذلك السلوك أكثر، على قاعدة الوقاية والتباعد الاجتماعي وعدم التجمع والاختلاط وترك مسافة بين الأشخاص حفاظاً على صحة البشر، وشيئاً فشيئاً سيصبح كل ما من شأنه توحيد وتجميع الناس مرفوضاً من الناحية الصحية والاجتماعية والأخلاقية والحضارية، وسيعيش الناس في جزر معزولة فيصبح من السهل قيادتهم كالقطيع .
وأضاف “حرب” : أما عن سبب عدم كتابة نصوص بحجم نصوص توفيق الحكيم وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي وسعد الله ونوس وغيرهم؛ فسبب ذلك هو أننا لا نعيش في زمنهم، زمن الاعتبار والتقدير للمسرح والرؤية والشعر والموسيقى والسينما والفن التشكيلي والأوبرا والباليه، فالمشكلة ليست بالنصوص المسرحية فحسب، المشكلة ثقافية وجمالية وتنويرية وأخلاقية وإنسانية بشكل عام، فنحن في زمن الرأسمالية المتوحشة التي لا تقيم وزناً لهذه المعايير الأخلاقية، بل للدولار وبرميل النفط وصواريخ الكروز والباتريوت وأسلحة الدمار الشامل والكورونا التي لم تكشف خفاياها بعد، وعلى الزمن أن يتغير وتتغير معه القوى التي تتحكم في العالم وتقوده سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً ودينياً وثقافياً، لكي يتغير حال المسرح الذي لا يمكن فصله عن كل ما يحدث في العالم اليوم من رعب وجنون وهستيريا، لا تتناغم مع أخلاقيات المسرح بشكل خاص والفن والثقافة بشكل عام .
 الكاتب المسرحي العراقي علي عبد النبي الزيدي قال إن الكتابة للمسرح كما يؤمن بها هي مشروع، تجربة ، لن تخرج عن هذا السياق، أي أن الكاتب المسرحي يذهب باتجاه أن يحقق هذا المشروع بنصوص متعددة، بعيدا عن أي مؤثر آخر، ومنها المسابقات المسرحية التي هي أساسا ليست سوى شيء ثانوي في حياة الكاتب،أو هكذا يفترض، ومشاركته في أي جائزة للتأليف تأتي ضمن أن يخوض تجربة المشاركة وعرض النص على الخبير، وليست هي الأساس، أو الهدف الأول والأخير، لأن المسابقات تتلاشى وينتهي بريقها الذي يبقى هو صاحب المشروع المتواصل المؤمن بالقضايا التي يطرحها، ويسجل موقفه من الحياة والمجتمع والسلطة، ويكون قريبا من أحلام وهموم الناس البسطاء.
وأضاف “الزيدي” : ونحن نرى أن أغلب النصوص التي تفوز بمسابقة هنا أو هناك، لا نجدها كعرض مسرحي وهو الأصل، بل تظل في رفوف مكتبة الكاتب وينتهي الأمر إلا بحدود نادرة، وهذا دليل كما أشرت إلى أن الكتابة للمسرح وسواها تنطلق من إيمان الكاتب بتجربته، غير ذلك أرى أنها كتابة غير ذات جدوى أو هدف سام على الإطلاق.
وشارك بالرأي سامي زهراني رئيس فرقة مسرح الطائف قائلا:  لا أعتقد أن النصوص أصبحت تكتب لأجل المسابقات، وأن أغلب المؤلفين للنص المسرحي والمشهود لهم مسرحياً يكتبون من أجل إيصال أفكارهم ورؤاهم للجمهور ومن أجل إيقاظ الوعي الجمعي من خلال الدلالات، والرسائل، والرموز الموجودة داخل النص والتي يتوجب إيصالها للجمهور بطريقة ممتعة وشيقة.
أما عن سبب عدم الاستعانة بالنصوص الفائزة في المسابقات فقال”زهراني “:  أحمل المسئولية للجهات المنظمة لهذه المسابقات ، من المفترض أن تكفل حق إنتاج هذه النصوص الفائزة لأن الهدف الأسمى لكل كتاب المسرح أن يرى كل الشخوص التي كتبها حية وتتحرك على الخشبة ،وأن يتم الاهتمام بها وتقديمها بطريقة مبدعة من خلال مخرج متمكن وممثل مميز، أعتقد انه إذا خُير الكاتب المسرحي الحقيقي مابين إنتاج عمله أو الفوز بالمسابقة سيختار الإنتاج ،لأن هذا هو هدفه الرئيسي الذي يرغب في تحقيقه عندما كتب النص.
أما عما يحتاج إليه المؤلفون ليكتبوا نصوصا جيدة كالتي كتبها جيل الرواد في الوطن العربي ،فقال إنه : الصدق في الكتابة واختيار الأفكار المناسبة الشيقة التي تناسب المجتمع، كما يجب ان يهتم الكاتب بكل عناصر الكتابة والبناء الدرامي ويشبعها نحتاً وإبداعاً، حيث الكتابة المسرحية تحتاج الى عمق وأحداث تعزز الاتصال مابين الجمهور وخشبة المسرح وتحافظ على تحفيز الخيال لدى الجمهور للدخول في اللعبة المسرحية الشيقة، مشيرا إلى أن هناك العديد من الكتاب العرب في وقتنا الحالي لديهم هذا الحس الكتابي المميز.
أما الكاتب المسرحي العراقي عمار نعمة جابر فقال:  نعرف جيدا أن النص المسرحي هو الجنس الأدبي الوحيد الذي لا يكتب إلا من أجل أن يقدم على هيئة عرض مسرحي ،في مكان وزمان محدد،أمام جمهور محدد، ولكن هذا النص تحرك باتجاه كونه نتاج مقروء بعد مئات السنين من ولادة هذا الفن الخالد، وكان اكتشاف الطباعة سببا رئيسيا في ذلك، الأمر الذي اعتبر نقلة في أهداف كتابة النص المسرحي ، وتحوله عن هدفه الرئيسي إلى هدف ثانوي آخر. أضاف:  واليوم ونحن في خضم الانفجار الإلكتروني العالمي،ربما يبدو أن النص المسرحي تحول إلى جنس أدبي أكثر من كونه نص لإنتاج عمل فني ، ناهيك عن صعوبة وتعقيد الظروف التي يشترطها تقديم العرض المسرحي، وغياب الفرق المسرحية والمؤسسات التي ترعى النشاط المسرحي ،ولكن ليس هناك كاتب مسرح حقيقي يكتب نصا مسرحيا فقط لغرض المشاركة في المسابقات، فكاتب النص المسرحي ملتزم تماما بقاعدة الكتابة من أجل التقديم على الخشبة أولا، نعم،لا يمكننا أن نحجر على حريته في مشاركة نصوصه في المسابقات! لكن طبيعة النص المسرحي واشتراطاته الفنية لا تهب نفسها لأنصاف الكتاب،والطارئين في هذا الفن الأدبي المعقد والصعب.
أما عن عدم حضور معظم النصوص الفائزة عن خشبة المسرح فقال “جابر” : من خلال تجربتي الشخصية في كتابة أكثر من ثمانين نص مسرحي ،وإصدار عشرة كتب في النص المسرحي ، وفوزي في الكثير من الجوائز العربية الكبيرة، مثل الهيئة العربية للمسرح 2010 ، وجائزة دبي الثقافية 2011 ،و في المقابل هناك أكثر من ستين عرضا مسرحي اعتمدوا على نصوصي المكتوبة، فمسرحية” قاع” التي فازت مؤخرا في الهيئة العالمية للمسرح “الاورودرام “ 2020 ، قدمت أكثر من أربعة عشر مرة، في عشرة دول عربية،على يد مخرجيين مختلفين.
أما عما ينقص المؤلفون لكتابة نصوص جيدة مثل نصوص توفيق الحكيم أو سعد الله ونوس فأشار”نعمه” إلى أن هذه الأسماء هم رواد في كتابة النص المسرحي العربي ، وشكلوا قاعدة أساسية لتطور وتقدم النص المسرحي فيما بعد ، وانهم مدارس كبيرة تم تشكيلها بتجربتهم الخاصة الغنية، وبدعم كامل من المؤسسات الفنية العربية ، فاستطاعوا التحول من كتاب إلى ظواهر مسرحية يقتدى بها في جميع أنحاء الوطن العربي، ولكن ما يقدمه كتاب المسرح من أجيال الألفية الثانية لا يمكن أن يقلل من شأنه، حيث  استطاع هؤلاء تطوير النص المسرحي وآلياته في الكتابة، وتقديم نصا مكتملا فنيا وجماليا،عبر بسرعة باتجاه المسارح المختلفة وترجم إلى لغات متعددة و لامس هموم الفرد العربي، ونبع من داخل المجتمع الحاضر، ولم يستنسخ تجارب غربية أو كتابات عالمية كما فعلت الأجيال السابقة ! وأشار إلى  كتاب نصوص استطاعوا تقديم موضوعات إبداعية كبيرة نابعة من حضن المجتمع العربي،بأساليب وآليات مبتكرة وقادرة على تطويع النص المسرحي ليقترب من الجمهور جميعا، وليس النخبة فقط،  كما  استطاع كتاب الألفية الثانية تجاوز تجارب الرواد بمراحل كبيرة، لذا يمكننا أن نشاهد انحسار أسماء الرواد عن  صالات العرض المسرحي، وبروز أسماء عربية جديدة تمتاز بالوعي المتقدم بماهية النص المسرحي وبدوره الكبير.
فيما تساءل المسرحي هزاع البراري أمين عام وزارة الثقافة الأردنية: هل تخلى الكاتب أو النص عن ريادته طوعاً؟ أم إن ما يحدث هو تطور طبيعي لابد منه؟  وأجاب: لاشك أن التطور _ أي تطور _ يفرض واقعا ما، لكن هل ما يحدث خاصة في جوانبه الفجة، هو تطور طبيعي فرضه إيقاع العصر وتقنياته المذهلة، أم إن أموراً ومدخلاتٍ أخرى ساهمت في انزياح الأمر بهذا الشكل غير المتزن أحياناً؟ تابع: ربما كان لتعدد المهرجانات المسرحية، والتنافس على المشاركة فيها، ونيل الجوائز في هذه المهرجانات، دور في التنافس على إجتراح الأشكال الجديدة، وتوظيف أوسع للتقنيات، الذي وسع أيضاً ظاهرة الاستكتاب، ولكنها كتابة متفق عليها وموصى بمواصفاتها، فيكون الكاتب فيها كاتباً منفذا، وليس مبدع النص منذ الفكرة وحتى الشكل النهائي، ولعل مرد ذلك أن الصورة تكون شبه واضحة في ذهن المخرج والسينوغراف، والمطلوب نص يشرعن وجود هذه الصورة وهذه التقنيات، وليس العكس، أن يأتي النص حراً ومكتملاً، وهو من يفرض شكل هذه الصورة البصرية ومساحتها.
وأضاف “البراري”: شكلت رغبة الكاتب المسرحي بالبقاء حياً دفعاً آخر لتكريس هذه الحالة، فقد أفسح مسرح الصورة المجال للمخرج أن يعد نصه بنفسه، أو يستعين هذا المخرج بفريقه لإعداد النص من لا شيء دون مؤلف أصيل، أو مستوحى من نصوص عالمية تسمح له الذهاب بها بأي اتجاه يريد، تتراجع فيه الكلمة والفعل الدرامي لصالح الصورة التي تصنعها غالباً السينوغرافيا، حتى إن الممثل تحول لجزء من هذه السينوغرافيا ليكون في حركته محكوماً لها وفي خدمتها وليس العكس.
وأشار إلى أن  مجموعة العوامل السابقة، بالإضافة إلى دخول كثير من تقنيات السينما، وبعض تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي، وتغير مزاج المتلقي وآليات التلقي، يضع الكاتب أمام تحدٍ جديد في بناء نص مطواع قادر على استيعاب كل هذه المعطيات، وأن يؤسس لها في نصه، لتكون فضاءً رحباً للمخرج والسينوغراف وباقي عناصر العمل، مع ضرورة إدراك المخرج لدور الكاتب كمنشئ للفكرة والنص، وأن تبقى العلاقة بينهما قائمة على حفظ المساحات، وعدم تماهي أحدهما في اشتراطات الطرف الآخر بشكل مخل بركائز هذه العلاقة.مؤكدا على أنه لا بد من التأكيد على أن الكتابة حسب الطلب، لا تقف عند الموضوع أو المضمون، بل تصل إلى شكل النص، وطريقة بناء المشاهد، ومن ثم يصبح الكاتب منتجاً لنص العرض أو قريباً جداً من ذلك، ورغم ما في ذلك من ميزات تساعد المخرج وفريق العمل، بقدر خطورتها المتمثلة في إفقاد النص المسرحي جمالياته الأدبية، حتى يكاد يخسر مكانته الأدبية _ الشكسبيرية _ وهي برأيي خسارة كبيرة، وتضيق مساحة الاشتغال على النص من قبل أكثر من مخرج في أوقات لاحقة، فالنص الأدبي يعطي لكل مخرج مساحته الخاصة، التي يستنبطها من داخل النص المسرحي الأدبي، وهذا ما يبقي مئات النصوص المسرحية حية حتى اليوم، ومازالت مؤهلة للبقاء في متناول الرؤى الإخراجية لعقود قادمة قد تطول أكثر مما نعتقد.


روفيدة خليفة