التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر(6) .. انتظام الدراسة ومحاضراتها

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر(6) .. انتظام الدراسة ومحاضراتها

العدد 656 صدر بتاريخ 23مارس2020

على الرغم مما قيل عن المعهد قبل افتتاحه وبعده، من قبل طلابه أو من قبل من لم يلتحق به، إلا أن الدراسة بدأت بصورة فعلية، وأعلنت القائمة الرسمية بأسماء الطلاب والطالبات، بل وأعلنت أسماء الطلاب المستمعين أيضاً. أما الطلاب المنتظمون فهم: إبراهيم عز الدين، أحمد حسين البدري، أحمد محمد فرج النحاس، إسماعيل نظمي أمين، حسين حسن عفت، حسين محمود حسين، صالح إبراهيم، عبد الحميد الطلياوي، عبد السلام النابلسي، عبد الفتاح حسن محمد، عبد الفتاح عزو، يوسف فهمي حلمي، محمد عزت القرماني، فهمي حنا، محمد أحمد الغزاوي، محمد أحمد شاكر، محمد تقي شمس الدين، محمد طلعت عزمي، محمد عبد القدوس، محمد حسني عبد الله. إحسان محمود الشريعي، روحية محمد علي خالد، دولت عزت، زوزو حمدي الحكيم، رفيعة السيد أحمد الشال، فاطمة محمد محمد، نفيسة سيد، نعمات بولس، منيرة أحمد هيكل. أما طلاب الاستماع، فهم: محمد حسن توفيق حنا وهبة، حنا عازر، محمد بهجت، صفية أحمد، علية أحمد صادق، ليلى حكيم .. وهؤلاء يسمح لهم فقط بحضور جميع المحاضرات والدروس النظرية، ما عدا الحصص العملية مثل: الألعاب الرياضية، حمل السلاح، الرقص التوقيعي.
كما تم إعلان أسماء الأساتذة ومقرراتهم الدراسية، وهي: الدكتور طه حسين: تاريخ أدب المسرح، وتاريخ أدب عام، والدكتور أحمد ضيف: اللغة العربية، وزكي طليمات: إلقاء وحرفية المسرح، وجورج أبيض: إلقاء، ومنيرة صبري: الرقص التوقيعي، ومسيو فاسياس: اللغة الفرنسية، ومسيو كوسناكي: سولفيج، بيو ماكلور: حمل السلاح، أحمد أحمد: ألعاب رياضة. أما مواعيد الدراسة، فقد تم تثبيتها من الساعة الخامسة إلى التاسعة يومياً ما عدا يوم الجمعة. وتم تشكيل مجلس إدارة للمعهد، يتولى الإشراف على جميع أعماله الفنية والإدارية والمالية، ويتكون من: مدير عام الفنون الجميلة رئيساً، وعضوية كل من: الدكتور طه حسين، أحمد شوقي بك، خليل مطران بك، الأستاذ زكي طليمات، وعين أحمد حسين سكرتيراً للمعهد.
وبخصوص المقررات التي أضيفت إلى دروس المعهد الأساسية، فكان لها ما يبررها، مثل تدريس اللغة الفرنسية، التي قالت عنها مجلة العروسة في ديسمبر 1930، تحت عنوان (اللغة الفرنسية في المعهد): “من القرارات السديدة، التي اتخذتها وزارة المعارف فيما يتعلق بالمعهد التمثيلي، القرار الخاص بتعليم اللغة الفرنسية للطلبة والطالبات. فإن هذه اللغة هي الآن بلا شك أغنى لغات العالم بالأدب المسرحي. والملمون بها هم في آن واحد، ملمون بآداب المسرح في جميع اللغات؛ لأنه لا يوجد مؤلَف قَيم عن المسرح إلا وقد نُقل إلى اللغة الفرنسية، بعكس اللغات الأخرى التي لا يتسع أدبها المسرحي لاحتواء كل طرائف الفن كاللغة الفرنسية”.
أما مادة السولفيج - وهي قراءة النوتة الموسيقية بالأصوات – فالمقصود منها تعريف الطلبة النوتة الموسيقية، وتحسين أصواتهم، كما قالت جريدة الضياء في نوفمبر 1930. وأخيراً نجد الوزارة تُفكر في تعليم الطلاب الشعر التمثيلي، حيث قالت جريدة الأخبار في ديسمبر 1930: “رأت وزارة المعارف جعل طلبة معهد فن التمثيل، تعرف القصائد التمثيلية وأدائها، أحسن أداء، بأن تعهد إلى الأستاذ خليل بك مطران ترجمة قصائد تمثيلية للشاعر الفرنسي الفريد دي موسيه، وهي (ليلة مايو) و(ليلة أكتوبر)”.
مؤهلات أساتذة المعهد
في أول يوم دراسي، وهو الأول من نوفمبر 1930، نشرت جريدة السياسة مقالة بعنوان (معهد التمثيل المزعوم أهو كلية فنية محترمة أم مدرسة إعدادية أهلية)، كتبها (محمد حسني عبد الله) أحد الطلاب المقبولين في المعهد!! ناقش في نصفها الأول خطأ الوزارة في قبول المعهد لطلاب غير مؤهلين علمياً أو فنياً، ووجه سهام اللوم على لجنة القبول، التي لم تُطبق شروط القبول، كما جاءت في الإعلان!! وهذا الأمر، تعرضنا إليه في المقالات السابقة، فلا داعي لتكراره. أما نصف المقالة الأخرى، فقد ناقش فيه الطالب قضية خطيرة، وهي مدى أهلية زكي طليمات وجورج أبيض للتدريس في معهد عالٍ، وهما لم يحصلا على الشهادة، التي ستُمنح لطلابهم في هذا المعهد؟!
المريب في الأمر، أن هذا الطالب – ربما - بسبب هذه المقالة، ظهرت نتيجته (غائب) في جميع المواد، وبالتالي الفصل من المعهد، على الرغم من اجتيازه لامتحان نصف العام ونجاحه فيه، وكان ترتيبه السادس كما سنرى في المقالات القادمة!! فهل الطالب كان، ينوي الغياب ابتداء من الفصل الدراسي الثاني؟! وإن كان ينوي ذلك، لماذا تقدم لدخول المعهد من الأساس؟! وطالما سينتظم في الدراسة طوال شهور النصف الأول من السنة الدراسية، فلماذا كتب هذه المقالة؟! فهل إدارة المعهد منعته من دخول المعهد، عندما انتبهت لهذه المقالة وتأثيرها؟! أم منعته من دخول المحاضرات في الفصل الدراسي الثاني من أجل ترسيبه وفصله بسبب الغياب، ولم تفعل هذا في الشهور الأولى، حتى لا يُقال إنها تعمدت إيزاء الطالب؟! الحقيقة أن كل هذه أسئلة لا أملك الإجابة عليها؛ لأن النتيجة واحدة، وهي أن الطالب (محمد حسني عبد الله)، كتب مقالة، ناقش فيها قضية خطيرة، ظلت تؤرق المعهد، وهذا الطالب رسب وتم فصله من المعهد!! ولأهمية هذا الجزء من المقالة، سأنشره هنا، توثيقاً للقضية، ونسبتها لأول من فجرها، وهو الطالب المفصول!!
يقول الطالب: “... تعلم يا معالي الوزير أن أساتذة الكليات والمدارس العليا، لا يُعهد إليهم أمر مباشرتهم مهمتهم الخطيرة؛ عفواً أو مراعاة لخاطر وسيط، أو لمجرد إلمامهم بشيء قلّ أو أكثر من العلم أو الفن المطلوب منهم أداؤه، بغير قيد ومن غير شرط. وتعلم يا معالي الوزير أن أساتذة المدارس العليا يجب أن يكونوا حائزين من الشهادات العلمية المعترف بها، ما يؤهلهم لتحمل مسؤولية شاقة كتلك المسؤولية. والمفروض يا معالي الوزير، برغم ما هو كائن، أن معهد التمثيل المزعوم كلية فنية، أو مدرسة عليا، أو شيء من هذا القبيل، لا يخرج عن كونه فرعاً تثقيفياً من فروع الجامعة، فهل تقرون - وأنت المسؤول الأول عن كرامة التعليم، ورفع مستوى الثقافة المصري، أو الحريص عليها على الأقل - أن يتولى أمر التعليم في هذا المعهد - وهو كما قلنا فرع تثقيفي من فروع الجامعة - بعض ممن تتوفر فيهم الشروط الفنية العلمية، ومن غير الحائزين حتى على مثل الشهادة، التي تخول لحامليها مباشرة التدريس في المدارس الثانوية، كالدبلوم والليسانس والبكالوريوس وغيرها؟ إننا إذا استثنينا معالي الوزير الدكتور طه حسين، وحسبه عميد كلية الآداب، والذي يخيل إلينا أنه (مظلوم) بحق في هذه المهزلة الفنية، وكذلك الأستاذ ضيف، ترى غيرهما ممن عهد إليهم تدريس أهم شيء في المعهد، وهو التمثيل بكل ما يتعلق به، لا يتوفر فيهم أيسر شرط من الشروط المطلوب توفرها في أساتذة الجامعة. فبعضهم وهو زكي طليمات أفندي غير حاصل إلا على شهادة البكالوريا، ولم يمض في فرنسا إلا سنين ثلاث، درس خلالها في مسرح، وظيفته إعداد الطلاب؛ لكي يكونوا هواة في معاهد باريس التمثيلية الرسمية. أي لكي يكونوا طلاباً عاليين في مدرسة عليا. وإذا فرضنا أن طليمات أفندي حاز حد الدراسة في هذا المسرح، أي في هذا المعهد الإعدادي الثانوي، فمعنى هذا أنه لم يصبح أو لم يُعدّ لأن يكون أستاذاً لمدرسة عليا، بل معناه أنه وفق لأن يكون تلميذاً أولياً في تلك المدرسة، مثله في ذلك إذاً كمثل طالب الطب والهندسة والمعلمين المبتدئين. فهل يجوز يا معالي الوزير أن يعهد إلى أحد من أولئك الطلاب المبتدئين أمر التدريس في كلية الطب أو الهندسة أو المعلمين؟ أما زميله الأستاذ أبيض فغير حاصل على شهادة ما، ونصيبه في العلم المدرسي جد ضئيل. وهو بدوره كزميله سواء بسواء، فقد قضى حيناً ما في فرنسا، وعاد كما عاد صاحبه، لا يمتاز عنه في شيء، بل ربما قلّ عنه في كثير من الأشياء. إنّا لا نحاول أن ننتقص من قدر هذين الأستاذين؛ ولكنّا نقرر حقيقة تعلم بها وزارة المعارف نفسها أكثر مما نعلم. ألم يكن من اللائق، أو من الحق، أو من الأخذ بأسباب الرقي العلمي والثقافة الصادقة الصحيحة، أن يعتبر كل من طليمات أفندي وأبيض أفندي بمثابة معيد في المعهد، أو مساعد أستاذ أو شيء من ذلك! وألم يكن الأجدر بك يا معالي الوزير، وأنت المشهور بسعة علمه وبُعد نظره، أن تبحث أولاً عن الأساتذة كما يقضي القانون، وتقضي اللوائح العلمية والمراسيم الملكية في هذا الصدد، قبل أن تبحث عن المعيدين والمساعدين وترقيهم، بجرة قلم، إلى مستوى أساتذة الجامعات أو المدارس العليا؟ وما بالنا نذهب بعيداً، وهذا التعديل الجديد في نظام الجامعة المصرية، ومعاهد التربية فيها، ما يزال حديث العهد وحديث الناس في وقت واحد! ألم يتقرر بصفة نهائية أن مدرسي المدارس الثانوية، يجب أن يمضوا في (معهد التربية) بعد حصولهم على بكالوريوس الجامعة، أربع سنوات كاملات، وأن مدرسي المدارس العليا يجب أن يحصلوا بعد ذلك كله على الدكتوراه، ومدى التوفيق إليها لا يقل عن سنتين، وقد يقل عنهما قليلاً أو يزيد قليلاً؟ هذا كله واضح جلي بين يدي معاليك، تستطيع أن ترجع إليه إن كنت في شك منه. وتستطيع أن تحاججنا فيه إن كنا تجنبنا سبيل الجادة. هذا بعض ما عنّ لنا من الآراء فيما يختص بأمر من أغنى أمور الثقافة الفنية، التي تحاول وزارة المعارف أن تغرس في هذا العام غرسها الأول، ندلي بها غير ناظرين إلا للمصلحة العلمية وإحاطة هذا الوليد الصغير، أي (معهد التمثيل) بسياج قوي سليم الجوانب، خشية أن يموت في مهده، أو ينشأ عقيماً، أو كثير الضرر قليل الخير، ولا زال في الوقت متسع للإصلاح”.
هذه المقالة، كان لها تأثير كبير فيما بعد – سنتحدث عنه كثيراً – فمثلاً، وجدنا مجلة الصباح تقول في يناير 1931 – أي بعد نشر مقالة الطالب بشهر تقريباً – تحت عنوان (بعثة فنية تمثيلية لدراسة التمثيل في الخارج): “ وافقت وزارة المعارف على اقتراح إدارة معهد التمثيل، الخاص بإيفاد بعثة تمثيلية في هذا العام من أوائل الناجحين، من طلبة هذا المعهد إلى العواصم الأوروبية، وذلك لاستكمال دراستهم، وعلى شرط أن يعودوا، فيتولوا وظائف التدريس في معهد فن التمثيل”.
الإلقاء بين طليمات وأبيض
ومن آثار مقالة الطالب أيضاً، فيما يخص تأهيل طليمات وجورج أبيض للتدريس في المعهد – ربما – تقسيم الطلاب بين هذين الأستاذين في المقرر المشترك بينهما، وهو مقرر (الإلقاء)!! فقد نشرت مجلة الصباح – في منتصف نوفمبر 1930 – كلمة تحت عنوان (في معهد التمثيل الرسمي)، قالت فيها: “ وُزع طلبة وطالبات معهد التمثيل الحكومي على قسمين، قسم يدرس له الأستاذ زكي طليمات، وقسم يدرس له الأستاذ جورج أبيض. ويظهر أن لكل من الأستاذين حرية التدريس للطلبة التابعين له بالطريقة التي يراها. فقد اتصل بنا أن الأستاذ زكي طليمات، رأى قبل إعطاء الطلبة والطالبات دروساً عملية، أن يلقي لهم محاضرات يشرح لهم فيها قواعد الفن، وكيفية تربية الصوت وإخراجه، وكيف يحافظ الممثل على سلامة حنجرته، وما إلى ذلك، مما هو ضروري للممثل أن يعرفه. أما الأستاذ جورج أبيض، فقد رأى أن يبدأ دروسه مع الطلبة التابعين له بتمرينهم عملياً على الإلقاء والتمثيل”.
بعد أسبوع من هذا التقسيم، شعر الطلاب بظلم علمي لهم من جراء هذا التقسيم، لأن طريقة طليمات، تختلف عن طريقة أبيض، وهم يريدون الاستفادة من الطريقتين، لذلك طالبوا بالسماح لهم بحضور درس الإلقاء على الأستاذين، حتى لا يحرموا من الفائدة العامة. وفي منتصف ديسمبر، أشارت مجلة الصباح بأن إدارة المعهد استجابت لرغبة الطلاب، وسمحت لهم بحضور حصص مقرر الإلقاء عند الأستاذين زكي طليمات وجورج أبيض.
وصف عام للمحاضرات
اهتمت الصحافة اهتماماً كبيراً بأول محاضرات تُلقى داخل معهد التمثيل؛ بوصفها أول دروس علمية لأول طلاب دارسين للمسرح داخل أول معهد للتمثيل في مصر والعالم العربي. فقالت مجلة الشاعر في ديسمبر 1930: “ قصد طلاب المعهد التمثيلي دار الأوبرا الملكية، بصحبة الأستاذ زكي طليمات، لمعاينة تركيب المسرح، وما ينطوي عليه، وقد شاهدوا ذلك. وتعتبر هذه أول التمرينات التطبيقية لطلاب المعهد”. أما مندوب مجلة الصباح، فقد قام بزيارة المعهد أثناء أحد الأيام الدراسية، ونشر ما رآه - في نوفمبر 1930 – حيث حضر درساً لزكي طليمات في مادة الإلقاء، ولاحظ أن الطلبة يجلسون على تختهم، ولا يتحركون! وبيدهم أقلامهم، وأمامهم كراساتهم! والأستاذ زكي يحاضرهم! فاكتشف أن المحاضرة “عن تركيب الحنجرة، وعن التنفس، وعن الشهيق والزفير، وعن كيفية إخراج الصوت من الحنجرة، وعن تأثير الصوت في طبقاته المختلفة، وعن الطرق التي يتبعها الممثل في إخراج صوته، بحيث لا يصاب فيه، وعن الأوقات التي يصح أن يتنفس فيها، وعن الصوت الصادر من الرأس”.
وحضر مندوب المجلة أيضاً محاضرة في تاريخ الأدب المسرحي للدكتور طه حسين، قال عنها: “ولكم سررت عندما شاهدت الطالبات، يوجهن أسئلة للأستاذ المحاضر، ويشتركن في المناقشة - وكانت تدور حول بدء حركة النقد في فرنسا؛ والتطور الذي تجرأ عليها - فيكتبن ما لاحظته من ملاحظات، أو ما أردن أخذه من مذكرات درس ثقافة عالية بعدت عن ممثلينا وممثلاتنا؛ فقلت حقيقة أنني أمام بناء حديث متين الجانب موطد الأركان”.
محاضرة إلقاء لطليمات
مندوب مجلة الصباح، نشر ما شاهدة بصورة عامة في أحد أيام الدراسة. أما مندوب جريدة مسامرات الشعب، فقد زار المعهد ليحضر خصيصاً محاضرة زكي طليمات في مقرر الإلقاء، ونقل إلينا مضمون المحاضرة بصورة واضحة. ولأنها المقالة الوحيدة، التي تتحدث عن أسلوب طليمات في التدريس، وربما تكون التوثيق التاريخي الوحيد - الواضح لأسلوب طليمات في تدريس فن الألقاء في هذا المعهد القديم – لذلك سأثبتها هنا، وفيها يقول مندوب الجريدة، تحت عنوان (دروس الأستاذ طليمات في معهد التمثيل):
“ لما كان معهد التمثيل الذي فتح حديثاً، هو الأول من نوعه في هذه البلاد، فقد تُقْنا إلى معرفة مناهج الأساتذة المتولين، تخريج أول طبقة رسمية من الممثلين. وحضرنا بالأمس درساً للأستاذ زكي طليمات، الذي تلقى الفن على كبار رجاله بباريس، وكان قبل ذلك ممثلاً بارعاً وأديباً فاضلاً، فرأينا بين يديه خمسة عشر طالباً بينهم خمس آنسات نجيبات - [وهذا العدد يؤكد على أن المحاضرة كانت في الأيام الأولى من بداية الدراسة، أثناء تقسيم عدد الطلاب الثلاثين بين طليمات وجورج أبيض] - وألفينا أن الإلقاء، أصبح يقوم على طريقة منظمة، لا كما كان متروكاً من قبل للصدفة أو (البركة). ولاحظنا أن المحاضرة مبنية على شرح وسائل التأدية عند الممثل، فبدئ بالصوت وماهيته ومخرجه، وتقرير صوت الممثل، لكي يمثل بصوت طبيعي، لا يجهده إخراجه. ولاحظنا ثانياً الكلام على أن الهواء هو مادة الصوت فهو ذخيرة الممثل، وجاء دور التنفس وكيف أصبح ملكة اكتسابية للممثل، بحكم وظيفته، وخرج عن كونه وظيفة اختيارية في الشخص العادي. وذلك بحكم العمل الذي يؤديه؛ لأنه مضطر للتحدث ساعتين أو أكثر أمام النظارة. وكذلك قد لاحظنا أنه قد سبق هذه المحاضرة، محاضرات في التنفس وخصائص الشهيق والزفير، وما يجب أن يلفت إليه نظر الطالب والممثل. وانتهت المحاضرة بشرح مخارج الألفاظ، وقد عمد المحاضر بهذا إلى التوفيق بين علم التجويد لدى العرب، وبين ما يحتمه فن الإلقاء في اللغة الفرنسية. وهكذا لأول مرة يرتقي فن التمثيل إلى أن يصبح علماً مستقلاً له قواعد وأنظمة يتعلمها الطالب. وهذا ما يعرف في فن الإلقاء باسم ميكانيكية فن الإلقاء، وهو القسم الابتدائي، الذي يجهز موهبة الصوت، يستطيع معها الممثل أن يخرج أدواره، دون تعب أو لهث، كما هو الحال في المصارع أو الملاكم، الذي يتحتم عليه قبل القيام بالمصارعة أو الملاكمة أن يقوى عضلاته. وأنا نهنئ الأستاذ زكي طليمات بما يبذله من جهود كبيرة في إعداد تلاميذه، لفن صعب المراس؛ ولكن كل صعوبة في سبيله هينة عند من يحب الفن ويريد أن يعيش له”.
وإذا كان ما سبق، هو وصف لمحتوي أو مضمون إحدى محاضرات زكي طليمات في معهد فن التمثيل؛ فهناك نصوص كاملة لمحاضرات ألقيت في هذا المعهد ومن الدكتور طه حسين نفسه، وتُعد نصوص هذه المحاضرات كشفاً كبيراً!! ستقرأون نماذج منها في المقالة القادمة .. فتابعونا!!


سيد علي إسماعيل