التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر(9) نشاط المعهد في أول أعوامه

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر(9) نشاط المعهد في أول أعوامه

العدد 659 صدر بتاريخ 13أبريل2020

قرأنا في المقالة السابقة عن الأزمة الكبيرة التي حدثت، بسبب زيارة الشيخ محمود أبو العيون لمعهد فن التمثيل، وما نتج عن هذه الزيارة من معركة كلامية طاحنة في أغلب الصحف الصادرة في ذلك الوقت، وما أثير حول المقرر الدراسي “الرقص التوقيعي” .. إلخ. وعلى الرغم من سخونة المعركة، إلا أن وطأتها خفت بعض الشيء، لذلك انتعش المعهد انتعاشاً كبيراً، وسار في طريقه بصورة طبيعية!!
امتحان نصف السنة
من الأمور الطبيعية، قيام إدارة المعهد بتحديد موعد امتحان نصف السنة، والذي سيعقد أيام 23 و24 و25 فبراير – بعد أجازة العيد – وسيكون الامتحان وفقاً لما نشرته مجلة الصباح في فبراير 1931، هكذا: يوم 23 لامتحان حرفية المسرح تحريري من العاشرة صباحاً، وشفوي من الخامسة مساء، والممتحن الأستاذ زكي طليمات فقط. وفي يومي 24 و25 من العاشرة صباحاً إلى الثانية بعد الظهر لامتحان مقرري الأدب التمثيلي والأدب العام، والممتحن الدكتور طه حسين. ومن الخامسة إلى التاسعة مساء، لامتحان الإلقاء. أما مقررات: الرقص التوقيعي، والألعاب الرياضية، والسولفيج، وحمل السلاح، فلا يمتحن فيها الطلبة في امتحان نصف السنة؛ لأنها مقررات غير أساسية، وسيمتحن فيها الطلبة في امتحان آخر السنة. وتكونت لجنة الامتحانات من: محمد بك العشماوي سكرتير وزارة المعارف ورئيس لجنة مراقبة الفرق التمثيلية رئيساً، وإسماعيل بك شيرين، والدكتور طه حسين، والأستاذ زكي طليمات، والأستاذ جورج أبيض أعضاء.
بعد الامتحان، أوضحت مجلة المصور – في مارس – أن إدارة المعهد، أرادت من إجراء الامتحان الوقوف على قدرات الطلبة الفنية، ومدى تجاوبهم مع الدراسة وأسلوب المعهد. كما أشارت المجلة أيضاً إلى أن امتحان نصف السنة، لا أثر له على نجاح الطالب في نهاية العام؛ حيث إن الامتحان الأهم، هو امتحان آخر السنة. وفي عدد آخر، أعلنت المجلة نتيجة هذا الامتحان، قائلة: ننشر نتيجة امتحان نصف السنة لطلبة معهد فن التمثيل الحكومي، وهي على الترتيب الآتي: يوسف فهمي حلمي (الأول)، محمد أحمد شاكر (الثاني)، إبراهيم عز الدين (الثالث)، محمد أحمد الغزاوي (الرابع)، عبد الفتاح عزو (الخامس)، حسني عبد الله (السادس)، عبد الفتاح حسن (السابع)، ونال محمد عبد القدوس آخر درجة في الترتيب ....... ونجحت من الطالبات روحية محمد علي خالد، وقد كان ترتيبها الأولى، فالسيدة منيرة هيكل وترتيبها الثانية، وزوزو حمدي الحكيم وترتيبها الثالثة، ورفيعة سيد الشال وترتيبها الرابعة، وإحسان الشريعي وترتيبها الخامسة.
فترة تألق تاريخية
في هذا العام الدراسي الأول، شهد المعهد تألقاً كبيراً، وأصبح معلماً مصرياً مسرحياً كبيراً!! فقد زاره أفراد فرقة الكوميدي فرانسيز، التي كانت تعرض مسرحياتها في مسرح الكورسال، “فأطلعهم مدير المعهد على نظام الدراسة وموادها، وعلى ما تبذله وزارة المعارف في سبيل ترقية المسرح المصري. ثم شهدوا درساً في الإلقاء وحرفية المسرح للأستاذ زكي طليمات، ومثّل أمامهم بعض الطلبة قطعاً تمثيلية، نالت استحساناً عاماً، وأثنوا على الطالب يوسف فهمي حلمي، وقد مثّل مشهداً من رواية عطيل، وانصرفوا معجبين بنظام الدراسة في هذا المعهد والقائمين بأمره” .. هكذا قالت جريدة المقطم في منتصف فبراير 1931.
ومن أهم الزيارات التي تمت لهذا المعهد، زيارة صاحب الدولة نوري السعيد باشا رئيس وزراء العراق، مع وفد عراقي رفيع المستوى. والصورة المرفقة – والمنشورة أصلاً في مجلة المصور – وبها نوري السعيد مع الوفد العراقي، ومعهم إدارة المعهد وأعضاء هيئة التدريس، وجميع الطلاب والطالبات. هذه الصورة للأسف الشديد لم أجد شرحاً لها!! فهل نوري السعيد، كان يزور مصر زيارة رسمية، أم مرّ عليها أثناء سفرياته الكثيرة في هذه الفترة!! وهل زيارته للمعهد كان مخطط لها كي يطلع على المعهد ونظامه!! أم جاءت الزيارة للاطمئنان على الطالب العراقي، الذي يدرس المسرح داخل المعهد؟! كل هذه الأسئلة، ربما تظهر الإجابة عليها مستقبلاً في مصر أو في العراق، لمن يبحث في مذكرات نوري السعيد، أو فيما كتب عن زيارته لمصر عام 1931. ومهما كانت نتيجة البحث، فالحقيقة الثابتة تقول إنه زار معهد التمثيل والتقط الصورة مع جميع من في المعهد، والصورة مأخوذة من داخل قاعة المحاضرات!!
أول تمثيل للطالبات
حتى الآن لم نسمع بأن طالبات المعهد قاموا بأداء أي مشهد تمثيلي أمام الجمهور، ولا أظن المطلوب منهن الظهور أمام الجمهور في الشهور الأولى من أول عام دراسي!! وربما أرادت الوزارة وإدارة المعهد أن ترد عملياً على المتشددين - الرافضين لتعلم الفتاة التمثيل – بأنها تجعل الطالبات يمثلن وأمام الجمهور، وداخل الجامعة؛ بوصفهن طالبات يدرسن في معهد يتبع وزارة المعارف، مثله مثل أي مؤسسة تعليمية جامعية!! ولأهمية هذا الحدث، نقلت تفاصيله جريدة المقطم في أواخر إبريل 1931، تحت عنوان (معهد فن التمثيل في كلية الآداب)، قائلة:
“... أقامت كلية الآداب حفلة تمثيلية شائقة في مساء الخميس، حضرها صاحب المعالي وزير المعارف، والأستاذ محمد العشماوي بك السكرتير العام، والأساتذة صادق جوهر بك السكرتير العام للجامعة، وعوض إبراهيم بك مراقب التعليم الثانوي، وكبار رجال المعارف، وجناب المسيو لاكر مدير مصلحة الآثار، وغيره من الأجانب. وكان يستقبل الجميع الدكتور طه حسين عميد الكلية، ومثلت فرقة التمثيل العربي للكلية الفصل الأول من رواية (السيد) باللغة العربية، واشترك معهم في ذلك بعض طالبات معهد فن التمثيل، فكان للرواية مظهر خاص فالأول مرة مثلت طالبات المعهد على المسرح، وقوبل ظهورهن بتصفيق شديد. ومثل هذا الفصل بإتقان فنال استحسان معالي وزير المعارف، وصفق له الحاضرون. فكانت الآنسة (روحية محمد علي خالد) في دور (بنت الملك)، موضع حديث المتفرجين. فقد أجادت في دورها إجادة غير منتظرة من ممثلة طالبة. وكذلك مثلت باقي الآنسات رفيعة الشال، وزوزو حمدي الحكيم، ومنيرة هيكل فإنهن مثلن أدوارهن خير تمثيل، واثبتن كفاية محمودة. وأبلغ الأستاذ العشماوي بك الأستاذ زكي طليمات إعجاب الوزير بمجهود الطالبات اللواتي اشتركن في الحفلة، فقابلت الطالبات هذا العطف الأبوي الكريم بمزيد من الغبطة والامتنان. ولأول مرة شاهدنا مظهراً من مظاهر عناية الأستاذ زكي طليمات في إخراج هذه الرواية، وهو مظهر باهر من مظاهر الفن الأصيل، يبشر بأننا سنلقى فناً جديداً يكون مطلعه معهد التمثيل، بمنطق سليم، ومهارة كثيرة. ثم مثل الطلبة رواية (دكتور فوست) بالإنكليزية، فرواية (جرنجوار) بالفرنسية، فحازوا استحسان الجمهور. ثم كانت حفلة الشاي وانصرف الجميع وهم يذكرون لحضرة الدكتور طه حسين عميد الكلية عنايته بنشر فن التمثيل وإحيائه بين الطلبة”.
الفرقة الحكومية مستقبلاً
إيمان زكي طليمات بمعهده وطلابه، جعله أساساً لمستقبل الحركة المسرحية المصرية، وسجل هذا في تقرير رسمي، قدمه في مارس 1931 إلى لجنة سياسة التعليم العام؛ بوصفه السكرتير الفني لمعهد فن التمثيل. فعلي سبيل المثال، تحدث طليمات عن ضرورة تكوين الفرقة الحكومية المصرية، لأنها ستتكون من خريجي المعهد ومن غيرهم من الممارسين، وسوف تحتذي الأمر نفسه بقية الفرق المسرحية. وفي موضع آخر من التقرير، قال صراحة: “ تؤلف فرقة التمثيل الحكومية من كل نابه ونابهة من الممثلات والممثلين العاملين، والذين سبق لهم الاشتغال بالمسرح وعرف عنهم التفوق. كذلك تستكمل هذه الفرقة عناصر تكوينها من متخرجي (معهد فن التمثيل)، الذي يجب أن ينشأ إلى جانبها، وتسير هذه الفرقة وفق نظام محكم تقوم بوضعه الوزارة يكفل للفرقة الجديدة أن تعمل على وجه صحيح، وطبق خطة مثمرة وتمدها الحكومة بالإعانة المالية وتخصها بالرعاية كما هو الحال في فرنسا ورومانيا وغيرها من الممالك الأوروبية”. وفي موضع ثالث من التقرير، قال: “... ستأتي المنافسة الحقة المجدية بعد سنوات قليلة حينما يتخرج من (معهد التمثيل) عدد من نوابه الممثلين والممثلات، يزيد عن حاجة الفرقة الحكومية، فيعمد الباقي والمستحدث إلى تأليف الجوقات المختلفة، التي ستجد في نباهة رجالها الجدد ووفرة علمهم ما تنافس به (الفرقة الحكومية)”.
تألق الطالبات، وتألق الطلاب في كتابة بعض الموضوعات، ونشرها في بعض الصحف، جعل ممثلاً محترفاً، يكتب كلمة هجومية موجهة إلى طلاب المعهد – نشرتها مجلة الصباح - قلل فيها من أهمية دراسة التمثيل في المعهد، محبذاً دراسته بصورة عملية على خشبة المسرح، قائلاً في ذلك: “... دعوني يا أبنائي أصارحكم في لين وهوادة، أن فكرة المعهد لم تخلق من أجلكم، وإنما من أجل القائمين به. ولم توضعوا فيه إلا لإتمام الفكرة وإنهاء الصفقة. ولو مدّ الله في آجالنا لرأيتم بأعينكم صدق نظريتي. وهب يمكنكم يا طلاب الصدفة، وممثلي القدر، أن تبلغوا ما بلغه الممثلون العاملون الآن في الفرق؟ وهل يمكنكم بعد الدرس الطويل، أن تبلغوا ما بلغوه من الشهرة والقدم الثابت في المسرح! ثقوا أن الأستاذ هو المسرح، والمعلم الوحيد هو المسرح، ولا يمكن لأحدكم أن يكون ممثلاً، إلا بعد أن يعفر وجهه الغض من تراب المسرح. وإني أقسم لكم قسماً حقاً إنه دارت بيني وبين الأستاذ جورج أبيض في يوم من الأيام مناقشة طويلة عن المعهد، وما عسى أن يكون له من الأثر الطيب، فكان ختام قوله كما يأتي بالحرف الواحد: (إن المعهد هو المرسح والرجل الثابتة عليه). هذه شهادة أستاذ عظيم عرك الدهر وخدم الفن السنين الطوال، كما أزيدكم علماً بأن التمثيل إنما هو سليقة، تخلق مع الشخص؛ ولكنها تتطلب التهذيب والإصلاح”.
المستقبل السعيد
كل ما سبق، يعكس نجاحاً كبيراً لتجربة المعهد في سنته الأولى، والتي لم تنته، مما جعل الوزارة تفكر في دعم التجربة وتوسيعها، ومنحها كل مقومات النجاح. فقد أعلنت جريدة الدفاع الوطني – في أبريل 1931 – أن مجلس إدارة المعهد، قرر اختيار أعضاء هيئة تدريس المعهد للعام المقبل، وتشكيل لجنة لقبول المستجدين، وترشيح أحد طلبة المعهد لبعثة التمثيل، وتشكيل لجنة من أعضاء المجلس لوضع مشروع اللائحة التأسيسية والداخلية للمعهد. وبمناسبة اللائحة، قالت مجلة الصباح بعد شهرين: “رفع مجلس إدارة معهد فن التمثيل إلى وزارة المعارف مشروع اللائحة الأساسية للمعهد، وذلك للموافقة عليه وإقراره، توطئة العمل بها ابتداء من السنة الدراسية القادمة. وقد نصت اللائحة على جعل مدة الدراسة ثلاث سنوات، ونصت أيضاً على جعل سن الطالب عند انتسابه 15 سنة، ولا يزيد على 25 سنة”.
ونشرت مجلة المصور في مايو 1931، خبراً يفيد بأن الحكومة لاحظت أن مقر المعهد، وهو سراي موصيري، صغيرة وغير صالحة لاستمرار، “ فوقع اختيار وزارة المعارف على سراي متسعة الأرجاء، متينة البناء، في شارع شامبليون قرب ميدان الإسماعيلية، ووقعت عقد إيجارها، وقررت نقل المعهد إليها. وسيتم ذلك عقب انتهاء الاختبار السنوي الأخير للطلبة في منتصف شهر مايو”. ووصل الطموح عند الطلاب إلى المطالبة براتب شهري – أربعة جنيهات – أسوة بالطالبات!!
مقالة موضوعية
هذه النظرة المستقبلية للمعهد، جعلت ناقد جريدة المساء، يوجه كلمة موضوعية متوازنة حول المعهد بما له وما عليه، مع وضع الحلول المناسبة لبعض الأمور، التي يستغلها الآخرون من أجل الهجوم على المعهد ومقرراته وأساتذته، لذلك يقول الناقد:
“ ... كنا وما زلنا من أشد المؤازرين لمعهد فن التمثيل، الذي افتتحته وزارة المعارف رسمياً هذا العام، ووفقاً للمشروع الذي قدمه الأستاذ زكي طليمات عضو البعثة الفنية. وقد حمدنا للوزارة هذه الخطوة في حينها، وقلنا إنها يد بيضاء تسديها للمسرح المصري، وتدخل فعال في شؤونه، لا بد أن يثمر ثمرته المرجوة، وسيكون لنا بعد سنوات قليلة نخبة من الشبان والآنسات. نستطيع أن نعتمد على كفاءاتهم ودراساتهم في انتشال مسرحنا من الهوة التي يتردى في جانبها. وقام البعض يهاجم المعهد، وهو في مهده فكانوا أحد فريقين: فريق مؤلف من مديري الفرق الذين هاجموه علانية، أو أوعزوا إلى من يلوذ بهم من حثالة الكُتّاب فهاجموه بالنيابة. وفريق آخر جاهل دعي لم يدر من نظم المعهد، ولا من دراساته شيئاً، فقام يستتر في أردان الفضيلة، ويجر وراءه ذيول الدين، والفضيلة والدين لا يعرفانه ولا يعرفهما. فتلاشت تلك الضجة المصطنعة، ولم يبق إلا المعهد قائماً يشهد لعضو البعثة بأصالة رأيه، وأنه كان على حق فيما أرتأه. ولكن مؤازرتنا للمعهد وللقائمين بالأمر فيه لا يمنعنا من أن ندلي من حين إلى آخر ببعض ما يعن لنا من الملاحظات، فمثلاً برنامج المعهد تدريب الطلبة على الرقص التوقيعي، إذ أن هذا يساعدهم على تنظيم خطاهم وتهذيب حركاتهم على المسرح، ولكن يظهر أن بعض الناس لم يستسيغوا كلمة (رقص)، ولم يفهموا معناها فهماً على حقيقته، فراحوا يهاجمون المعهد من هذه الناحية. ولم يفهم الجمهور إلا أن من بين دروس المعهد تعليم الرقص وأي رقص؟ رقص تشترك فيه الفتيات والشبان!! وزلزلت الأرض زلزالها، فهل (الرقص التوقيعي) يقتضي كل هذه الضجة؟ إننا مع اعترافنا بأهميته وأنه من المبادئ الأولية التي يجب أن يتلقاها الطلبة، إلا أن ذلك يصح متى كان درس هذا الفن من الخبراء الملمين بدقائقه، والثقات الذين يعتمد عليهم في تدريب الطلبة عليه. وما نظن أن السيدة منيرة صبري مدرسة الرقص التوقيعي في المعهد، تدري عن حقيقة هذا الضرب من الرقص الفني، أكثر مما تدري عن غيره من ضروب الرقص الفنية المتعددة، فلو أن مدرس هذا العلم كان من الخبيرين به، لتحملنا هذه الهجمات على المعهد من وراء هذا الرقص بنفس مطمئنة. فيجب أن تعهد وزارة المعارف إلى خبير ثقة مهمته درس الرقص التوقيعي. أو أن تلغيه من برنامج المعهد. ولسنا ندري كيف يسكت الأستاذ زكي طليمات على هذه المهزلة، التي تمثل أمام عينه وعلى مشهد منه كل يوم؟ إنه طبعاً أدرى الناس بهذا الرقص التوقيعي، وقد رآه واختبره بنفسه في باريس اُثناء دراسته الفنية. وهو يرى ويختبر كل ما تلقيه السيدة منيرة صبري على الطلبة باسم الرقص التوقيعي، والرقص التوقيعي بريء منه. إننا نعلم أن الأستاذ طليمات هو المسئول الأول عن المعهد. فهو واضع مشروعه وهو الذي يلقي فيه العلوم المسرحية الأساسية، وهو من دون بقية المدرسين الوحيد الذي درس علوم المسرح دراسة علمية منتظمة، فيجب من هذه الناحية أن يكون عين الوزارة الساهرة، وألا يسمح بمثل هذه المهزلة. وعلى ذكر المعهد نقول إن امتحان نصف السنة، تم من أيام وتلقينا شكاوى عديدة من الطرق التي أتبعت في امتحان الطلبة، وتدخل بعض الأساتذة في غير فروعهم، التي يدرسونها. من ذلك أن الامتحان عهد به إلى لجنة تألفت من العشماوي بك سكرتير وزارة المعارف العام، والأستاذ إبراهيم رمزي الكاتب المسرحي المعروف، والدكتور طه حسين، والأستاذين زكي طليمات وجورج أبيض مدرسي فن الإلقاء بالمعهد. وفيما عدا الإلقاء، امتحن كل أستاذ طلبته في فرعه الذي يدرسه، وما ندري لما كان كل هذا العناء، فلقد أنتج عكس ما كان أصحاب هذه الفكرة ينتظرون. ولا نفهم لماذا لا يعهد إلى الأستاذ طليمات بامتحان الطلبة في الإلقاء، ولينضم إليه الأستاذ أبيض إذا شاء، بل لتكن اللجنة ثلاثية ولينضم إليهما الأستاذ إبراهيم رمزي مثلاً، بل لينضم إلى اللجنة كل من أراد، فلا مانع إلا الدكتور طه حسين. إن فن الإلقاء ليس مجرد النطق بالجمل والكلمات صحيحة، مع احترام قواعد سيبويه وأبي الأسود الدؤلي، ومع تطييع اللسان للذال والثاء .. ليس هو كل فن الإلقاء، لكن فيه حركات تمثيلية، وإشارات مسرحية، وتنقلات من موضع إلى موضع على خشبة المسرح، ونظرة غضب بالعين أو إشارة تهديد باليد، وملامح تتبدل على وجه الممثل، تعبر عن خوالج نفسه في شتى المواقف. فجلوس الدكتور طه حسين ليحكم على الطالب في هذا الفرع من الدروس ظلم للطالب، وإجهاد لمواهب الدكتور طه على غير طائل. ولا تنس إلى جانب هذا أن مظهر الطالب وقوامه ومرونة حركاته المسرحية، ورشاقته، وملامحه وطبعه، كل هذا له دخل كبير في صلاحه للمسرح وفي مستقبله كممثل. وامتحان الإلقاء هو الفرصة الوحيدة، التي يمكن الطالب أن يظهر فيها تفوقه من هذه الناحية، فإذا كان الدكتور طه حسين بين الممتحنين ضاعت الفرصة على الطالب ويتساوى القزم والهرقل، وما بينهما كما تساوى الرشيق والمنبعج المنتفخ، وكانت النتيجة مهزلة لا تدانيها مهزلة. وما كنا لنتعرض للمعهد وامتحاناته من هذه الوجهة، لو أن الدكتور طه رضى أن يكون رأيه في مثل هذه الشؤون استشارياً، غير إنه، وكما كُتب إلينا بعض طلبة المعهد يتظلمون، كان يصر على النمرة التي يقدرها للطالب في امتحان الإلقاء، وقد يخالفه جميع إخوانه من الممتحنين، وفيهم أستاذا فن الإلقاء في المعهد، وهما أدرى بالطلبة، فيظل مُصراً على رأيه حتى ينزلوا عليه، أو هو الغاضب الحانق. والمجاملة تفعل فعلها، مثل هذه الظروف على حساب الطالب المسكين. إننا نريد أن يتنزه العمل في معهد فن التمثيل عن هذه الأخطاء، وأن يسير في طريق الكمال الذي نرجوه له. وعلى كل حال فالتجربة هي الأولى من نوعها، وأنا على استعداد للتسامح في كثير من الأمور على ألا نمس بالأسس الفنية الصحيحة، التي يجب أن يقوم عليها المعهد. فالرقص التوقيعي أولاً والدكتور طه حسين في امتحان الإلقاء ثانياً. مما لا يستطيع أن نهضمه أو نتسامح فيه، ونرجو أن تكون هذه الكلمة هي الأولى والأخيرة في هذا الباب. ولعلم القارئ أن يوسف أفندي حلمي، وكان الأول في امتحان المعهد، وأدى امتحانه في دور (عطيل) فأضفى عليه صبغة إنسانية محضة، وأظهر في أدائه تفوقاً شهد له به أساتذته، والآنسة روحية محمد خالد الأولى في قسم الإناث، وقد أدت امتحانها في دور زينب في رواية (الذكرى)، فنالت أكبر قسط من إعجاب أساتذتها لما أدته من المهارة في أداء دورها”


سيد علي إسماعيل